الفصل الثالث والاربعون

1.4K 70 16
                                    

الفصل الثالث و الأربعون

لم يحبذ يوما فكرة إنجاب الأطفال ، حتى بعد أن وقع في حبها و علم برغبتها المجنونة في إنجاب فريق كرة قدم!
فقدان وجود الأب في صغره أثر عليه وجعله لا يريد إنجاب أطفال قد يواجهون نفس مصيره البائس، لن ينكر بأن السنوات التي عاشها في كنف الشيخ عثمان غيرت نظريته قليلا وجعلته ينفتح للأمر أكثر ويتقبله على مراحل وزاد عنده هذا التقبل بعد ما رآه من ترابط تلك العائلة بعد هروبهم من الحرب و محاولاتهم لتطييب جروح بعضهم البعض، ليصبح شغله الشاغل تأمين حياة ميسرة لأبنائه قبل حضورهم للحياة .
عندما أخبرته أم حامد بشكوكها لم يهلع أو يخاف كمان ظن بل شعر بسعادة كبيرة سعادة لم يكن يتوقعها أو ينتظرها لتكون هي النقطة الأخيرة في اكتمال قصة حياته مع أشماس
خطط لكل شيء هو من سيفاجئها وليس العكس بل إنه سيقيم لها حفل سبوع كبير بعد ولادتها حسب تقاليد بلادها كتعويض عن حفل زفافها ، فكر وخطط لكل شيء إلا ردة فعلها تلك!

بحثت عن قميص ترتديه ثم دخلت للحمام ببرود غريب ليقف هو مكانه حتى خرجت منه و قالت كأن شيئا لم يكن:
-أريد العودة لمنزل عمتي هيا بنا.
حاول التماسك كي لا يصرخ بها و رد:
-لن نتحرك لمكان حتى نناقش ما قلته منذ قليل؟
رأت بأنه طلب الإفطار لتجلس على الطاولة وتقول متصنعة البرود:
-لا يوجد مانتحدث عنه، تعرف بأننا سوف ننفصل بعد مدة ماذا سيكون مصير الطفل عندها؟
عقد حاجبيه لتكمل هي :
-لا داعي لنكمل تمثيل أكثر من ذلك، أنت قلت مرارا بأنك لا تريد أطفال كما أني لن أستطيع الاحتفاظ به لأنه سيحمل جنسيتك طبعا، إذن لماذا نعذب روح لاذنب لها معنا .
أمسك يدها بعنف ورد:
-سبق وأخبرتك بأنني لن أطلقك أبدا لماذا لا تصدقيني ؟
ثم ماذا فعلت كي يصلك إحساس بأن زواجنا مؤقت؟
عقدت يديها أسفل صدرها و ردت:
-لأني لم أعد تلك الفتاة الحالمة التي تصدق الأوهام وتظن بأن العالم وردي؛ أعلم جيدا بأن جسدي مشوه وأنه حتما ولابد أن يأتي عليك يوم و تشعر بالاشمئزاز مني أو على الأقل تبدأ بمقارنتي بباقي النساء.
سحب كرسي ليجلس بقربها وأمسك يدها كي تنظر في عينيه ثم قال:
-لم أتزوجك لأنك جميلة الجميلات أو كاملة ولم أنظر لندوبك إلا كدليل حي على تضحيتك من أجلي .
نظراتها كانت تصرخ بأنه كاذب فتنهد و تابع:
-لماذا أحببتني أشماس؟
أنا لست من بلدك وأقل منك بكثير ماديا، و
قاطعته بحدة :
-لا تغير الموضوع أنت أصلا ضد فكرة الإنجاب لا تقول بأنك غيرت رأيك فجأة ؟
استقام ودفع كرسيه للوراء ليجثو على ركبته أمامها ورد:
-بل أرتعب من فكرة الإنجاب ، أخشى بأن يحدث لي مكروه ليعيش طفلي بدون أب مثلي..
شهقت واضعة كفها على فمها وشعرت بقبضة جليدية تعتصر قلبها لكنها قاومت خوفها وقالت:
-لا تحاول استغلال نقطة ضعفي وخوفي من الفقد، لقد اتخدت قراري ولن أعود عنه أبدا.
نكس رأسه ليزداد شعورها بالذنب وكادت أن تحتضن رأسه وتقبله قائلة بأنها تكذب، بأنها تحاول سماع كلمات حب أكثر منه وأنها تريد تكوين أسرة معه ، بأن خوفها لا أساس له، نعم هو لا يبخل عليها لكن جرحها و انعدام ثقتها تريد المزيد من التأكيد ؛ خانتها يدها وارتفعت سنتيمترات قليلة ليرفع هو رأسه ينظر لها بعينين لم تستطع قراءتهما ليقول:
-عديني بأنك لن تفعلي شيئا حتى نعود للخارج، على الأقل هناك الطب أفضل في حال اصررت على قرارك.
لم تستطع السيطرة على دموعها التي نزلت دون أن تشعر بها وردت:
-أعدك بذلك وأنت لا تخبر أحدا بحملي.
وضع يده أسفل بطنها واليد الأخرى مسح بها دموعها قائلا:
-وعدتك بأني لن أتسبب في حزنك مرة أخرى مهما كان الثمن؛ كلي الآن لنعود للمنزل حارث اتصل بي يريدنا هناك قبل المغرب في أمر هام.
أومأت له وبداخلها إحساس بأنه يجاريها الآن فقط ولن ينفذ طلبها بالاجهاض كما يدعي، الأمر الذي بعث فيها شعورا السعادة والخوف معا.

❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

عاد في اليوم التالي كما طلب منه إبراهيم، فقد لاحظ توتر الأجواء لذلك ذهب دون سؤاله عن سبب التأجيل
الوضع كان أهدأ عندما دخل اليوم لشقة جيهان الأمر الذي لاحظه هو أن إبراهيم يرتدي نفس الملابس و جيهان تبدو شاحبة نوعا ما أما فتنة فكانت جامدة الوجه .
بصرامة قال إبراهيم:
-تفضل هادي ماهو طلبك؟
شعر بحرج لم يشعر به في حياته من قبل فعدل رباط عنق بدلته التي اختارها بمساعدة جوليا و رد:
-أنت تعرفني جيدا وتعرف قبيلتي مالا تعرفه بأني أقيم هنا منذ أكثر من عشر سنوات متحصل على الجنسية ولدي عمل خاص بي ، لم أفكر قبلا بالزواج لكن فتنة غيرت رأيي لذلك قررت أن أدخل للبيت من بابه.
رغم كل ماعانته من ألم وعدم نوم بسبب المواجهة التي حدثت مع إبراهيم و أظهرت حقائق كانت مغيبه عنها أو ربما تعمدت هي غض النظر عنها إلا أن طلب هادي أنعش قلبها و أعطاها أملا بأن ابنة أخيها لن تواجه نفس مصيرها.
وضع إبراهيم ساقا فوق الأخرى وقال:
-هل أخبرت أهلك ؟
اضطربت نظرات هادي فمرر أصابعه على جبهته ورد:
-كنت قد فتحت الموضوع مع أختي الكبرى فهي في مقام أمي رحمها الله لكني لم أخبر أحدا بعد بتقدمي رسميا لها، أعني أريد الموافقة المبدئية كي أخبرهم وطبعا سيأتون لخطبتها هنا أو في بلدها كما تريدون.
نظرت جيهان لفتنة وقالت:
-هلا صنعت لنا قهوة من فضلك.
نفذت فتنة رغم أنها أرادت التدخل و إنهاء المهزلة .
تابعها هادي بنظراته حتى اختفت خلف باب المطبخ ليقول إبراهيم:
-أنت شخص لا غبار عليه من ناحية الأخلاق والسمعة ، في الحقيقة تكاد تكون كاملا لولا أني كما قلت أعرف قبيلتك جيدا جدا.
تغيرت ملامح هادي ليرد مبررا:
-الوضع اختلف مؤخرا لقد أصبح الكثير منا يتزوج من ال...
قطع كلامه كي لا يبدو عنصريا لجيهان التي حتما لن تفهم ماذا يعني
ليكمل إبراهيم:
-تقصد من العرب صحيح ؟
الكثير منكم يتزوجون منا فعلا وهذا منذ زمن لكن قبيلتك بالذات بل عائلتك المقربة ترفض ذلك بل تنبذ من يفعل ذلك .
فغرت جيهان فمها في دهشة ، هي فعلا لم تفهم ماذا يعني إبراهيم من كلامه كيف لا يتزوجون العرب و ماذا يعني بأن عائلته قد تنبذه؟
لتقول بعد أن هزت رأسها قليلا:
-هل سيرفضون لأنها مطلقة وهو لم يسبق له الزواج؟
ليرد هادي:
-لا طبعا ما هذا الكلام ذلك لن يكون عائقا أبدا.
دخلت فتنة تحمل صينية عليها فناجين القهوة و مدتها لعمتها و زوجها أولا ثم لهادي ثم قالت:
- تصحيح أنا طلقت مرتان وليست واحدة وإذا كان عرضك حقيقي وليس مجرد محاولة لمساعدتي مثلما تفعل مع النساء اللاتي تحتجن مساعدة فهناك الكثير الذي عليك معرفته قبل أن تقرر إخبار أهلك أم لا.



❈-❈-❈

في بلد أيوب

لم تنم كي لا تستيقظ وتجد نفسا كانت في حلم
لم تكن ليلة عادية أبدا لقد جعلها تستعيد جزءا من أنوثتها المفقودة لا بل جعلها تشعر بأنها تسبح في السحاب، لم يتوقف عن إمطارها بكلمات الغزل قد لا تكون الأروع لكنها الأصدق، وكان ختامها مسك عندما بكى في حضنها طالبا الصفح عن تخليه عنها بسبب جبنه واعتقاده بأن الإصابة جعلته عاجزا!
طلب الصفح عما عانته في زواجها السابق و حمل نفسه الذنب
طلب الصفح عن كل يوم مر عليهما وهما ليسا معا
طلب فرصة كي يجعلها تنسى ماحدث وتبدأ معه من جديد
طلب منها أن تتحمل عجزه و الظروف التي يمر بها
طلب الكثير و وعدها بالأكثر وقد صدقت كل حرف نطق بها لأنه خرج من القلب .
لا تصدق بأنها تتأمل ملامحه الوسيمة بكل راحة وهي التي كانت تهرب عندما تلمح ظله ؟
رغبة قوية في تقبيله باغتتها خصوصا وهي بهذا القرب لكنها نهت نفسها و اكتفت بتمرير أصابعها على لحيته برقة مرة ثم عادت تفعلها مرة أخرى لتلمس هذه المرة شفتيه فقام بعض إصبعها برقة لتجفل وتبتعد عنه في نفس الوقت الذي ضحك فيه ثم قام بضمها له و قبل رأسها قائلا:
-صباح الخير زهرتي المتفتحة .
دفنت رأسها في صدره وردت:
-زهرتك؟
لم تجد لقب أفضل ؟
مرر أنفه على شعرها ورد:
-حياتي كانت قاحلة في بعدك لا يوجد بها سوى الأشواك ، أنت الزهرة التي تفتحت بها و قلبتها من صحراء قاحلة ل...
توقف عن الحديث عندما رفعت وجهها له عينيها كانت تصرخ قبلني الآن صحيح أنها لم تتجرأ على فعل أكثر من ذلك بل إنها لم تقرب شفتيها له فقط النظرة كانت مطالبة لكنه لا يحتاج لأكثر من ذلك لينعم بمذاق الشهد الذي حرم منه بل حرمه على نفسه لسنوات وهاقد حان وقت العوض.
أطلق سراح شفتيها وأبعد الغطاء ووضع يده أسفل ركبتيها ليستقيم بها فقالت باستغراب:
-ماذا تفعل إلى أين تأخذني ؟
لعب حواجبه ورد:
-البارحة لم تتأكدي جيدا من وجود الأشياء في مكانها لذلك علينا الاستحمام معا للتأكيد القطعي.
ضحكت بطريقة لم تعهدها في نفسها قبلا، فقد كانت ضحكة سعادة، دلال، حب و استمتاع ، ليقف في منتصف الطريق و قال:
-تعرفين ماذا لن أصبر بعد هذه الضحكة يمكن للفحص التأكيدي أن ينتظر قليلا فلنبدأ الآن بالفحص الآخر .




❈-❈-❈


ركن سيارته في الجراج والتفت يقول لها:
-مارأيك أن ترتاحي الآن وبعدها آخذك للطبيبة كي نتأكد فقط.
هزت رأسها دون رد و نزلت من السيارة متجهة لفيلا العائلة لتجد مبروكة و درصاف في الحديقة وقد بدا على الأخيرة بأنها كانت في انتظارها لتأخذها لغرفتها مباشرة دون إعطائها الفرصة للرفض.
دخلت غرفة الأخيرة وأغلقت الباب لتدور في الغرفة بينما جلست الأخيرة على السرير لتقول الأولى :
-يجب أن أسافر لأمي غدا أو بعد غد لن أستطيع الانتظار أكثر وأنت عليك مساعدتي في ذلك.
لم تتغير ملامح أشماس و ردت:
-لماذا الاستعجال هي في البلاد منذ فترة ، ثم ألا ترين بأن سفرك الآن قد يعطي حارث انطباع سيء؟
كورت يدها وردت بغضب:
-أقول لك أمي تقولين حارث و انطباع؟!!
مابك أشماس ؟
ببرود تام ردت:
-أنا التي مابي؟
أغمضت عينيها و في محاولة لاستعادة شخصية المحامية التي تريد إقناع القاضي بقضيتها لتقول بعدها:
-أمي تواصلت مع أكثر من شخص البعض منهم ميليشيات وقد أخذوا مالها دون أن يعطوها معلومة مفيدة لذلك يجب أن أذهب كي أحاول مساعدتها والتأكد من صحة الذين يطالبون بالمال مقابل رؤوف .
مالت للخلف مستندة على يديها وردت:
-وماذا عن حارث؟
ذهابك الآن سيؤكد له بأنك لم تعودي تريدينه ، وربما يكمل قصة الخطبة تلك.
هدرت بها :
-أي خطبة و أي كلام فارغ تتحدثين عنه الآن ؟
اسمعي لو كان لدي شك واحد في مليون بأنه جاد في خطبته المزعومة تلك لتحدثت معه بل كنت طردتها من البيت بنفسي، لكن الأمر لا يتعدي محاولة إذلالي لاغير كما فعل سابقا مع أميرة وادعي بأنها ستكون سيدة المنزل.
رمشت أشماس وقالت:
-هل كان يريد الزواج من أميرة أيضا ؟
زفرت و ردت:
-نعم قالها في وجهي و كدت أموت غضبا وقتها لكنه عدل عن قراره لذلك لن التفت لذلك الهراء الآن أمي أولى باهتمامي.
ظهر الامتعاض على وجهه أشماس لتقول درصاف:
-أعرف بأنك لا تحبين أمي و بل ربما تكرهينها لما تعتقدين بأنها مذنبة فيه لكني لا أستطيع أن أفعل مثل سفيان و أقصيها من حياتي أنا ابنتها الوحيدة افهميني.
عدلت أشماس جلستها ورفعت سبابتها لترد:
-أولا أنا لا أعتقد بل أنا متأكدة من أنها قتلت أمي و إخوتي و ابنة أخي بل و رؤوف أيضا
قاطعتها درصاف :
-رؤوف حي سنان رأته بعينها لقد سمعت بنفسك كيف تتحدث عنه.
عقدت يديها وقالت:
-سنان التي وقع عليها جزء من المنزل و كادت أن تموت تحته بل إننا سافرنا بها ليوم كامل تقريبا وهي فاقدة للوعي تأخذين على كلامها؟
ردت بحزم:
-توقفي عن لوم أمي أعرف بأنكم لا تحبونها لأنها ليست منكم.
ارتفع حاجبا أشماس بصدمة لتتابع الأولى :
-لو كنت تعتبريني مقربة منك لو كنت أعز عليك قليلا ساعديني كي أسافر لأمي ، أنا أم وأعرف ما تمر به عندما تصبحين أم سوف تتغير نظرتك للأمور تماما صدقيني.
وضعت أشماس يدها على بطنها بحركة عفوية لتقول بهدوء بعد برهة :
-رغم اعتراضي الكامل على ماتريدين فعله إلا أني سوف أتحدث مع حارث ، لكن عليك معرفة شيء آخر لو أراد حارث إتمام الخطبة لن أقف ضده تعرفين من هو حارث لي ولن أخسره أبدا سواء العروس كانت جمان أو غيرها.
بلعت ريقها بخوف رفضت أن يسيطر عليها لا لن يفعلها ليس غرورا منها بل ثقة في نفسها سبق وغارت من فتنة في فترة معينة لأنها جذابة جدا كذلك من أميرة لأنها متيمة به وصغيرة وبها مميزات لا تملكها هي أما جمان لا
فهي لا ترقي للمقارنة بها أبدا ، يكفي بأنها تكبر حارث سنا ولا يوجد بها أي شيء يحبه حارث أو ينجذب له، هذا لو غضت النظر عن طريقة إعلان الخطبة الغريبة من سفيان لأيوب !!!
لذلك أخذت نفسا عميقا و ردت:
-أعرف مكانته عندك والآن هناك أمر أخير كي أسافر مرتاحة ويقل خوفي وإحساسي بالذنب ناحيته .
نظرت لها بفضول لتتابع:
-أريدك أن تبقى هنا حتى أعود يزيد تعب كثيرا بعد سفرك المرة الماضية ولا أعرف كيف سيكون وضعه لو تركناه معا؟
تنهدت وردت:
-سوف أتحدث مع أيوب كي يؤجل السفر لا تقلقي لن أتركه لوحده أبدا ولو اقتضى الأمر سآخذه معي.
قالت جملتها الأخيرة بمزاح لتضحك درصاف وردت:
-ممتاز عندها سوف أخرج من الوطن لعندك واستقر هناك.
أخذتا تخططان ماذا سيحدث عند تواجدهما هناك معا لتنسى كل منهما مايقلقها لفترة قصيرة.

❈-❈-❈

في فيلا حارث

جلس الشباب في الحديقة مع مبروكة التي قالت:
-والآن حارث أريد أن أعرف هل عرضك جدي بخصوص خطبتك لجمان ؟
رد بهدوء:
-نعم جدي جدا ، صحيح لم أكن أنوي أن تعرفي بهذه الطريقة لكني اتفقت معها أن نذهب لخطبتها رسميا يوم الجمعة.
ليقول علي:
-هل يمكن تقديم الموعد لأني مضطر للعودة قبل الجمعة تعرف ليس لدينا إجازة في الأكاديمية.
نظرت له مبروكة بغضب وقالت:
-ومادخلك أنت بالخطبة عند الزواج تعال لتحضر لكن علينا انتظار حضور أختك وسفيان على الأقل .
مال عبدالخالق على حارث وهمس:
-كنت أعتقد أننا انتهينا من أوامر عمتي خيرية لتخرج علينا أوامر أمي.
نكزه حارث كي لا ينفضح وقال بصوت عال :
-لا أعتقد بأننا سنقيم فرحا ربما حفلة بسيطة فقط.
لترفع مبروكة حاجب الشر وتقول:
-لماذا يا حبيب أمك ؟
إذا كنت أنت سبق لك إقامة فرح الفتاة لم تحظى بواحد أم أنك تريد كسرها من البداية ؟
لوحت بيدها وقد زاد غضبها:
-لن أدعي بأني أرقص فرحا لأنك قررت الزواج من جمان بدلا من إعادة أم ولدك لكني أيضا لن أقبل بأن تظلمها معك أو تأكل حقها أبدا ، إذا شعرت يوما بأنك تستغلها فقط كي تنتقم من درصاف أنا من سيقف ضدك.
تقدمت أشماس منهم وقالت:
-أحد منكم يذهب ويحضر لنا خبز و نسكافيه أريد أن أعمل مكياطة .
رد أيوب:
-اطلبي من المحل سوف يصلك في دقائق
ردت وهي تبحث عن شيء في هاتفها:
-لا، أريده من محل (...) يبيعون خبز مثل بلدنا كما أريد بعض الطلبات الأخرى منهم وليس لديهم خدمة توصيل.
استقام وقال:
-أمري لله هاتي العنوان سوف أحضر لك ماتريدين .
أرسلت له عنوان المحل مع الطلبات التي تريدها ليستقيم عبدالخالق و علي بدورهما وقال الأخير :
-خذنا معك صديقنا يسكن في نفس الحي .
ليقول عبدالخالق:
-أمي قد نتأخر عنده لا تقلقي
رد حارث باستهزاء:
-لا تتأخري عن التاسعة ياصغيرة كي لا تتوهي في الطريق واحذري من المعاكسات يابيضة.
حدجه عبدالخالق بنظرة غاضبة بينما دفع أيوب علي أمامه ليلحق به عبدالخالق بعد أن أرسل شتيمة نصية لحارث؛ عندما تأكدت من ذهابهم
قالت أشماس:
-عمتي هناك شيء مهم عليك معرفته عن جمان لكن أولا درصاف تريد الذهاب لأمها .
لم تتغير تعابير حارث بينما ردت مبروكة:
-كنت أظن بأنها تهدد كي تجعل حارث يعود عن قراره في الخطبة فقط.
نظرت أشماس لحارث وقالت بحذر:
-وهل تنوي إلغاء الخطبة لو أصرت على السفر؟
رد بثقة :
-بالعكس هذا يناسني جدا، كنت أفكر كيف ستتم الخطبة والزواج في وجودها مهما كانت مشاعرها ناحيتي لابد أن الموقف لن يكون سهلا عليها وأنا فعلا لا أريد إذلالها أو أذيتها تظل ابنة خالي و أم ولدي ؛ اخبريني متي تريد السفر كي أحجز لها التذكرة و أعطيها مال يكفي رحلتها.
لم تقتنع بكلامه أو ربما أرادت التأكد فسألته :
-هل تعني بأنك توقفت عن حبها؟
لا أصدق كيف يحدث ذلك بتلك السهولة ؟
-ليس بسهولة ولم أتوقف عن حبها فجاة
قالها بنبرة خالية من أي عاطفة حتى الغضب لينقبض قلب مبروكة و أشماس في نفس الحظة وتابع:
-الأمر تطلب أعوام و آلام لاشفاء منها ، إهدار كرامتي و خيانتي و سرقة مالي هذا غير سحق رجولتي عدة مرات دون حتى اعتذار كاذب أو ادعاء بأنها لم تقصد ذلك
لتقول أشماس بصوت متحشرج :
-لا تحاسبها على مرضها فهي لم تكن في وعيها وقد تم استغلالها من قبل أمها
لترد مبروكة :
-أمها التي تريد الآن الذهاب لها صحيح ؟
لتقول أشماس بدفاع مستميت:
-هل تريدونها أن تترك أمها ؟
كلنا نعرف تعلق درصاف بها لا يجوز أن نلومها الآن على ذلك.
ليرد حارث:
-أمها التي سرقتي كما قلت و أرادت موتي سابقا عندما قطعت خيط النيرة يوم عقد القران صحيح ؟
لتجيبه بعناد :
-تعرف بأنها تخاريف هي فقط ظنت بأنها بذلك تفسد زواجكما.
لترد مبروكة :
-وقد نجحت في ذلك.
أخرج حارث سيجارة وكاد أن يشعلها قبل أن ينتبه لوجود عمته فأخذ يحركها بين أصابعه وقال:
-لكنها قتلك أهلي عامدة متعمدة بل كادت أن تقتل ابني أيضا هذا مالا أستطيع أن أسامح فيه أبدا .
لم تجد حجة لترد بها عليه لتقول أخيرا :
-هذا لا ينفي بأنك لازلت تحبها باعترافك الآن .
ابتسامة هازئة ظهرت على شفتيه وقال:
-لم أقل لازلت أحبها بل قلت لم أتوقف فجأة هناك فرق كبير، اسمعي تظل درصاف ابن عمنا و أم ابني ولها احترامها و مكانتها لكن قصة الطفولة و المراهقة تلك لم تعد تحرك بي شيئا صدقيني لم أعد أراها مبهرة لم تعد تحرك بي نفس المشاعر جمالها الذي كنت أظن بأنه لايوجد من تضاهيها فيه أصبح لي عاديا جدا.
سكت قليلا يحاول البحث عن الكلمات المناسبة ليقول بعدها:
-أصبحت أراها بعيني لا بقلبي.

من الباب الفاصل بين الفيلتين أشارت سنان لمبروكة لتذهب لها وتترك حارث و أشماس التي أوجعها قلبها من جملته الأخيرة لتقول بحزن:
-إذن أصبحت تحب جمان الآن ؟
أشعل سيجارته ورد:
-لا لن أقول بأني وقعت في غرامها، إحساسي معها مختلف، أعني نعم أعترف بأني منجذب لها لكن ما جعلني أفكر و أصمم على الزواج منها هو الراحة التي أشعر بها في وجودها، أشعر بأن هناك لغه مشتركة بيننا .
عقدت حاجبيها وردت :
-لغة مشتركة لم أفهم ماذا تعني؟
لم تجد تلك اللغة مع درصاف؟
نفث دخان السيجارة ورد:
-لن أضع اللوم عليها وحدها، أنا أيضا شاركت لقد أحببتها بطريقة مراهقين نفذت طلباتها ولم ألومها على أي شيء فعلته أو لم تفعله، أعني كنت أمرر الأمور ظنا مني أنها ستتغير وتعرف خطأها بنفسها، لكنها لم تفعل وأنا لم أطالبها بذلك.
مدت يدها تربت على يده وقالت في ترجي:
-لا أفهم ماتقوله لكن مادمت عرفت السبب يمكنك معالجة العلة .
ابتسم لها ورد:
-خالي إبراهيم أراد من سفيان وأفطيم أن يسافرا عنده هذه كانت هديته لهم، لكن سفيان رفض لأنه لا يملك المال اللازم لتلك الرحلة رغم أن خالي عرض التكفل بها، عندما أخبر أفطيم بعدم رغبته في تلك الرحلة اقترحت أن تكون في إحدى المدن الساحلية هنا.
شعرت بألم في قلبها فهي لم تفكر يوما بأنه يعيش لوحده مهمش في قصة حبه لدرصاف ، ربما كانت تعرف بأنها تعاملت ببعض الجفاف لكن ما لمسته من نبرته يدل على وجع تخلل العظم؛ مسحت دموعها قبل أن تنزل ليتابع هو:
-حتى أنت و أيوب ورغم ادعائك بأنك غصبت على الزواج منه
قاطعته في مرح كاذب:
-لم أجبر عليه بل استغليته كي أدرس فقط لا تخبره بذلك.
ابتسم لمحاولتها تلك وقال:
-عندما رفضت المال الذي قدمه أيوب لك لم يكن السبب كرهك له بل لأنك عرفت بأنه لم يعد يملك شيء بعد أن أعطاني كل ما تحصل عليه كي استثمره ولا أقع في ضائقة ، أشياء قد تبدو صغيرة لك لكنها كبيرة جدا لدي ، صدقيني يا أشماس أنا لا أعاقب درصاف ولا حتى أحاول الانتقام لكرامتي أنا فقط أريد امرأة تفهمني امرأة ترتاح روحي لها امرأة تقدرني قليلا
لتقول هي بفقدان أمل :
-و جمان تملك كل ذلك؟
نظر باتجاه ابنه الذي جري باتجاهه وقال:
-ربما تملكها كلها و ربما البعض فقط لا أعرف بعد لكني قررت أن أكمل معها لأعرف ، هناك مايشدني لها ويجعلني أصدق بأنها الشخص المنشود.
عوجت فمها وردت:
-كل هذا ولا تحبها ماذا ستفعل إذا أحببتها ؟
انحنى يلتقط ابنه بين ذراعيه و بدأ في اللعب معه دون أن يهتم بالرد عليها.


❈-❈-❈

في الدولة الأوروبية

كرجل عصري يدعي بأن أفكاره متحررة يجب ألا يتأثر بما عرفه عنها، على الأقل هي لم ترتكب فاحشة أو تخن زوجها كما كان يظن لكن!
هو ابن الجبل حتى لو بعد عن مدينته و قبيلته بل قارته كلها لن يخرج الرجل الشرقي بكل عيوبه و أحكامه التي لا تعرف المنطق من داخله !
لو تكلم بلسان هادي الذي تربي على يد امرأة تحترم نفسها وبنات جنسها والتي صنعت منه الرجل المدافع عن حقوق المرأة ، الذي قضى عمرا يساعد نساء من مختلف الجنسيات و الديانات لقال بأنها لم تخطيء في شيء ، بل لا يحق له محاسبتها عن ماضي حدث قبل أن يعرفها.
منذ عرفها لم ير منها أي تصرف مشين بل إنها تعتبر كاملة، اختيارها أن تتحمل العمل الشاق وهي حامل كي تعيل نفسها بدلا من الاعتماد على زوج عمتها، حرصها على عدم إفساد زواج أيوب و أشماس بإخفاء زواجها من الأول ، وضعها للحدود الذي كان يراه مبالغا أحيانا خصوصا أنهم في دولة أجنبية ، اعترافها بكل ذنوبها دون محاولة التبرير لنفسها هذه وحدها تجعلها أيقونة في نظره من التي تفعل ذلك بدلا من الكذب أو حتى عدم البوح بالحقيقة؟
لن يكذب مميزتها أكثر من ذنوبها متجمعة بل قدرتها على تجاوز كل ذلك لتقف على قدميها من جديد يجب أن تدرس .
لن يستطيع حسم أمره بسهولة لذلك قرر بأن وقت المواجهة قد حان، فتنة أعطته فترة كي يفكر جيدا وهو لن يضيع المزيد من الوقت اتصل بشقيقته تافريت وأخبرها بخبر قدومه ولم تتفاجأ هي تعرف بأنه ينوي فتح موضوع زواجه على القبيلة لكنها تخشى من ردة الفعل خصوصا في هذا التوقيت بالذات.


❈-❈-❈

في بلد أيوب

جهزت درصاف حقيبة سفرها لن تنتظر أكثر من ذلك، لقد انتهى فرح سفيان و أمها وحدها هناك تكاد تجن؛ لم تشعر بمبروكة التي دخلت عليها وأغلقت الباب حتى قالت:
-إذن قررت السفر.
لم تفهم إذا كان هذا سؤال أم استنكار؟
لتعد في سرها للعشرة ثم أغلقت حقيبتها وردت:
-نعم الطائرة ستقلع غدا صباحا، توصيني على شيء من الوطن؟
جلست على السرير و ردت:
-عندما قرر عبدالخالق الزواج من ابنة أخي عوض كنت ضده، بل إني حاولت اثنائه بكل الطرق و غضبت منه رغم ذلك أصر هو بعناد مثل عنادك الان وأكثر ، وقتها ذهبت لعمي عثمان رحمه الله اشتكيه كي يجد لي حلا أو يمنعه من تلك الزيجة تعرفين ماذا قال لي؟
رغم أنها تعلم بمغزى حديثها إلا أن الفضول دفعها لتترك ما في يدها لتصغي إليها بانتباه بينما عادت مبروكة بذاكرتها لذلك اليوم؛
عندما أخبرت الشيخ عثمان لم يتفاجأ كأنه كان يعلم بالتفاصيل ليقول برصانته المعهودة :
-لماذا ترفضينها؟
لو لم يفضح عوض و يعرف الجميع بأفعاله هل كان موقفك وقتها تغير؟
تنهدت وقالت بحسرة :
-لا
يؤلمني أن أقولها لكني لا أثق في آلاء ولا أعني هنا أخلاقها والعياذ بالله بل عنها شخصيا إنها وصولية و طماعة جدا كما أني متأكدة بأنها تستغل عبدالخالق لا أكثر.
حرك سبحته ورد:
-وهو يريدها و لا يسمع لكلام أحد ، حتى والده أخبره بذلك وهو يجلس في نفس مكانك لكن عبدالخالق أصر بأنها مختلفة عن والدها لذلك اسمعي مني ودعيه يجرب.
ردت بإصرار :
-سوف يُكسر قلبه أنا متأكدة قلبي ينبأني بأنها تنوي شرا له ، نظراتها لا تختلف أبدا عن عياد و عوض صدقني ياعمي ليس افتراء بل...
قاطعها بيده لتبلع باقي كلامها وقال:
-لقد أخطأت في حق إبراهيم عندما ساعدت في إجباره على الزواج من سليمة دون اعطاه حق الاختيار رغم يقيني بحبه لها  و ظلمتها  هي أيضا بموافقتي على ذلك الزواج دون اخبارها بالحقيقة كامله.
عقدت مبروكة حاجبيها و ردت:
-أبي من أصر ولست أنت ياعمي أذكر جيدا تفاصيل القصة أنت لم تتكلم وقتها حتى عندما هاج أخي عبدالخالق رحمه الله وهدد بمقاطعة إبراهيم لو لم يكمل الزواج لم تتدخل
ليقول بعد تنهيدة عميقة :
-كما قلت أنا لم أتدخل وشاركت في إهدار حياة أكثر من شخص، الله لن يغفر لي صمتي عن الحق أبدا .
اتسعت عيناها لتقول بسرعة :
-لا تقل ذلك ياعمي كلنا نعرف بأنك لا تظلم أحدا أبدا ، كما أن سليمة رحمها الله لم تعترض أو تشتكي أبدا طول زواجها و إبراهيم صانها ولم يهنها يوما بل احبها مثلما احبته وأكثر حتى وقت وفاتها.
ضغط على سبحته ثم رد:
-هي أصيلة لذلك لم تشتكي لكن الحزن لم يفارق عينيها يوما، أما إبراهيم فقد جعلته يكرهني و يبتعد عني بسبب مشاركتي في حرمانه ممن يحب بل إني السبب في تحويله لشخص أناني لا يهتم إلا بنفسه وفي النهاية سأموت قبل أن أراه أو يعاتبني هو على فعلتي تلك.
أسرعت تنحني أمامه وتقبل يديه وقالت بخوف حقيقي:
-أطال الله في عمرك يا عمي لا تقل ذلك أنت أبي ولست عمي فقط.
ربت على شعرها و رد:
-كلنا لها، دعك الآن من هذا و اسمعي كلامي راقبي من بعيد ولا تتدخلي أنا واثق بأن قصتهما لن تكتمل .
بتوجس ردت:
-هل تعرف شيئا لا أعرفه ؟
ابتسم و رد:
-ليس مهما ما أعرفه المهم أن يخوض عبدالخالق التجربة و يجدك بعدها تطيبين جروحه وإياك أن تزيدي منها بمعايرته بفشله أو سوء اختياره كي لا ينفر منك.

لم تفهم ماذا يعني وقتها لكنه نفذت كلامه ولم تتدخل حتى انتهت القصة كما أخبرها الشيخ عثمان.
أخرجتها درصاف من ذكرياتها عندما قالت:
-ماذا قال جدي؟
ردت وقد غلبتها الدموع:
-علينا أن ندع الطفل يقع عدة مرات قبل أن يتعلم المشي.
عقدت حاجبيها ولم تفهم ماذا تعني بالضبط ، استقامت مبروكة وخرجت من غرفتها دون انتظار الرد لتخرج درصاف ورائها تبحث عن يزيد فهو غاضب منها منذ أن أخبرته بأنها ستذهب بعيدا لمدة قصيرة ، لا تصدق بأن طفل في عمره يفهم ويغضب بتلك الطريقة لولا أن طبيبتها النفسية أصرت عليها أن تخبره قبلها وتتقبل ردة فعله لما فكرت في ذلك أبدا ، لقد وعدته بأنها لن تتأخر وبعد رؤية ردة فعله لن تخل بذلك الوعد أبدا ؛ صحيح بأنها تحب أمها ومستعدة لتفديها بحياتها لكن يزيد أهم من حياتها شخصيا.

دخل غرفته ليجدها تجلس متربعة على السرير أمامها صينية دائرية الشكل عليها صينية بها تونة وأخرى زيتون ، هذا ما رآه من مكانه ليقترب ويجلس بقربها ثم أخذ كسرة من الخبز وبدأ يأكل معها، وضع لقمه في فمه فشعر بنار تشتعل فيه ليكح بقوة فمدت له قنينة الماء ليشربها كلها بينما ظهرت ابتسامة شقية على شفتيها وقالت:
-كل هذا من معلقة هريسة؟
مسح فمه ورد:
-قصدك علبة متأكد بأنك وضعت العلبة كلها في هذا الطبق صحيح .
وضعت حبة زيتون في فمها وردت:
-العلبة صغيرة جدا ثم التونة لا تؤكل إلا به.
أخذ الصينية للمطبخ ثم عاد للغرفة يحمل كوب حليب و أعطاه لها بعد أن خرجت من الحمام لكنها لم تأخذه بل جلست على الاريكة وقالت:
-اشربه أنت ليخفف حدة الهريسة ، أنا بخير.
وضعه على الطاولة الجانبية و جلس مقابلا لها وقال:
-توقعت أن تكوني مع درصاف خصوصا عندما لم تجيبي اتصالاتي.
هزت كتفها وردت:
-تريد قضاء الليلة مع يزيد.
عدلت جلستها ثم قصت عليه ما حدث بينها وبين حارث ، لم تغب عنه نبرتها الغاضبة خصوصا عندما جاءت سيرة جمان لتختم كلامها بسؤاله :
-مارأيك في حديثه؟
رد بهدوء:
-أي حديث تقصدين بالضبط؟
قلبت عينيها وزفرت ترد:
-تعرف ماذا أعني ؟
لا أصدق بأنه اكتشف فجأة بأن حياته مع درصاف لم تكن بالروعة التي يظنها؟
وبأنها قصرت معه حقا؟
لم أسمعه يوما يشتكي منها بل كان دائما سعيدا لأنه نال حب طفولته
قاطعها قائلا بصوت عال كي يجبرها على السكوت:
-لأنه ينظر الآن للعلاقة من الخارج .
تطلعت فيه ببعض الاستغراب ليتابع:
-لأن العلاقة انتهت بات سهلا عليه أن يعيد تقييم كل ماحدث بعقله ليس بقلبه هذه المرة ، وكما أخبرك رؤيته لعلاقتنا و علاقة سفيان و أفطيم جعلته يقارن لن أستغرب لو قارن بعلاقة والديه رحمهما الله ايضا.
لوت فمها وقالت:
-طبعا سوف تجد له الأعذار ، تعال هنا منذ متى وأنت خبير في العلاقات أصلا ؟
مال يستند بكوعه على ركبيته ثم قال:
-أنا خبير فعلا لأني كنت في مكانه قبلا.
عدلت جلستها لتصغي له باهتمام فتابع هو:
-عندما حدثت بيننا المواجهة بعد أن عرفت كل شيء من رنا صدمت بما سمعته منك وقتها و شعرت بأنك تتحدثين عن شخص آخر وليس أنا .
شعر بألمها من نظرات عينيها التي حاولت أن تخفيها عنه ليتابع متجاهلا السكاكين التي غرست به للتو من تلك النظرات:
-بعدك عني و إصرارك على الطلاق جعلني أعيد تقييم علاقتنا، أحببتك قبل أن أعترف لك بفترة طويلة جدا تعرفين بأن احترامي وحبي لجدي رحمه الله و تقديري لحارث جعلني أمنع نفسي من الاقتراب منك و وضع حدود كثيرة بيننا.

كاد أن يعترف بأن الفارق المادي والاجتماع الذي كان يحمل همه لهما أكثر أكبر بل إنه فكر جديا في البعد عنها أكثر من مرة لكنه لم يفعل
بل ازدرد ريقه وتابع:
-عندما راجعت الأحداث وجدت بأني كنت باردا وأحيانا أتعامل بطريقة فظة معك، لم أقل لك كلمة عشق أو حب حتي تروي عطشك بينما لم تبخلي علي أنت بذلك، لطالما كنت المبادرة في إظهار عاطفتك لي وأنا كتمتها بداخلي؛ لا أندم على ذلك فلو عاد بي الزمن لم أكن لأخون ثقة جدي أو حارث لكني نسيت بأنه طوال علاقتنا كنت أنت الطرف الذي يعطي بينما اكتفيت أنا بدور المتلقي ظنا مني بأن حبي يصلك لمجرد بأني أشعر به.
بدأت الدموع تتسلل لمقلتيها فمدت يدها تأخذ كوب الحليب وتشرب منه ثم قالت:
-حتى لو كان ماتقوله صحيحا هل جمان هي العوض؟
ثم متى وقع في غرامها لا أعرف ؟
ابتسم وقد لاحظ بأنها تهرب بعينيها منه ورد:
-ربما تكون العوض وربما لا لن نعرف إلا بعد فترة لكنه مرتاح معها وهذا مهم جدا.
وضعت الكوب وقالت:
-هذا ظلم حتى لجمان هل هي حقل تجارب؟
حارث يحب درصاف منذ أن كان صغيرا لن أقتنع بانه أخرجها من قلبه في هذه الفترة البسيطة .
ترك كرسيه ليجلس بقربها ثم مسح بإصبعه شاربها من آثار الحليب ورد:
-أولا الفترة ليست قصيرة هي هجرته سنة كاملة هذا قبل الحرب و ما مر بعدها عليه من أحداث جعلته يكبر عشرة أعوام في شهور ثم أن حارث يتألم منذ أن اختارت ذلك الكائن المسمى خالد و ارتبطت به بعد معرفتها بأنه يريد الزواج منها.
اتسعت عيناها في دهشة فهي نفسها نسيت تلك القصة لا تصدق بأن حارث لايزال غاضبا ليكمل أيوب الذي قرأ أفكارها :
-الرجال ليسوا مثل النساء ، نحن لا نظهر مشاعرنا كثيرا خصوصا عندما نجرح نتحمل و ندعي بأننا أقوياء لا نهتم لكن في الحقيقة تتراكم الجروح داخلنا لدرجة لا يمكن تطييبها .
عقدت يديها وردت:
-هل هذا تهديد؟
فك يديها و جذبها لتضع رأسها على صدره ورد:
-أنا أتحدث عن حارث لقد كسر قلبه و استهين بحبه وأهدرت كرامته عدة مرات هذه أشياء لا يمكن إصلاحها بكلمة صدقيني أنا الوحيد الذي يعرف ما عاناه.

تنهدت وردت:
-لنقل جدلا بأنك محق و أن درصاف فقدت فرصتها معه بسبب عنادها لكني لا أستطيع تقبل دخول شخص آخر لحياته، أعني قلتها قبلا أعترف لكن أن تحدث أمر آخر تماما لا أعرف كيف أشرح لك من جهة أريده أن يحظي بحب حقيقي و من جهة أخرى أريده أن يعود لدرصاف و يعيش معها ذلك الحب.
طوقها بيديه و أسند ذقنه لرأسها قائلا:
-الأمر أصلا ليس بيدك ولا يمكنك سوى إعطاء النصيحة في النهاية علينا احترام قراره، حارث يستحق أن يجد الراحة على الأقل .
ابتعدت عن صدره وقالت بتحذير:
-لا تظن بأني غيرت رأيي الأمر فقط بأن رائحة الخبز نفاذة وخشيت أن تنهيه سنان فأحضرته هنا ، تعلم بأنها لا تأتي لفيلا حارث إلا نادرا.
رسم على وجهه الحزن ورد:
-من أجل الخبز وليس من أحضره ؟
استقامت و ذهبت للسرير قائلة:
-أيوب لا تستغل الموقف أنا أحاول طوال اليوم ألا أظهر شيئا لدرجة أني لم أخبر أحدا بالحمل لأني سوف
وضع إصبعه على فمها ليسكتها وقال:
-هل تعرفين بأنه في كل مرة تتحدثين فيها عن هذا الموضوع تأخذين ذنبا ؟
أبعدت إصبعه وردت:
-لا طبعا غير صحيح الذنب عند حدوث الأمر .
ضمت شفيتها في غضب من نفسها لإطلاقها هذا الاعتراف ليقول هو:
-دعينا نذهب للطبيبة أولا ربما التحليل ليس صحيحا وبعدها نتحدث .
شدت الغطاء عليها وردت:
-بعد أن تسافر درصاف نتوجه للطبيبة فورا لا أريد أن يطول الأمر .
استلقي بقربها ولم يعلق فغدا لناظره قريب.



❈-❈-❈
في بلد الجعفري

وصل هادي لوطنه بعد اتصال سريع مع إبراهيم يخبره فيه بأنه سوف يخبر أهله دون إعطائه تفاصيل أكثر ؛ لم تكن الرحلة سلسة بالنسبة له وعندما وصل لمدينته وجد الجميع في انتظاره بتعابير لم تريحه خصوصا والده الذي يهرب بعينيه منه،
مر اليوم الأول بهدوء نوعا ما ليأتي اليوم الثاني فطلب منه والده أن يجلس معه في صالة جده مع شقيقته الكبري تافريت وجده الذي قال:

-أخبرتني تافريت بأنك تريد الزواج.
لم تعجبه طريقة السؤال لكنه لم يرد وانتظر الباقي بهدوء ليتابع الجد:
-اسمع ياهادي أعرف بأنك ترفض عاداتنا وقد تغربت بسببها لكن ذلك لا يبرر أبدا زواجك من عربية بل إنها من دولة أخرى .
رد بأدب :
-لم أتغرب بسبب العادات بل بسبب إصراركم على استمراها لدرجة أنها قتلت أمي .
ليرد والده:

-استغفر الله ياولدي أمك ماتت بحادث سيارة أم نسيت.
لم يتحكم بنبرته وهو يرد:
-بل ماتت بسبب تعنتكم لقد تركتموها تموت كي لا تأخذ دم غير نقي من وجهة نظر تلك العادات المتخلفة .
شهقت تافريت ليقول الجد بغضب عارم:
-هل تسب عاداتنا ياجاحد؟
كنت أعرف بأن الاختلاط بالعرب لا يجلب إلا المشاكل وأنت أكبر دليل، بدلا من أن تقف معنا في ما نوينا فعله بل وتكون المتحدث الرسمي عنا تطالب بالزواج من عربية ومن بلد آخر !!
نظر لوالده باستغراب و سأله :
-ماهو الذي تنوون فعله يا أبي ؟
هرب والده بعينيه الأمر الذي جعله يوقن بأن الأمر خطير وغير مقبول أبدا .

بعد قليل خرج من صالة جده بل من المنزل كله لتلحق به تافريت تنادي عليه لكنه لم يلتفت لها ليعترضه زوجها وهو يدخل لشارع الجد صدفة فركب معه لتحلق بهم شقيقته و ينطلق زوجها حتى وصل منزلها.
أخذ هادي يضرب قبضته في كف يده الأخرى وهو يطلق شتائم بصوت منخفض في الوقت الذي تركته شقيقته يخرج غضبه أما زوجها فقد أخذ الأطفال لنزهة كي لا يسمعوا شيئا ، ليقول هادي بعد فتره بنفس الغضب:
-لا أصدق ماسمعته الناس تتقدم وجدك كبر وخرف، أي انقسام يتحدث عنه وأي دولة..
قاطعته تافريت:
-أنت قلتها كبر نحن نجاريه لهذا السبب فقط لعلمك الخاص، لا أحد يريد دولة مستقلة أو تقسيم الأمر فقط أنك استفزيته لا أكثر .
شعرت بأنه سوف ينفجر بها خصوصا بعد بروز عروق رقبته وهو يصرخ:
-أي استفزاز الذي تقولين عنه، لأني اخترت شريكة حياتي ؟
رفعت إصبعها بصوت أعلى من صوته وقالت بصرامة :
-أولا اخفض صوتك وأنت تتحدث مع شقيقتك الكبيرة ولا تنس نفسك أبدا ؛ ثانيا نعرف جيدا بأن اختيارك هذا مستفز له ، هو لا يرضي بفتاة من قبيلة أخرى حتى لو كان من بنات الجبل وأنت تأتي وتقول أريد عربية بل ومن جنسية أخرى أيضا .
وضع يديه في جيبه ورد:
-ماذا لو كنت اخترت أجنبية ؟
نظرت له لدقيقة ثم جلست وردت:
-لم يكن ليعارض بنفس الطريقة ، ربما لو تزوجتها دون إخبارنا لما عارض أبدا .
هز رأسه في عدم تصديق و قال:
-لحظة واحدة تخبريني بأن جدي يرضي بفتاة أجنبية من عادات مختلفة تماما عنا ودين غيرنا بأن تكون زوجة لي بغض النظر عن خلفيتها ويرفض فتاة عربية مسلمة ؟
تنهدت وردت:
-هادي في السنوات الأخيرة أصبح جدي متزمتا جدا، الانفتاح الذي مارسه الجيل الجديد و المخالطة بل الزواج الذي كثر من العرب جعل منه إنسانا عنصريا جدا، لقد أصدر قرارا بأن يتم تجريد أي فرد يتزوج من خارج العشيرة من كل أمواله هنا ويمنع من الورث هو وأولاده من بعده وقد نفذ الكثيرون ذلك بما فيهم عمك نجم الدين عندما تزوج ابنه مالك من عربية .
لم يصدق ماسمعه، يعرف قصة زواج اصغر أولاد عمه مالك لكن لم يكن يعرف بأنه تم حرمانه من الورث لأنه اختار شريكة حياته!
صحيح أنه لم يحضر الفرح وقد سمع بأن مالك سافر لدولة أجنبية وقرر تقديم اللجوء بعدها وقد لامه وقتها لماذا يفعل ذلك والآن فقط عرف السبب.
بنبرة أقل حدة قالت تافريت:
-هي نفس الفتاة ذات الخدود المنتفخة صحيح ؟
هز رأسه وقص عليها ما أخبرته به ، حقيقة كون نادر خانها وأخذ مالها ليطلقها بعدها وهي حامل ثم دخلت في دوامة الزواج من أيوب نهاية بطلب كمال الزواج منها ، دون التطرق لموضوع سجنها و الصور والتهديد.
عقدت تافريت يديها وقالت:
-لن أقول مذنبة لكنها ليست بريئة أيضا ، أعني هو كان خطيبها فقط كيف تسلم نفسها له؟
تنهد وقال محاولا إقناع نفسه قبلها:
-تعرفين الوضع لديهم مختلف عقد القران يعتبر زواج كامل أعني في بعض الحالات لا يقام فرح فقط يأخد العريس عروسه ويذهب لشقتهم.
لترد بحزم:
-لا تهمني عاداتهم أنا أتحدث عنك هل ستثق بها؟
ألن تخاف يوما بأن تخونك ؟
لا تنس بأنه سبق واتهمتها بذلك لابد أن الفكرة موجودة بداخلك .
خلل شعر و زفر قائلا:
-لا أنا كنت أتصرف بغباء وقتها، مشاعري تجاهها جعلتني أحاول تصويرها بأسوأ صورة بدلا من الاعتراف بانجذابي لها.
ردت:
-هادي أنت ابني ولست أخي فقط ، تعرف بأني معك حتى لو تزوجت أجنبية ، لكني أريدك أن تفكر جيدا ماذا سيكون رد فعل أبي

قاطعها :
-لا أريد لمخلوق غيرك بأن يعرف قصتها، كل ماعليهم معرفته بأنها من دولة عربية و مطلقة غير ذلك لا .
ابتسمت له وقالت:
-أحسنت كنت أخشى أن تفضحها عندها لن أسامحك أبدا، سواء قررت أن تكمل معها أم لا تعرف بأنه لايجوز فضح أحد أبدا.
استقام ليقبل رأسها ثم عاد لمكانه وقال:
-كنت مترددا قبل قدومي والآن حسمت أمري .
أطلقت زغرودة عالية لتعلن مباركتها لاختياره الأمر الذي هون عليه كثيرا والآن عليه أخذ موافقة والده وهو  لن يكون بنفس السهولة طبعا.

❈-❈-❈

في الدولة المجاورة

ركبت درصاف طائرتها بعد وداع باك خصوصا من يزيد الأمر الذي جعلها تكاد تعدل عن رأيها لولا اتصالات أمها المتكررة لتركب طائرتها مجبرة وقلبها يقطر ألما

نام يزيد من البكاء مما أتاح لأشماس الذهاب للطبيبة مع أيوب خصوصا أنها كانت قريبة من الفيلا؛ لا تعرف لماذا تشعر بكل هذا التوتر خصوصا عندما استلقت على سرير الفحص لتقوم الطبيبة بوضع جل دافئ على بطنها ثم مررت جهاز عليه لكنها لم تسمع صوت نبض القلب أو أي شيء آخر ، بدأ التوتر يظهر على وجه أيوب ليسأل الطبيبة :
-هل كل شيء بخير؟
لماذا لا نسمع صوت النبض.
مسحت الجل ثم أعطتها منشفة صغيرة لتمسح الباقي و قالت :
-ارتدي ملابسك لنتكلم قليلا.
وقع قلبها بين قدميها لدرجة أن يدها كانت ترتعش غير قادرة على مسك المنشفة فقام أيوب بإزالة الجل و مساعدتها في ارتداء ملابسها و انزلها من السرير لتسألها الطبيبة :
-متى كانت آخر دورة شهرية لك؟
بصوت متحشرج ردت:
-لا أذكر أقصد بأن دورتي ليست منتظمة تقريبا لم تأتي بعد زواجي إلا مرة واحدة .
ليقول أيوب:
-لا مرتين أذكر آخر مرة قبل عودتنا بثلاثة أسابيع تقريبا.
قامت بكتابة بعض الملاحظات و تابعت السؤال عن تاريخها الطبي ثم ابتسمت لهم مطمئنة وقالت:
-لا تقلقي لقد رأيت الكيس و الجنين عدم وجود النبض لا يعني موت الجنين على الأغلب هو صغير فقط تعالي بعد عشرة أيام وسوف نقوم بمحاولة سماع نبضه، إلى ذلك الوقت عليك بالراحة التامة .


❈-❈-❈


في المدينة السياحية

سحبت السيجارة من فمه و أطفأتها قائلة:
-التدخين ممنوع منذ الآن وصاعدا.
ابتسم لها ثم مد يده وطوقها ليجبرها على الجلوس فوق حجره بصعوبة فهي لازالت تخجل وتعارضه كلما حاول القيام معها بحركات حميمية حتى لو كانت مجرد قبلة على الخد أو حضن عابر!
لولا أن درصاف شرحت له حالتها دون الخوض في تفاصيل لظن بأنها تنفر منه.
بخجل مررت يدها على لحيته وقالت:
-لازلت غاضبا من درصاف؟
حاول أن تفهم موقفها كلنا نعرف تعلقها بوالدتها .
قبل باطن كفها ورد:
-أعرف ، وهذا الذي يجعلني ألتمس لها العذر وإلا كنت منعتها بنفسي، الأمر فقط أني أخشى عليها من الذهاب وحدها.
ردت مطمئنة :
-أنت و حارث تهولان الأمر ، الناس تعيش هناك بشكل شبه طبيعي ، أعرف أن  هناك بعض الميليشات التي تستغل الوضع لكن مادخل درصاف بهم لن يعتدوا على امرأة في النهاية.
رفع عينيه لها ورد:
-خوفي من القريب وليس من الغريب أبدا ، عياد لو عرف أنها هناك؟
شرف الدين والد خطيبها السابق ، زوج خالتي ، القائمة طويلة جدا ، أنت لم تحضري الحرب و لا تعرفي كيف أصبح ضعاف النفوس، لقد ظهروا للسطح بل أصبحوا يسيطرون على معظم الأماكن ويتحكمون بمصير الباقين .
نبرته الغاضبة الممزوجة بالحسرة جعلتها تضم رأسه لصدرها وقالت:
-رغم ذلك الأغلبية الطيبة و الأصيلة لاتزال موجودة ، لايمكن لكمشة من الرعاع أن يغطوا على الباقين للأبد هل نسيت الزبير وما فعله من أجل أشماس؟
هل نسيت قائد الثوار وكيف أصر على أن يوصل حارث و الباقين للمطار؟
صدقني حبيبي الأصل الطيب هو من يكسب في النهاية .
أبعد رأسه وقال بابتسامة واسعة :
-هل سمعت كلمة حبيبي أم أنه تأثير عطرك و حضنك الدافئ ؟
اشتعلت وجنيها و ابتعدت عنه بسرعة ليلحق بها ويطوقها من الخلف وهو يضحك وقال:
-تعالي هنا لقد سمعتها لا تستطيعي الإنكار الآن
حاولت التملص من يديه و ردت:
-كف عن المزاح سفيان
زاد من الضغط عليها ومال يقبل رقبتها برقة لتشعر بأن قشعريرة لذيذة تسري في جسدها فقالت بصوت لاهث:
-سفيان توقف من فضلك نحن لم ننه حديثنا بعد عليك الاتصال بوالدتك كي...
لفها لتواجهه ملتقطا باقي كلماتها بين شفتيه لكنها أبعدته عنها وقالت بأنفاس متقطعة :
-سفيان توقف يجب أن نتحدث أولا
خجلها الذي لا ينتهي يزيد من جمالها في عينيه، حتي عدم مبادرتها في العلاقة و جهلها التام كأنه لم يسبق لها الزواج لسنوات يرضي غروره الذكوري أتعبته قليلا أول ليلة لهما معا ثم أصبحت تستسلم له دون مبادلة تذكر في أيام قليلة إذن سوف ينجح في إخراج الأنثى من داخلها ببعض الصبر.
انحنى يضع يديه تحت ركبتيها لتتعلق برقبته فقال بمزاح :
-ممتاز تعلمت بسرعة و الآن تعالي لدينا جلسة معاينة ضرورية .
أرادت الاعتراض أو دفعه ليتركها لكنها لم تفعل بل وجدت نفسها تسبل رموشها في خجل وتتركه يدخلها للحمام لتجد بأن حوض الاستحمام ممتلئ ببتلات الزهور فقالت في صدمة :
-متي فعلت ذلك؟
أنزلها دون أن يفلتها من يديه وغمز بعينه ورد:
-هذا سر المهنة حبيبتي ، قلت يجب أن يتم الفحص تحت الماء والآن سننفذ.

❈-❈-❈

في بلد أيوب

لم تنطق بحرف بل اتخذت النوم كملجأ لها وهو لم يضغط عليها بل تركها تنام في غرفتهم و خرج ليتحدث مع حارث الذي قرر بأنه سوف يتمم الزواج هذا الأسبوع .
وجده يدخن الأرجيلة في الحديقة فجلس بقربه وقال:
-واضح أنه أمر صعب لدرجة أنك اخترت الأرجيلة بدلا من السجائر ؟
وضع حجرا آخر و رد:
-أحاول التخفيف من التدخين يقال أنها أخف .
رد بسخرية:
-بركاتك ياجمان و ماهي الخطوة القادمة ؟
أخرج دخان من فمه و قال:
-دعك من المزاح وقل ما يجول بداخلك من كلام منذ يومين؟
ضحك ورد:
-حبيبي الذي يفهمها وهي طائرة .
ثم عدل جلسته وتابع:
-لدي سؤال مهم أرجو أن تجيبني بصراحة لأنه يترتب عليه الكثير من الأشياء .
هز حارث رأسه بالموافقة ليقول أيوب بعدها:
-لماذا طلقت درصاف؟
أقصد التوقيت أنت لم تفلعها عندما أدخلت هادي البيت في عدم وجودك رغم أن جبريل رحمه الله طلب منك ذلك ولا حتى عندما ساعدت والدتها في أخذ مالك واختفت لسنة كاملة.
رد عليه:
-والمعني؟
هات السؤال الحقيقي أيوب لا أحب اللف والدوران
تنهد و رد:
-هل كنت تلقنها درسا؟
عكس ما توقع جاءت ردة فعله هادئه جدا بل إنه تابع التدخين من الأرجيلة ليردف هو:
-حارث أنا أكثر شخص أعرف حبك لها وأعلم جيدا ماعانيته عندما علمت بخطبتها لغيرك ، ربما أكون سعيدا بأنك تخطيتها بعد كل ما حدث منها لكن عليك أن تواجه نفسك أولا .
أبعد مبسم الأرجيلة عن فمه و نفخ الدخان عاليا ثم قال:
-بل أنا من تعلم الدرس.
عقد أيوب حاجبيه في عدم فهم ليكمل الأول :
-كل ما قلته صحيح درصاف غرست خنجرها بداخلي قبل أن نتزوج حتى لكني تجاهلت الألم ظنا مني بأنه سيزول بعد أن تثبت لي حبها ، كنت أحلم بحياة مختلفة تماما عن تلك التي عشتها معها والتي أثبتت لي بأني كنت أحب صورة في خيالي لا وجود لها في الواقع.
قاطعه أيوب:
-هذا لا يجيب على سؤالي ، التوقيت لماذا لم تنتظر حتى عودة سفيان على الأقل ماذا ستفرق.
نظر في عينيه ورد:
-ستفرق معي، لم أعد أستطيع تحمل دلعها الذي أصبحت أراه ماسخا لم تعد لدي القدرة على بلع إهانتها المستمرة لي و لقبيلتي كلها، تعرف كم مرة سمعتها تقول بأنها أجبرت على الزواج مني؟
لن ألومها على عدم تعزيتها في أمي و أبي فهي أصلا لم تحبهما يوما بل أكاد أجزم بأنها سعيدة لموتهما
ليقاطعه أيوب في حدة:
-لا تقل ذلك درصاف ليست عديمة الرحمة أو حقودة كي تفرح في موت أحد .
ليرد بصرامة:
-ليس أحد بل أمي و أبي تحديدا .
ليرد عليه:
-مادمت لازلت غاضبا منها هذا دليل على أنك تحمل لها مشاعر ولايجوز أن تعلق امرأة أخرى بك وأنت تحمل لغيرها مشاعر.
عاد للتدخين ثم قال:
-أحمل مشاعر غضب لعياد و أشرف أيضا بالمناسبة؛ اسمع أنا لا أكرهها هذه حقيقة رغم كل مافعلته هي و أمها لكنها في النهاية تعتبر ابنة خالي من دمي و أم ابني ، أما الحب والمشاعر فقد ماتت منذ زمن أنا الذي كنت أحاول إبقائها بوضعها على أجهزة الإنعاش .
ليقول أيوب بسرعه:
-وجمان ؟؟
ماهو وضعها بالنسبة لك؟
بديل، تعويض، أم شخص تنسى به آلامك ، أم ...
ترك كلامه دون تكملة ليبتسم حارث و يرد:
-ليست الأخيرة بالطبع لا أحتاج لأي أنثى والسلام لتدفئ فراشي وإلا كنت تزوجت منذ أول يوم، ربما لا تعلم لكن بعد الحرب و نزوح الكثيرين من أبناء الوطن ببناتهم خصوصا اللاتي طلقن بسبب اختلاف الآراء السياسية أصبح من العادي أن يعرض أهل البنات على الشباب الأعزب الزواج منهن ، وقد حدث أن تمت زيجات كثيرة بهذا الشكل.
اتسعت عينا أيوب في صدمة وقال:
-لا أصدق أنتم تفعلون ذلك؟
عشت معكم وأعرف أنه أمر مستحيل بل قد يعد
قاطعه حارث في حزن:
-الوضع تغير و الأهل يخافون على بناتهم من الانحراف كوننا في دولة عربية لا يعني ذلك بأنهن لن يفعلن بل الكثيرون يخافون على أولادهم أيضا ؛ الحرب تظهر أسوأ مافي البشر دائما وللأسف هناك انحرف فعلا من الجنسين.
حوقل أيوب ورد:
-وجمان؟
لم تخف عليه تغير نظرته ولا الإبتسامة التي سكنت عينيه عندما أجاب :
-سأقول لك ما قلته لأشماس، ليس حبا بمعناه المعروف ، بل راحة أشعر بأن روحي ترتاح لروحها أحب الحديث معها أستطيع النقاش لساعات دون ملل لا أعرف كيف أشرح الأمر لكن وجودها ورؤيتها يوميا تجعل ليومي طعم مختلف.
صفق عبدالخالق من خلفهما ليلتفت له أيوب و حارث فأبعد حارث الأرجيلة عندما رأى عمته معه في الوقت الذي قال عبدالخالق:
-معك حق هذا ليس حبا بل عشق فقط.
نكزته أمه قائلة :
-تحشم ياولد وخذ مني الصينية هيا.
أخذ منها الصينية لتجلس هي مقابلة لحارث الذي هرب بنظراته منها أما عبدالخالق فقال:
-أيوب اعطني مفتاح السيارة لدي مشوار قريب مهم.
مد له المفتاح لتقول مبروكة:
-إلي أين يجب أن نتحدث كلنا في قرارك أولا .
ليقول حارث باستغراب:
-أي قرار؟
تعنين عودته للوطن؟
ظهر عليها الغضب و ردت:
-كنت تعرف ؟
لا تقل بأنك تؤيده في ذلك أنا غير موافقة لن أجازف بمن بقى من أبنائي من أجل حفنة أموال.
رد أيوب:
-الوضع ليس بالخطورة التي تتصورينها كما أننا اتصلنا بأكثر من شخص هناك كي نؤمن سلامته و خالي إبراهيم أيضا أكد لنا
قاطعته في حدة :
-ولماذا لا يذهب هو؟
كالعادة يوصي معارفه أو يرسل هدية قيمة من بعيد ليقال عليه بأنه لم يقصر لكنه لا يتدخل وقت الجد أو يضع نفسه في المخاطر أبدا .
تقبض عبدالخالق و زم شفتيه ثم قال:
-لا أنتظر المساعدة منه أو من غيره ، لقد نفذت طلبك طوال الفترة الماضية ولم أعد للوطن حتى لأخذ عزاء أبي لكني لن أختبئ طوال عمري مثل النساء، سوف أعود للوطن وأعيد منزلنا و حقنا من الذي اغتصبوه ظلما.
فكت عقدة الإيشارب الذي تلفه على رأسها و رمته أرضا قائلة :
-افعلها إذا قدرت الآن .
ضرب عبدالخالق الكرسي بقدمه واستقام خارجا من الفيلا بينما قال حارث:
-استغفر الله ياعمتي لا يجوز ذلك، غطي شعرك الآن ، عبدالخالق لم يعد طفلا ولايجوز لوي ذراعه بهذه الطريقة.

نظرت له شزرا ثم أخذت الإيشارب لتعيده على رأسها وقالت:
-دعك منه وقل لي متى كنت سأعرف بقصة جمان؟
عقد حاجبيه ورد:
-أي قصة لقد أخبرتك بأني أريد إتمام الزواج هذا الأسبوع قبل عودة سفيان و درصاف لا داعي لاحراج أحد منهما.
عقدت يديها وقالت:
-هل سنطلبها من أمها ؟
شحب وجهه لتتابع:
-الفتاة تعيش وحدها منذ أن تركت الوطن وكذبت علي وهي تنظر في عيني الله أعلم ماذا تخفي أيضا ؟
ليقول أيوب:
-ما دمت عرفت بأن والدتها متوفاة إذن عرفت سبب خروجها منذ البداية ، الفتاة كانت تحاول حماية نفسها وسمعتها لذلك ادعت بأنها تعيش معها لا غير.
رفعت حاجبيها و ردت:
-من يشهد للعروسة ألست أنت العقل المدبر لتلك الزيجة من الأساس ؟
فغر فاه ورد:
-أنا يا عمتي؟
مطت شفتيها وردت:
-نعم أنت ياروح عمتك، المشكلة أن تفاحة أخذتها لتقيم عندها وتنتظر قدومنا لنخطبها لا أستطيع الرفض الآن
ليقول حارث بحزم:
-ولماذا ترفضين ؟
لقد سألت عنها هنا و في الوطن قبل أن تعرفوا أصلا بأمر الخطبة ، لست غرا كي أتزوج دون أن أعرف كل شيء عن التي ستحمل اسمي و تكون أم أولادي ، كما قال أيوب بم أنك عرفت بأمر أمها إذن عرفت كل شيء ، لا تجعلي حميتك لدرصاف تصور لك بأنها شيطان.
مدت يديها تأخذ كأس الشاي وردت:
-كبرتم و أصبحتم تتصرفون من دماغكم، أنا ذاهبة معك لأني لا أريد خسارة تفاحة فقط فهي لسبب غريب تقف في صفها لكن إذا رأيت مالا يعجبني منها لن أسكت أبدا مفهوم.
ثم التفتت لأيوب تقول بنفس النبرة :
-وأنت أين زوجتك يجب أن نجهز أنفسنا كي نذهب للناس اليوم .
أخذ كأسا بدور ورد:
-نائمة سوف أخبرها عندما تستيقظ
أخذت منه كأس الشاي وقالت:
-لا أنا من سأتكفل بها اذهب مع حارث الآن لتجلب هدايا الزيارة لا أريد أن أتأخر عن تفاحة .
مدت له ورقة مطوية و أكملت :
-اجلب كل ما في الورقة إياك أن تنسى شيئا مفهوم.
قرأ حارث الورقة وقال:
-كل هذا؟
ماذا تركت للفرح إذا ؟
أشارت بيدها و ردت:
-بدأت الخطبة بطريقتك لكنها الآن ستتم بالطريقة الصحيحة اذهب الآن هيا ليس لدينا وقت.

استقام وسحب معه أيوب قائلا:
-هيا يانصي ورائنا عمل كثير
ليذهب معه ويرد:
-اسمها نصفي وليس نصي حتى هذه أكلتها .
رد وهو يركب السيارة :
-لهجتي آكلها مثلما أريد أم تريدني أن أخبر أشماس بأنك تهزأ بلهجتنا؟
ضرب كفه بالآخر و قال:
-لا إله إلا الله ، هيا بنا عمتي مبروكة هي من ستأخذ حقي منك.
انطلقت بهما السيارة بينما صعدت هي لغرفة أشماس لتوقظها لتستيقظ مفزوعة وتبدأ في البكاء الأمر الذي استغربت له مبروكة كثيرا فأخذت تربت عليها حتى هدأت لتحكي لها أشماس ماحدث عند الطبيبة ؛ رغم غضبها الشديد منها إلا أنها قالت بهدوء:
-أولا هذا طبيعي مادامت الطبيبة أخبرتك بأن كل شيء جيد ، انتظري للزيارة القادمة ، ثم تحليل الدم أثبت حملك لماذا الخوف؟
مسحت دموعها وردت:
-كيف صغير وأنا أشعر بأعراض الحمل ؟
لترد عليها بنفس النبرة :
-أي أعراض تلك ؟
الدورة منقطعة عندك منذ مدة ولم أرك تتقيئي أبدا .
مسحت وجهها بكفيها وردت:
-لا أنا أعني تقلبات المزاج،أخبرتني درصاف بأنها من علامات الحمل و اشتهائي للخبز.
ابتسمت وردت:
- كل أولاد الشيخ عثمان لديكم تلك العادة الغريبة تبكون و تضحكون في نفس الوقت كأن بكم مس أما قصة الخبز فأنت بالذات دودة خبز خصوصا عندما يكون من الوطن أم نسيت المخبز الذي كان بالحي في الوطن نصف أرباحه منك ؟
استغرب كيف لايزيد وزنك مع كل الخبز الذي تلينه
قرأت المعوذتين في سرها لتضيق مبروكة عينيها وقالت:
-ماذا قلت عليِ صوت هيا.
أبعدت الغطاء لتستقيم وردت:
-لا شيء عمتي أريد أن أذهب لزيزو لم أره منذ أن عدت.
استقامت مبروكة بدوها وقالت:
يأكل مع سنان في الفيلا الأخرى ، اسمعي سوف نذهب اليوم لمنزل تفاحة كي نخطب جمان.
ذهبت معها دون تعليق لتجده يلعب في الحديقة وجرى عليها لتنحني وتحمله فحاولت مبروكة أخذه منها قائلا :
-لا يجوز أشماس ثقيل عليك.
ردت عليها وهي تحتضنه وتدخل للمطبخ:
-دعيه عمتي يزيد يحتاجني الآن أكثر ثم أنه خفيف جدا.
قبلته وقالت بصوت طفولي:
-تعال لتأكل معي يا روح ماش.
دخلت للمطبخ لتجد سنان تغرف الطعام فجلست على الطاولة وبدأت تأكل و تطعم يزيد. لتقول سنان:
-سمعت سوف يذهبون لخطبة جمان اليوم.
ردت مبروكة :
-بم أنك أنهيت طعامك اذهبي لتغيري ملابسك لا أريد لأحد أن يؤخرنا وأنت أول من سيذهب معنا مفهوم.
مد شفيتها و ردت بتعنت:
-لا أريد الذهاب هذه خيانة لدرصاف.
عقدة مبروكة يديها وردت:
-وضحكك ولعبك مع أميرة التي يسيل لعابها كلما رأت حارث لم يكن خيانة لدرصاف؟
اسمعيني جيدا الآن تغيري ملابسك ولو قلت أو ظهر عليك أي قلة احترام أمام تفاحة أو قللت من جمان متعمدة لن أفوتها لك أبدا مفهوم؛ حارث اختار وعلينا احترامه واحترام جمان أيضا لأنها ستصبح زوجة شقيقك أي في مقام أختك الكبرى.
خرجت سنان غاضبة لتقول أشماس:
-لماذا قسوت عليها عمتي ، سنان طيبة تحتاج وقت فقط كي تتقبل جمان.
جلست بقربها وردت:
-أولا ليس لدينا وقت ثانيا لو تركتها قد تعاند بل قد تعامل جمان بطريقة سيئة وهذا ما لن أقبله في حق زوجة حارث، لقد تعب كثيرا ومن حقه أن يرتاح، رغم أني كنت أتمنى فعلا أن تتغير درصاف و يردها لعصمته لكن ذلك لم يحدث لذلك علينا احترام قراره مهما كان.
زفرت أشماس و قالت:
-هذا هو نفس السبب الذي جعلني أتقبلها، خصوصا أنني فعلا حاولت كثيرا مع درصاف دون فائدة .
تنهدت ثم قالت ببعض الغضب:
-لكني لن أمرر لتفاحة معرفتها بقصة جمان دون إخباري ننهي الزواج فقط وبعدها حسابها معي؟
بتفاجؤ ردت :
-هل تعرف خالتي تفاحة بموت والديها أيضا ؟
ضيقت مبروكة عينيها وقالت:
-ماذا تعنين أيضا ؟
كنت أعرف بأن حارث لن يخفي عنك شيء مهم كهذا طبعا أنت توأمه هاتي ماعندك أريد التفاصيل كلها الآن .
تعرف عمتها جيدا لن تمرر الأمر حتى تعرف كل شيء لذلك أخبرتها بكل شيء مع محاولة تجميل بعض التفاصيل



بعد أقل من ساعتين وصلوا لفيلا أم حامد ليدخل حارث و أيوب محملين بسلات الهديا خلفهما سنان تحمل طبق كريستال كبير به شوكلاتة مغلفة بطريقة محترفة وبعدها مبروكة و أشماس تمسك بيدها يزيد استقبلهم حامد و هالة الأمر الذي استغربه الجميع خصوصا عندما أدخلوهم لصالة كبيرة خاصة بالضيوف وجلست هالة معهم فهذا مخالف لعادتهم حيث يجب أن ينفصل النساء و الرجل كلا في مكانه خصوصا في الخطبة
ليقول حامد:
-أمي اقترحت أن نجلس معا لأننا عائلة واحدة تقريبا وكي يكون الاتفاق أمام الجميع.
شعر حارث ببعض القلق الذي تبدد عند دخولها خلف تفاحة ليقف من مكانه يطالعها بنظرات مختلفة ؛ كانت منحنية الرأس ترتدي فستان فستقي به وردات بيضاء يصل لأسفل قدمها مع حزام من الجلد الرفيع تربط به خصرها و حجاب بنفس لون الفستان سلمت على مبروكة التي أخذتها بالأحضان قائلة:
-أهلا بعروس الغالي تصدقيني أني اشتقت لك؟
لم أكن أعرف ذلك حتى رأيتك الآن .
ابتسمت في خجل و ردت بكلمات غير واضحة ، لتقوم أشماس بالمثل أما سنان فسلمت بيديها فقط ثم جلست بجانب تفاحة ليجري عليها يزيد قائلا:
مان أمي باي.
قبلته وردت :
-ستعود قريبا حبيبي هل قمت اليوم بالرسم؟
هز رأسه ثم لعب حواجبه وقبلها على خدها قائلا:
-مان حلو
ضحك الجميع بصوت عال فقام أيوب بأخذه و وضعه عند أشماس قائلا:
-لا تتركيه سوف يفضحنا.
تنحنحت مبروكة وقالت:
-لا داعي للرسميات تعرفون لماذا نحن هنا، ماهي طلباتكم مع العلم بأن حارث يريد أن يتم الزواج في هذا الأسبوع ، لا أعرف كيف ومتى سنحضر للفرح لكنه مصر.
ردت جمان بسرعة :
-لا أريد فرح.
التفت الجميع لها بينما ألقت عليها تفاحة نظرة حانقه لتخفض عينيها و تكمل:
-أعني لا أستطيع إقامة فرح ولم يمر على وفاة أهلي إلا سنة فقط، الفرح للأهل أكثر منه للعروس بم أن الأهل لن يحضروه فلا داعي له.
لترد مبروكة :
-سنة وقت أكثر من مناسب ونحن نريد أن نفرح بولدنا
قاطعتها سنان:
-سبق و أقام أكبر حفل زفاف في مدينتنا وقد فرحنا به كلنا.
أغمضت جمان عينيها أما سنان فقد بلعت باقي كلامها بسبب النظرات المخفية التي تلقتها من مبروكة وحارث و أشماس معا.
تدخل حامد قائلا بلباقة :
-لنقسم البلد نصفين، نقيم احتفال صغير هنا نحن فقط عشاء بسيط وتتصور مع عروسك وبعدها تأخذها لمنزلك أعتقد ذلك يرضي جميع الأطراف .
ردت مبروكة :
-لا العشاء عندنا في بيت زوجها.
ابتسمت تفاحة وقالت:
-لن نختلف لكن تأخذوها من هنا اتفقنا.
هزت مبروكة رأسها بالموافقة لتتابع الأولى :
-العروس ليس لها طلبات اجلبوا ماترونه مناسبا هي لا تريد مهرا لذلك أنا سأطلب لها مؤخر يضمن حقها.
بصوت رخيم قال حارث:
-مقامها عالي عندي و لابد أنكم سمعتم عن فرحي السابق وما أحضرته وقتها، للأسف الوضع اختلف ولن أستطيع جلب نفس الشيء لكني لن أظلمها الشقة التي كانت تسكن بها هي ملكي الخاص سوف أكتبها باسمها بيع و شراء لتكون مهرا لها و سأكتب المؤخر الذي تريده.
شهقت جمان وردت:
-لا لا أريد ذلك كثير.
تدخلت أشماس لأول مرة:
-ليس كثيرا على زوجة حارث، أنا وأيوب قررنا إحضار الذهب كما أنك سوف تقيمين في فيلا حارث طبعا وهذا شرطنا نحن لا نريد أن نبتعد عن حارث أو نبعده عن ابنه.
لم تستطع الرد من كثرة المفاجات ودت لو تجري وتقبلها فهي لم تكن تظن بأنهم سيجلبون لها شيئا في هذه الظروف، بل سيصرون على أن تعيش معهم أيضا
لتقول هالة بصوت عال :
-ماذا سيحدث لو طلبت درصاف أن تعيدها لذمتك؟
شحبت الوجوه وانطلقت شهقات الاستنكار ثم تحولت الأعين لحارث الذي قال :
-سأعيدها طبعا.

وقع قلبها بين قدميها وشعرت بأن العالم كله تحول للسواد حولها


❈-❈-❈

في الدولة المجاورة

لم يصدق هادي بأن والده أيضا يخونه بل يقف في صف جده بحجة أنه رجل كبير و يجب أن نريحه في آخر أيامه !
المواجهة تعني خسارته لباقي العائلة وهو رغم إصراره على العيش خارجا لا يستطيع قطع كل علاقته بهم، لذلك قرر العودة للخارج بعد أن أخبرهم بقراره بأنه ماض في الزواج من فتنة .
في صالة الانتظار جلس والده بقربه وقال:
-اسمع ياولدي صدقني أنا لست ضدك لكن ماتطلبه صعب جدا لو كانت منِ قبيلة أخرى من قبائل الجبل كنت وقفت ضد جدك بقوة لكنها من دولة أخرى تعرف صعوبة إقناع جدك بها؟
نظر له كأنه يراه لأول مرة ورد:
-من أنت ؟
لست الأب الذي رباني وعلمني بأنه لايوجد فرق بين البشر إلا بأخلاقهم و تدينهم؟
كيف تغيرت بعد موت أمي لهذه الدرجة؟
زفر أبوه و رد:
-لم أتغير أنا كبرت ولم يعد في العمر مثلما مضى، نعم موت والدتك غيرني وجعلني أعرف أنه لايوجد شيء يستحق غضب الأهل منا أو خسارة الوقت بعيدا عن أحبتنا ، لذلك انتقلت للعيش قرب أبي ، اسمع لو كانت تلك الفتاة تملك جنسية أجنبية قد يقلل ذلك من غضب ..
وقف من مكانه ورد بصوت عال :
-تفضل أجنبية من غير ديننا ولا أخلاقنا على فتاة مسلمة من أصل طيب؟
وقف بدوره ورد بحدة مماثلة :
-تعلي صوتك علي هذا ما ربيتك عليه؟
أنزل رأسه وقال باعتذار:
اعتذر يا أبي لم أقصد لقد فلتت أعصابي فقط.
تأمل ابنه وهو يفكر كم يشبه زوجته الرحلة رغم حدة ملامحه، كل شيء فيه مثلها حتى عندها وذلك الاعتذار الكاذب يعرف جيدا بأنه اتخذ قراره ولن يعود فيه وهل يلومه؟
يعرف بأن والده أصبح أسوأ من السابق وقد تخلى الكثير من أبناء القبيلة عنه بسبب تعنته في نفس الوقت الذي أصبح البعض يتمسك بتلك العادات بشدة و القسم الآخر بدأ في التخلي عنها، هو لايريد لابنه بأن ينسلخ من القبيلة تماما لذلك
قال بيأس:
-لن أغضب إذا تزوجتها دون حضوري تعرف بأن كل مايهمني هو سعادتك ، عموما سوف آتي لزيارتك عندما تكون مستعدا لاستقبالي في منزلك الجديد.
ابتسم له وانحنى يقبل يده عندما أعلن عن فتح البوابة الخاصة برحلته ليودعه على أمل أن يلقاه المرة القادمة في المنزل الذي سيجمعه مع فتنة .

❈-❈-❈

في وطن أيوب

لم تنم جيدا ليسحبها لحضنه وقال:
-مابها سعادتي حزينة ؟
لا تقلقي متأكد بأن الطفل بخير لقد أكد لي جدي ذلك.
رفعت رأسها وردت:
-هل حلمت به أنت أيضا ؟
ضغط على أرنبة أنفها بإصبعه ورد:
-بم أنه زارك إذا لماذا أنت خائفة ؟
لم ترد ليضمها كي تنام على صدره وتابع:
-هذا لا يعني بأني مقتنع بسبب رفضك للحمل عندما عرفت به ؟
حتى لو كنت تخططين للبعد عني وهو مستحيل أيجعلك ذلك تفعلين ذنبا كبيرا مثل قتل نفس.
تنهدت وعدلت جلستها وقالت:
-دعك من كلمة مستحيل هذه فقد أثبت لي قبلا بأنه لايوجد لها معنى ولنتكلم بصراحة .
جلس بدوره ليستمع لها في اهتمام، فقالت:
-الطفل سيحمل جنسيتك بالطبع وعند الانفصال ليس سهلا علي أخذه معي لو عدت للوطن، الأمر ليس سهلا عندنا لابن المواطنة من جنسيىة أخرى ، هذا لو فرضنا بأنك ستكون جيدا معي ولن تأخذه مني.
رد بسخرية:
-لا طبعا أنا سوف أطردك و آخذ ابننا ماهذا الفيلم الهندي الذي تتحدثين عنه بالله عليك؟
تندت عيناها وهي تتذكر حديثها السابق مع أفطيم و درصاف عندما حذرتها الأولى بأن ذلك سيحدث لتؤكد هي بعناد بأنه من رابع المستحيلات ليقف القدر ساخرا منها الآن وهي توضع في الموقف الذي رفضت مناقشته حتى!
أمسك أيوب بكلتا يديها وقال:
-لدي حل قد يرضيك، ما رأيك أن نبقى في الخارج حتى تنجبين؟
عندها سيأخذ الطفل الجنسية وتستطيعين عندها إدخاله لبلادك براحتك بحكم جنسيته الأجنبية هل يرضيك ذلك؟

نزلت دموعها و رمت نفسها في حضنه غير قادرة على الرد ليحتضنها ويربت على ظهرها قائلا:
-سأفعل أي شيء يريحك و يبعث الطمأنينة لقلبك ياروح الروح، لا تفكري في شيء الآن المهم راحتك.



اليوم التالي
ذهبت جمان مع أشماس و يزيد للمول لشراء حاجات الأولى وقد رافقتهم سنان بامر من مبروكة ، كانت جمان محرجة خصوصا عندما دخلوا لمحل قمصان النوم اقتربت أشماس منها تسأل :
-ماهو لونك المفضل؟
أعني ما الذي يليق عليك أكثر من الألوان ؟
رفعت جمان كتفيها وأنزلتها دون رد لتمط سنان شفتيها بقرف وتذهب لتختار بعض المنامات الحريرية لها فشدت أشماس الأولى وقالت:
-تعالي لنختار قميص ليلة الدخلة على الأقل .
زادت حمرة خديها ولم تعرف كيف تختار فجذبت أول قميص أمامها لترفع أشماس حاجبها وقالت بقرف:
-ماهذا الذوق اسمعيني جيدا عندك اختيارك لقمصان النوم اختاري القصيرة وإياك واختيار واحدة بالريش فهو مزعج ويطير في الغسيل بالإضافة أنه يجعلك مثل البطة حرفيا، بم أن جسمك جميل ارتدي بيجامات من شورتات و حمالات فهي جذابة جدا و
انتبهت أن سنان قد حشرت نفسها بينهما لتضع كفها المفرود على وجهها وتقول:
-عيب يافتاة لازلت صغيرة على هذا الكلام.
عدلت ملابسها بنزق و ردت:
-أي صغيرة هل نسيت من اختار لك قمصان النوم والكريمات.
وجدتها جمان فرصة لتتقرب منها فقالت:
-مارأيك أن تختاري لي أنا أيضا ذوقك جميل جدا في الملابس
نظرت لها سنان بطرف عينها لتقول جمان برجاء:
-لا أعرف كيف أختار حقا.
قلبت سنان عينيها و ردت:
-حسنا فقط لأنك قلت الحقيقة فذوقك سيء جدا كل ملابسك نفس اللون الباهت تحتاجين للكثير من الإصلاحات كي ترتقي لمستواي ، لا أعرف ماذا رأي حارث فيك؟
نظرت أشماس لجمان ترى تأثير كلمات سنان عليها لتجدها تحاول كتم ابتسامتها لتأخذ جمان يزيد منها وقالت:
-سوف آخذه لمنطقة الألعاب سنان سوف تقوم بالواجب حتما.
ذهبت جمان مع يزيد وهي ممتنة جدا للفتاتين ، قد يظن البعض بأنها خجولة أو ربما مستسلمة لكن الوقع أنها تفتقد والدتها كثيرا لطالما حلمت والدتها باليوم الذي سوف تجهزها فيه كعروس وحسب العادات لا يتم ذلك إلا بعد إتمام الخطبة ، كم مرة أخبرتها بأنها ستذهب معها للمحلات لشراء قمصان النوم أو اختيار فستان الفرح أو حتى ناقشتها في قائمة الطعام الذي ستقدمه ، ذكريات كثيرة لا تريد أن تعيشها بدون والدتها لذلك رفضت إقامة حفل الزفاف حتى فستان الزفاف لم تكن تريد ارتداءه لولا إصرار الخالة تفاحة عليها.
رن هاتفها لتجيب مبتسمة:
-كنت أفكر فيك الآن.
أجابتها تفاحة بضحكة عالية ثم قالت:
-هل أنهيت شراء حاجياتك؟
وضعت النقود المعدنية في اللعبة التي صعد عليها يزيد وردت:
-تركت أشماس وسنان تختاران لي لست جيدة في هذه الأمور.
ردت عليها بحدة:
-جمان لا يعجبني ما تفعلينه من تقليل لنفسك بهذه الطريقة، أنت لست رخيصة أو معيوبة كي تفعلي ذلك اسمعي لو تراجع في كتابة الشقة باسمك أنا من سيوقف هذه الزيجة تفهمين.
شعرت بخوف لترد مطمئنة :
-غدا صباحا سأذهب معه كي يتنازل لي عنها لقد أخبرني بذلك .
لترد عليها بلين هذه المرة:
-ألن تخبريه عن عمك؟
نظرت حولها كأنها تتأكد من عدم سماع أحد لها وردت بهمس:
-لا ليس الآن أرجوك لا تفعلي أنت لقد وعدتني خالتي.
لترد بنفس النبرة :
-لا تخافي لن أفعل ، أنهي أنت تسوقك وتعالي قبل أن يحل الليل.
أغلقت لترى أشماس و سنان تتقدمان منها فأنزلت يزيد و ذهبت لهما لتقول أشماس:
-أنا جائعة هيا نأكل شيئا قبل أن نكمل التسوق.
جلسن في أحد المطاعم لتقول سنان بفضول:
-لماذا لم ترفضي حارث بعد أن أقر بأنه سيعيد در لو طلبت ذلك منه؟
شعرت بأن اللقمة وقفت في حلقها لتحاول ابتلاعها بصعوبة ثم ردت:
-لأنه لم يكذب؛ كان يمكنه الكذب وقول لا وعندها لن أصدقه أبدا فحارث الذي عرفته المدة الماضية لن يرد طلب أم ولده أبدا .
لتقول سنان بعدم تصديق:
-وهل ستقبلين لو فعلها ؟
عادت جمان بظهرها للكرسي وهزت رأسها قائلة :
-لا لن أقبل وعندها أنا من سأنسحب من الصورة ، لست ملاكا لأقبل أن أعيش مع ضرة ولا شيطانا كي أحرم طفل من العيش بين والديه.
لتقول سنان بحدة :
-لكن أنت زوجة ثانية الآن أي أنك..
قاطعتها أشماس:
-أنا أيضا زوجة ثانية إياك والغلط مفهوم.
قلبت عينها و ردت:
-الوضع مختلف.
لتقول ببساطة :
-لا هو نفسه الفرق أني عمتك بينما جمان لا؛ إياك والحكم على الغير لا تعرفين ربما تعيشين يوما ما في نفس ظروفها.
بهتت ملامحها وقد آلمتها الفكرة ، هل يمكن لرؤوف أن يتزوج قبلها؟!!!
انتهين من الطعام لتقول أشماس:
-هيا بنا لم ننه الطلبات والوقت ضيق جدا.
لتبدأ جولة أخرى من التسوق بقيادة سنان هذه المرة التي نسيت مؤقتا غضبها واندمجت في متعة التسوق.


❈-❈-❈

مر الأسبوع بسرعة بين التجهيز لجناح حارث في فيلته وقد تم عقد القران قبل اليوم المقرر كي ينتهوا من الإجراءات بسرعة خصوصا أن وكيل العروس حامد وليس أحد أقربائها الأمر الذي جعلها تبكي كثيرا لدرجة أن سنان شعرت بالأسف عليها ، أصعب شيء لفتاة من بلدها ألا يكون وكيلها والدها أو عمها على الأقل بل شخص لا يمت لها بصلة أبدا ؛ ربما ذلك جعلها تشارك مع الخالة تفاحة في الإصرار أن يقيموا لها ليلة حناء ولو صغيرة تضمهم فقط وقد شارك فيها يزيد أيضا بالطبع؛ تلك الأجواء جعلته يتقبل نوعا ما غياب والدته خصوصا مع اتصالها اليومي له وأنه يقيم مع أشماس بشكل كامل حتى في النوم.
الأصعب كان محاولة أشماس لشرح موقفها لكلا من أفطيم و درصاف؛ درصاف لم تكن متأكدة بأنه سيتمم زواجه أو ربما لم ترد أن تفكر في الأمر فوضع أمها أسوأ مما كانت تظن بكثير، أما أفطيم رغم اقتناعها التام بحق حارث في الزواج من قبل إلا أن الحب الذي بدأ ينتشر في حياتها بسرعة البرق جعلها تتمنى أن تكون هناك فرصة آخر لدرصاف معه.
كما طلبت تفاحة تجهزت جمان وانتظرت في فيلتها حتى جاء حارث مع أهله ليأخذها ؛ توقف سيارات الزفة خارجا لينزل منها حارث مع أشماس ويدخل فيلا أم حامد فاستقبلته بالزغاريد لتطلق أشماس هي أيضا زغاريد وثم دخل حارث ليجدها قد ارتدت كاب يغطيها كلها حتى وجهها فقال مازحا:
-علي أن أتأكد ربما غيرتم العروس.
ضحكت تفاحة و أشماس ليقوم هو برفع غطاء وجهها ليتأملها قليلا أما هي فلم تجرؤ على رفع عينيها فيه لينزل الغطاء و يرفع يده فتأبطتها وخرج بها لسيارته عائدا لفيلتهم كما طلبت مبروكة ، عندما دخلت عليهم أطلقت زغاريد عالية لتبعد جمان غطاء رأسها فمدت لها مبروكة معلقة سكر وقالت:
-اعطيها لعريسك .
ففعلت ثم قام حارث بالمثل ثم جلس في الكرسي المخصص لها
مالت أشماس على عمتها وقالت:
-ماهذه العادة جديدة علي
ردت دون أن تلتفت لها:
-يقوم بها أهل مدينة (. ) كي تكون حياتهما حلوة فلا يسمع إلا حلو الكلام منها وهي كذلك.
رفعت حاجبها وردت:
-لماذا لم تفعلي ذلك لي أو لأفطيم على الأقل .
لم أكن أعرف بها أخبرتني عنها تفاحة مرة فقررت أن أفعلها لحارث
لتقول سنان:
-تخاريف هل السكر من سيجعل حياتها سعيدة .
ردت عليها مبروكة بنظرة جانبية :
-هذا فأل حسن وعلى الله الكمال، من يعرف ربما يصدف ويعيش شقيقك في سعادة أم تكرهين ذلك؟
لاحظت أشماس توتر الجو بين حارث و أيوب لتترك مكانها وتذهب لهم فسمعت عبدالخالق يقول:
-استهدوا بالله لا داعي لكل هذا ياشباب.
رد حارث بغضب:
-سآخذ زوجتي و أذهب الآن قبل أن أرتكب جريمة .
عقدت حاجبيها وقالت:
-ماذا هناك ولماذا سترتكب جريمة لا سمح الله.
رد عليها أيوب بغضب مماثل:
-لأنني اقترحت عليه أن نتعشى في فندق الأخ يتهمني بأني بدون شرف.
ضرب حارث كفه بالآخر بصوت عال ورد:
-لا حول و لا قوة إلا بالله ، أنا قلت ذلك ؟
رد أيوب عليه بحدة :
-نعم فعلت ألم تقل حرفيا:
تظنني بدون شرف كي أدع الرجال يشاهدون زوجتي تتمايل أمامهم ؟
شهقت أشماس ونظرت لزوجها بصدمة ليقول عبدالخالق:
-سوء تفاهم ياجماعة لاغير ، اذهب ياحارث مع زوجتك من فضلك و أنت يا أشماس خذي زوجك و..
تركهم أيوب قبل أن يكمل عبدالخالق كلامه لتلتفت أشماس لحارث و قالت:
-ماقلته لايجوز أيوب كان ينتظر هذا اليوم كي نسهر كلنا معا، أعرف بأن مايطلبه ليس من عاداتنا لكن ردك جرحه كثيرا.
زفر في غضب ليخرج سيجارة فأخذها منه عبدالخالق وقال:
-كان يمكنك الرد بطريقة ألطف أو حتى الذهاب ولا ترقص ما المشكلة لا أفهم .
ليرد عليه بحدة :
-و أجعله يراقص عمتي أمام الناس.
رفعت أشماس حاجب الشر وردت:
-عمتك تكون زوجته يعني عرضه رغم اختلاف رؤيته للأمور عنا أنا من كنت سأخبره بهدوء بأن الوضع غير مقبول عندي؛ رد فعلك مبالغ فيها ربما هناك سبب آخر له
رد بحدة :
-ماذا تعنين؟
لوت فمها وقالت:
-أعني ما فهمت تورطت في الزواج وتفرغ غضبك في أيوب.
ذهبت وتركته مذهولا في مكانه لتبحث عن أيوب فوجدته يجلس في سيارته في الجراج لتجلس بقربه و تقول:
-لا تغضب منه، الأمر غير مقبول عندنا هذا كل ما في الأمر.
التفت لها بحدة ورد:
-هل تريني عديم الشرف مثله ؟
ردت بسرعة :
-لاطبعا هو نفسه لايراك كذلك، أيوب عليك فهم أنه يوجد اختلاف كبير في العادات بيننا وهذا لا يعني أبدا أن أحدكما مخطيء، أنت تريد تمضية وقت مرح مع زوجتك و تحتفل بزفاف شقيقك و هو يرى أنه أمر غير لائق.
أسند رأسه على الكرسي ولم يرد فورا بل قال بعد برهة :
-كنت أريد أن نمضي ليلة مرحة معا ، حارث لم يعد يخرج للاستمتاع أو للرحلات مثل السابق منذ حضوره بعد الحرب، كل ما يفعله هو العمل فقط، كما أنه لن يذهب لشهر عسل بسبب يزيد .
أمسكت يده و ردت:
-أعرف بأنك تحبه وتريده أن يعود كما كان لكن هذا مستحيل الآن ، لو كان على الرقص سوف نرقص في غرفتنا خصوصا أن الفيلا فارغة اليوم ويزيد سوف ينام مع سنان مارأيك ؟
كان ينوي تقبيلها عندما شعر بظل ثم فتح الباب الذي بجانبه ليجد حارث قد مال عليه وقال:
-أحدهم حرد مثل النساء فجئت لأصالحه تريد قبلة أم شوكلاتة أم باقة زهور؟
لترد أشماس:
-مابهن النساء؟
تتهموننا بقلة العقل وأنتم تملكون عقل نملة .
اخرجي منها عمتي و اطلبي من جمان أن تجهز سوف آخذها الآن هيا.
مطت شفيتها وخرجت من السيارة ليخرج أيوب معها قائلا:
-من أجلها فقط سوف أسامحك اليوم وبعد أن تعود لدينا كلام آخر .
وضع يده حول عنقه وضغط عليها ضاحكا الأمر الذي جعل أيوب يتذكر حارث القديم الذي قال بعدها:
-أشماس محقة أنا متوتر جدا.
رد عليه باستغراب:
-لماذا هل ندمت على الزواج منها؟
هز رأسه بنفي ورد:
-لا طبعا لكني سمعت بأن عمها هنا ولا أعرف إذا كان قابلها أم لا.
نظر أيوب له ورد:
-لذلك عجلت في عقد القران؟
هز رأسه بمعني نعم وقال:
-أشعر بالندم لعدم إخبارها ربما عدلت عن موافقتها لو عرفت؟
لا أعرف بداخلي خوف بأن يكون سبب موافقتها فقط لأني الخيار الوحيد.
ليقول أيوب بعد برهة :
-صارحها، عليك إخبارها بالحقيقة هذا أفضل حل لا تترك نفسك للتخمين يقتلك، أعتقد بأنها تحبك لكن عليك التأكد بنفسك أخي .



وصل حارث و جمان للفندق في زفة لم تكن كبيرة لكنها ممتعة بالنسبة لهم فقد ذهبت معهم مبروكة و تفاحة اللتان أصرتا على النزول والدخول مع جمان لجناحها، لم يتركهما حارث الذي همس لجمان بألا تسمح لهما بتغيير فستانها ليجلس في الصالة الخارجية للجناح بينما دخلت النساء لغرفة النوم، شعر بأن هناك مايحاك ليقترب من الغرفة فسمع مبروكة تقول:
-تعرفين بأن هذه عاداتنا وقد فعلتها مع بناتي لذلك أريد منديلك.
لتقول تفاحة :
-رغم عدم اقتناعي لكني لن أمانع لو أن ذلك يريح قلبك .
مدت منديل لجمان وقالت:
-اليوم اتصلي بي بعد أن تنتهوا وغدا صباحا سوف
فتح حارث الباب فجأة قائلا:
-أي منديل وأي تخلف تتحدثون عنه؟
وضعت جمان يدها خلف ظهرها لتقول مبروكة مدعية الثبات:
-ما بك ياحارث ألا تعرف المنديل ؟
تقبض ورد:
-وأنت تعرفين بأني ضد هذا التخلف لم أفعلها مع درصاف فلماذا أفعلها الآن ؟
شحب وجهها لتقول:
-نحن نعرف درصاف جيدا لكن هذه عاشت سنة كاملة وحدها.
لتشهق تفاحة وتقول:
-ألم أضمنها لك بنفسي؟
هذه كبيرة في حقي يا مبروكة كيف لا تصدقيني ؟
ردت مبروكة باعتذار حقيقي:
-أنت على رأسي من فوق لكنك تعرفين بنات هذه الأيام ربما..
قاطعها حارث بصوت عال:
-لا أسمح لأحد أيا كان أن يخوض في سيرة زوجتي، لقد اخترتها وأنا متأكد من أخلاقها تماما لذلك بعد إذنكم تفضلوا الآن .
أرادت مبروكة الحديث لتسحبها تفاحة وهي تقول:
-ولا كلمة يكفي ماحدث على آخر الزمن نطرد بسببك حسابك في البيت هيا.
ردت عليها بصوت منخفض:
-وما دخلي أنا حارث هو السبب.
نطرت لها بلوم لتتابع:
-حقك علي تفاحة دعك منهم منديل أم لا هو من سيعيش معها سوف نكمل نحن سهرتنا في البيت لدي خبز تنور طازج مع حساء ولا أروع
لمعت عينيها وردت عليها:
-هل لديك بكلاوة أم أحضر من منزلي؟
ردت الأولى بحماس:
-لا لدي سنان صنعتها صباحا و عبدالخالق سوف يذبح كي نجهز فطور العرسان.
وقفت أمام المصعد وقالت باستغراب:
-فطور ألن يأكلوا هنا؟
وصل المصعد لترد عليها مبروكة :
-أقول فطور عرسان وليس مرضى، أنا من سأرسل لهم فطورهم كل يوم حتى يعود للفيلا هيا ننزل الآن ونكمل حديثنا في الفيلا.


في الغرفه جلست على السرير بوجه شاحب في يدها المنديل ليسحبه منها حارث و يرميه من النافذة ثم دخل ليستحم بينما هي لم تتحرك من مكانها حتى خرج وقال:
-هيا لنصلي أولا .
طاوعته بعد أن توضأت ليضع يده على رأسها و يقول الدعاء المعتاد ثم وقف وسحبها معه ليشعر برعشتها بين يديه ، أزاح حجابها أولا وفك عقدة شعرها لينزل كجداول تغطي ظهرها و جانبي وجهها بلون بني يحاكي عينيها فاقترب منها أكثر يشم عبيره ثم وضع يديه على كتفيها ليتأمل منظرها كلها بذلك الفستان من الستان الأبيض اللامع بأكمام طويلة ولا يوجد به أي نوع من الزينة بل إنه ينزل على طول الجسم بدون أي انتفاخ أو قصة مميزة
فابتسم وقال:
-فستان أبله فعلا.
عقدت حاجبيها وردت:
-ماذا تعني ؟
لم يعجبك؟
بخفة مد يديه لخلف ظهرها يفتح السحاب وقال وهو يقترب منها بدرجة خطيرة :
-لا لم يعجبني لكن من تلبسه أعجبتني .
بمجرد أن فتح السحاب بدا الفستان في النزول ليكمل هو الباقي وقد تحول وجهها لكتلة نار وتجمدت أطرافها ليحضن وجهها بين يديه ويقبل شفتيها برقة ثم ابتعد ليرى تأثيره عليها فتحت عينيها تبحث عنه وعندما اصطدمت بعينيه عادت لتغلقهما فضحك وقال:
-تغشين أبله جمان.
عضت خدها من الداخل تكتم ابتسامتها ليرفع رأسها له ويقبل أنفها ثم يقول بهمس مذيب لأعصابها:
-هل سأكون أنا الفاعل وأنت المفعول به طوال الوقت؟
ألن تشاركي حتى بهمزة وصل أو حرف جر؟!
بلعت ريقها وحاولت التحكم بأنفاسها العالية ولم تستطع حتى النظر له ليميل ويقبلها من جديد بتعمق أكبر هذه المرة فرفعت يديها تطوق رقبته ليحملها ويضعها على السرير ، حاولت أن تعدل نفسها ومدت يدها للطاولة الجانبية فأسرع يمسكها ويطفيء النور ظنا منه بأنها ترغب في ذلك من خجلها.
بعد فترة استلقى على ظهره بابتسامة عريضة وأشعل النور ونظر لها ليلمح على وجهها نظرة غريبة فقال بقلق:
-هل أنت بخير؟
شدت الغطاء عليها و بدأت الدموع تتجمع في عينيها ليجلس بخوف واضح فقالت بصوت باك :
-أنا بخير لا تقلق الأمر فقط..
سكتت لينظر لها باستفسار وعندما طال صمتها قال بنفاذ صبر:
-ماهو الأمر قولي هيا هل آذيتك؟
هزت رأسها بالنفي وردت ببكاء:
-كنت أظن بأنك ستفعل أعني لقد أخبروني لأنه سبق لك الزواج سوف تكون متعجلا و خشنا وربما تؤذيني لدرجة أني أحضرت معي مسكن.
حاول أن يتماسك ولا يظهر أي ردة فعل حتى تنهي كلامها لتمسح دموعها وتمد يدها للطاولة الجانبية وتأخذ علبة مسكن تريها له وهي تقول:
-لكني لم أشعر بشيء أبدا أشعر بأني ظلمتك بتصديقي لذلك الكلام.
وضع يديه خلف كتفيها لتجلس وقال:
-إذن أنت لم تشعري بشيء هل هذا مافهمت ؟
هزت رأسها وردت:
-نعم كنت رقيقا جدا معي وقد راعيت أنها مرتي الأولى بطريقة لم أتخليها.
جذبها لحضنه بقوة لدرجة أنها شهقت وأعاد سؤالها :
-قلت لم تشعري بشيء أبلة جمان إذن علينا معاودة الشرح من جديد واضح أنك تحتاجين للإعادة أكثر من مرة
-حارررث
كان هذا آخر ما قالته قبل أن يبدأ في إعادة شرح الدرس من جديد
استيقظ في الصباح على رنين هاتف الغرفة ليجيب بصوت ناعس فسمع أيوب يقول:
-صباحية مباركة ياعريس لقد قاربنا على العصر وأنت لاتزال نائما في العسل.
أغلق الهاتف ليرتدي ملابسه بسرعة و خرج من الغرفة ليتحدث معه من الهاتف المحمول وقال عندما رد الأول :
-ماذا تريد يا بغيض.
رد عليه بمرح:
-اشتقت لك نصي ألن تأتي لنشرب أرجيلة ؟
بنفاذ صبر قال:
-أيوب قل مالديك هيا .
ضحك وقال:
-لا داعي لأسألك عن ليلتك إذن
رد بغضب:
-أيوب إن لم تقل ما لديك سآتي لأقتلك ثم أعود لأكمل شهر العسل.
ضحك بصوت عال هيئ لحارث بأنه سمعه أمام الباب ليذهب ويفتح باب الجناح فوجده يقف أمامه يحمل بيده حقيبه طعام كبيرة وقال:
- عمتي أصرت أن احضر لك الطعام تعلف في ثور ماشاء الله.
أخذها منه وأغلق الباب دون أن يقول حرفا ليضرب أيوب يده بالأخرى ويقول:
-يامثبت العقل حتى أنا لم أفعل ذلك.

في الداخل خرجت جمان من الحمام لتجده قد جهز مائدة الطعام فشهقت وقالت:
-هل يطبخون كبدة وقلب و أكلنا هنا؟
ابتسم لها ورد:
-لا عمتي مبروكة أرسلت لنا الطعام.
بسعادة ردت:
-بارك الله لها أتعرف بأني أحب الكبدة جدا خصوصا بهذه الطريقة تذكرني بأكل أمي .
ابتسم له وبدأ بالأكل لتتوقف عن الأكل وتقول ببعض الخوف:
-حارث هناك شيء مهم لم أخبرك به.
نظر لها دون أن يتوقف عن الأكل لتتابع:
-في الواقع خفت أن تعدل عن زواجي إذا أخبرتك به.

انتهى آلفصل ولم تنتهي الحكاية
ريما معتوق



 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now