-32- بومة مينرڤا

300 43 319
                                    

رأيت حلماً... فيه كنت أسير بمرح مع طفل جميل ذو خصلات فاحمة السواد وعيون زرقاء لامعة عند أطراف الأسطح الثلجية العائمة، كان يبتسم في وجهي ويناديني كي لا أتأخر عنه لكنني لم أسمع يوماً بماذا كان يلقبني، يتفوه بأغرب العبارات ويضحك بعدها بصوت عال على عدم فهمي، لكن ولسبب ما لا أذكر أي شيء مما يقول، وهذا يجعلني أتوقف كل هنيهة لأحاول تركيز أفكاري وأطرح سؤالاً واحداً مراراً... من يكون هذا الشخص؟

أعرف أنني حيّة لكنني غير قادرة على فتح عيني، ربما خائفة من أن أفعل فأتذكر كل الألم والمعاناة وحقيقة أنني لم أرتقي خلف محبوبي إلى السماء بعد.

قناع الأوكسجين على وجهي كان يخنقني بدل أن يساعدني على التنفس وشعوري بأطرافي غير موجود، سمعت كل فترة وأخرى أصواتاً بعيدة لأشخاص عدة، سونالي ومايبل تتحدثان فوق رأسي بهدوء لم أعتقد بأنهما ستتفقان عليه، بكاء خالتي آلاين ورثاؤها على حالي وجلافة بولاريس وهي تعلن عن أنني ربما سأموت على هذه الحال قريباً، الشخص الوحيد الذي كان يحثني على النهوض كان آدلڤايس، كانت تدردش عما حصل معها من الصباح حتى المساء، تضحك على بعض الأحداث وتتذمر من أخرى ثم تختم جلستها بقولها أنها تنتظر أن أفتح عيني بفارغ الصبر.

غلاكوس لم يفارقني، ظل ملتصقاً بظهري، متدلياً كجناحين بلا قوة حولي، ألأن حاله من حالي؟ لا أشعر به بالمثل. عند هذه النقطة أنا جزمت بأنني سأرحل دون أن أودع الجميع، وهذا كان جيداً. أنا سأخفف من الفاجعة على الآخرين لكن من سيهوّن علي سماع طامة وفاة نورمانوس.

هذا جيد... هكذا فكرت... حتى استيقظت من الحلم على الواقع، مكتبة آدلڤايس المتروسة أمامي وهدوء منزلها ودفئه يغمراني.

كنت مصدومة، كنت أرى لكنني لم أستطع تحريك عيني أو حتى إنش من جسدي الذي ارتاح أسفل بطانية سميكة.
ظلت الحال على هذه الشاكلة لمدة الساعة من الزمن حتى شعرت بأناملي ترتعش.
استعدت الحركة فخلعت القناع لأتنفس هواء الكتب والخشب، لاحظت على الفور من منظر يدي أن بشرتي كانت شاحبة وتميل للأزرق.

تعثرت عدة مرات على الدرج وجناحاي كانا أثقل من العادة خلفي فاستندت لجدار قريب وأخذت أنظم أنفاسي حتى رسى بصري على المرآة.
"أبيض؟"
صرصرت عيني علي أرى ما هو خاطئ لكن عندما اقتربت من المرآة ولمست شعري تأكدت من أن لونه غدا أبيضاً بالكامل.

"هذا أثر..."
لا بل أكثر من ذلك، شعري لم يفقد لونه فحسب بل حيويته، بشرتي كانت جافة ولينة كخاصة عجوز أما وجهي فنحيل ومترهل وكأنني تقدمت عشرين سنة بالعمر.

قبضت أناملي وتحركت مسرعة نحو الباب لأفتحه وأهرول أسفل أنظار النوكتوا المدهوشة نحو باب الصرح، خرجت غير عابئة بالنسيم الصاقع وحددت هدفي باتجاه المياه الساقعة.

كان بيني وبين المياه بضعة إنشات وعندما رفعت قدمي لأرمي بنفسي ذراعان قويتان إلتفتا حول جذعي ورأس بخصلات ثلجية إرتاح لكتفي.
"دعـ..."
الكلام كان صعباً.
"دعني اذهب."
تنفست برعشة أخيراً غير قادرة على إحتمال الدموع الحارة في عيني لكن الذراعين اشتدتا حولي، الأمر الذي جعل مقلتي تنزلقان نحو تلك الكفوف الدامية.

بـومـة مينـرڤاWhere stories live. Discover now