الفصل السابع

1.2K 50 18
                                    

الفصل السابع
خشى عليها من أن تقع في بئر الاكتئاب أو تفكر في الأسوأ، فهي منذ ذلك اليوم الذي أصدر فيه الحكم عليها واجب النفاذ فورا قضت باقي الأسبوع في نحيب لم يتوقف لدرجة أنها لم تقدر على  الذهاب لكليتها وتوقفت عن الأكل ليس كاضطراب أو محاولة منها للضغط على والديها، بل إنها لم تقدر أن تنزل لقمة في معدتها ، التي أصابها التشنج وزاد عندها ألم القولون العصبي.
لذلك أخذها أخيها لمنزل فتنة دون أن يهتم لموافقة والديه فشقيقته تعاني  وهو يقف مقيد اليدين لا يقدر على شيء.
يعرف بأن فتنة ولينا الوحيدين القادرتين على إخراجها من حالتها تلك أو على الأقل التخفيف عنها، اتصل بلينا كي تسبقة  لمنزل فتنة بعد أن قص عليها ماحدث لأن منار لم تخبر أحداً بما حدث بسبب حالتها النفسية السيئة .
تلقتها لينا في حضنها أولا ثم حاولت فتنة أن تحتضنها لكنها دفعتها عنها قائلة بصوت مخنوق من كثرة البكاء
-:ابتعدي عني أنت السبب، لماذا فعلت ذلك لم أطلب منك أن تتدخلي في أموري، أرأيتِ ما جلبه لي تصرفك الأرعن ؟
لن أسامحك أبدا فتنة على  فعلتك تلك.
هربت الدماء من وجه فتنة و امتلأت عينيها بالدموع الحارة، لم تكن تتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد، هي كانت تريد أن توقف ذلك الوغد عن مضايقة صديقتها فقط ، لكنه استغل الأمر وقام بإيصاله بطريقة ملتوية لإحدى الراهبات في الكنيسة وهول الأمر كي يظهر بأنه على علاقة حب مع منار وليس مجرد إعجاب يكاد يكون من جهته هو فقط!
خرجت فادية من المطبخ على صوت منار العالي واقتربت من مكان وقوف الفتيات، هالها منظر منار  والحزن الواضح على محياها، عينيها الواسعتين منتفختين  لدرجة أنها لم تتبين في البداية إذا كانتا مغمضتين أم لا!
وقد اصفر وجهها من الإمتناع عن الطعام في الأيام السابقة كما كانت رائحة فمها كرية لنفس السبب.
وضعت فادية يدها على كتفها وحثتها للذهاب معها، وهي تلقي نظرة على ابنتها تعني لا تلحق بنا؛ أدخلتها لغرفتها وأغلقت الباب خلفها ثم أجلستها على الأريكة الموجودة تحت النافذة الواسعة .
أخذت تربت على رأسها الذي وضعته منار على فخد فادية  وأخذت تبكي في صمت.
-تركتها فادية لفترة ثم قالت وهي تخلل شعرها الناعم: تعرفين بأني تزوجت عمك جمعة دون أن أراه حتى.
توقف نشيج منار وتحفزت كل حواسها لكلمات فادية، فهي لا تعرف شيئا عن قصة زواج والدي فتنة سوى أن جدها هو من رتب لهذه الزيجة.
-تابعت فادية بعد أن استشعرت اهتمام منار، بصوت هادي حنون: بعد أن توفي والدي وهو يدافع عن الحاج محمود السماك، تكفل الحاج بمصاريفنا وبعدها بقليل قرر أن يزوجني ابنه الوحيد، كنت لازالت في المدرسة لكني وقتها عندما أخبرتني الحاجة سناء بأن فرحي سيكون نهاية الأسبوع على ابنها ؛ لا أخفيك سرا لقد كنت سعيدة ومتحمسة كي أرتدي الفستان الجديد ويتم وضع الزينة على وجهي، لا أذكر آخر مرة اشترى لي فيها والدي فستانا جديدا، وجاء الفرح ورأيت العريس الذي كان أوسم رجل وقعت عليه عيناي طول بعرض حتى أني كنت اصل لمرفق يده وقتها.
أطلقت ضحكة صغيرة وهي تتذكر منظرها في يوم زفافها وسرحت في تلك الأيام حتى أعادها صوت منار  لواقعها وهي تسأل باستنكار
-:لا تقولي بأنكِ وقعتِ صريعة هواه عندما رأيتيه في حفل الزفاف؟
-في الواقع لقد وقعت في حب والدته.
اعتدلت منار في جلستها ونظرت لها متسعة العينين وقد توجست ملامحها؛ لتطلق فادية ضحكة قصيرة و ربتت على فخدها بمعنى نامي عليه، لتفعل منار فأخذت فادية تمشط شعرها قبل أن تتابع وقد تغيرت نبرتها للحنين
-:لقد توفيت أمي وأنا طفلة ذات ثلاثة أعوام وهي تلد أخي الذي تبعها فورا، و تزوج أبي من امراة لا تنجب لكنها كانت زوجة أب كما يصفونها فعلا، لم أشعر يوما بالحنان ولا الحب منها ولم أشكو لأبي لأنه متعب في عمله، وعندما توفي أبي قامت بأخذ مبلغا كبيرا من الحاج محمود بحجة أنه دين على والدي و هربت به.
تنهدت واضعة يدها على صدرها فحركت منار يدها على ركبة فاديه كأنها تخفف عنها أو ربما تحثها على المتابعة !
-وضعت يدها فوق كف منار و تابعت: عندها قرر الحاج جمعه أن أتزوج من ابنه الوحيد، لم أكن مجبرة بل كنت في منتهى السعادة بالزواج من أكثر شباب الحي وسامة وانتقالي للعيش في بيت السماك، بعد الفرح الذي أقيم في صاله عكس باقي أفراح بنات الحي، انتقلت للعيش معهم في غرفة الجمعة الكبير التي كانت تضم حماما خاصا بها و شرفة أيضا؛ تعرفين أنها كانت أكبر من المنزل الذي عشت فيه مع والدي رحمة الله و زوجته .
كانت تتحدث بحماس طفلة وليس امرأة تجاوزت الأربعين من
عمرها.
-تغيرت نبرتها أو هكذا شعرت منار وهي تكمل قصتها: جمعة كان لايزال يدرس وقتها، لم يكن بيننا حوار مشترك  وجيهان لم تتقبلني منذ البداية ولا أنا تقبلتها في الواقع خصوصا وأن الحاجه سناء أحسنت معاملتي بل وفضلتني عنها كثيرا، بل علمتني  كل شي بدءا من طريقة الأكل حيث أني كنت في منزل أبي آكل على الأرض بطاولة منخفضة نستخدمها لعدة أغراض، عكس منزل السماك الذين يأكلون على سفرة مخصوصة لتناول الوجبات فقط، إلى متى أصمت ومتى أتكلم كي أقدر على كسب أي نقاش مع جمعة.
كانت رحمها الله تقول دائما هذه ابنتي الذي جلبها الله لي، عندما تذهب إلى أي مكان يجب أن تجلب لي شيئا لا تنساني أبدا، سرها دائما معي حتى عندما تكون هناك عزومة مهمة لا تطلب من جيهان المساعدة فقط أنا من تقف فيها وهذا جعل جيهان تغار مني مهما حاولت لم تكن الحاجة سناء تثق فيها مثلي.
-همست كأنها تقول سرا حربيا خطيرا : تعرفين أنها عملتنا الطبخ أنا وجيهان في نفس الوقت لكنها دائما تقول أني خليفتها في المطبخ وليس جيهان.
أنهت كلامها بضحكة صغيرة وهي تضرب كفيها معا بسعادة  وقد نست أنها تتحدث مع صديقة ابنتها لمدة من الزمن.
-اعتدلت منار وقالت بهدوء وقد زال عنها الحزن مؤقتا: أنا سعيدة من أجلك يا خاله فادية، لكني لا أعرف علاقة ذلك بالمشكلة التي أنا بها؟
-استغفرت ربها وقالت وهي تنظر لها بعينيها جيدا: لو رأيت ِ قصتي من بعيد، الكثير سيقولون طفلة يتيمة أُجبر الشاب الغني الوسيم على الزواج منها ردا  للدين!
رمشت منار بعينيها وشعرت بالحرج فهي شخصيا تشعر بذلك بعد أن عرفت قصة زواج والدي فتنة.
-تابعت فادية وقد ظهرت ابتسامة على حافة شفتيها سرعان ما اختفت: لكن الله بعث لي آل السماك ليكونوا عوضا لي، الحاجة سناء كانت أمي التي لا أذكرها حتى أني كنت أناديها أمي، والحاج محمود لم يشعرني يوما بأني حمل عليهم بالعكس حاول معي أن أُكمل دراستي لكني رفضت خصوصا بعد الحمل وإنجاب محمود الصغير؛ حتى جمعة بكل مافعله ضدي لم يكن يعايرني أو يلمح بأنه تزوجني رغما عنه .
ما أريد أن أقوله لك هو أن الله يسبب الأسباب ربما لا يكون الخطيب بذلك السوء، ألا يكفي بأنه من دينك ومن ترشيح أقاربك؟
انفرجت شفتي منار تريد أن تتكلم لكن فادية سبقتها واضعة كلتا يديها فوق يد -منار التي تحتضن حافة قميصها وقالت: أعطي نفسك فرصة ولا تعادي الجميع دون سبب، أعرف بأنك ظُلمتي ،لكن اعتبري نفسك في امتحان من الله اجلسي مع الخاطب وتعرفي عليه، لديك الوقت كما فهمت لن يتم الزواج إلا بعد تخرجك، إذن لديك سنتين ، في هذه الفترة حاولي التقرب منه وادعي ربك ليرشدك للطريق الصحيح، أما ما تفعليه من حبس نفسك في غرفتك والامتناع عن الطعام ومقاطعة أهلك لا يجوز أبدا، لا أعتقد أن الرب يرضى به!
نكست منار رأسها وقد شعرت بالذنب لأنها فكرت في الانتحار، وشعرت بأن فادية فهمت ذلك وتلمح إليه.
-وضعت فادية سبابتا أسفل ذقتها ورفعت رأسها لها: لا تحني رأسك أبدا كلنا نمر بأوقات ضعف المهم ألا نستسلم لها.
رمت منار نفسها في حضن فادية تبكي بصوت مكتوم فاستقلبتها برحابة صدر وتركتها تخرج مافي داخلها من حزن أو ربما خزي من نفسها.
❈-❈-❈ ❈-❈-❈ ❈-❈-❈ ❈-❈-❈

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now