الفصل الثالث

1.8K 69 8
                                    


ماتنسوش التصويت
الفصل الثالث

بلد  الجعفري


في الصباح الباكر بعد أن أنهى صلاته وتناول إفطاره الذي لم يعتاد عليه بعد، فهو كان من هواة القهوة على معدة فارغة حتى منتصف النهار على الأقل ، لكن الشيخ عثمان يجبره كل يوم على الإفطار والصلاة معه ؛ منذ يومين وهو يحاول الخروج للبحث عن عمل لكن العجوز يمنعه قائلا بأنه ضيفه ولايجوز أن يخرج قبل أن تنتهي مدة الضيافة !
واليوم هو الرابع له معه في منزله ، لابد بأنه سوف يأخذه لمحطة تجمع الحافلات كي يعود لبلده.
هذا مافكر به أيوب وهو يجهز نفسه للخروج مع العجوز كما طلب منه منذ قليل؛ وضع ملابسه بحقيبته الصغيرة ثم حملها معه و خرج ليذهب للعجوز.
قابله الشيخ عثمان بنظرات مستنكرة لكنه لم يتكلم، فقط أشار له كي يصعد لسيارته وانطلق بها دون أن ينطق بحرف طوال الطريق؛ حتى وصلوا لمبني لا يبعد كثيراً عن المنزل، لكنه في مكان منعزل نوًعا ما عن الأحياء السكنية فلا يوجد بالقرب منه منازل أو عمارات سكنية، ركن الشيخ سيارته فأسرع عامل كان يقف أمام الباب لمساعدته على النزول كما حدث سابقا عند وصولهم لمنزله عندما ساعدته تلك الفتاة على النزول من سيارته.
نزل أيوب وتبع الشيخ الذي أشار له بذلك، دخل من الباب الحديد ليجد بأنه داخل مصنع صغير للفخار. ويبدو أن الشيخ عثمان هو صاحبه حسب مافهم، لم يكن المصنع كبير غرفة كبيرة للعرض و أخرى بها معدات يدوية و آلات حديثة لتشكيل الأواني الخزفية على مايبدو، ثم ممر يؤدي لعدة غرف كبيرة و مضاءة
بإحدى الغرف يوجد برميل إسطواني كبير يدور عرف بأن اسمها (مطحنة الكور) كما يوجد منخل هزاز بتدرجات للتنقية على مايبدو و محرك كبير كما توجد غرفة خاصة بأحواض التخمير وفرن كبير
وبالطبع توجد غرفة بها مكتب حديث يحتوي على جهاز كمبيوتر حديث وطابعه بالإضافز لجهاز فاكس وهو ما استغربه أيوب، لا يظن بأن الشيخ يعرف كيف يستخدم تلك الآلات، بل إنه لم يكن يعرف بأنه يعمل فطوال إقامته مع الشيخ لم يخرج من المنزل إلا للمسجد وقت الصلاة؛ حتى ظنه لا يعمل بسبب كبر سنه ويعيش من إيراد الأرض التي يملكها حسب مافهم من الرجال الذين يتوافدون عليه كل ليلة في الصالة التي بمنزله،تجمعات كثيرة معظمها للحديث عن المحصول والمواشي ؛والبعض عن مشكله تحتاج حل ليقوم هو بذلك، أو لخطبة يجب أن يباركها أولًا قبل أن يتم عرض الموضوع على أهل العروس!!!
لم يكن يفهم جميع مايدور من حديث وحاول أن يستأذن أكثر من مرة وينفرد بنفسه في غرفته أو يخرج بحثًا عن عمل، إلا أن الشيخ عثمان كان يصر على وجوده معه ويشرح له ما يحدث باختصار عندما يلاحظ أنه لم يفهم الحديث.
لازال غير واثق من نية الشيخ تجاهه، هل هو يراه مسكين ويرغب في فعل خير أم ماذا؟
يشعر معه بالراحة وأنه يوجد من يعطيه اهتمام أبوي ُحرم منه طوال عمره، لكنه لا يريد أن يستبق الأمور كعادته ويرسم أحلام وردية تتحطم على صخرة الواقع الأليم.
-اجلس يا أيوب.
جملة بصوت الشيخ الرخيم أخرجته من أفكاره المتشابكة، ليطيعه ويتخذ الكرسي المواجه لمكتبه بعد أن وضع حقيبته على الكرسي المقابل له.

ارتدي نظارة طبية مربعة الإطار تبدو قديمة و أخرج دفترًا كبيرًا من الدرج قبل أن يقول :
- هذا مصنع فخار كما رأيت، يعتمد عملنا على المباخر وبعض الأواني التي يحبها أهل البلد و السياح؛ أخبرتني أنك درست التجارة في بلدك أم أني خلطت بينك وبين شخص آخر بسبب سني؟
- قال الجملة الأخيرة كنوع من المزاح ليسرع أيوب بالإجابة:
- -نعم فعلت.
ابتلع غصة مسننة قبل أن ينكس رأسه و يتابع :
- لكني لم اتخرج منها،لقد تركتها في آخر سنة لأن ظروفي لم تسمح لي بالمتابعة.
- عظيم.
- نطق بها الشيخ عثمان ليرفع أيوب رأسه بحدة وينظر له بنوع من الاستنكار والعتاب لكن الشيخ عثمان لم يبالِ وتابع:
- هات الرسومات التي تخطها منذ أن وصلت، لقد رأيتك تجلس في ركن الصالة عند قدوم الرجال و تستغرق في الرسم دون أن تشعر بما يدور حولك، في الواقع أعجبتني قدرتك على عزل نفسك وسط أصواتنا العالية .
- رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يمد يده لحقيبته ويخرج منها عدة أوراق بها رسومات هندسية مختلفة الأشكال، لم تكن كلها مضبوطة لكنها مميزة، كما توجد رسومات لحيوانات صغيرة وبعض الزهور، أخذ الشيخ ينظر لها بدون تعبير ظاهر على وجهه، يدقق في كل ورقة و رسمة منها بل ويسأل عن بعض الرسومات التي لم يفهمها ليتأكد من مكوناتها، ثم أعطاه ورقة و قلم حبر قديم و طلب منه كتابة عبارة

( بسم الله الرحمن الرحيم)
بطريقة الرسم ليكتبها بطريقة مبدعة متداخلة في الحروف على شكل إسطواني من الجانبين لتظهر كأنها تحفة فنية، جعلت عيني الشيخ تلتمعان بانبهار.
أخذ الورقة من أيوب وعلقها بشريط لاصق على شاشة الكمبيوتر؛ ثم نظر لأيوب ثم طلب من أحد الرجال شاي أخضر قبل أن يخرج من خزانته ملف.
وضع الملف أمامه وقال :
- كما رأيت العمل هنا ليس متطور رغم أن الآلات حديثة فقد جلبها ابني بنفسه من خارج البلاد، لكن معظم الأواني والتحف ذات ذوق قديم تحتاج لروح الشباب ، حفيدتي تساعدني كثيرا في الرسم على الأواني وتجلب لي أشكال حديثة لها، تخرجها من هذا الجهاز العجيب
كان يشير للكمبيوتر وهو يتحدث
- لكنها لا تتواجد هنا كثيرا بسبب الدراسة فهذه السنة هي الأخيرة في الثانوية، لذلك أحتاج لشخص ثقة كي يتولي العمل في المصنع ويكون على دراية بالأرقام والتعامل مع الزبائن ،أنت تتوفر بك معظم هذه الشروط؛ صحيح أنك خجول قليلًا أو ربما لا تحبذ الحديث مع الغرباء لكنك صبور وهذا ما تحتاجه صناعة الفخار الصبر
تجعدت جبهة أيوب قبل أن يقول بتأنٍ :
-هل تريدني أن أكون عاملًا باليومية عندك؟
طرقات خفيفة دخل بعدها رجل يحمل صينية بها كأسين صغيرين و براد شاي و وضعه أمام أيوب، الذي نظر للكأسين باستغراب مثل كل مرة يراها، فقد لاحظ بأن أهل البلد يشربون الشاي في هذه الكؤوس التي لا يتجاوز طولها إصبعه السبابة!

أمسك الرجل الذي لا يبدو عليه من سكان البلد، البراد وسكب الشاي وهو يرفع البراد للأعلى فتكونت رغوة في الكأس.
أعطى الشيخ كأسه و ترك الآخر ؛
ليقول الشيخ قبل أن يرتشف منه:
-بارك الله فيك وأسقاك من زمزم يا حميد.
وضع الرجل يده على صدره وهو يقول بامتنان:
-أجمعين يا شيخ، تأمر بشيء آخر.
حرك الشيخ رأسه بالنفي وهو يتابع الرشف من كأسه فاستأذن الرجل وخرج. ليقول الشيخ بعد ذلك:
-أعتقد بأني أخطأت فأنت لست صبورًا أو ربما لم تفهم كلامي بسبب اختلاف اللهجات؟
عموما أنا أريدك أن تكون المسؤول عن إنتاج المصنع والمهتم بكل التفاصيل المالية الخاصة به، كما أخبرتك هو ليس كبير والأرباح متوسطة اي أنك لن تتعب كثيرًا في الحسابات خصوصا مع دراستك، وبحكم سنك الصغيرة وموهبتك في الرسم والخط ربما تستطيع أن تطور العمل أنا لا أقدر على متابعة العمل يومًيا و حفيدتي كما أخبرتك لم تعد تأتي كثيرا وهي الوحيدة التي ُكنت أئتمنها على كل شيء هنا؛ لذلك أحتاج لك إذا لم يكن عندك مانع طبعا.
-تحتاج لي؟!!
نطقها أيوب غير مصدق بفرح عارم، ليمد له الشيخ الملف الذي كان موضوعا أمامه .
-هذا كل شي عن المصنع إيرادات السنة موجودة بهذا الجهاز سوف أجعل أشماس تطلعك عليها بعد أن تنهي مدرستها اليوم أو غدا على أبعد تقدير، فهي التي تملك الرقم السري لفتحه.
صحح له أيوب:
-تعني كلمة السر!
رد ملوحا بيده:
-هذه هي نعم كلمة السر، لا أعرف لماذا تحبون هذه الأشياء المعقدة ما به الورق والدفتر!
ابتسم أيوب وهو يتذكر كلمات أمه التي كانت تكره الأجهزة الحديثة هي الأخرى
ثم فتح الملف يقرأ مابه
ويدقق في الحسابات ؛ مما جعل الشيخ يرتاح في جلسته فقد وافق أيوب على العمل معه دون أن ينطق بها

❈-❈-❈

في الدولة المجاورة


منذ أن سمع اسمه وهو عازم على معرفة السر وراء هذه المكالمة، رغم تركيزه في المحاضرة لكنه لم ينس أمر لينا!
يعرفها لأنه يحضر معها بعض المعامل بحكم أن اسمها واسمه في نفس المجموعة ، لكنها لا تعجبه فهي سمراء
نحيفة جدا ذات شعر مجعد؛ كما أنها تبدو مغرورة من النوع الذي يتفاخر بأنه ذكي و يدرس كثيرا
ويفكر أكثر.
وهو يفضل الجميلات اللاتي لا يفكرن ولا يشغلن بالهن بالأمور الهامة ،  يفضل الفتاة التي لا تهتم إلا بأن تحوز على اهتمامه ويكون هو مركز الكون لها.

بمجرد انتهاء المحاضرة أسرع خلف لينا ليرى تلك التي تبحث عنه!
كاد أن يفقدها عندما اعترضت طريقة إحدى صديقاته وحاولت أن تعزمه على عيد ميلادها أو ماشابه وافق فورًا واجتازها بسرعة كي لا يضيع لينا ومن معها؛ من بعيد وقع نظره على تلك التي تقف ظهرها له.
تبدو قصيرة رغم أنها ترتدي حذاء ذو كعب عال لكنها بالكاد تصل لكتف لينا !
شعرها أسود ناعم ينزل على كتفيها ليغطيهما، ترتدي قميص ضيق أحمر اللون مع بنطال يكاد يكون كجلد ثاني لها وتحمل حقيبة ظهر متوسطة الحجم.

سمع بعض العبارات وفهم منها أن الفتاة ذات الجسد الأنثوي بامتياز عكس صديقتها.. متلهفة كي تلتقي به.
أنزل نظارته الشمسية لبداية أنفه ليقول بصوت واثق:
- هل تبحثين عني؟
جملة يعرف تأثيرها على الفتيات جيدًا فقد سبق و جربها عدة مرات وكانت النتيجة أكثر من مرضية.
تجمدت فتنة عندما سمعت تلك الجملة التي تعرف صاحبها جيدًا، فهي تتبعه منذ مدة وتعرف عنه أشياء كثيرة منها صوته الذي يجعل قلبها يرفرف بسرعة.
التفتت لتواجهه ، رفعت عينيها ترسم وجهه بعينيها لتصطدم بوسامته التي اتضحت أكثر من هذه المسافة القريبة، كان ينظر لها من أسفل نظارته لتدغدغها تلك النظرات لكنها قررت ألا تكن سهلة أمامه
فازدردت ريقها وقالت وهي ترسم نظرة متعالية أمامه:
-نعم من أنت كي أبحث عنك؟ لابد أنك خلط بيني وبين شخص آخر .
رفع حاجبه وقد عرف بأنها تصطنع شخصية صعبة المنال، أعجبته هذه اللعبة وضع يده على قلبه بطريقة مسرحية وقال:
-لقد كسرت قلبي الصغير بردك القاسي؛ هلا أرحت المتيم بجمال نظرتك وسمحت له بقضاء وقت قصير مع ست الحسن والجمال؟
تخصرت لينا و لوت فمها في ازدراء من تلك الحركة المكشوفة بالنسبة لها؛ أما فتنة فقد غرقت في عينيه البنية وزادت دقات قلبها حتى شعرت بأنه سيطير من شدة السعادة.

وضعت إصبعها السبابة على خدها والإبهام أسفل فكها وهي تدعي التفكير:
-اممم حسنا لن أجعلك تعاني أكثر .

مدت يدها له قائلة:
فُتنة السماك.
ليرفعها لشفتيه ويطبع قبلة بطيئة شعرت بأنه يطبعها على شفتيها لا إصبعها واتسعت إبتسامته
دون أن يفلت يدها ورد:
-نادر مأمون يا ِفتنة لم تفهم قصده من كسر الفاء في اسمها أو لم تهتم فقد أخذها من يدها وخرج بها نحو سيارته لينطلق بها؛ ولم تسأل هي عن وجهتهم ولم تهتم المهم بأنها معه وقد حازت على اهتمامه كما رغبت منذ مدة طويلة.
أما لينا فقد تجمدت مكانها وهي ترى تلك المسرحية الرخيصة من وجهة نظرها بين فتنة و نادر والتي انتهت
بأن رمت فتنة بتوصياتها عرض الحائط وذهبت مع نادر !
تعرف أن صديقتها متهورة ومندفعة أحيانًا؛ لكن أن تذهب مع نادر مأمون.... هذا هو الجنون بذاته،
خصوصًا وهي ترتدي تلك الملابس وحدهما!
شعرت بالغضب منها ومن نفسها، فهي من أخبرتها بوجوده بعد أن كان مختفيا عن الأنظار لسبب مجهول، أخرجت هاتفها تتصل بها لكنها لم تجب؛ مما زادها حنقا.
أخرجت رقم والدها كي تخبره بما حدث ربما ترد عليه إذا اتصل هو بها، لكنها تراجعت خوفًا من ردة فعله
عندما يعرف ، وربما تخرج الأمور عن السيطرة . كورت يدها وضربت رأسها، ثم طلبت رقم منار تدعو بأن تجيب على هاتفتها رغم معرفتها بأنها لا تهتم بشحنه وكثيرًا تنساه في المنزل

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربOnde histórias criam vida. Descubra agora