هذيان مفاجئ ـ الحلقة العاشرة

17.5K 993 17
                                    

مضت أيام أخرى بعدها كانت أسيل تُكمِل عَملَها وتعود إلى بيت المسن مساءً، فتغمر جسدها وفستانها بالماء ثمَ تتركه ليجف مع شروق الشمس، وإن جلست أمام مرآتها تحَسَست وجهها الهزيل الذي ضَمَرَت وِجنتاه وبرزت عظامه، نظرت إلى رقمها الموشوم على كتفها كأنها تندب حظهُ الذي أوقعها في هذا العمل، وهذا المسن الذي يسهر ليله وينام نهاره حتى طعامه الذي كان يعده أيامها الأولى لم تعُد تجده في أيامها الأخيرة، ثمَ تأوي إلى فراشها فَيمُر ليلها سريعاً لتنهض وترتدي فُستانها المبلل ويبدأ يوم جديد، لا يختلف عن سابقهِ شيئاً.

كان ذلك قبل تلك الليلة حين إنتهت مِن عملها وعادت بهم العربات إلى شمال ألشميل، ودلفت إلى بيت المسن فلم تجده برُدهته كعادته، فلم تعطيهِ بالاً، واتجهت إلى غرفتها وكادت تدلُف إليها فسمعت صوتاً بغرفته فتوقفت، ثمَ ألتفتت إلى طاولته الخشبية فوجدَت زجاجة خمرهِ مغلقه لم ينقص منها شيء، فَإندهشت ثمَ تحركت ببطء تجاه غرفته وإنقبض صدرها حين وجدت دماء داكنة ممتزجة ببقايا الطعام تناثرَ على أرضية الردهة أمام باب غرفته، دفعت بابه بحذر فوجدته ملقى على وجهه يهذي بكلمات متقطعة وقد أغرقت ملابسه بدماء مُتَجَلِطة .. أسرعت إليه وحدثته؛ سيد سيمور، فلم يجيبها فهزت جسده وصاحت به ثمَ نهضت وأحضرت إناء ماء وسكبته فوق رأسه فلم يحدث جديد فأدركت أنهُ غير واعي وأن تلك الدماء الممتزجه بقطع الطعام ليست إلا قيئ دموي، فحاولت أن تحمله إلى سريره فلم تقوى فأرقدته على جانبه وأسرعت إلى الخارج لِتُحضر طبيباً يساعدها بينما بدأ يهذي مِن جديد بكلمات مُتقطعة كانت أكثرهم وضوحا:

- كان يجب أَلا أُبحِر تلك الليلة.

فتوقفت قدماها للحظات .. ثمَ أكملت طريقها راكضةً إلى الخارج.

***

كانت شوارع المدينة مُزدحمة بِالمارة حين ركضت أسيل بينهم تسأل مَن تقابله أين تجد طبيبا فَدلها أحدهم إلى مَشّفى قريب فأسرعت إليه وعادت بطبيب شاب إلى بيت المسن الراقد مغيباً على أرضية غرفته، فَحملاهُ إلى سريره وحدثت الطبيب بأنها إعتادت أن تجده يجلس كل يوم جالس برُدهة بيته يتناول شرابه الذي يُدمنه وأنها فوجأت هذهِ الليلة بِهذياته فَظَنَت أنه ثَمِل قبل أن تجد قيئه الدموي فأدركت أنهُ مصاب بغياب لعقله وأن هذيانه هذا بداية لأغماء لِقصور كبده، فِاندهش الطبيب وسألها كيف علِمَت بذلك فلم تخبره إنها طبيبة وأخبرته مضطربة بأنها قد رأت حالة شبيهة من قبل، كانت عيناها مصفرة مثلَه، دمر الخمر كبدها وحدث معها مثلما حدث مع سيدها، فقام بفَحصه لِدَقائق ثمَ إنتهى فَهَز رأسه معجباً بذكائها وأشار إليها بأنها صائبة تماماً وأن قيئه الدموي هو ما أدخله في إغمائته وتمنى أن يكون نزيفه الداخلي قد توقف، حيثُ لم تُكتشف طريقة بعد لإكتشاف مدة هذا النزيف وإن كان قد توقف أَم مازال ينزف إلى لحظتهم تلك ليس بوسعهم إلا الإنتظار وإمداده بِسائل مغذي مُنقى عن طريق أوردتِه قام بتصنيعه عُلماء أماريتا مِن عُصارة الخرشوف البري حتى يستعيد كبده نشاطَه ويستعيد جسده عافيته ووعدها بأنه سيرسل مساعده لِإعطائه هذا السائل وإفراغ أمعائه مرتين باليوم علهُ يساعد جسده في إفراغ سمومه فَشكَرَته أسيل ثمَ حَدثته خجلة بأنها، لا تملك مقابلاً بعد فابتسم الطبيب وأخبرها إن أماريتا ترعى مُسنيها ولا ينال الأطباء أجراً مقابل علاجهم خاصة وإن كانوا من بحاري أماريتا مثل السيد سيمور ولن ينال مساعده مقابلاً هو الآخر فشكرته مجدداً ثمَ غادر وجلست هي بجوار المسن وأمسكت بيده وهمست إليه:

امـاريـتـا - مڪتملة √Where stories live. Discover now