الفصل التاسع والثلاثون

1.2K 54 26
                                    

الفصل التاسع والثلاثون

- ماذا كنت تتوقع أن يكون الرد و أنت تطلب الزواج من امرأة متزوجة؟
بلوم ألقت عليه شقيقته تلك الكلمات ليزداد غضبه من نفسه و يرد:
- هي أخبرتني بأنها اضطرت للزواج من أجل السفر فقط لذلك تجرأت وطلبتها.
قاطعته تافريت بحزم:
- لماذا أخذت هذا المعني؟
ربما كانت تقصد بأن تبرر زواجها بعد مرور أشهر قليلة على موت أمها و أشقائها ؟
خصوصا وأنه لم يحضر أحد من أعمامها كما أن ابن عمها لايزال مفقودا .
أخذت نفسا عميقا وتابعت :
- تعرف جيدا بأنها ابنة قبيلة كبيرة و من الطبيعي أن الناس لن يمرروا زواجها بهذه الظروف هكذا خصوصا أن زوجها من جنسية أخرى ، هذا وحده كفيل بأن يجعلها علكة في أفواه الآخرين .
ليقول بعناد :
- لقد خطبها لمدة سنة تقريبا و أقاموا لها حفلا هنا إذن الأمر ليس كما تصورينه أبدا .
لترد عليه:
- ولماذا لم ينتظر سنة أخرى ؟
على الأقل كانوا أقاموا عرسا كبيرا محترما وحضر أعمامها ، ربما عادوا وقتها للوطن؟
اسمعني هادي من السهل جدا تأليف مليون قصة عنها أقل شيء سيقال بأنها أخطأت معه وربما حامل لذلك سافرت فورا، الفتاة تعرف تلك العقول لذلك وضعت قصة دراستها تلك كحجة لإتمام الزواج ؛ أنت من فسرت الأمر على مزاجك لأنك تريد ذلك أو ربما تحاول الهروب من شيء آخر ؟
اضطرب ورد:
- ماذا تقصدين؟
ما هو الشيء الذي أهرب منه؟
لقد قلت لك بأني تسرعت واعترفت بأني مخطئ سوف أعتذر منها عندما أراها وينتهي الأمر .
بحزم قالت:
- إياك ومحاولة الاتصال بها حتى لغرض الاعتذار، اسمع هادي لا تعجبني تصرفاتك منذ بداية إبلاغ قريبها بزواج خطيبها الأول ثم الكذب، ما فعلته من عرض الرد عليه في عرفنا يكون بالدم.
رقت نبرتها و هي تتابع:
- التفسير الوحيد الذي يجعلني ألتمس لك بعض العذر فيه أنك تميل لتلك الفتنة و ربما تحمل لها مشاعر خفية.
بصوت عال مستنكر رد:
- أنا أحب فتنة ؟!!
مستحيل طبعا لا يمكن أصلا هي ليست من النوع الذي يعجبني، قصيرة ذات خدين منتفخين جدا وتلك الحركة التي تستفزني عندما تزم شفتيها لتبدو مثل السمكة ولهجتها المائعة التي تتغني بها لا تتحدث مثل البشر أو...
- وماذا أيضا سيد هادي؟
تابعت بعد أن قاطعته كي لا يسترسل أكثر :
- أنا قلت معجب لم أقل أبدا تحبها لكن من الواضح أنك وقعت بالفعل.
تنهدت لتعود نبرتها للجدية و قالت:
- اسمع هادي أولا عليك أن تحدد مشاعرك من تلك الفتاة وتضع في اعتبارك عدة أشياء أولها أنه حولها تساؤلات كثيرة جدا، هناك عوائق كثيرة لو كنت فعلا تحبها وقررت الارتباط بها، أعرف بأن أبي لن يهتم كونها عربية وليست منا ، ربما يعارض قليلا لأنها من دولة أخرى لكن في النهاية لن يعترض لهذا السبب فقط.
سكتت قليلا لتجعله يستوعب ما سمعه ثم تابعت:
- رغم كونها بريئة من الخيانة إلا أنها تزوجت وهي حامل وحاولت نسب ابنها لغير والده ، كما أن هناك قصة الصور المخلة و الابتزاز .
بصوت منخفض قال:
-لا أحد يعرف الحقيقة كاملة أنا نفسي ظلمتها دون سؤالها .
ردت موافقة له:
- معك حق لن أحكم عليها بأنها سيئة الخلق بل سوف أنتظر منك تفسيرا بعد أن تعرف تفاصيل القصة من الطرفين كما علمتنا أمي رحمها الله لكن ضع في حسابك جيدا بأن هذا الارتباط لن يقابل بالترحيب .
ليقول بحنق:
-من يسمعك يقول بأني أحبها وقررت الزواج منها اليوم.
لم ير ابتسامتها لكنه استشعرها في نبرتها وهي ترد:
- كم أتمنى أن تتزوج من امرأة تحبها و تصونك لتعوضك عما عشته منذ وفاة أمي رحمها الله، هادي حبيبي يجب أن تعرف بأننا كلنا معك لكن عليك أن تعرف ماذا تريد أنت أولا .
لم يعجبه ما آل إليه الحديث ليرد:
-اتصلت بك لتجدي لي حلا مع أشماس لأجدك تزوجيني لفتنة ؟
ضحكت وردت:
- على تافي يا هادي ؟
أنت اتصلت بي لأنك تعرف بأني الوحيدة التي ستخبرك بالحقيقة دون لف و دوران .
قلب عينيه و قال:
ذكريني بمعني اسمك؟
صغير غزال صح، أنت صغير ديناصور وليس غزال
لتضحك من جديد وترد:
- جملتك المعهودة عندما تفضح، اسمع سوف أنتظر آخر التطورات مع فتنة ذات الخدود المنفوخة.

❈-❈-❈

لم تكن في حالتها الطبيعية لدرجة أن يدها كانت ترتعش وهي تضرب على أزرار الهاتف وعندما سمعت فتح الخط من الجهة الأخرى قالت بسرعة مستجمعة كل قوتها بصعوبة :
- هل مازال عرضك قائما أنا موافقة عليه؟
صوت دقات قلبها العالي جعلها لا تسمع الرد في البداية وعندما حاولت التركيز سمعت صوت بلهجة أجنبية لتغلق بسرعة وتعود للشقة لتجد أيوب يقف مقابلا لها لتتجمد مكانها فاقترب منها وقال:
- ماذا كنت تفعلين خارج الشقة ؟
تحشرج صوتها و ردت:
- كنت اتصل بالطبيب و لم أشأ أن أزعجك.
رد ببعض الخوف:
- طبيب؟
لماذا لا تقولي بأني آذيتك ؟
أنا أصلا أمسك نفسي حتى تعتادي على الأمر .
حك مؤخرة رأسه و تابع:
- حسنا لقد كنت متلهفا ربما لم أراعي كونها مرتك الأولى.
شعرت بالخجل لذكره ما حدث بينهما الأمر الذي جعلها تتذكر التفاصيل ذوبانها بين يديه بسهولة فقالت بغضب غير مبرر:
-لا دخل لك في الأمر أنا اتصلت برقم خاطئ لا تهتم بالأمر .
اقترب منها و حضن وجهها المحمر بين يديه وقال:
-أعرف بمن كنت تتصلين.
شحب وجهها وعادت للخلف مبتعدة عنه لترد بخوف فسره هو خجل:
- تعرف؟
كيف عرفت هل سمعتني ؟
قربها منه وقال:
- طبعا أعرف اتصلت بأفطيم و درصاف لتخبريهما بما حدث كنت متلهفة لدرجة أنك خرجت بشعرك دون غطاء رأس.
وضعت يدها على رأسها تتلمسه لتشهق بفزع ، استغل صدمتها ليضع يدا أسفل ركبتيها والأخرى خلف ظهرها ليحملها فجأة فوضعت يدها خلف رقبته تتعلق به و قالت بغيظ :
- انزلني حالا.
دلف لغرفة النوم و وضعها على السرير وخيم فوقها دون أن يلتصق بها تماما ليرد:
- هكذا تحمل العروس ، لقد تسرعت في المرة الأولى والآن سنبدأ من جديد بتمهل كي تجدي ما تخبري به بنات عمك.
شعرت بأنها ستذوب من جديد لا محالة ، كل شيء فيه يغريها رائحته حضنه الدافئ نظراته الولهة قبلاته التي تحارب بضراوة كي لا تبادله إياها ، لا لا لن تفعلها مرة أخرى.
وضعت يدها على صدره تحاول إبعاده وتعدل وضعها للجلوس لتقول عاقدة حاجبيها لتبدو حازمة :
-اسمع لا تظن بأني كنت راضية أو سعيدة بما حدث الأمر وما فيه أني خشيت أن تلعني الملائكة.
ظل يطوقها بيديه و ردد في غباء:
- تلعنك الملائكة؟!!!
ابتعلت ريقها و أشاحت بوجهها كي لا يرى الكذب في عينيها لتتابع:
- نعم طبعا، ألا تعرف أن المرأة التي تتمنع عن زوجها تلعنها الملائكة ؟
تراقصت ضحكة شقية على شفتيه وقال وهو يقبل كتفيها بعد أن خلع عنها قميصها :
-لا....لا أعرف
ما أعرفه أن من عمل منكم عملا فليتقنه.
استمر في تقبيلها مرورا برقبتها لتعود برأسها للخلف فأخذ يدلل جسدها بقبلاته الساخنة و وضع يده على ظهرها العاري مكان ندوبها لتبعدها بحدة جعلته يتوقف وينظر لها باستغراب لتقول وهي تلهث:
- اطفئ النور على الأقل.
ظهر البؤس على وجهه ورد:
- لماذا ؟
لن أرى شيئا في الظلام وأنا لم أعاين جيدا بعد أرجوك أشماسي لا داعي للخجل
بصوت غاضب ردت:
-أيوووب
قفز من السرير لإطفاء النور ولحسن حظه لم يعم الظلام تماما لأن الوقت لازال مبكرا ؛ دون أن يعطيها فرصتها للاعتراض عاد لمكانه بسرعة وجذبها لتجلس في حضنه وقال بتسلية :
- ماذا كنا نقول؟
اه عليا التأكد من حجم صدرك بدون الحملات.
لتقول محاوله كتم ابتسامتها:
- وقح.
أوقعها ليخيم عليها ملتصقا بها وعض بخفه شحمة أذنها ثم رد:
- لم تبدأ الوقاحة بعد.


❈-❈-❈

في بلد أيوب

حاولت در صاف التنزه مع ابنها بهدوء لكنه لم يعطها الفرصة ، فهو يتحرك في كل مكان دون توقف وهي لم تعد قادرة على مجاراته حتى تجربة الأكل في مطعم باءت بالفشل فقد قام برمي الطعام عندما لم يعجبه مذاقه لتوبخه مما جعله ينفجر في البكاء وسط نظرات رواد المطعم اللائمة لها؛ هذه المرة قررت أخذ سنان معها كي لا تشعر بأنها وحدها؛ جلست على الكرسي الحجري بعد أن تعبت من الجري وراءه لتترك المهمة لسنان التي كانت تجاريه بسهولة تحسد عليها، الأمر الآخر الذي لاحظته أنه ينفذ أوامر سنان وحارث فورا عكس ما يفعل معها ، حتى أشماس رغم أنها بعيدة عنه آلاف الأميال إلا أنه ينفذ كلامها عندما تطلب منه شيئا عبر مكالمة الهاتف ؛ عقدت حاجبيها وتذكرت أنه مر يومان منذ آخر مكالمة لها؟
لتتصل بها دون أن تتلقى ردا الأمر الذي جعلها تقلق فاتصلت بحارث أولا وعندما لم يجب بدوره اتصلت بأفطيم وقالت بمجرد أن ردت عليها:
-الحقيني أشماس لا تجيب على هاتفها كما أنها لم تتصل منذ يومين كاملين، بل إنها لم ترسل رسالة حتى تطمئن فيها على يزيد ، لابد أنها مريضة أو أصابها مكروه وحارث يرفض الرد علي كالعادة .
انتقل القلق لأفطيم لكنها لم تظهر ذلك بل قالت بهدوء:
- سوف أنهي عملي بعد عشر دقائق أنت في البيت أم خرجت ؟
ردت در :
- لا في الحديقة قريبا من الصيدلية مع سنان و يزيد .
ردت وهي تخلع عنها البالطو الطبي:
- انتظريني سوف أكون عندك خلال دقائق.

بعد أقل من خمس دقائق كانت عندها ثم قامت بالاتصال بأشماس عدة مرات حتى ردت بصوت ناعس لتقول درصاف:
- أين أنت لماذا لم تتصلي أو تردي على هاتفك؟
حكت عينيها وتلفتت حولها لتفيق للوضع الذي هي فيه فأسرعت تشد الغطاء عليها وردت باعتذار:
- لم أسمع الهاتف كنت نائمة لابد أن أيوب وضعه على الصامت قبل خروجه.
نظرت أفطيم لدرصاف وقد تبلورت نفس الفكرة لديهما لتقول أفطيم بحنق:
- تنامين في العسل و درصاف هنا عيشتني في رعب عليك.
بحثت عن ملابسها لترتديها وهي ترد:
-أعتذر لم أقصد أن أجعلكم تقلقون علي، أنا حقا كنت أنوي الاتصال بكم بمجرد خروج أيوب لكنني نمت ولم أنتبه لخروجه إلا الآن .
وضعت درصاف سماعه الهاتف لتضع واحدة في أذنها والأخرى تعطيها لأفطيم ثم قالت:
-أيوب لم يخرج من المنزل منذ يومين وأنت لم تجدي فرصة لتتصلي بنا ثم تركك نائمة و خرج وأنت كنت غارقة في العسل لدرجة لم تشعري به
اممممم ماذا تقول كل هذه المعلومات أفطيم ؟
مطت أفطيم شفتيها وردت بعدم رضا:
- مبروك يا عروس ، هل أنت بخير؟
لم تصابي بنزيف أو تتألمي أو شيء من هذا القبيل صح.
قاطعتها درصاف:
- يا إلهي توقفي عن إخافتها لقد مر الأمر ألا تسمعين صوتها ؟
أغلقت الاتصال لتتصل بالفيديو فعدلت أشماس ملابسها و أجابت الاتصال لتقول درصاف:
- انظري إلى وجهها هل هذا شكل واحدة تتألم ؟
لم تهتم لها وعادت لسؤال أشماس مرة أخرى :
- هل آلمك الأمر ؟
اخبريني كي أساعدك لا تخجلي مني أبدا.
أغمضت عينيها محاولة عدم تذكر اليومين الماضيين فتحول وجهها لجمرة من اللهب لتأخذ قنينة الماء التي تتركها بقربها و تشرب منها ثم قالت:
-لا تقلقي أنا بخير.
مدت درصاف رأسها وقالت بهمس:
-إذن عفوت عنه أخيرا ؟
هزت رأسها بلا وقصت لهم ما حدث ليعم بعدها الصمت لثوان فكسرته أفطيم قائلة:

- حسنا إذن أنت فقط قررت إعطاءه حقوقه الشرعية و استمتعت معه لتقرري بعدها معاقبة نفسك بالوقوع في الخطأ وقبول عرض هادي صح ؟
تفاجأت من تحليلها للأمر فهي نفسها لم تفهم لماذا أقدمت على ذلك التصرف الغبي لتقول در مقاطعة لأفكارها :
- لم تعطه حقوقه تراهنين بأنها من أغرته وادعت العكس.
عقدت أشماس حاجبيها وقالت بحدة :
- ما الذي تخرفين به ؟
هو طبعا من فعل، بل إنه منذ أول يوم يحاول معي وأنا فقط عطفت عليه.
تغيرت نبرتها لتقول بجدية:
- أفطيم أريد أن آخذ مانع للحمل ارسلي لي اسم واحد كي آخذه من الصيدلية العربية فقد نسيت اسم الذي كنت آخذه سابقا.
لتجيبها فورا:
-إياك وفعلها، تعرفين بأنه تسبب لك في الورم، اسمعي عليه أن يتبع طرق المنع الطبيعية هذا هو الحل الوحيد فحتى لو استعملت أداة منع الحمل قد تؤثر عليك.
عقدت حاجبيها و ردت :
- طرق طبيعية ، ماذا تعنين لم أفهم ؟
هزت درصاف رأسها في يأس و قالت:
- وتدعين الجرأة على الفاضي.
لتقول أفطيم وقد لاحظت أن أشماس شعرت بالإحراج:
- لا تهتمي الدورة لديك ليست منتظمة إذن فرص الحمل لن تكون قوية إلا إذا كنت تريدين الحمل فهذا أمر آخر عليك المتابعة مع طبيبة.
بدا صوتها متألما وهي تقاطعها ببعض الحدة :
-لا طبعا لا أريد.
أخذ صدرها يعلو ويهبط لتنخفض حدة صوتها وهي تتابع:
- أيوب لا يريد أطفال سبق وأخبرني بذلك أكثر من مرة، أعتقد بأنه هو من يريد الآن الانفصال بعد ما حدث وليس أنا فقط.
لتقول درصاف باستغراب:
-لماذا تقولين ذلك؟
أعني أفهم موضوع الأطفال وقد سبق وأخبرتني عنه رغم أني لازالت عند رأيي هو فقط خائف من تحمل المسئولية لأنه فقد والده في سن صغيرة ولم يكن له معيل، لكن لماذا تظنين بأنه من سيرغب في الانفصال لا أفهم ولا أصدق.

شعرت بذلك الخنجر يذبح أنوثتها لتجلي حلقها و تقول:

-لأني لا أقدر أن أكون معه كزوجة كاملة لازالت أخجل من أن يرى جسدي وأحاول طوال الوقت مداراته عنه بكافة الطرق، هو أيضا لابد أنه سيمل و يشعر بالقرف منه قريبا، لا تنسي أنه كان متزوجا من امرأة مكتملة الأنوثة المقارنة بيننا غير عادلة ، خصوصا عندما يلمس ظهري ويرى تلك التشوهات أشعر بأنه يندم على إتمام زواجنا وكل ما يقوله هو مجرد نوع من أنواع جبر الخواطر لا غير.

الأمر أسوأ مما كانتا تتوقعان فأشماس رغم ما تظهره من قوة و لامبالاة إلا أنها مجرد أنثى غير واثقة من شكلها في عيني حبيبها!
بصوت متماسك نوعا ما ردت درصاف:
- لماذا تصرين بأنه أتم زواجه من غيرك ؟
لقد تأكدنا جميعا بأن زواجه باطل وأنه لم يقترب منها إذن كيف يقارن بينكما؟
ثم هو يحبك لن يلتفت لتلك الندوب أبدا.
باستهزاء ردت عليها:
-انظروا من تتكلم عن الحب؟
بحسرة ردت در صاف :
- نعم أنا من تتحدث عن الحب، أنا من جربت العيش مع رجل يحبك و يجعلك تشعرين بأنك أجمل نساء الكون رغم كل العيوب التي يعاني منها جسدك والتي عانيت عمرك كله من التنمر بسببها.
زمت شفتيها وهي تتذكر ما عانته من تنمر بسبب كبر حجم صدرها الأمر الذي أصابها بعقدة لم تنحل إلا على يدي حارث؛ إنها المرة الأولى التي تعترف بها بذلك لكنه فعلا بدد كل مخاوفها وعقدها بحبه الذي كانت تنكره دائما.
أخرجتها أشماس من ذكرياتها بقولها:
-لا تحاولي تغيير الموضوع أنا متأكدة بأنه أتم زواجه من فتنة.
لم تستطع در الرد عليها لتقول أفطيم باستغراب:
- لماذا هذا الإصرار ؟
هل لديك دليل؟
أعني هل ناداك باسمها مثلا وسط العلاقة.
شهقت أشماس و وقفت متسعة العينين في نفس اللحظة التي التفتت لها درصاف بحدة ليشحب وجهها وشعرت بأنها تمادت كثيرا لترد أشماس بغضب :
- كنت قطعت لسانه أولا كي لا يصرخ و عملت عليه شوربة ثم قطعته هو شخصيا بشفرة الحلاقة لأراه يتعذب باستمتاع وبعدها أرميه في مكب قمامة للكلاب.

كادت درصاف أن تقول ابنة خيرية بحق لتمسك لسانها في اللحظة الأخيرة أما أفطيم فقالت:
-لا إله إلا الله ما هذا الإجرام يا فتاة يجب أن نخاف عليه منك؛ والآن لم تجيبي لماذا تصرين على أنه أتم زواجه ؟
حركت مقلتيها لليسار ثم اليمين وعضت شفتيها لتقول بعدها بصوت خفيض:
-لأنه جيد فيما يفعله.
لم تفهم الفتاتان ما تعنيه ؛ لتدخل درصاف السماعة أكثر في أذنها وقالت:
-ها ماذا قلت ؟
بلعت ريقها و ردت:
-أعني أنه ماهر ويعرف ماذا يفعل واضح أنها ليست أول مرة يكون فيها مع امرأة
سحبت أفطيم السماعة من أذن در و قالت برزانة :
-اسمعيني جيدا، التشريح الجسدي والتركيبة البدنية والحسية للذكر تختلف عن الأنثى؛ عندما يبلغ الذكر يحتلم أي أنه يرى حلم بإقامة علاقة جنسية كاملة مع امرأة بينما الأنثى تحيض ( تأتيها الدورة الشهرية)، و لذلك الذكر حتى قبل أن يتزوج يحدث له احتلام على الأقل مرة كل أسبوع أو عشرة أيام الأمر خارج عن إرادته .
سكتت كي تدعها تستوعب ما ألقته عليها من معلومات قد تكون مربكة لتتابع بعدها:
-هذا إذا كان غير مرتبط ولا يحب أما في حالة أيوب وهو يحبك منذ سنوات من الطبيعي جدا أنه حلم بذلك اللقاء بينكما مئات المرات وهو الآن يقوم بتحقيق أحلامه تلك.
بعدم اقتناع ردت:
-لا أنا متأكدة لقد قال لي حرفيا ( لقد نسيت أنها مرتك الأولى )
حاولت ألا تضغط عليها لتجيب:
-هذا ليس دليلا ضده على العكس تماما هو يؤكد كلامي، بأنه اندفع كي يحقق ما كان يتوق له لسنوات لا غير .
أخذت منها درصاف الهاتف و قالت بحنق:
-لماذا تريدين خلق مشكلة من لا شيء ؟
لماذا لا تستمتعي بما لديك وتكوني شاكرة له حتى لو قررت أنها مدة مؤقتة وستنتهي ؟
أنت أكثر شخص يعرف معني خسارة من نحب في ثوان، كوني ممتنة لعطايا الله كي لا تستيقظي يوما لتجدي نفسك منبوذة من الجميع.
لتقول أفطيم مغيرة مجرى الحديث:
-سواء قررت البقاء معه أم لا ، ما دمت على ذمته لا يجوز أبدا أن تتواصلي مع هادي أو ترينه حتى ، لا يهمني كونك لا تحبينه مادام قد أبدى إعجابه بك عليك حفظ اسم زوجك مفهوم.
نظرت لها در صاف من الجانب لتقول بحدة :
-ماذا أنا قطعت زياراتي لكم طوال فترة زواجي ، حتى فرحك لم أحضره ولا عقد قران أشماس لأن سفيان كان موجودا .
فتحت أشماس فمها لترد لتتابع هي:
-إياك والقول بأنه تزوج غيرك وهذا الكلام الفارغ أقسم لو رجعت لهذا الجنون مرة أخرى سأخبر حارث تخيلي ماذا سيكون رد فعله ؟
لوت أشماس فمها وردت:
-أنا عمته على فكرة فلماذا أخاف منه ؟
لتقول درصاف:
- حسنا سنخبره و نرى أو سنخبر خالتي مبروكة ، يا إلهي لم أكن أعرف بأنها شريرة هكذا.
نكزتها أفطيم لترد عليها أشماس بملل :
-حسنا درصاف سأحاول والآن أين زيزو لقد اشتقت له كثيرا.
نادت أفطيم على سنان لتجلبه والتي قالت وهي تمط شفتيها:
-أخيرا تذكرتنا سيدة أشماس ما كل هذا الغياب؟
لم تهتم بالرد عليها بل أشارت ليزيد الذي خطف الهاتف وأسرع به كما يفعل دائما كأنه يخبرها سرا لا يريد لأحد أن يعلمه .
أغلقت بعد وقت وقد شعرت باختلاف كبير في نفسيتها فدخلت لتستحم وتغير ملابسها ، خرجت لتجد أيوب أمامها لتقول له:
-متى أتيت لم أسمعك ؟
مرر إبهامه على وجهها ليقف عند شفتيها وقال بابتسامة واسعة :
-لأنك كنت تشغلين مجفف الشعر كيف ستسمعينني ؟
انفرجت شفتاها لتجيب ليلتقطها بين خاصته ينهل من عسلها فرفعت يدها تطوق رقبته وتبادله القبل قبل أن يضطر لتحريرها طلبا للهواء، ليسند جبهته لجبهتها و يقول :
- يبدو أننا سنبدأ بالتحلية قبل الأكل.
أنزلت يدها و ردت بصوت مرتعش وهي تبتعد عنه:
- ماذا أحضرت أنا جائعة ؟
طوقها من الخلف وأبعد شعرها عن رقبتها ليقبلها ورد:
-أنا أيضا جائع جدا جدا.
ادعت الغباء لتبعد يديه بصعوبة وتجلس أرضا حيث فرش هو المكان و فتحت الأغطية عن الطعام لترى ما هو لتتسع عيناها و ترفع رأسها له قائلة :
- ما هذا بالضبط ؟
جلس مقابلا لها وأخذ طبقا ليضع به بعض الأصناف ثم وضعه أمامها و قال:
-كلي إنه لذيذ جدا هاشم يعرف صاحب المطعم وقد أوصاه كل هذا الطعام بالسمن البلدي.
نظرت للأكل بتوجس لترد:
-ستأكل كل هذا ؟
بدأ بالفعل في أكل الحمام ليقول بعدها:
-طبعا هل نسيت أنني عريس وأحتاج للتغذية ؟
لم تعرف بم تبدأ ، رغم أنها شاهدت هذه الأطعمة قبلا في الأفلام والمسلسلات بل حتى في المطاعم لكنها لم تقم بتجربتها أبدا ، بل هي لازالت غير مقتنعة بأنها قد تجربها يوما.
أمسكت الحمامة بيد و باليد الأخرى قرن فلفل ليساعدها على الأكل لتقطم منه أولا ثم قامت بمحاولة كسر قدم الحمامة لتأكلها فأسرع أيوب يقول بصدمة :
-توقفي ماذا تفعلين؟
نظرت له وردت:
-أحاول الأكل ماذا هناك.
-تأكلين هكذا ؟
نظرت له ولم تفهم سبب السؤال ليتابع:
-هذا حمام وليس دجاج هناك طريقة واحدة لأكله ، اسمعي عليك أن تضعيها في فمك كلها مرة واحدة و تمضغيها بالعظم.
قلبت الحمامة بين يديها ثم قالت:
-أدخلها كلها مرة واحدة ؟
غمز ورد:
-يمكنك إدخالها ببطء لو كان الحجم كبيرا جدا.
ضيقت عينيها ثم اتسعت ليحمر وجهها فضحك أيوب بصوت عال بينما قالت هي:
-وقح عديم الأخلاق.
وبدأت في أكل الحمامة كما أخبرها بينما رد هو:
-ماذا قلت أنا أتكلم عن الحمام لا دخل لي بأفكارك المنحرفة.
نظرت له من أسفل رموشها ليميل عليها و يعض خدها ثم يعود لمكانه ويكمل الأكل وهو يشرح لها فائدة الكوارع كي تأكلها معه دون جدوى.

❈-❈-❈

في بلد أيوب

كتب في مجموعة الشعر

-لن أسامح وهذا ليس بسواد قلب لكن الإساءة كانت أكبر من أن نتجاوزها
والظلم كان كجبل وقع علي كاهلي فكسرت عظامي وتهشمت روحي وصرت أشلاء علي قارعة الطريق لم يعد بمقدرتي لملمة رفاتي ،بل علقت بالمنتصف لا أنا هزمت أعدائي ولا داويت جراحي ولا استكملت المسير صرت كعجوز وأنا في ريعان شبابي
والأدهى سؤال يداهمني، ما الذي دفعهم إلى أذيتي سواد قلوبهم أم أنني أنا من يستحق تلك المعاملة ،هل أنا بشع لهذا الحد وسيئ لتلك الدرجة التي تجعلهم يسددون إلىّ الطعنات ويعددون لي المكائد ؟
تلقى العديد من الردود لكنه لم يهتم بالرد فهو لم يكن يبحث عن ردود ولا حتى إعجاب فقط أراد إفراغ ما بداخله كي لا ينفجر.
بُعد أيوب و أشماس أثر فيه جدا، فهو كان بئر أسراره و الكتف الذي يفرغ عليه همومه مطمئنا وهي كانت من تفهمه و تناقشه بعقلانية لا تمتلكها معظم الأوقات لكنه يعرف بأنها دائما تفهمه و تحاول الوقوف بجانبه ، حتى سفيان و عبدالخالق كانا سندا له نوعا ما أما الآن فهو يشعر مثل الذي قيدوا قدميه ويديه ثم أجبروه أن يجري سباق ألف متر !
بدأ يشعر بانقباض في صدره ليمسك هاتفه ويقرر الاتصال بشقيقه الروحي ليجد العديد من الردود على منشوره ، ورغم عدم رد في العادة على تلك التعليقات إلا أن أحدها استفزه بشدة حيث كتبت جمان:
-كلامك مجحف جدا لا يمكنك أن تكون المدعي و المحامي الادعاء والقاضي والجلاد في نفس الوقت!
ربما تتحامل على من تظن بأنهم ظلموك وأنت الظالم في الحقيقة؟
لأول مرة يقرر الرد ليكتب :
-طبعا أنا الظالم لأني رجل و الرجال يظلِمون دائما ولا يُظَلمون أبدا !
لترد عليه فورا:
-لم أقل الرجال قلت أنت فقط ، تحملها ذنبك ولم تفكر فيما عانت هي، ربما تكون خسرت أكثر مما خسرت أنت؟
ماذا لو وضعت بين خيارين لا ثالث لهما وكلا الخيارين يعني خسارة جزء من روحك ؟
ماذا ستفعل وقتها ؟
عقد حاجبيه وقد شعر بأنه تسرع بالرد، فهو لا يريد لأحد بأن يعرف هويته أو ما يعانيه لذلك يكتب في هذا المنتدى باسم مستعار ويحرص على عدم الرد على أحد .
تسارعت الرود عليها لتكتب ( أم منكوبة )
- صدقت هم يرموننا بالتهم دون أن يعطوننا الخيار  ، لقد أخذوا مني أولادي الستة وطلقني زوجي لأن عائلتي تقف في الجهة المضادة لاتجاهاته وقت الحرب هل تصدقين ذلك؟
الصغير لم يتم عامه الثالث بعد وقد حرمت منه دون وداع حتى
ليرد عليها شخص آخر :
- ولماذا لم تختاري زوجك و أبنائك ؟
لقد فضلت أهلك إذن لا تشتكي بعدها
أجابته:
- لم أختر أحدا هو من أخذهم بناء على طلب أهله بحجة أن أبناء عمومتي قتلوا أقاربه ما دخلي أنا لا أعرف.
توالت التعليقات على الموضوع بين مؤيد ومعارض كالعادة وضاع تعليق جمان التي لم تعلق بعدها ليغلق حارث الموقع المنتدى و يتصل بعبد الخالق ليعرف آخر الأخبار منه أولا ثم اتصل بأيوب.

أجابه الأخير بعد عدة رنات ليقول بغضب:
- لماذا لا ترد هل أصبت بالصمم أم تظن نفسك مهما لا ترد إلا بعد عدة رنات؟
جفف يدي أشماس التي كان يغسلها لتبعدها عنه بحرج عندما سمعت صوت حارث كأنه رآها فابتسم ورد:
-عذرا أخي العزيز كنت أغسل يدي ؛ لماذا أنت غاضب ماذا حدث؟
أشعل سيجارته و قال:
- لقد أخبرني عبد الخالق بأن الشرطة تضيق عليهم ، أعني هو أموره جيدة لكنه يخشي على سفيان كذلك مسألة رؤوف تلك فكلما يتبعون خيطا يظهر لهم آخر دون دليل واضح على أنه حي فعلا.
ابتعد أيوب عنها كي لا يعطيها أمل زائف وقال:
-اسمع أعتقد أن علينا أن نسرع بإخراج سفيان الآن وبعدها يعود بطريقة قانونية ويبحث كما يريد ، لماذا لا يجرب طرق القوافل رغم صعوبتها الجسدية لا أنها أكثر أمانا من السفر عبر البحر.
رد بتفكير :
-الأمر ليس آمنا، كما تظن ، هناك قطاع الطرق و تجار البشر هذا غير المتربصين، صحيح أمر عياد تقريبا انتهى لكن ماذا عن أشرف؟
لوى أيوب فمه وقد كان قد نسى أمره تماما ليتابع الأول :
- خالي قال بأنه وجد طريقة عن طريق أحد معارفه القدامى لكنها ستحتاج لوقت أطول ، بالمناسبة لقد حدد سفره الأسبوع القادم أعتقد بأنه سيمر عليكم أولا .
لمعت عينا أيوب ليقول:
- ممتاز اسمع هناك أشياء أحتاجها عليك أن ترسلها لي معه اكتب عندك.
أطفأ سيجارته ورد:
-ليس معي قلم ارسل ما تريده في رسالة ، والآن هات عمتي لقد اشتقت لها.
مط شفتيه ورد:
-شحط مثلك يقول لأشماس عمتي؟
أنت شبهة تعرف ذلك؟
سحبت منه الهاتف وقالت تغيظه :
-كيف حالك حبيبي حارث اشتقت لك كثيرا.
اتسعت عينا أيوب و ردد بصدمة:
-حبيبي و اشتقت لك ؟
لم تهتم بتعليقه وقالت:
-لماذا لا تجلب زيزو وتأتي لزيارتنا ؟
وضع يده بقرب رقبتها كأنه يريد خنقها لتتابع:
-تعرف ماذا احضر معك سنان لتغير جو سوف تبيت معي في غرفتي.
ضحك حارث ليقول بصوت عال:
-تأمرين عمتي كلنا سنقيم عندكم زيزو بالذات اشتاق للنوم بقربك ما رأيك أن نترك زوجك السمج وحده ونقيم معا.
نظرت لأيوب الذي يكاد ينفجر من الغيظ و ردت:
-فكرة رائعة تعال مع خالي أفضل.
سحب منها الهاتف ليقول:
-واضح أن عمتك أصيبت بحمى اذهب أنت وسوف أرسل لك الطلبات هيا لدي مشوار مهم.
تخصرت وقالت بغضب:
-لماذا أغلقت الخط كنت أريد الحديث مع يزيد و سنان.
وضع يديه على رقبتها مدعيا أنه يخنقها و رد:
-ماذا أفعل بك اخبريني فقط ، اسمعي ممنوع منعا باتا النوم بعيدا عني حتى لو كنا متخاصمين لا يهمني إن كان عندنا خالك أو حارث لن تنامي إلا في حضني فقط.

قربها منها ليقبلها برقة وسرعان ما تحولت القبلة لأخرى مشتاقة متلهفة بل مترجية للتواصل معها الذي لا يشبع منه فلم ترده خائبا وبادرت هي بخلع قميصه عنه لتلمع عيناه باستمتاع ويكمل هو ثم يخلع قميصها فزادت هي من قبلتها التي أشعلته وجعلت مشاعره تشتعل أكثر ليحملها ويضعها على السرير ثم يكمل خلع ملابسها ويخيم عليها وهو ينثر قبلات ساخنة على نحرها نزولا لباقي جسدها ثم عاد يقبل ثغرها فقلبته على ظهره لتجلس فوقه فاتسعت ابتسامته لم تعطه الفرصة ليفعل شيئا بل بادرت هي بفعل كل شيء و تركها ليجعلها تحرر أنوثتها وتمسك بزمام الأمور بيدها.
يعشق شغفها وجرأتها معه لكنه يشعر بأن هناك ما يجعلها تتقوقع على نفسها أحيانا ، إصرارها على إطفاء النور، رفضها بأن يرى ظهرها خصوصا وقت العلاقة الخاصة لا يريد أن يفتح معها الموضوع بعد يخشى من التصادم معها وهو يعلم أنه لم ينل رضاها الكامل بعد.
بعد فترة راحت في نوم عميق و هي بين ذراعيه فدفن وجهه في شعرها وضمها له أكثر يريح رأسها على كتفه وقال بهمس:
-أعدك بأني لن أرتاح حتى أنال رضاك كاملا و أزيل كل ما يقلق روحك يا كل روحي.


❈-❈-❈

وصل هادي لمكتبه ليجد لمار و جوليا فابتسم وقال:
-لامي اشتقت لك جميلة الجميلات لا تتأخري علينا كثيرا مرة أخرى.
ابتسمت ولم ترد فشعر بأن هناك خطب ما ، كيف لا تجادله كالعادة ؟
ليجلس بقربها ويقول:
-ماذا هناك؟
لماذا أنت حزينة ؟
قصت عليه ما عرفته عن نسرين محاولة عدم البكاء خصوصا عندما عرضت عليها أن تعود للوطن فأسرعت الأخيرة تقبل يدها وقدمها كي لا تجعلها تعود خوفا من أهلها وطلبت منها أن تقنع زوجها بأنها لم تخنه كي يعدها له .
وقف هادي من كرسيه بغضب وقال:
-ماذا تعني أنها تريد العودة له؟
هل جنت لقد كاد أن يقتلها ويقتل ابنها أنت لم تري شكلها عندما أحضرتها جوليا؟
حاولت ألا تبكي و هي ترد:
-هي متأكدة بأنها لن يصدقها أحد ، أنت نفسك ظننت أنها خائنة ، الأمر لن يكون سهلا أبدا لقد تم أذيتها نفسيا كثيرا يجب أن تحصل على تأهيل نفسي كي تخرجه من حياتها، عموما الشيء الجيد الوحيد أنها تحمل إقامة و أن ولديها لديهما جنسية لن يستطيع أحد إخراجها ، لقد وجدت لها مسكنا في مدينة قريبة كي أتابعها بنفسي، لكن أحتاج لعائلة موثوقة كي يتواصلوا معها.
فكر قليلا ورد:
-لماذا لا نربطها بالفتاة التي أنقذناها من والدها ؟
بدا عليها التذكر لتقول:
-معك حق سوف أجعلهما يتواصلان ، كنت أتمنى أن تتابع معها فتنة فهي عانت أيضا من الظلم بسبب خوف الأهل من الفضيحة لكنها ترفض كي لا تؤذها حسب رأيها.
ضرب على لوحة المفاتيح في حاسوبه وقال مدعيا عدم الاهتمام:
-فتنة عانت ؟
لا أصدق ما عرفته عكس ما تقولينه تماما.
هزت كتفيها و ردت:
-لا أعرف التفاصيل كلها لكنها أجبرت على الزواج من أيوب بسبب ما فعله زوجها السابق .
أصدرت الطابعة صوتا فسحب الورقة منها و أعطاها لها قائلا:
-ولماذا أجبرت ؟
قرأت العنوان وقالت:
-ممتاز العنوان لا يبعد كثيرا لم أعرف بأنها انتقلت سوف أذهب الآن كي ألحق بها و بنسرين ، إلى اللقاء.
شعر بخيبة أمل لأنه لم يعرف السر، منذ مكالمته مع شقيقته وهو يفكر بها، هل حقا تعجبه ؟
لا لا يمكن تافريت مخطئة لو كانت تعجبه لجمع عنها معلومات كاملة ، بل هو يتعمد البعد عنها لسبب لايزال يجهله.
لكن مهما كانت مشاعره ناحيتها هو أخطأ في حقها وعليه الاعتذار.
❈-❈-❈

انتهى الصف متأخرا لتجد أن الظلام قد حل رغم أن الوقت لم يتجاوز الخامسة عصرا ، وقت الشتاء هو الأسوأ في هذا البلد فالشمس تغرب باكرا مما يجعل التحرك صعبا ، صحيح أن هذه المدينة لا تنام باكرا بعكس معظم مدن أوروبا والمحلات تفتح أبوابها لأوقات متأخرة لكنها باتت تحذر من تصرفاتها وتعي كونها مطلقة ، رغم مرحها السابق و سهولة حصولها على أصدقاء لكنها الآن وضعت حاجزا لنفسها واختارت ألا تتعامل مع أحد من زملائها أبدا حتى في حدود الدرس، الأمر الذي جعل إنهاء المشاريع صعبا نوعا ما ، لم تهتم لقد قررت المضي قدما في هذا الطريق ومحاولة إصلاح نفسها من أجلها هي أولا و ومن أجل روح والدها رحمه الله ومن أجل أهم شخص أحبته بصدق وقد لا تحب أحدا مثله أبدا ، ابنها رحيم.

انتظرها طويلا حتى ظن بأنها لم تأت لكليتها اليوم رغم تأكيد لمار العكس وعندما بدأ الظلام يحل نظر في ساعته و قرر الذهاب والعودة في يوم آخر ، بدلا من ركوب سيارته ذهب لمحطة القطار فهناك شعور بخيبة الأمل يتسلل بداخله فقرر ألا يعود مباشرة بل سيذهب لأحد أصدقائه كي لا يفكر في الأمر ؛ بمجرد دخوله للمحطة وجدها تقف أمام الرصيف تفرك يديها من البرد ليتوقف مكانه ويفكر في العودة لسيارته لكنها التفتت لتتلاقى الأعين ؛ هروبه الآن يؤكد كلام تارفريت شقيقته لذلك ذهب باتجاهها مباشرة وقال برزانة :
- مساء الخير كيف حالك؟
هزت رأسها دون رد ليتابع :
- لقد كنت أنتظرك أمام كليتك وعندما يأست قررت الذهاب.
عقدت حاجبيها وقالت بتوجس:
-ولماذا تنتظرني نسرين أصابها مكروه ؟
مد لها باقة ورد أبيض متوسطة الحجم ورد:
-كي أعطيك هذه .
نظرت للباقة ثم له بغير فهم ليزدر ريقه وقد شعر بأنه غبي و متسرع فقال:
- أردت الاعتذار منك عما بدر مني، أتمنى أن تكوني من الكرم بأن تسامحيني حتى لو قررت أنك لا تريدين رؤيتي فما فعلته ذنب كبير يتوجب التكفير عنه لا يجوز قذف النساء بالباطل.
سكت ليلتقط أنفاسه فهو لم يوضع سابقا في مثل هذا الموقف أبدا ، لن يقول بأنه لم يظن السوء بفتاة قبلا وظهر العكس لكنه لم يبادر بقولها جهرا أبدا من قبل ، لطالما كان قادرا على كتم أحكامه لنفسه حتى يتأكد منها وحتى و إن ثبت بأنها مذنبة فإنه لا يفضحها.
وصل القطار لتقول له:
-ألن تركب؟
جملة استفسارية عادية جدا لكنها جعلته ينتقل من حفرة جلد الذات لفوق السحاب، ليذهب معها بقلب يبتسم لا بل يضحك بسعادة لا يعرف سببها وقد زادت عندما أخدت منه الورد وشمته ، شعرها الأسود سواد الليل نزل كشلال يغطي وجهها فأبعدت خصلة منه خلف أذنها وضمت الزهور لها ثم ابتسمت ولأول مرة منذ عرفها رأي عينيها تضحكان؛ بالكاد أمسك نفسه عن تصويرها فهي تبدو كلوحة مرسومة لا حقيقة متجسدة أمامه أبدا.
رفعت عينيها عن الزهور لتنظر له فوجدته ينظر لها بطريقة غريبة ، لا ليست تلك النظرة التي باتت تقرفها الآن من الرجال لأنهم يجدونها مغرية ، و لا حتى نظرة الشفقة السابقة أو الاتهام بل هي شيء آخر لم تره قبلا في عيني رجل لها أبدا هل يمكن أن يكون؟
قاطع تفكيرها عندما قال:
-نسرين بخير يمكنك التواصل معها لو أردت ، في الحقيقة هي تحتاج لمساندة بعض الناجيات كي تثق في نفسها.
أومأت له دون رد فشعر بأنه قد يستمر بالتحديق بها ليقول مغيرا الموضوع:
-ما هو تخصصك ربما تفيدينني يوما ما ؟
-ومن قال أني سامحتك كي أفيدك ؟
ابتسم لها عندما استشعر المزاح في نبرتها و وضع يديه أسفل فكه قائلا:
- من يستطيع مقاومة هادي ؟
رفعت حاجبيها وزمت شفتيها بتلك الحركة المشهورة و ردت:
- مغرور أيضا ، حسنا سيد هادي سوف أرضى غرورك ، لقد قررت أن أتخصص في كل ما يخص الأطفال ، غرف نومهم، الحضانات ، غرف الألعاب حتى العيادات الخاصة بالأطفال .
أخرجت ملفا من حقيبة كتبها لتريه التصاميم وقالت بحماس:
- تعرف لقد صممت ردهة استقبال في قسم الولادة وقد أعجبت المعيد جدا لدرجة أنه عرضها على إحدى المستشفيات وإذا وافقوا سيكون ذلك مشروع تخرجي من سعادتي لم أخبر أحدا أنت أول شخص أخبره بذلك.
أخذت تشرح له الصور والغرض من كل قطعة مع معاني الرسومات بسعادة طفلة صغيرة تحاول إبهار أحد الكبار أما هو فقد شعر بالفخر لأنها شاركته سرها الذي أخفته عن الجميع.
وصلت لمكانه لتودعه وتنزل حاملة باقة الورد أما هو فقد بدأ عقله يعمل من جديد بمجرد نزولها، ونفس الأسئلة تتكرر دون إجابة وافية
- ماهي نهاية تلك العلاقة التي لا مسمى لها ؟
هل تستحق أن يحارب من أجلها ؟
هل هو هادي ابن الجبل يستطيع نسيان ماضيها وتقبله؟
وأخيرا هل هو فعلا معجب بها أم أن فتنة مجرد تحدٍ جديد لكسر قيود قبيلته و عاداتها ؟

❈-❈-❈

في بلد أيوب

وضعت مبروكة الخبز في الفرن الجديد الذي تم وضعه في الحديقة( التنور)، لتقول سنان بقربها:
- أمي مبروكة أنت سعيدة بهذا الفرن أكثر من سعادتك بانتقالك للفيلا.
تأكدت من أن الحطب يكفي ثم عادت لتجلس بقرب تفاحة وردت:
- بنات هذا الجيل لا يعرفن قيمة هذه الأشياء ، والله لم أصدق حارث عندما أخبرني بأنه سيصنع واحدا لي ظننته يضحك علي فقط.
رفعت يدها بالدعاء و قالت:
-فرح الله قلبك يا حارث كما فرحت قلبي.
صبت تفاحة الشاي وقدمته لها وردت:
-هذا الحارث لا مثيل له لولا أن أفطيم لسفيان كنت زوجته لها.
لتقول سنان بعد أن أضافت بعض الماء للشاي خاصتها :
- لن يقبل لقد أبعد أميرة لأنها معجبة به.
تلفتت حولها ثم اقتربت منهن وتابعت بهمس:
- الغبي لايزال يحب درصاف ويعاند.
مطت مبروكة شفتيها بعدم رضا لتقول أم حامد:
- لماذا أشعر بأنك لا تحبذين رجوعه لها ؟
صحيح هي متعجرفة قليلا ولا تعجبني طريقة كلامها لهالة ولا إصرارها على إبعاد يزيد عن بلقاسم، لكنها تظل أم ولده ، بم أنه يحبها فمن الأفضل أن يتربى الولد بين أبويه
لترد عليها مبروكة بحنق:
-لأني حضرت زواجهما منذ بدايته ، أعرف جيدا كيف تتعامل مع حارث ، حتي الآن لا تحاول معه أبدا بل تنتظر منه هو أن يعتذر ويعيدها لذمته ، بل تلومه كيف تجرأ و طلقها.
وضعت كأسها ثم تابعت ببعض الهدوء:
- لو شعرت أنها تحاول معه فقط لكنت أكبر داعمة لها ، حارث لا مثيل له أعرف بأن الشهامة قد تجعله يعيدها بسبب صلة القرابة خصوصا لو طلب منه شقيقها ذلك ، لكني أحاول تأديبها قبل وصوله علها تعرف قيمته لو كان الأمر بيدي لزوجته من تدلِلَه بدلا من ابنة هناء .
أسرع بلقاسم و يزيد للجلوس بقرب سنان التي قامت بإعطائهم الشاي المخفف كلا بدوره مع حبات الفول السوداني المحمرة وهي ترفع نظرها لتتأكد بأن هالة لم تأت بعد ، لتبتسم أم حامد وتقول بحنان:
- وأنت يا غزالة المنزل متى نفرح بك، أريد فرحا كبيرا يكفي أشماس لقد أوجعت قلبي عليها ذهبت هكذا بلا طبل ولا زمر ولا حتى زغرودة واحدة .
تلاعبت ابتسامة شقية على شفتي سنان و ردت:
- قريبا سنقيم لها سبوع مولود كبير يعوض الفرح.
اتسعت عينا مبروكة لتقول بفرح :
- هل تعني أنها دخلت فعلا ؟
هزت رأسها و حركت حاجبيها للأسفل والأعلى لتردف مبروكة :
- كيف عرفت يا مفعوصة هذا كلام عيب وأنت لازلت صغيرة.
وقفت على ركبتيها متخصرة ليقلدها الولدان وردت:
-الآن مفعوصة وصغيرة ها.
ثم قلدت صوت مبروكة :
- نسيت وقت اشتري لأشماس يا سنان حرام هي لا يوجد لديها أم ، ضعي لها الحقيبة يا سنان يكفي أنها لم تقم بفرح، كلميها يا سنان نحن لا تسمع كلامنا ؟
عادت تتكلم بصوتها لتقول:
- من أقنعها كي تزيل شعر جسدها بناء على طلبكم ؟
ثم أليس هذا ما تريدينه لماذا أنت غاضبة الآن ؟
أطلقت أم حامد زغرودة عالية تليها واحدة أخرى من مبروكة التي تبعتها ببكاء حار لم تفهم سنان سببه فأبعدت تفاحه العالة *(أداة ليبية لصنع الشاي) من أمامها واحتضنتها لتبكي معها.
دخلت عليهن أفطيم وهالة لتسأل الأولى :
-ماذا هناك سمعت صوت زغاريد والآن أمي تبكي؟
رفعت سنان كتفها و أنزلتها قائلة :
-لا أعرف في البداية كان النقاش حول عروس لحارث ليتحول المسار لزغرودة لا أعرف سببها و بكاء من أمي مبروكة فقامت خالتي تفاحة بفعل المثل من باب المساندة .
أمسكت هالة ولدها قائلة :
-كم مرة أخبرتك بأن الشاي خطأ ؟
من أعطاه الشاي ؟
حركت سنان مقلتيها لليمن واليسار دون رد ليبدأ بلقاسم في البكاء فمسحت تفاحة عينيها وقالت بين شهقاتها :
-اتركي الولد أنا أعطيته ما دخلك أنت ؟
تعال حبيبي لجدتك لأعطيك المزيد.
أسرع يزيد يجلس بحجرها بينما بلقاسم يصارع ليترك أمه وعندما شاهد يزيد يجلس بحجر جدته ازداد بكاؤه فتركته هالة ليسرع ويتصارع مع يزيد على المكان، وضعته تفاحة على إحدى قدميها و يزيد على الأخرى وقالت:
-كل واحد يجلس بمكان لماذا تتشاجران.
لتقول سنان:
-المكان واسع جدا يكفي من الحبايب ألف.
شهقت مبروكة لترد تفاحة:
- هاتي الشبشب يا هالة .
سحبتها هالة لتقوم وتذهب معها وهي ترد:
-هالة ذهبت لا تبحثوا عنها.
لتقول مبروكة :
-أفطيم اتصلي بأشماس و اجعليها تتصل بي عندما تكون وحدها ضروري.
أومأت لها وخرجت لتقول تفاحة :
- لا تخبريها بأننا عرفنا ربما تشعر بالخجل.
رفعت مبروكة حاجب وأنزلت الآخر قبل أن ترد:
-خجل؟
بنات هذا الجيل لا يعرفن الخجل عموما لن أتكلم في شيء خاص أريد تنبيهها يا رب أن تكون محتفظة به.


❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

مر أسبوع على ارتيادها المعهد، صحيح لازالت تواجه صعوبة في فهم اللغة لكن وجوده ساعدها كثيرا مهما ادعت العكس حتى لو كان ليومين فقط ، باقي الأيام تذهب وحدها ليذهب هو لعمله، في عطلة نهاية الأسبوع يذهب للمعرض وهي إما تذهب معه وتتنزه قليلا أو تبقى في المنزل لتكمل رسوماتها، لازالت لم تعف عنه بل تتحدث معه بحدة في أوقات كثيرة برغم أن علاقتهما الحميمية مشتعلة جدا الأمر الذي يبعث به بعض الاطمئنان ويجعله يطمح لإزالة باقي العقبات
عاد من عمله مبكرا فقد فضلت البقاء في المنزل على الذهاب معه ليجدها تجلس متربعة أرضا أمامها الحاسب الآلي و أوراق الرسم وتلك الآلة التي تحفر بها على المجوهرات فخلع حذائه وجلس بقربها قائلا:
-لماذا تحبين الجلوس على الأرض ؟
نظرت إليه من تحت جفنيها وعادت للرسوم وردت:
-وأين سأجلس في علبة السردين هذه ؟
تعرف بأن غرفتي في منزلنا أكبر من هذه الشقة برمتها.
حك رأسه ورد بأسف :
-أعرف بأن الشقة صغيرة جدا، هذا ما أستطيع أن أجده بالميزانية الحالية خصوصا أني أردتها أن تكون قريبة من المعهد و من عملي ،عموما عندما يتحسن الوضع سوف ننتقل لمكان أكبر أعدك .
شعرت بالغضب من نفسها فهي لم تكن تعرف بأن الوضع بهذا السوء، في البداية ظنت بأنه فقط أراد أن يضيق عليها كي ينالها لكن مع الوقت عرفت بأنه فعلا يعمل بجد محاولا أن يجعلها تعيش بمستوى معقول، حتى المعرض الذي ظنت بأنه مدير له اتضح بأنه يعمل فيه بمرتب يحسب بالساعة ،المشكلة أنه لايزال يرفض أن تساعد في شيء حتى شراء حاجياتها الخاصة ، لا تعرف هل عليها أن تكون سعيدة لذلك أم تغصب لأنه مجرد ذكر يحاول فرض سيطرته ؟
مال يقبلها برقة ثم قال:
-اشتقت لك أيضا زوجتي الجميلة.
لملمت أوراقها وردت:
-من قال أني اشتقت لك أصلا.
وضع يده خلف رقبتها وقربها له ليسند جبهته لجبهتها وقال:
- ما رأيك أن أخبرك بطريقتي كيف عرفت؟
أبعدته واستقامت تقول :
-اغتسل كي أضع الأكل لابد أنك جائع مثلي.
طوقها من الخلف و رد:
-أريد أن أحلى أولا.
- أيووووب.
رفع يديه في استسلام و ذهب ليغتسل ليجدها قد غرفت له وأخذت صحنها لتجلس كعادتها فوق الأريكة دون أن تحضره له ، أخذه وجلس بقربها يأكل منه ثم قال:
ما هذا لا أصدق قديد*؟(لحم مجفف)
ابتسمت وردت:
-أحضرته معي، قامت عمتي مبروكة بلفه جيدا وتغليفه بالقصدير فلم يلاحظه أفراد الجمارك ولم تظهر رائحته.
تلك الابتسامة الرائقة لا تظهر كثيرا، بل هي تقريبا لا تظهر إلا عندما يتعلق الأمر ببلدها، يعرف جيدا بداخله أنها تشتاق لوطنها وتتمنى العودة له رغم ادعائها العكس ،ويعرف أيضا أن عودتها الآن له مستحيلة ؛ تنهد وأكمل صحنه ثم نظر لرسوماتها وقال:
-لم أفهم ما هذا؟
غسلت يدها وجلست قربه وردت:
- علينا تصميم شيء لرأس السنة والأعياد هنا أو نستوحي من قصة حب مشهورة
طبعا لن أصمم لرأس السنة و لم أجد قصة حب تلهمني.
باستغراب رد:
-لم تجدي قصة تلهمك حقا ؟
عادت بظهرها للأريكة وقالت:
-عد معي، روميو و جولييت ستكون مصدر للكل طبعا لذلك استبعدتها ، قيس وليلي ربما خيول وشعر لا أعرف ليست جذابة ، ونفس الأمر بالنسبة لعبلة وعنتر هذه القصص التي أعرفها مشهورة لديك غيرها.
ليجيب بثقة:
-الملك رمسيس الثاني وزوجته تعرفين بأن أول عبارة حب وثقت في التاريخ كانت منه لها ؟
عندما قال هي من تشرق الشمس من أجلها
باستهزاء ردت:
- ذكرني كم مرة تزوج عليها ؟
هذا حالكم تتغزلون بواحدة لتشعرونها بأنها ملكة متوجة على قمة الجبل ثم ترمونها للأسفل لتقع أشلاء متناثرة .

عرف إلى أين سيذهب مجرى الحديث فاستقام وجرها معه قائلا:
-غيري ملابسك بسرعة سوف نذهب لنروق أعصابك لتفكري بطريقة أفضل .
دخل للغرفة وأخرج لها ملابس تعتبر رياضية تلبسها في المنزل فقالت:
-ما هذا لن أرتدي هذا البنطال في الخارج أبدا.
أخذ يبحث في الخزانة حتى وجد ما يريده فأعطاه لها ورد:
-تغيرين وحدك أم أساعدك ؟
لكن عندها لا أعتقد بأننا سنخرج من المنزل على الأقل اليوم.
دفعته ليخرج من الغرفة وهي تقول:
-وقح يا إلهي لا أصدق كيف أخفيت عني هذا الجانب.
التفت يرد بغمزة :
-بصعوبة جدا لي الجنة لصبري كل هذه السنوات.
أغلقت الباب لتغير ملابسها وترتدي الحذاء الرياضي ثم خرجوا ليأخذها لحديقة يلعب بها أطفال بسن المراهقة كرة القدم ليقترب منهم ويقول شيئا لم تفهمه ثم أشار لها وقال:
- ستلعبين مع هذا الفريق و أنا مع هذا والخاسر عليه عقوبة.
بلمعة تحد كاد أن ينساها ردت:
-جهز نفسك من الآن إذن.
ربطت حجابها جيدا كي لا يعيقها وبدأت في اللعب ، لم تكن مباراة عادلة فرغم أن المراهقين اعتادوا على اللعب دائما إلا أن حافز أشماس ورغبتها الشديدة في الفوز جعلتها أمهر منهم معظم الوقت كان يقتصر احتجاز الكرة بينها وبين أيوب وعكس ما ظنت لم يتساهل معها ويعطها الفرص مما زاد وطأة المنافسة بينهما خاصة عندما سدد هدفا لتحاول التعادل معه لكن حارس المرمى أفشل جميع محاولاتها
انتهت المباراة لتقول بغيظ :
- غش أنت غشاش لا يمكن أن تفوز علي لابد أنك طلبت من فريقي الخسارة.
أشار لها ورد بصوت عال محدثا الأولاد :
- هذا ما يحدث عندما لا تمتلك روحا رياضية.
لم تتوقف عن التذمر طوال مسافة رجوعهما للمنزل وهي تحلل حركاته لتثبت أنه لا يستحق الفوز أما هو فلم يتوقف عن الابتسام بسعادة الأمر الذي زاد غيظها ليخلع ملابسه و قال :
-تعالي نستحم أولا.
أبعدته ودخلت للحمام وحدها بسرعة هروبا منه لتخرج بعدها فقال لها :
- لن أمرر هذا الأمر يحب أن نستحم معا لن تنجحي في كل مرة من الهروب مني
ابتسمت ببرود وقالت:
-احلم براحتك هذه ليست مشكلتي.
دخل ليستحم بدوره فجلست وبدأت ترسم عده تصاميم لدرجة أنها لم تشعر به إلا عندما قال:
-لا أعرف سر حبك لحدائق بابل، أصلا أين قصة الحب بها؟
تابعت ما تفعله وردت:
- هي أكثر قصة حب واضحة في نظري ، تعرف بأن الملك البابلي( نبوخذنصر الثاني) قام بإنشائها من أجل زوجته( أميتس الميدونية) ، لقد كانت حزينة بسبب شوقها لتلال بلدها فأحضر بلدها لها ، هذا هو العشق الحقيقي
عقد حاجبيه وقال:
- تريدين أن أجلب لك بلدك كي تتأكدي من حبي لك؟
وضعت كفها المفرود على وجهه لتبعده عنها وردت:
- أريدك أن تتركني أنهي رسوماتي.
تركها ودخل ليلملم الملابس التي تحتاج للغسيل كي يأخذها للمغسلة ثم أنزل الحقيبة الكبيرة ليقلب بين محتوياتها ليأخذ واحدا و يغلقها من جديد ؛ خرج ليجلس على الكرسي الفردي و أخذ يرسم بدوره حتى وضعت أوراقها وقالت:
-لقد تعبت سوف أنام.
ليرد باستنكار:
-نعم!!!
من هذه التي تنام نسيت أنك ملزمة بتنفيذ مطلبي؟
قلبت مقلتيها وردت:
-نعم ماذا تريد؟
أسرع يحضر قميص النوم الذي اختاره لتشهق عندما رأته فهو كان عبارة عن قماش دانتيل عريض يغطي الصدر فقط ملتصق بقطعه شفافة قصيرة تنتهي بنفس الدانتيل أقل عرضا
جذبته منه بوجه محمر وقالت بصوت منخفض:
- قلت لك لا تفتح الحقيبة ثم كيف تتجرأ وتطلب مني ذلك؟
اقترب منها مستمتعا بتلك الحالة التي تصيبها كلما حاول جعلها تتحدث عن رغبتها و أحاسيسها، فهي تنكرها تماما بل تدعي عدم وجودها رغم أنها تظهر بقوة في كل لقاء حميمي بينهما؛ ليقول:
-هل تريدين أن تلعنك الملائكة ؟
أريد أن أراك بقمصان النوم ما هي مشكلتك لا أفهم.
ابتعدت بوهن لترد بأنفاس مضطربة :
- قلت لن ألبسه أبدا ، ثم ما الفائدة من ارتدائه ؟
ولماذا تصر عليه؟
ضغط على مقدمة أنفها بأنفه ورد:
- أنا أحبه وأريد لزوجتي أن ترتديه كل النساء يفعلن ذلك.
هذه المرة أبعدته بقوة لتقول:
- وما أدراك أنت ؟
رد بعفوية :
- طبعا أعرف ما هذا السؤال؟
بدأ صدرها يعلو ويهبط وهي تتخيله مع فتنة ، لابد أنها كانت ترتدي هذه القمصان له لتزداد أنوثة ودلال ، لم تدري بتلك الدموع التي ملأت عينيها فقد بدأت تضربه على صدره وتردد:
- كنت متأكدة من ذلك، خائن لقد تزوجتها فعلا اخرج لا أريد رؤيتك هذه المرة لن أسامحك أبدا.
دفعته حتى أخرجته من الشقة لتغلق الباب وتجلس خلفه تبكي بحرقة

❈-❈-❈

استطاعت الاندماج بسهولة في مجال التدريس والتعامل مع الطلاب، لن تنكر أن فترة تواصلها مع الطلاب الذين كان إبراهيم يتولى أمرهم أفادتها كثيرا، إلا أن هناك أمران كان يقلقانها الأول قرب وصول إبراهيم هذا إن لم يكن قد وصل فعلا، و الثاني إصرار كمال على دعوتها للعشاء أو الغداء مع فتنة أكثر من مرة ؛ حاولت أكثر من مرة أن تعتذر له لكنه يصر ، مثل اليوم فقد اتصل بها باكر ليخبرها بأنه ينتظرها ليمضي اليوم معها ومع فتنة!
حاولت الاعتذار لتعود وتوافق من أجل الأخيرة فهي ترهق نفسها في الدراسة كثيرا والوقت الباقي تقضيه مع نسرين وأولادها لتخفف عنهم أو ربما تأخذ منهم الدعم ،هي شخصيا أصبحت تتواصل كثيرا مع نسرين وتعاطفت مع حالتها
نزلت فتنة أولا تبحث عنها وقالت بمرح:
-أحب التنزه مع العم كمال فهو يرينا أماكن جديدة كل مرة وذوقه في الطعام رائع.
ابتسمت لها جيهان وردت:
-لو سمعك تقولين العم هذه سيموت قهرا، كمال يحب أن يكون صغيرا أعتقد بأنه لم يتزوج حتى الآن لهذا السبب.
تابعتا السير لمكان اللقاء لتسأل فتنة :
- معقول لم يتزوج لهذا السبب فقط؟
ألم يعش قصة حب في حياته تجعله يغير رأيه ؟
ردت جيهان بعد تفكير:
-لا تنسي كونه من أصول أجنبية جعلته اعتاد على الاستقلالية مبكرا صعب عليه أن يقيد نفسه بزوجة و أولاد كما أنه يرفض الزواج من الأجنبيات وهو أمر نادر بسبب انحلالهن حسب كلامه.
هزت فتنة رأسها و تذكرت فورا هادي، ربما هو أيضا يرفض الزواج من أجنبيات لنفس السبب؟
وصلتا للمكان المحدد ليستقبلهما كمال بفرحة ظاهرة وقدم لفتنة باقة ورد كبيرة حمراء ابتسمت و لم تأخذ الورد فهو لعمتها بالطبع كذلك تحرجت جيهان من أخذه ، فهي لازالت غير متأكدة من أن إبراهيم طلقها وحتى لو فعل لا تريد الدخول في علاقة بهذه السرعة
وضعها كمال على الطاولة وقال بنبرته الحنونة :
-الوقت مبكر لنفطر أولا ثم نبدأ البرنامج الذي أعددته لليوم.
بمرح ردت فتنة :
-رائع لا أستطيع الانتظار لأعرف ماذا سنفعل اليوم؟
نذهب لمتحف أم سينما أم يا ترى مصنع شوكلاتة مرة أخرى ؟
مد يده يربت على يدها وقال :
- كل ما تأمر به الأميرة فتنة.
كلمته جعلتها تتذكر والدها فهو الذي كان يناديها دائما الأميرة فتنة، وقد لاحظت جيهان ذلك لتقول مغيرة للموضوع :
-أصبحت دائما عندنا كمال هل ستغير إقامتك أيضا ؟
أخذ يطالع قائمة الطعام و رد:
-من يعرف ربما أفعلها و ربما تنتقلين أنت لمدينتي ؟
التقطت فتنة التلميح الواضح لتشعر بالسعادة لعمتها ، خصوصا أن كمال يعجبها جدا وتشعر بأنه مناسب لها جدا

❈-❈-❈

في بلد أيوب

في شقته القديمة جلس إبراهيم ينظر لهاتفه مقابلا له حارث وقد مرت أكثر من ساعتين على الانتظار دون فائدة ليقول حارث:
-أنت متأكد من الموعد ربما حدث تأخير ؟
ليرد عليه :
-طبعا متأكد ، وإلا ماكنت أجلت سفرتي رغم أنهم ينتظروني في الجامعة بعد أقل من أسبوع .
فكر حارث بأن هذا التوتر لا يخففه إلا سيجارة لكنه لن يستطيع طبعا في وجود خاله فأخرج هاتفه وقام بالبحث عن جمان ربما كتبت شيئا ليجد لها مداخلات سابقة فدخل عليها يقرأها
أول مشاركة منذ شهر تقريبا كتبت بها:
-لا تستمر الحياة إلا بالتجاوزات يجب أن تتجاوز ندمك وتتجاوز هزيمتك وتتجاوز بعض الأشخاص أيضاً."
لتكتب بعدها بعدة أيام:
-لم تعد هناك فائدة ترجى من هذا القلب سوى أنه يضخ الدماء إلى هذا الجسد البائس الذي لا يريد أن يعيش.
انقبض قلبه من معنى الكلمات ليسرع يبحث ربما كتبت جديد ونسى أنها تحدثت معه منذ أيام ليجد منشورا آخر منها كتبت به:

-لم تكن خيبة ولكنه كان خذلانا من المقربين لقلوبنا، جعلنا كمن سقط في قلب البحر من مركب نجاته.
شعر بارتياح غريب، لسبب ما شعر بأنها تعاني ربما حدث معها مثله وخانها زوجها أيضا ؟
الكل لا يعتبر ما فعلته درصاف خيانة بل يحملونه الذنب ، كأن الخيانة ملتصقة بالرجل فقط!
ماذا عن خيانة الأمانة
خيانة العهد، أليس الزواج عهد بين اثنين أن يحبان بعضهما و يستمران للنهاية ؟
لماذا لم تحبه هي؟
لماذا تركته بمجرد الحصول على المال؟
حتى عندما عادت لم تحاول التحدث معه أو النظر لوجهه، كان يقف في انتظارها ممنيا نفسه بأنها ستركض عليه تحتضنه بقوة لتطفئ البركان الذي بداخله ، ليفاجأ بأنها لم تهتم أبدا بل لم تسأل كيف خرج من الحرب حتى ؟
طوال شهور غيابها وهو ينتظر لحظة رؤيتها ليخبرها بهول ما عاناه أراد أن يبكي والديه في حضنها، أراد أن يفرغ القليل من حمله الذي يكاد يقسم ظهره ، أراد وأراد ليصطدم بأنها لا تريده كالعادة ، درصاف تأخذ ولا تعطي بل لا ترضى إلا بالأفضل و الأغنى وإلا لن تبقى معه لذلك ببعض الكرامة المتبقية لديه قرر تطليقها قبل أن تطلبها هي.

رنين الهاتف أعاده للواقع ليسرع إبراهيم ويجيب عليه فشحب وجهه وقال:
-هل أنت متأكد بأنهم ألقوا القبض عليهم؟


❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

حاول أيوب معرفة سبب غضبها ودق على الباب عدة مرات لكنها لم تجبه وللغرابة سمع صوت بكائها العالي
اقترب من الباب وقال بصوت منخفض:
-أشماس افتحي كي نتفاهم ما تفعلينه لا معنى له ، أنا حافي القدمين بملابس المنزل لا يمكنني الذهاب إلى أي مكان أرجوك افتحي.
هدأ بكاؤها قليلا ثم توقف وسمع صوت باب الغرفة يغلق ليجرب فتح باب الشقة فوجده غير موصد ليفتحه ببطء فلم يجدها كما توقع ،و وجد مخدة و غطاء ليعرف بأن ذنبه كبير المشكلة أنه لا يعرف ماذا فعل وبالطبع لا يستطيع أن يسأل حارث أو هاشم عن السبب .
تنهد وقال :
-لله الأمر من قبل و من بعد لتحلها من عندك يا رب .
ثم أخذ هاتفه وأرسل لها رسالة نصية :



-أنا معك ربما نتشاجر ونختلف قليلا لكن أقسم لك بمن حل القسم أني لا أطيق الحياة بدونك ، و لا أريد أن تخلو حياتي مِنك حتى و إن كان كل شيء بيننا مُمتلئ بالعوائق أريدك رغم كل الظروف والتعب وأريد كل شيء يأتي منك لا من أحدٍ غيرك، حقيقة لا أشعر بطعم السعادة و لا تستقيم حياتي إلا معك.
لم يأته الرد ففكر بالاتصال بأم حامد لكنه عاد و غير رأيه ، لا يريد أن تتسع المسافة بينهما عليه أن يعرف وحده سر غضبها و يحاول مصالحتها ؛ مرت ساعة كاملة فمط جسده ثم دق علي باب الغرفة وقال بصوت هامس:
-ألا تريدين أن تصلي العشاء؟
ردت بغضب وقد عرف من صوتها أنها لم تنم :
- صل وحدك واستغفر كثيرا فالكذب إثمه كبير.
زفر و توضأ في المطبخ ثم أقام صلاته ثم عاد يدق الباب من جديد وقال:
-أحتاج الحمام لا يجوز ما تفعليه أبدا
فتحت الباب دون أن ترد ليدخل و يقول:
-أريد أن أعرف بم أخطأت قولي في وجهي فقد تعبت من التخمين.
كان وجهها عليه ملامح التعب ولم ترد ليقترب منها ويكرر:
-أشماس أخبرتك بأن حركات الأطفال هذه لا تجوز اخبريني ما الأمر.
تحاملت على نفسها لتقف وتذهب للحمام رغم ترنحها الواضح فأسرع أيوب يمسك بها كي لا تقع، أبعدته بوهن قائلة :
-ابتعد أشعر بأني سوف..
و أسرعت لتتقيأ في المرحاض لكنه لم يهتم ودخل ينحني ويضم شعرها خلف رأسها حتى تنتهي ثم عدلها قائلا:
-أفضل أم لازلت تريدين التقيؤ؟
بدت ملامحها كطفل يستعد للبكاء ليربت بيده الحرة على ظهرها فعادت للتقيؤ أكثر من مرة حتى شعر بأنها بدأت في فقدان الوعي ليغسل لها وجهها و يحملها لتنام و يطفئ النور ثم اتصل بأفطيم لترد باستغراب:
-السلام عليكم من معي؟
أجابها:
-أنا أيوب أعتذر عن الاتصال بك مباشرة، لقد أخذت رقمك من هاتف أشماس
لترد بقلق:
-هل هي بخير؟
أجابها :
-لا للأسف إنها متعبة وتقيأت كثيرا هل تظنين أنه بسبب مرضها ؟
قامت بعملية حسابية لتقول بعدها :
-لست متأكدة عموما لا تعطها دواء لو زاد عليها التعب خذها لأقرب مستشفى سوف أرسل لك شرحا مبسطا لحالتها يمكنك إعطاؤه للطبيب هناك.
أومأ ليقول قبل أن يغلق :
-لا داعي أن تخبري أحدا حتى أتأكد من حالتها، تعرفين حارث لن يتحمل مرضها.
ردت بقلق:
-لا تخاف لن أفعل أنت ابقيني على علم بالمستجدات.
أغلق معها و ذهب ليراها فوجدها لازالت مغلقة عينيها بشدة ليحاول إفاقتها لتقول له:
-متعبة جدا رأسي يكاد ينفجر دعني أنام.
زاد خوفه وشعر بأن حالتها تزداد سوء لذلك اتصل بهاشم و غير ملابسه و ألبسها قميصا طويلا فوق ملابسها مع الحجاب بعد أن فشل في العثور على إسدال الصلاة
لحسن الحظ لم يتأخر هاشم كثيرا ليأخذهم لأقرب مستشفى وهناك تم الكشف عليها وقد أعطاهم أيوب التشخيص الذي أرسلته أفطيم لكنهم أصروا على إجراء بعض الفحوصات اللازمة ، لم يدخلوه معها وهو يعرف جيدا بأنها لا تتحدث لغة البلد ولا حتى الإنجليزية الأمر الذي جعله يخشى عليها ليذهب للاستقبال يسألهم عنها فردت الموظفة:
-لقد سألتني منذ أقل من دقيقة وأخبرتك بأنه لم يأتنا شيء عنها بعد ، لايزالون يجرون لها فحوصات عندما تنتهي سوف أخبرك تفضل و اجلس هناك.
استغفر بصوت عال ليقول له أحد الأطباء :
-أنت عربي؟
نظر له أيوب فتابع الأول بلغة عربية:
-أنا أيضا عربي الدكتور أنس المهدي، بماذا أساعدك ؟
جذبته لهجته ليقول بسرعة:
-زوجتي بالداخل منذ أكثر من ساعة ولا أحد يريد إخباري ما بها.
ابتسم له ورد:
-ما هو اسمها سوف أستفسر بنفسي؟
رد بقلة صبر:
-أشماس الجعفري، هي من بلدك على فكرة .
ارتفع حاجباه وحرك رأسه ثم قال:
-انتظر هنا لن أتأخر بعون الله.
بعد حوالي ربع ساعة عاد وطلب منه الدخول معه ليفعل بسرعة فأرشده للغرفة التي تقبع بها وقال مفسرا حالتها:
-لقد زاد الضغط عليها لذلك قاموا بسحب القليل من السائل للتخفيف منه ، الأمر الجيد أنك أحضرتها مبكرا لكنها يجب أن تأخذ الدواء و إلا الموضوع سيتكرر ثانية ، هناك أمر آخر هم لم يجروا لها فحص حمل قبل أن تدخل لجهاز الأشعة ، الإشعاعات الخارجة منه قد تسبب تشوه في الأجنة لذلك قد تجهض لو كان الجنين صغيرا أو يولد بعيب خلقي
بلع أيوب ريقه ورد:
-هل تعني أنها حامل فعلا؟
فتح الطبيب باب الغرفة ورد:
-لا أعرف فقط أخبرك بما عرفته عموما لقد سحبت منها الممرضة عينه دم ليتأكدوا سوف تعرف اليوم بإذن الله.


❈-❈-❈


وصلت مبكرا لأن لديها امتحان وعليها تجهيز الأوراق أولا توترها جعلها لا تنتبه لذلك الذي وقف مصدوما عندما رآها لتدخل القاعة الخاصة بالمادة لتبدأ في رص الأوراق ثم اتصلت بفتنة لأنها خرجت دون أن توقظها ، بعد عدة رنات ردت عليها بصوت ناعس لتقول:
-افيقي يا كسولة ما كل هذا النوم؟
تثاءبت وردت:
-ماذا هناك عمتي لماذا أفيق لا يوجد لدي محاضرات اليوم.
لترد عليها جيهان:
-لقد اتصل بي محمود وقال إنه حدد يوم فرحه يجب أن نعود لا يجوز أبدا أن يتزوج شقيقك ولا تحضري الفرح.
لوت فمها وردت:
-لا أعتقد بأن حضوري مهم عموما سوف أرى المحاضرات وماذا عنك ماذا ستفعلين مع دروسك؟
لتجيبها وقد انتهت مما تفعله :
-لا تقلقي على سوف أنظم وقتي و أوزع المحاضرات على زميل لو اضطررت، نحن لن نغيب سوى أسبوع واحد فقط لا تقلقي ، هيا أفيقي وبعد أن تفطري ارسلي لي كي أعطيك الموعد علينا التسوق .
بسعادة قالت فتنة:
-أهم شئ التسوق لم اشتري فساتين من مدة طويلة جدا سوف اتصل بلينا ومنار كي يحضرا نفسيهما لقد اشتقت لهما جدا.
ضحكت وردت:
-اذهبي الآن أعرف أنك لن تنامي مادمت قررت مكالمة البنات.
أغلقت الهاتف لتسمع صوتا من خلفها يقول:
-من هذا الذي سيتزوج ؟
لا تقولي فتنة ؟
التفتت باستغراب لكمال الذي اسود وجهه وشعرت بأنه كمن تلقى خبر وفاة عزيز لترد:
-ابن أخي الكبير .
ارتاحت ملامح وجهه لتنتبه لسؤاله الثاني فردت:
-عفوا ماذا قلت؟
ما المشكلة إذا تزوجت فتنة ؟
تعرق جبينه ليحاول مسحه و عدل ربطة عنقه ليقول :
-لا توجد مشكلة سوى أنني أريد الزواج منها

انتهى الفصل ولم تنتهي الحكاية
ريما معتوق
































 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now