الفصل السابع والثلاثون

1.3K 63 3
                                    

الفصل السابع والثلاثون

عندما طلبت لقائه لم يتردد كثيرا ، فهي من جنسيته إذن لابد أنها ستقف معه لا محالة ، هكذا توقع إلى أن رآها وتحدث معها ليجد العكس تماما .
جلست أمامه تتأمله بنظرات متفحصة جعلته يعدل من قميصه أكثر من مرة حتى قالت أخيرا :
-إذن أنت أيوب الشهير الذي كسر قلب أشماس واستخف بها و بقبيلتها كلها ظنا منه أنه يستطيع خداعهم بعد أن أخفى عليهم أمر زواجه الأول ؟
رد مقاطعا بحدة :
-لم أتعمد إخفاء الأمر كما أن الزواج كله كان باطلا.
رفعت سبابتها لتخرسه وقالت:
-لم تكن تعلم ذلك وقت عقد قرانك على أشماس؟!
بل إنك حاولت تعجيل الزواج كي تلوي ذراعهم وتضعهم أمام الأمر الواقع ، هناك اسم يطلق على ما فعلته تعرف أم أخبرك به؟
أجلى حلقه ليستعيد رباطة جأشه الذي بعثرته تلك المرأة المسنة ذات النظرات الحادة وقال بثقة :
-لن أبرر موقفي و وأقدم مبررات ليس لأني لا أملكها أو أعتقد بأنها واهية بل لأنها تخص شخص آخر لا يحق لي فضحه، عليك معرفة بأني طلقت فتنة قبل أن أعرف بأن الزواج باطل صحيح لم أوثق الطلاق فورا لأني وجدته ظلم لفتنة حيث كانت لم بعد من طلاقها الأول وموت والدها؛ أما تعجيلي بالزواج من أشماس فلم يكن بغرض وضعهم أمام الأمر الواقع كما تظنين، بل لأني أردتها بقربي فعلا، ما فعله عياد بي جعلني أخاف من تطور الأمر وأنه حتما لن يتركنا نتزوج بسلام ، كما أن والدتها رحمها الله لم تكن تطيقني ، أردت أن نبدأ وحدنا بعيدا عن الجميع وعن حقيقة أني أيوب الشاب الفقير الذي سافر ليجمع ثمن دين أمه ليتصدق عليه شيخ طيب القلب و يجعله ابنه و أنها أشماس التي ولدت بملعقة ذهب في فمها لتجعل الجميع يدور في فلكها دون أن تسعى هي لذلك؛ أردتها أن تدفيء أيامي بنورها وتنسيني كل ما مر عليها من وحشة وظلم وفقدان، لا تعرفين ما تفعله لمعة عينها وهي تنظر لي بحب،هي نوري وحاضري و مستقبلي.
قاطعة بحده:
-تعني أنك أردت مصلحتك دون اعتبار لها.
خلل شعره بكلتا يديه و أغمض عينيه بقوة ثم قال:
-نعم أعترف بأني أناني في حبها، أريدها لي كلها وحدي أريد أن أملي عيني بجمالها الذي سرق النوم من عيني ليالي طويلة تقلبت فيها على جمر وأنا أعرف بأنها من المستحيل أن تنظر لي لا أن تحبني و تقبل الزوج بي؟
كنت أشعر بأني في حلم وخشيت الاستيقاظ على كابوس بُعدها عني لأي سبب كان؛ أعرف بأني آذيتها وأن غفرانها لي أمر أشبه بالمستحيل لكني لن أيأس على الأقل حتى أتأكد بأنه لم يعد لي في قلبها ذرة عشق.
لم تتغير ملامحها رغم أنها شعرت بصدق كلامه لتقول بعد برهة :
-لو كنت تحبها بسبب تعلقك بالشيخ عثمان فهو مات ومما رأيته وعرفته أن حارث لن يفرط فيك حتى لو طلقتها، حقيقة لا استغرب ذلك كثيرا فهذا الأمر وارد في القبائل أعني الطلاق ولا يؤثر في العلاقات الشخصية ، لو كنت تريد الحصول عليها لأنها عالية المكانة وتعيش معها قصة ابن الجنايني وبنت الباشا فقد خسرت معظم أموالها ولم تعد مثل السابق ؛ أما إذا كان الأمر بغرض رد الدين أو شعورك بالمسئولية ناحيتها فهو أيضا أمر غير مقبول لأنها لا تحتاج لك ولا لعطفك، لذلك أنصحك بأن تتوقف عن ملاحقتها وتطلقها هذا حقها في النهاية.
تقبض محاولا التحكم في غضبه كي لا يتطاول عليها و رد:
-وهل كسبتها في كيس شيبسي كي أطلقها لمجرد أنها طلبت ذلك مني ؟
لقد عانيت الأمرين ربطت الليل بالنهار كي أتجرأ و أطلبها من جدها ، حتى كلمة أحبك لم أقدر على قولها لها لأن مكانتها في داخلي أكبر بكثير من الكلمات ، أعرف بأني مذنب و أستحق معاملتها وازدرائها لي لما جعلتها تشعر به لكن بعدها عني ليس عقاب بل حكم بالإعدام لن أقف وأنتظر التنفيذ دون المحاولة على الأقل .
أجابته بقسوة أشعلت النيران فيه أكثر :
-وهي لم تعد تريدك، أخرجتك من قلبها وعقلها وقررت أن تبني حياتها بعيدا عنك، لو كنت تحبها و تحترمها كما تدعي دعها.
وقف قبل أن تكمل حديثها وقال بحدة :
-لن أفعل لن أبتعد عنها، أشماس الشيء الوحيد الذي تمنيته في حياتي بشدة بل لازلت أدعو الله في كل صلاة أن يجمعنا معا، سمه ما شئت لكن لن أتراجع أبدا وسوف أعيد نفسي لقلبها من جديد وأثبت لها بأني أستحقها و أستحق حبها وثقتها بي .

رفعت أم حامد حاجبها وقالت:
-تريدها غصبا ؟
تعرف بأنها قررت رفع دعوى خلع ماذا ستفعل حيال ذلك؟
لم يرد لكن نظرات عينيه أخبرتها بأنه يجهز لخطة فأشارت له ليجلس وقالت:
-اخبرني بما تريد فعله و إن اقتنعت بخطتك سوف أساعدك .
ظهرت شبه ابتسامة على شفتيه لتتابع في تحذير:
-لا أفعل ذلك من أجلك فما فعلته لا يغتفر، بل من أجلها هي لأنها ترغب بالسفر بشدة ؛ لقد تحدثت مع خالها وقريبها حارث وقد تبينت رغبة حارث في انفصالك عنها تلبية لطلبها و خالها رأيه ليس واضحا، أنا فقط أتفق مع عمتها في بعض الأمور لذلك سوف أساعدك لكن أولا اخبرني ما الذي تنوي فعله في قضية الخلع كي نحلها دون فضائح كما أن هناك شروط وضعتها عمتها إذا كنت تريد إتمام الزواج أشماس ليست رخيصة عند أهلها عندما لم يطلب منك جدها شيئا لأنه وثق بك للأسف.
نظر لها بحنق فمطت شفتيها و تابعت دون الاكتراث له:
-بت تعرف ما هي قادرة عليه حتى دون مساندة أحد لها فلا تظن أن إتمام زواجك منها سيغير في الأمر شيئا لو أرادت الطلاق بعدها ستفعل وسيكون أكثر سهولة من الآن، لأن وقتها لن يقف أحد مكتوف الأيدي حيال ذلك مثل الآن ، لا تنس أن الجميع لازال يعاني من صدمة الحرب وفقدان الأهل وخلافه الأمر لن يأخذ كثيرا حتى يعودوا لحالته العقلية قبل كل ذلك على الأقل وعندها .
قطعت كلامها و رفعت سبابتها لتوصل الرسالة دون كلام كثير وقد وصلت له رغم أنه كان على علم بالأمر مسبقا يعرف أنها فرصته الوحيدة الذي يرعبه بحق أن يفشل في اقتناصها لو عاندت أشماس أكثر خصوصا أن قضيته ليست مضمونة .

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now