خالد حسني ـ الحلقة الثالثة عشر

16.5K 946 30
                                    

مازلت أتذكر جيداً إلى هذهِ اللحظة حديثي مع منى ليلة زفافنا حين سألتني أن نذهب إلى مكان نقضي به شهر عَسَلِنا مع إشتداد صيف هذا العام، فَأجبتها وقتها مازحاً بأن نذهب إلى مكان أعرفه ليس به تعامل بالمال ولما سألتني عن ماهية التعامل به أجبتها بعدما طالت نظرتي إلى نجم أسيل اللامع بالسماء ليلتها بأنها ستَعرف حين نذهب إلى هناك ..

في الحقيقة كانت مزحة مني لا اكثر ولا أقل ولم تكن لدي نية للعودة إلى أرض زيكولا رغم إنني كنت أشتاق كثيراً إلى أصدقائي وإلى أسيل ولكننا قضينا شهر عسلنا وأشهرنا التالية جميعها ببلدتي.

منى لم تجد عملاً مناسباً وآثرت أن تهتم بِشِئون بيتنا ورعاية جدي في غيابي وأنا مازلت أعمل محاسباً بإحدى شركات بمدينة المنصورة.

تحدثتُ مع زوجتي كثيراً عن أرض زيكولا وعما حدث لي بها كانت تصر إنني قاصٌ جيد الخيال تنقصه الحبكة الدرامية وأرى أن لديها بعض الحق خاصة إنني كنت أقُص قصتي دون ذِكر أسيل وأضفت مِن خيالي أجزاء تكملية غير مقنعة تعوض غيابها عن قصتي ..

على أي حال مرّت أيامي مع منى مستقرة للغاية ولم أعطِ إهتماماً كبيراً لعدم تصديقها رحلتي إلى زيكولا وبدأت اعتاد حياتي الروتينية عملي صباحاً عودتي للمنزل جلوسي مع جدي جلوسي مع منى تصفحي مواقع التواصل الاجتماعي ترقُبي للسماء كل ليلة نومي حتى صباح اليوم التالي لا شيء جديد قبل أن يُلقى هذا الحَجر المفاجئ بمياه حياتنا الراكدة حين أيقظتنا طرقات جدي المفاجئة على باب شقتنا فجر ذلك اليوم وحدثني فَرِحا بأن هناك ضيفاً هاماً في إنتظاري دون أن يخبرني شيئا آخراً أو يعبأ بِدهشتي مِن تأخُر الوقت وهبطتُ معه إلى الطابق الأرضي ناعساً ليتوقف بي الزمن حين وجدتُها أمامي تجلس على الأريكة بِفُستانها الممزق وتنهض لِتقول لي بلهجتها الزيكولية:
لقد أفتقدتُك كثيراً.

########

كانت الشمس قد غربت حين غادرت ألشميل عربة يجُرها حِصانان إنطلقت في طريقها إلى مدينة أماريتا يقودها السيد سيمور وبِجواره صديقه القديم مالك سفينة الصيد التي إستأجرها عجوز آخر أشيَب الشعر واللحية إمتلأ وجهه بحيوية جعلته يبدو أصغر سناً أصر أن يرافقهما إلى ساحل أماريتا ولم يكُف مِن الثرثرة منذ إرتقائه العربة.

وبداخل صومعة العربة الخشبية جلست أسيل بثوبها الرجالي المهترئ وقلنسوتها وسط أجولة -  الجَوَال : كيس كبير تُوضَع فيها الأشياء -  مِن الطعام الجاف والفاكهة الجافة والخبز، وأغطية صوفية ملفوفة وقِرَب مِن الماء العذب كانت قد صُفت بالعربة قبل أن تأتي إلى بيت السيد سيمور، ولاصقت بجسدها باب العربة تحمل على كتفها جراباً قماشياً بداخله فُستان زوجة العجوز الأسود وسرة قطعها النحاسية ونظرت عبر نافذتهِ إلى سور ألشميل الحجري الشاهق وبابها المفتوح على مصراعيه حين سارت العربة بِطريق موازي له عن بُعد، قبل أن تتخذ طريقا آخر غابت معه ألشميل للأبد عن نظرها...

هب هواء بارد أنعش صدورهُم جاء من ناحية تلال صغيرة رقدت بعيدة على جانب الطريق و انسدل ظلام الليل وتلألأت نجومهُ بالسماء وأشغل العجوز شعلة زيتية كانت مثبتة على نتوء معدني بجانب العربة وعادت أسيل بظَهِرها إلى مَسند مقعدها وأغمضت عينيها وتمتمت بكلمات تتمنى بها أن تصل إلى مرادها قبل أن تفتحها وتبتسم حين سمعت العجوز الغريب يسأل السيد سيمور على ذلك الفتى الضعيف الذي يرافقهم بصومعة العربة فأجابه بِزهو بأن هذا الفتى سيكون بَحاراً عظيماً بِأماريتا في الغد القريب فكتمت ضحكاتها وأكملت استماعها إلى حديثهما المُسلي عن رحلاتهما ببحر مينجا إنقضى معه طريقهم سريعاً إلى أماريتا ..

وصلت العربة مع شروق الشمس إلى مَشارف أماريتا الجنوبية ولم تَدلف إلى داخل المدينة بل اتخذت طريقا ترابياً إمتد خارجها بمحاذاه بساتينها ثمَ عَرجت إلى طريق آخر مُعَبَد بقطع صخرية كان ينحرف تجاه باب أماريتا ظهر معه أبنية المدينة المتلاصقة بعيداً أمام عيني أسيل فتذكرت يومها الأول بهذا البلد هي و قمر التي إنقطعت أخبارها منذ رافقت رجال القصر ذلك اليوم ثمَ توارت بجسدها عن نافذة العربة وأَسدلت قلنسوتها على جبهتها حين أبصرت عددا من الجنود يصطفون أمام باب المدينة قبل أن تدرك إنهم يعرفون مُرافقهُم العجوز الذي رحب بهم وأجابوا ترحابه فَإطمئن قلبها عبَرت العربة باب أماريتا وأكملت طريقها إلى شاطئ بحر مينجا دون أن تتوقف حتى أقتربت مِن جسر خشبي امتد إلى داخل الماء تجاورهُ سفن عديدة صغيرة الحجم وأشار العجوز الغريب نحو سفينة شراعية ترسو ملاصقة لِحافته البعيدة فأوقف السيد سيمور عربته وأسرع إليهم فتى نَحيف أسمر البشرة كان يجلس قريباً مِن الجسر ورحب بهم و ودع السيد سيمور صديقه ولم يمر إلا قليل مِن الوقت حتى شقت السفينة طريقها إلى داخل بحر مينجا. ....

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن