وجوه خائفة - الحلقة السابعة والثلاثون

12.2K 865 9
                                    

كان الوقت متأخراً حين فوجئت بِمُنى تقول متعجبة وهيَ تقف بِالشُرفة:

لقد عاد الملك..

فَنَظَرت إليها غير مُصدق حديثها فَكرَرت ما قالته، فَهَبَطتُ مسرعاً إلى الأسفل مُندهشاً مِن عودته .. بعدما جالت الأخبار بِأنَّ الحرب الكبرى قد بدأت على شاطئ مينجا، وحين فتحتُ الباب صارت دهشتي أضعافاً بعدما وجدته مُترب الوجه ممزق الثياب وحدَثني مُتعباً:

لقد وجدت طريق الفقراء إلى أرض زيكولا..

وَدَلف إلى الرُدهة تعرج قدماَه وَيتألم وجهه قليلاً مع حركته فأحضرت له بعض الماء ثمَ سألتِه:

أين؟

فقال:

ثمةَ طريق بعيد لا أعتقد أنَ الكثيرين قد ساروا به من قبل..

ثمَ سألَني عن أسيل فأخبرته إنها نائمة بغُرفتها، وكان إياد نائماً بغرفة سُفلية فأيقظته وإنضم إلينا، ثمَ هبطت منى .. وأكمل حديثه عن ذلك النعل الذي رآه .. كان أحد الإكتاريين تَركُه قاصداً قبل أن يعبُر حافة مُنخفض يبلغ عمقه عشرات الأقدام، ومنهُ إلى طريق ضَيق بين جبلَين ينتهي بسَهّل يجاور سور زيكولا، ثمَ عما حدث حين اقتاد أحد الجنود حُصانه إلى باب سفلي يَبعُد أمتاراً عن السور .. بدا باب لِنفق يعبُر سورها .. فسأله إياد الذي كان يُنصت مترقباً لكل حرف يقوله؛ إن كان يعلم هذا المكان مِن سور زيكولا الذي يحيط المدينة بأكملها.

فقال:

وفقَ النجوم إنهُ السور الشمالي.

ثمَ نزع قميصَهُ متألِّماً .. كان ظهرهُ محمَراً مليئاً بخدوش سطحية كثيرة .. فتساءل إياد مجدداً:

هل هناك علامة أخرى غير النجوم؟

فقال:

تحيط بهِ الجبال الشاهقة..

فَهز إياد رأسه محبطاً .. وقال:

تحيط الجبال بسور زيكولا بِأغلب مناطقه..

فقال الأماريتي بجدية:

أن يسلك فُرسان زيكولا هذا الطريق الخطر بِفُقراء اكتاراَ بعيداً عن أعين اهل زيكولا .. لن يكون إلا مَن أجل شيء عظيم..

فقلت مؤيدا حديثه:

نعم .. يرتبط هذا الأمر الذي نجهله بمصيرنا.

ثمَ تمتمت هائماً:

علينا أن نعبُر هذا الباب

فقال إياد:

وفق هذا الوصف .. لن نصل إليه مِن داخل زيكولا.

وتابع الأماريتي:

ثمةَ جندي كان يقف أعلى سور زيكولا هو مَن يستطيع فتح هذا الباب الأرضي.

فصمت مفكرا ثمَ حدثتُه:

أريدك أن ترسم لي هذا الطريق..

ثمَ نهضت وأحضرت الورقة .. فقال ناظِراً إلى جراب السِهام:

ظننت إنكم ستطلقونها..

فسكتنا جميعاً .. ثمَ أحضرت منى قلماً قد جاءت به مِن بلادنا بين ملابسها علها تُدَوِن شيئاً عن رحلتها، ولم يكن هناك وقت لِدهشته مِن القلم، فَبدأ يرسم لي خَطاً متعرِجاً مِن باب زيكولا إلى الطريق المتعرِج إلى طريق صخري إلى وادي التِلال حيثُ تبة يقبع فوقها سبعة مِن الصخور الصغرى كان قد صفها على شكل هرم.

ثمَ سمعنا ضجيجاً مفاجئاً بِالخارج .. فَصعدنا إلى أعلى .. وإتجه إياد مسرعاً إلى شُرفة غرفتنا لِيرى ما يحدث .. وصعد بيننا الأماريتي الذي توقف أمام باب حُجرة أسيل المفتوح .. ونظر إليها لِلحظات وهي نائمة قبل أن يكمل طريقه ويلحق بنا .. ثم همس إلينا إياد بِأنه أبصر نادين تدلُف بَين الزِحام إلى البيت .. فهبطت إليها منى لِتُحضرها ثمَ صعدتا سوياً إلينا .. فسألتها عن ذلك الضجيج بالخارج .. فقالت:

سيُغلَق باب زيكولا مع شروق الشمس.

تساءلنا جميعا إلى نادين في نَفَسٍ واحد:

ماذا؟

قالت:

إنتشرت الأقاويل أنَ جيشنا بِضَخامته لا يمثل شيئا بجانب أعداد جيش أماريتا، وأشارت إلى الأماريتي وتابعت:

يبدو أنَ السيد كانَ محقاً حين قال واثقاً .. أنَ جيشه بِإستطاعته هزيمة جيشنا، ثمَ أكملت:

سيعود الجيش طوال ساعات الليل إلى المنطقة الشرّقية .. سيُدافع عن المدينة مِن وراء سورها .. وساد الضجيج بعدما بدأت الأخبار عن ترحيل أهالي المنطقة الشرّقية جميعهم إلى المناطق الأخرى .. بِأمر مِن الحاكم لِسَلامتهم .. إنَ الشوارع بالخارج مليئة بِالهَرَجّ والمرج في هذهِ الآوِنة .. يتسارع تُجّار البلدان الأخرى للخروج عبر باب زيكولا قبل عَوّدةِ مقاتلينا .. ما أن يعبُر أول الجنود عائداً لن يستطيع أحد المرور خارجه وسيُغلَق عقب اكتمال عبور الجيش، جئت إلى هنا لِؤحَذِركم إنَ الحُراس يَدِلُفون إلى البيوت جميعها مِن أجل إخراج سكانها لِلرحيل قبل حلول الصباح .. خشيت أن يَراكُم أحد..

فقال الأماريتي:

لم أتوقع أبدا أن يسمح غرور هذا البلد بِإنسحابها إلى أسوارها..

كانَ يبدو على وجهه التَشَتت .. شعرت أنَ جزءاً منه لا يريد الحرب .. وجزء آخر يريدها .. لِيُلقن زيكولا دَرساً عن ظلمها .. وَيسقط خيانتنا أو على الأقل خيانة أسيل.

ثمَ أيقظت نادين أسيل وقمر وحدثتهم سريعاً عما حدث فدلفت إلينا أسيل والتي دُهِشت مِن عَوّدة الأماريتي .. فَابتسم حين رآها وحدثها عن ذلك الباب الذي وجده .. فقالت:

إذن نحنُ أمام أمرين بوجود ذلك الباب .. إما نكون خائنين لِصُنّعنا نفق أسفل زيكولا الغربي .. ويكون كبير القُضاه خائناً كذلك .. بِعلمه بباب آخر بِالسور الشمالي.

وإما يُطبق ذلك النص الذي ذَكره كتاب خالد لِهَدف نبيل .. وهوَ عَوّدة خالد إلى بلاده .. مثلما سيبرر القاضي خيانته بالنص ذاته .. إن اكتشف أمر بابه وبهذا لن نكون خائنين على الأقل بهذه التُهمة..

قال إياد في خيبة أمل:

لكننا لا نعلم طريقاً مِن داخل زيكولا إلى الباب..

قالت وَهيَ تنظر إليّ وإلى إياد وإلى نادين:

سنبقى في زيكولا .. سنبّحث عنه ما حَيينا .. إنهُ السبيل الآن لِنجاتنا مِن تُهمة الخيانة..

وأكملت:

والتُهمة الأخرى بِتحرّركُم مِن خيانتكم أثِق أنَ عقولكم ستجد لِي مَخرَجاً منها..

فقالت نادين التي كانت تنظر بعينيها عبر شُرفة الغرفة:

علينا أن نغادر هذا البيت لقد بدأ الحُراس في الدُلُوف إلى بيوت هذا الشارع..

فَنظرت إلى أسيل علها تخبرنا بِوِجهَتنا القادمة .. فقالت:

إلى المنطقة الشمالية.

كنت أعلم إنها ستقول ذلك .. لكني أردتُ أن أسمعها منها حين تذكّر ذهني كلماتها منذ أشهر .. أنها لا تذهب إلى تلك المَنطقة .. و وافقنا إياد على ذلك .. أما نادين .. فقالت أنّها سَتَتّجِه إلى المنطقة الجنوبية .. وأخبرَتّنا عن حانة لِلمَبيت بِالمنطقة الشمالية .. صاحبها ليس جَشِعاً كالباقين، وأحضَر لي إياد معطفاً ذا غطاء رأس كبير .. وقال:

كنت أرتديه لِأَختبئ عن أعين الجند .. أنَّك في حاجة إليه الآن..

و إرتدت أسيل معطفاً آخر أَخرجته قمر مِن صندوق ثيابها وغطت رأسها بِغِطائها .. فقالت نادين وَهيَ تنظر إلينا باسمة:

تُجّار مِثالِيون......

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن