الفصل التاسع عشر

945 43 24
                                    

الفصل التاسع عشر

منذ أن أخبرته أشماس بردها عليها وقد نمى بداخله شعور قوي بأنها ترفضه كزوج!
حاول تكذيب شعوره وسارع في إنهاء منزله فجعل العمال يعملون كدوريات طوال اليوم ليسابق الريح وينتهي من البناء ليتقدم لها فورا؛ قُرب رؤوف منه أكثر  و تكرار زياراته لمنزلهم جعل فكرة رفضها له تتراجع قليلا و تطغو عليها فكرة أنها خجلة ولا تريد البوح بمشاعرها خصوصا أمام أشماس التي تعرف بأنها سوف تنقل له كل كلمة تقولها بحقه!
رؤوف الذي بات يمضي وقتا طويلا في منزله رغم تنمر والده على شقيقة سفيان و نعته   بلقب ابن العاصمة و المدلل ؛ فقد ظن بأنه يعرف بطلبه ليد أخته من جدته أو سفيان ليأتيه صباح اليوم هائجا غاضبا بطريقة لم يعهدها منه وهو يسب بأفظع الشتائم مطالبا إياه بالذهاب معه للجد كي يتدخل ويمنع الكارثة التي ستحدث قريبا!
قبل مكالمته لأشماس بساعة تقريبا؛ دخل رؤوف لمنزل جبريل الرئيسي دون أن يستأذن وهو ينادي بصوتٍ عالٍ :
-حارث يا حارث تعال بسرعة، عم جبريل أين أنت تعالا حالا.
نزل حارث من غرفته بسرعة لدرجة أنه كان سيقع من درج السلم أكثر من مرة وقد صور له عقله بأن كارثة كبيرة حدثت بل الأسوأ وهي أن يكون مكروها قد أصاب جده عثمان.
بقلب ينتفض خوفا ودون أن يظهر شيئا على ملامحه سأل رؤوف وهو يرتدي حذائه استعدادا للخروج معه لمكان لا يعرفه:
-أبي ليس هنا خرج مبكرا متجها للمزرعة وبعدها سوف يمر على جدي عثمان، ماذا حدث اخبرني؟
قاطعتهما سنان التي خرجت من المطبخ وقد ظهرت عليها السعادة التي لم يلحظها حارث وقالت ببعض الخجل:
-أهلا رؤوف أمي تحضر الإفطار تفضل كي تفطر معنا.
أمسك رؤوف بيد حارث والتفت ينظر لها باعتذار قرأته في عينيه دون أن ينطق به وهو يجر حارث للخارج قائلا: -يجب أن نذهب حالا لا يوجد وقت لشيء ، مرة أخرى سنان.
سكت قليلا وتابع في سره:
-إذا كان سيسمح لي بزيارتكم أو الاقتراب من منزلكم  بعد الذي فعلته أمي؟!


في العاصمة ليلا ،وصل سفيان لمنزله و رمي حقيبة ملابسه أمام الباب قبل أن يدخل للمنزل كعاصفة هوجاء يصرخ باسم أمه و درصاف التي اختبأت في غرفتها منذ أن أخبرها راضي باتصال هاتفي بأن سفيان سيصل اليوم بعد أن أخبره هو باتصال مماثل بما فعلته أمه لأنه لا يستطيع معارضتها رغم رفضه له.
انتفضت هناء من مكانها وخرجت لترى من الذي دخل عليها في هذا الوقت خصوصا وأن رؤوف في المدينة الأخرى و لايوجد من يملك مفتاح المنزل غيره لتجد أنه سفيان فتهللت أساريرها وهمت باحتضانه لكنه لم يبادلها الحضن بل كان جسده متخشبا وقد شعرت بنفوره من اقترابها لتبتعد عنه فورا وقالت مدعية الثبات:
-حمدا لله على سلامتك، ألم تخبرني بأنك ستأتي بعد شهر من الآن ؟
نظر لها بازدراء لم يستطع إخفائه ورد عليها:
-أتيت بعد أن عرفت بالكارثة التي فعلتها.
أسرعت شقيقتها وفاء من خلفها تقول بحدة :
- أي مصيبة تلك التي تتحدث عنها، هل ستر أختك من ابن عائلة لها وزنها ومقامها يعد كا رثة ؟!!!
نظر إليها وهو يحاول كظم غيظه خوفا من أن ينفجر في وجهها ويخرج أسوأ ما فيه والذي لم يخرج أمام أحد من أقاربه سابقا وتقبض قائلا:
-ولماذا لم تزوجيه من إحدى بناتك؟
شهقت أمه وشحب وجه خالته لتفتح فمها وتغلقه عدة مرات قبل أن تستطيع النطق قائلة بصوتٍ عالٍ لم يخفَ ارتجافه :
-احترم نفسك كيف تتحدث معي بهذا الأسلوب هل نسيت نفسك؟
قاطعها بصرامة غير معهودة منه:
ما به أسلوبي هل كذبت في شيء ؟
أليست بناتك الثلاثة أكبر في العمر من در صاف؟
إذن هن أولى منها لقد عرفت من راضي بأنك من جلبت العريس لها؟
شعرت بأن مطرقة كبيرة ضربت رأسها لدرجة أنها عادت خطوة للوراء قبل أن تستعيد توازنها وترفع كف يدها قاصدة ضربه لتتجمد مع دخول باقي رجا ل قبيلة الجعفري على رأسهم الشيخ عثمان.

( سابقا في صباح نفس اليوم )
نفس اليوم في الصباح الباكر وصل حارث و رؤوف لمنزل الشيخ عثمان في مدة قياسية ؛ نزل رؤوف قبل أن يوقف حارث السيارة بالكامل ودخل مسرعا يبحث عن الشيخ عثمان ليجده في مجلسه مع جبريل والد حارث
بأنفاس متسارعة و وجه يعلوه علامات الغضب والاستنكار قال دون حتى أن يلقي عليهم السلام بل إنه لم يخلع حذائه أمام الباب كما يفترض -ودخل مسرعا يقف أمام جده:
- جدي مصيبة بل كار ثة يجب أن نذهب حالا لمنزلنا في العاصمة كي نوقف أمي ونمنع الكارثة قبل أن تحل علينا.
نظر جبريل للشيخ عثمان بتوجس ثم عاد ينظر لرؤوف الذي كان ينتفض من شدة الغضب ليدخل حارث ويخلع حذائه ثم يتقدم في اتجاههم دون أن تظهر عليه أي علامات للغضب أو غيره كان وجهه متجمدا بشكل غريب جعل جبريل يستغرب بل يتوقع أن يكون السبب تلك الكارثة التي يتحدث عنها رؤوف!
بصوت هاديء صارم أشار الشيخ عثمان لرؤوف كي يجلس و قائلا :
- وعليكم السلام، مهما كانت الكارثة التي تتحدث عنها لا تقتحم المجالس مرة أخرى دون إلقاء سلام ؛ اجلس واخبرني بهدوء ما هي تلك المصيبة التي تسببت فيها والدتك كعادتها .
جلس مجبرا وسرد لهم ما سمعه من سفيان الذي اتصل به راضي من البلد الذي يقيم فيه للدراسة منذ مدة وأخبره أن والدته استغلت غياب الجميع وقامت بالموافقة على خطبة در صاف لخالد شرف الدين، بل إنها سوف تقوم بعقد قرانها الليلة على أن يكون خالها الوكيل كي تضع عائلة الجعفري أمام الأمر الواقع!
انتفض جبريل من مكانه واقفا وقد ظهرت نيران الغضب في عينيه وهدر به:
- كيف تتجرأ على فعل ذلك هل نسيت نفسها ابنة القاضي؟
وأهل العريس كيف يوافقوا أن يخطبوها من امرأة ؟!!!!
ألا يعرفون أنها ابنة الجعفري ؟
متناسيا أنه في حضرة جده ليرد رؤوف بانفعال:
-لأن ابنه (+++++)
قال لفظ متداول بين الشباب والذي فهم جبريل جيدا معناه من ما جعله يعقد حاجبيه أكثر وقد تقبضت يداه
ليقف الشيخ مستندا على عكازه وقال آمرا :
- جهزوا السيارات وهيا بنا الآن للعاصمة .
ركب سيارة حارث الذي لايزال في حالة جمود غريبة غير مفسرة يتبعه جبريل و رؤوف في نفس السيارة وخلفهم عبد الخالق و علي وقد أبلغوا والدهم كي يتبعهم فور تلقي رسالتهم لأنه كان في اجتماع عمل وذهب معهم سالم وزوج تسنيم كذلك.
كان موكبا مهيبا يدخل الحي في ذلك الوقت خصوصا أن جميعهم قد ركبوا سيارات الدفع الرباعي المستخدمة في الصحراء كثيرا بأمر من الشيخ عثمان ليحدث وقعا في النفس أراد منه أن يصل لأولئك الذين ظنوا أنهم نسوا ابنتهم أو لا يملكون الحق في حمايتها منهم مهما كانت قوة نفوذهم أو سلطان مالهم.

عندما همت خالة سفيان بصفعه فُتح الباب ودون أن تدري وجدت عكاز الشيخ عثمان ينكزها لتتراجع للخلف وهو يقول بصرامة :
- لا تظني بأن كونك امرأة سيحميك من غضبي، إياك و أن تفكري في التطاول على أحد أحفادي وإلا.
ترك باقي الجملة معلقا لترتعش في مكانها دون أن تقدر على الدفاع عن نفسها أو تحاول التبرير .
لتتدخل هناء متسترة خلف منصب ونفوذ نسيبها الجديد لتقول بحدة :
-هل من الأصول أن تتهجم على حرمة بيتي بهذه الطريقة وتمنع ابنتي من الزواج؟
نظر لها باستهزاء وقال بنفس الصرامة:
-من الذي اقتحم بيتك يا هناء؟
أليس هذا منزل ابني الذي يقيم به أحفادي وأرملته ؟!
ثم من أشار لمنع حفيدتي من الزواج ؟
بالعكس نحن جئنا كي نجلس مع أهل العريس أليست هذه هي الأصول أم أنها لا أهل لها كي تخطب من النساء؟!!
امتعض وجه هناء وشعرت بعظامها ترتعد من الغضب، فلا هي قادرة على مجادلة حماها ولا هي راضية بكلامه، تشعر بأن وجوده بل هي متأكدة بأن وجوده سوف يفسد مخططها ولن تحظى بذلك النسب الذي يشرف من وجهة نظرها؛ لم يمهلها الشيخ لتفكر أو  تتحسر على خسارتها ليقول بصوت عالٍ :
-نادي يا سفيان على أعمامك فهم ينتظرون في الخارج ليدخلوا و أنت جهزي لهم العشاء أم تفضلين أن ننتظر أهل العريس؟
تعرف جيدا أنه لا يسألها كي يأخذ رأيها أو إذنها بل يخبرها بأنهم لن يذهبوا قبل أن ينهوا أمر الخطبة التي لن تتم بالطبع ؛ بكل غلها وغضبها ذهبت لغرفة ابنتها تقتحمها وهي تشتم حظها التعس الذي جعلها تتزوج من تلك القبيلة التي لا تناسبها وتقلل من مكانتها من وجهة نظرها، لتنتفض در صاف التي كانت تنظر من خلف ستارة نافذتها للجيش المصغر الذي أغلق الشارع بسياراته من أوله لآخره ليتجمهر أولاد الحي حول السيارات وتخرج الرؤوس من باقي المنازل المجاورة في فضول لمعرفة سبب وجود هذا العدد من السيارات ؟
التفتت در صاف لوالدتها التي هدرت بها:
-لقد جاء رعاة البقر كي يفضحونا أمام نسائبنا و..
قاطعتها درصاف:
- أنا لم أوافق على العريس أنت من أصررتِ على استعجال الأمور وعقد القران دون وجود إخوتي
أمسكت فكها بقوة وهي تصرخ بها:
-الآن تتنصلين من الأمر؟
ألم تقبلي به بل اشترطت أن تريه وتجلسي معه كي تتفاهموا على الطلبات!!!
أبعدت درصاف يد والدتها وقد كانت كلماتها أشد ألما عليها من مسكة يدها؛ نعم هي لم ترفض العريس رغم معرفتها أو شكها على الأقل بانحرافه المعروف للجميع!
لكنها أرادت أن تعطي نفسها فرصة وتتحدث معه علها تجد معه القبول كي تهرب من حارث.
حارث الذي أيقنت بأنها تميل له بشدة ، لا لن تقول أنها تحبه وتشتاق له، لن تقول أنها تغار عليه وتخشي بأن يكون رفضها له حافزا كي يهرع لحضن أخرى ، ولن تتجرأ وتقول بأنها منذ يوم وافقت على مقابلة العريس وهي تشعر بأنها خائنة

نعم خائنة له
لكن عقلها الذي كبر على فكرة كره كل ما يتعلق بقبيلة الجعفري لا يتقبل حبها له!
حب هل هي فعلا تحبه؟
شوقها له يعتبر حب؟
لهفتها على سماع أخباره بكل تفاصيلها المملة حب؟
مقارنته بجميع الرجال بل و فوزه في كل مقارنة باكتساح حب؟
كلماته التى ترددها في خلوتها وتبتسم كأنها تسمعها للمرة الأولى ، كلماته المغموسة بالغزل و وقعها عليها الذي لايتغير حتى خجلها من وقاحته أحيانا وشعورها بتدفق الدماء في وجنتيها كل مرة ، هل يصنف بحب؟
لا تعرف بل لا تريد أن تعرف أو تعترف بدقات قلبها الخائن لا هي لن تقبل بأن تكون واحدة من نساء الجعفري؛ مجرد امرأة وظيفتها الإنجاب والطبخ ، لا مكان لطموحها أبدا ؛ لا لن تكون امرأة أخرى من نساء الجعفري بل ستكمل دراستها وتصبح ذات مكانة مرموقة كما حلمت دائما.

دخول سفيان الذي قال بصوت عالٍ ونبرة شامتة أخرجها من دوامة أفكارها :
- لقد وصل الضيوف مع خالي جهزوا الضيافة.
قالها وخرج دون أن يزيد حرفا رغم أن هناء أخذت تنادي عليه دون جدوى .


في الصالة المخصصة للضيوف جلس الشيخ عثمان مع جبريل و سالم و باقي رجال القبيلة الذين أتوا معه وأمر حارث و علي وعبدالخالق أن يقفوا أمام المنزل مع رؤوف ويدخلوا الضيوف عندما يأتون ؛ أخذت سيارة صالح شرف الدين تلف كي تجد طريقا تدخلهم لشارع منزل العروس ، لأن الشارع ضيق وقد سد بفعل سيارات الجعفري مما اضطرهم أن ينزلوا أول الشارع ويسيروا على أقدامهم لمنزلها مما أثار حفيظة السيد صالح الذي أخذ يتأفف وأمر مساعده أن يأخذ علب الحلويات والهدايا ويسبقه لمنزل أهل العروس، مساعده الذي يكون زوج وفاء أخت هناء هو نفسه من رشح له العروس وأكد بأنها ستقبل بابنه بالتأكيد بعد الفضيحة التي أثيرت من قبل أهل زوجة ابنه السابقة وقد أسكتهم بنفوذه لكنه لم يستطع إسكات الإشاعات التي طالت ابنه وسلوكه غير الطبيعي ، ليقرر أن يزوجه بأسرع وقت لفتاة من عائلة تغض نظرها عن عيب ابنه مقابل حفنة أموال و مركزه الشخصي ، ومن أفضل من ابنة هناء القاضي لذلك؟
من دون جمع معلومات عنها  يكفي معرفة مكان سكنها الذي يقع في الخط الفاصل بين حيين أحدهما راقي جدا لا يسكنه إلا الأغنياء والآخر متوسط الحال أقرب للفقر ، لتدعي هي بأنها من سكان الحي الراقي بل وتصر على وصف العنوان حيث يظن القادم بأنها تسكن فيه، لكنه لخبرته في المدينة عرف كذبها وتأكد بأنها تحب المظاهر لذلك وافق دون جمع معلومات لأنه متأكد من مقدرته على وضعها تحت حذائه!
تقدم مفتاح مساعده يحمل علب الحلويات والهدايا وقد حاول التركيز لمعرفة أصحاب السيارات دون جدوي ليصطدم بحارث و سفيان بجسديهما الضخمين يسدان الباب الخارجي و من خلفهما علي وعبدالخالق اللذان لايقلان عنهما في الطول و العرض لترتعد فرائصه فابتلع ريقه وقال بنبرة خرجت رغما عنه متوترة:
- ماذا تفعلون هنا؟
نظر له سفيان باستهزاء وعقد حارث ذراعيه مع ابتسامة على طرف شفتيه لم تدم طويلا ليقول الأول:
-أقف أمام منزلي .
رغم بساطة رده إلا أنه حمل معانٍ كثيرة أو ربما هكذا ظن مفتاح الذي دخل بسرعة يهرب من مواجهة الواقفين وأخذ يردد في سره :
-مجرد أولاد لن يخيفوني بأجسادهم الضخمة !
وصل صالح مع ابنه لمنزل سفيان ليجد نفس المنظر والذي لم يتغير به شيء سوى نظرات الازدراء التي طالت عريس الغفلة كما أطلق عليه رؤوف.
ليدخل لصالة الرجال حيث ينتظره الشيخ عثمان مع باقي رجال القبيلة وقد لحق به سفيان وحارث والبقية حسب تعليمات الجد لهم.
كان مفتاح لايزال يسلم على رجال الجعفري وهو يرتعد داخليا، عندما دخل صالح وابنه خالد ليتفاجأ الأول ويشهق الثاني بطريقة لا تتناسب أبدا مع ذ*كر!
لم يكن من الصعب على صالح أن يدرك بأن الشيخ عثمان هو كبير الجالسين لذلك تقدم ناحيته ومد يده قائلا:
- صالح شرف الدين لابد أنك تعرفني جيدا ؟
ثم أشار لابنه وقال بنوع من الزهو:
- وهذا ابني خالد صالح شرف الدين مهندس ديكور خريج جامعات فرنسا ولديه مكتب كبير هنا كما أنه يقضي معظم وقته هناك لأنه يكمل دراسته العليا وبالطبع سوف يأخذ معه عروسه هناك.
لم يمد الشيخ عثمان يده للرجل بل نظر له دون أن تتغير ملامحه أو يتأثر بثرثرته و عرف بسهولة بأنه من النوع المحب للتباهي ليداري به على نقص أو عيب كبير.
حرك عكازه برتابة واجابه بصوت رخيم:
-وعليكم السلام يا سيد صالح، للأسف لا أعرف من أنت ولا أعرف عن أي عروس تتحدث بالضبط؟
هربت الدماء من وجه مفتاح الذي أسرع يقف بجانب صالح ويلتقط كفه الممدودة ليقول بمجاملة وهو يشير له ليجلس فاستجاب الثاني كي لا يخسر المزيد من مكانته المزعومة ، أما ابنه فقد ظل واقفا مكانه فأخذ حارث وباقي الشباب يتطلعون له بازدراء واضح.
ملابسه تصرخ بعلاماتها التجارية الغالية التي لم تزده رقيا كما هو مفترض بل انحطاطا من وجهة نظر الشيخ عثمان على الأقل !
قميصه الضيق ذو الرقبة التي رفعها لأعلى وقد فتح نصف أزراره ليظهر تحته صدر أملس يزينه سلسال ذهبيا به دلاية بعلامة لم يفهمها معظم رجال الجعفري، كما أنه رفع أكمام القميص وارتدى ساعة فاخرة في يد واليد الأخرى إسوارة ذهبية !!!
وبنطال يلتصق به كجلد ثاني مع حذاء لامع ذو مقدمة مرتفعة .
-هذا من فضلته علي؟!!!!!!
سؤال ظل يجول في عقل حارث وقد فهم طبيعة ذلك الخالد دون الحاجة للسؤال؛ هل هي تمقته لدرجة أن توافق على هذا الشيء هربا منه؟
الإجابه لم تهدر كرامته فقط بل ذبحت قلبه الذي يتعبد في محراب عشقها منذ سنين، لتزهد هي فيه بل ترميه بأبشع طريقة ممكنة.
-تنحنح مفتاح وقال بطريقة سمجة وهو بيتسم:
- أهلا وسهلا يا شيخ عثمان، لقد كنا سنتصل بك لنخبرك بأمر خطبة در صاف من ابن السيد صالح شرف الدين بالطبع لكننا فضلنا أن ننهي الأمور التافهة أولا دون أن نشغل بالك بها.

هدر سعد الذي وصل متأخرا لكنه اطلع على كل شيء وقد ظهر الغضب الشديد عليه:
- من أنت أصلا كي تخبرنا بل تتدخل في أمر شديد الخصوصية مثل خطبة ابنتنا؟
شدد على حروف كلمة ابنتنا تلك وقد سمعته هناء و شقيقتها وفاء من مكانهما حيث تتنصتان عليهم، لتلطم وفاء وتتمتم بكلمات غير مسموعة بينما ابتسمت درصاف التي كانت تقف خلفهم، أول مرة تشعر بأن أهل والدها مهتمون بها حقا بل طريقة نطق عمها لكلمة ابنتنا أدمعت عينها لسبب لا تعرفه.
في الصالة وبعد كلمة سعد هربت الدماء من وجه مفتاح ولم يقدر على النطق، أما السيد صالح فقد عرف بأن طلبه مرفوض وأنه لم يحسب حساب قبيلة الفتاة بل ظنها كما فهم من مفتاح لا تتواصل معهم وقد قطعت العلاقات معهم؛ لذلك فضل الصمت كي لا يحرج نفسه حسنا مفتاح سوف يدفع الثمن .
ليقطع أفكاره سفيان الذي قال بصرامة :
- وكيف تتدخل في خطبة فتاة مخطوبة من الأساس ؟
شهقت هناء و وفاء ونظرت كلتاهما للأخرى ؛ ليقول مفتاح بصوت متحشرج:
-من تلك المخطوبة هل خطبت در صاف من دون علمنا؟
-علمكم!!!!!!!
قالها جبريل باستهزاء صارخا وتابع:
-من أنت أصلا، مجرد زوج خالتها لا يجوز لك دخول البيت دون وجود رجاله به ؛ يبدو أنك لا تعرف في الدين والعرف لتستغفل رجال العائلة وتجلب لابنتهم
، نظر بقرف لخالد ولم يستطع أن يقول رجلا ثم عاد ينظر لمفتاح و يتابع :
- خطيب وتحاول أيضا أن تعقد قرانها دون وجود أعمامها و جدها كأنها لقيطة لا أهل لها!
وضعت هناء غطاء على رأسها واقتحمت صالة الرجال لتقول بصوت عالٍ :
-ابنتي ليست مخطوبة إلا لخالد كفوا عن كذبكم أم أنكم تريدون إفساد خطبتها من شدة كركهم لنا
غض جبريل بصره كذلك فعل الجميع ماعدا خالد ومفتاح حيث أن هناء كانت ترتدي قميصا بدون أكمام  .
-هنا ضرب الشيخ عثمان بعكازه وقال بغضب وصوت عال لا يستخدمه في العادة جعل هناء ترتعش:
-قسما بالله العظيم إن لم تجهزي نفسك وابنتك في عشر دقائق وكنت في السيارات خارجا لا تلومي إلا نفسك يا ابنة القاضي.
وقف السيد صالح وعدل ملابسه ثم اقترب من الشيخ عثمان وقال له:
- تشرفت بمعرفتك أعتقد بأن طلبنا ليس عندكم.
صافحه الشيخ قائلا:
-نتشرف بحضورك فرح حفيدي حارث على ابنتنا در صارف في مدينتنا .
هز السيد صالح رأسه بعلامة نعم وخرج يتبعه ابنه يتمايع في مشيته مما جعل علي و رؤوف وعبد الخالق يتبادولون النكات بينهم و يضحكون بصوت مكتوم حتى هدر بهم جدهم قائلا في تحذير:
-لا تعيبوا فتبتلوا.
أما سفيان فقد أعطى لمفتاح علب الحلويات و الهدايا التي جلبها وقال له :
- تفضل هدايا سيدك ، لا حاجة لنا بها.

كما أمر الشيخ أقل من ربع ساعة وكان الجميع في سياراتهم متجهين لمدينة الجعافرة وألف حديث يدور بينهم وبداخلهم؛ في سيارة سفيان و رؤوف كانت هناء تشتم وتدعي على أبنائها بينما درصاف تفكر في القادم و ردة فعل حارث التي لم تشهدها لاستغرابها الشديد حيث كانت تتوقع منه ثورة ، غضب، أن يتجرأ ويضربها ليؤكد فكرتها عنه بأنه همجي راعي مواشي لا يجيد التعامل مع الأنثى ؛ لكن هدوءه هذا لا تعرف سببه ولا تجد له تفسيرا منطقيا سوى .. سبب لا تريد التفكير به حتى !!!!!


❈-❈-❈

في الدولة المجاورة

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now