اقليم اكتارا - الحلقة الثلاثون

13.3K 883 12
                                    

ساد صمت ثقيل بالغرفة زاغت معه الأعين، وإندفعت الدماء إلى وجهَي خالد وَإيّاد وإنتفخت عروق رقبتهما كأن صاعِقة أصابتهما .. بينما تسمَرت منى تنظر إلى زوجها .. قبل أن يصرخ إياد إلى سيدي بعد لَحظة مِن الذهوّل:

ماذا تقول؟

قال سيدي متجهماً:

كنتُ في طريقي إلى وادي بيجاناَ .. وكان القمر يُضيئ مسافةً كبرى أمامي .. حين وصلت إلى وادي التِلال الصُغرى، سمعت صهيلاً مُفاجئاً .. ثمَ لَمَحت ظلالاً بعيدة لِأشخاص يَمّتَطون جيادهم .. كان أحدهم يحمل شعلة .. ويمسك آخر بحبلٍ يجُر شخصاً يهرول خلفهم مُترجِلاً بصعوبة، فَخفَفت مِن سرعة حِصاني وترَجلت حَذراً في إنتظار أن يبتعدوا عن طريقي، ثمَ دوّت صرخة مكتومَة .. أدركت معها أن هذا المجرور قد قُتل .. وكنت قد أقتربت مِنهم مُتوارياً خلف تبة صُغرى حين أِمّتَطوا جيادهم وَرحلَوا دون أن يبصروني .. كانوا سبعة جنود وقائدهم ثمَ سمعت أُذني خرخرة إحتضار القتيل فدَنَوّت مِنهُ.

وإلتقط سيدي أنفاسهُ .. ثمَ أكمل بعد برهة مِن الصمت :

لم يكن إلا صديقكم يامن، موثوق اليدين .. معصوب العينين .. منزوع الثياب .. إلا مِن سروال قصير .. تسيل دماؤه أسفل عُنقه المشقوق..

ثمَ سكت وأكمل مِن جديد .. كأنهُ تَذَكر شيئاً:

كانت يده اليُمنى مُشوهة .. أزال أحدهم بِخِنجَرِه جِلّدها الموشوم.

فأمسك خالد بِرأسه .. كان يتمالك نفسه بصعوبة بينما لم يستطع إياد أن يتمالك نفسه .. وصرخ باكياً .. وضرب بقدمه صندوقاً خشبياً كان أمامه .. فأحدث إرتطامه صوتاً قوياً، ثمَ وضع رأسه بين كَفَيه وصاح ذاهلاً:

لا يحق لأي زيكولي أن يقتل يامن .. لقد كان يحمل وشم جُند زيكولا..

وصرخ إلى سيدي:

هل سمعته يقول شيئاً؟

فَهَز سيدي رأسه نافياً .. ولم ينطق.

***

لحظات مِن التشتت مرة أخرى كعادة أوقاتنا بهذا البيت، كان خالد يجلس مسنداً ظَهره إلى الحائط .. شارداً تلمع عيناه بِدموعِها في صمت، قبل أن يسأل سيدي:

لماذا لم تُكمِل طريقك إلى وادي بِيجاناَ؟

قال سيدي:

كنت قد وعدت يامن بالنجاه .. أخبرتهُ واثقاً يومها أنني أوفي بوعودي .. لكن وعدي لم يتحقق..

وأكمل:

حين نزعت العُصابة عن عيناه الغائرتين .. شَعرت إنها لا تقول إلا شيئاً واحداً .. لا تفعلها..

ثم سكت سيدي..

كان خالد قويا مُتمالكاً أومأ برأسه إلى سيدي .. وعاد إلى شروده .. وبَدى أنهُ يفكر بِما حدث، كان هذا الشاب يعجبُني حقاً .. لم يكن كَباقي أهل زيكولا .. يخشى على وَحداته مِن التفكير .. كان ينظر إلى سيدي بين حين وآخر، ثمَ تعود عيناه إلى الشرود مجدداً، ثمَ نطق إلى سيدي مِن جديد:

امـاريـتـا - مڪتملة √Where stories live. Discover now