سفينة مشتعلة ـ الحلقة الخامسة عشر

14.4K 920 8
                                    

فارق سيدي الحياة وساد الصمت والخوف سفينتنا فَتَذَكرت وصيته الغريبة التي أوصاني بها حين ألتقيته قبل أبحارنا بأيام وقال لي وقتها بجدية بالغة:

إن فارقت الحياة على ظهر السفينة وكانت الطبيبة أسيل لا تزال معنا وكنا قرب هضاب ريكاتا فأنتظر حتى يحل الظلام وقم بأشعال شراع السفينة الأكبر في أقرب وقت من حلوله قبل أن يصمت.

و يكمل:

- دون أن تستأذن الطبيبة ثمَ أخبرها أن تنزع قميصها..

أتذكر إنهُ عاد على كلماته حتى ظننت أنهُ أصطحبني معه فقط من أجل وصيته تلك، فعُدت خطوات إلى الخلف مبتعداً عن الطبيبة التي كانت تجلس بجوار جثته لا تُحرِك عينيها عنه وقد غطت وجهه بقميصها ثمَ صعدت صاري السفينة حاملاً شعلة مصباحي وأشعلت طرف شراعنا الأكبر فسرَت النار ببقيته سريعاً مع رياح تلك الليلة وهبطت الصاري مُنزلقاً فألتفتت إليَ الطبيبة مرتبكة وصرخت بي:

ماذا فعلت؟

فأجبتها صارخاً خائفاً بعدما اشتعل الشراع بأكمله أمامنا:

هو مَن أوصاني بفعل ذلك.

فوَقفَت أمامي ذاهلةً تنظر إلى النار المتأججة و وقفتُ أنا الآخر ذاهلاً مرتبكاً مثلها يكاد الخوف يقتلني، ثمَ حملت دلواً مِن الماء وقذفت بمائه نحو الشِراع المشتعل فتناثر قبل أن يصله، و تسارعت أنفاسي ونبض قلبي بقوة وَجن جنوني حين رأيت النار قد إندلعت بالصاري ذاته وباتت في طريقها إلى سطح السفينة فركضتُ وحملتُ دلو آخر وألقيت بِمائه نحوه فلم يجد نفعاً فخارَت قواي وسقطت على ركبتي صارخا إلى نفسي لاهثاً:

ماذا فعلت؟

ثمَ نهضت وركضت إلى حافة السفينة الجانبية تاركاً الطبيبة التي عادت إلى جلستها بجوار سيدي الميت وأمسكت بيده محدقة به ثمَ نظرت أسفلي إلى البحر المظلم أمامي وأبتلعت ريقي وأغمضت عيني وكدت ألقي بنفسي خارجها قبل أن أفتحها مجدداً و أرى بالسماء عدداً من السهام المشتعلة التي تنطلق متتالية لأعلى بين الظلام الحالك السواد فتشبثت بسياج السفينة الخشبي وصحت بأعلى صوتي:

- أيتها الطبيبة أُنظري إلى السماء.. أيتها الطبيبة أُنظري إلى السماء ..

فألتفتت إلى السماء التي أمتلئت بالسهام المشتعلة ونهضت وأقتربت مني دون أن تنطق وكأنها لاتدري ماذا يحدث فتابعت صراخي فرِحاً:

إنها سهام سفن النجدة المَلَكية لقد رَأوا شراعنا المشتعل ..

فقالت شاردة وهيَ تنظر إلى السماء:

- لقد جَلَبَهم إلينا السيد سيمور.

كانت النيران قد أشتعلت بعربة الطعام الخشبية وزاد هِياج الأحصنة بعدما تآكَل الصاري المشتعل وسقط مع شراعه بمنتصف سطح السفينة، حين اقتربت ثلاثة قوارب صغيرة تحمل مقدمتها مصابيح نارية كانت قد أسقطتهم سفينة كبيرة إلى الماء ألقت غطاسها على مقربة مِن سفينتنا المشتعلة وأكملت إطلاقها للسهام المضيئة نحو السماء دون توقُف..

امـاريـتـا - مڪتملة √Where stories live. Discover now