الفصل الثلاثون

1.2K 51 16
                                    

الفصل الثلاثون

هل كان الخطأ خطأها من البداية لقبولها الزواج به؟
هل حقيقة كونه يحبها تجعل الحياة بينهما وردية و تزيح كل المعوقات ؟
ربما أرادت إسعاد جدها فقط لذلك قبلت أو قد يكون شعورها بالذنب والضغط الذي مُورس عليها من الجميع بطريقة مباشرة وغير مباشرة جعلها ترضخ وتوافق رغم أن عقلها رافض تماما لكل ما يتعلق به!
وها هي الآن بدأت في دفع الحساب فقد أصدر المتخلف فرمانا يمنعها من متابعة دراستها بالخارج كما كانت تحلم طوال عمرها، بل إنه تقريبا يحبسها ويعد عليها أنفاسها، من المنزل لمكتب المحاماة الذي تعمل به بعد أن رفضت أن تعمل في مكتب خاص بها كي لا تربط نفسها بهذه المدينة والتي عاد هو للعمل بها منذ شهر تقريبا فور عودتهم من الخارج
أخذت هاتفها وطلبت رقم أفطيم لترد عليها الأخيرة فقالت درصاف بحنق:
-المتخلف رفض أن أمكث عند أمي فترة حملي، يمارس ذكوريته المتعفنة علي، أنا السبب لأني رضيت منذ البداية أن أعيش هنا وصل به الحال أن أخذ مني سيارتي و جلب لي خادمة لتنقل أخباري لأمه.
ردت أفطيم بهدوئها المعتاد والذي شعرت درصاف بأنه برود:
-كيف يوافق على بقائك عند والدتك بعد أن سمع شتيمته منها بأذنه ؟!
أنت المخطئة ما كان عليك الاتصال بها وهو بقربك تعرفين لسانها؛ ثم أنه محق ما فعلته ليس بهين ، والمصيبة أنك ذهبت لتشتكيه عند والده!
هل توقعتِ بأن يقف جبريل معك بعد أن يعرف بما فعلته، بصراحة قليل أنه لم يمنعك من العمل.
قاطعتها درصاف بصوتٍ عالٍ:
-ما الخطأ الذي ارتكبته هادي صديق سفيان وهو إنسان محترم كما أن حارث كان قريب من المنزل هل كان علي أن أجعله ينتظر بالخارج أم أقول له عفوا لا أستطيع إدخالك لأن السيد الذي يملكني غير موجود وأنت سوف تأكلني ؟
إذا كان هناك خطأ ارتكبته فهو إبلاغ عمي جبريل، فقد ظننت أنه سوف يوقف ابنه عند حده لكنني نسيت بأنه من رجال الجعافرة
تركتها أفطيم تنهي حديثها ثم ردت بنفس الهدوء المستفز:
-تعرفين أن إدخالك لذلك الرجل خطأ كبير حتى سفيان و رؤوف وقفا ضدك، أما قصة إخبار جبريل فهي خطأ أكبر لأن حارث لم يخبر أحد بل قال أنك تعبتِ من الحمل وقررتِ العودة للوطن، وأنت فقط قصدتِ تكذبيه أمام والده و إحراجه لتصنعي مشكلة من عدم و اضطر حارث لأخذ سيارتك كي لا يتمادى جبريل ويفرض عليه ما هو أكبر وقتها سيكون في وضع لا يحسد عليه ؛
درصاف كفي عن عنادك أنت تخسرين صبر حارث عليك لا تجبريه على أن يتحول لذلك الشخص الذي تدعينه.
بعدم رضا ردت عليها وهي تمط شفتيها:
-نفس كلام أشماس لابد أنكما تحدثتما في الموضوع؛ حسنا لو كانت نيته صافية كما تدعين لماذا جلب لي جاسوسة ؟
هزت أشماس رأسها لأفطيم التي كانت تشغل خاصية مكبر الصوت لتتابع الحديث معها:
-أنت من رفضتِ أن تقومي بأعمال المنزل بحجة أن الحمل يتعبك ماذا كنت تتوقعين منه؟
، لا تنسي بأن جبريل ضاعف عليه العمل متعمدا بعد الخلاف الذي نشب بينهما وكنت أنت السبب فيه ثم كفي عن وساوسك تلك لا أحد يتجسس عليك.

لم ترد درصاف فتوترت أشماس و أفطيم وكادت الأخيرة أن تتكلم لولا أن الأولى قالت:
—-النقاش معك لا طائل منه عموما أمي قادمة لتقيم معي ولنرى ماذا سيفعل حارث عندها.
لم تستطع أن تسكت أكثر لتندفع أشماس قائلة:
-أنت فعلا تبحثين عن المشاكل، لماذا تصرين على وضع حارث في امتحان ليثبت أنه يحبك وأنه غير الفكرة السيئة التي رسمتها له ؟
تصرين دائما على أنه مذنب حتى يثبت العكس؟
تختلقين المشاكل و تتوقعين منه رد فعل معين و إلا يكون بنظرك متخلف ذكوري متسلط ، هذه ليست حياة لا يمكن لأحد الاستمرار بهذه الطريقة المتعبة للأعصاب أبدا.
أغمضت أفطيم عينها تتوقع رد فعل درصاف والتي لم تخيب ظنها لتقول بعد برهة بصوت جامد:
-شكرا للخيانة دكتورة أفطيم وأغلقت بعدها الخط.
نظرت أفطيم لأشماس بغضب لترد الأخيرة:
-لقد استفزتني لدرجة لم أستطع مسك لساني.
خلعت أفطيم البالطو الطبي وردت:
-سوف أذهب لها كي أشرح الموقف هي أصلا مجهدة نفسيا وأنت خذي أمبولات الشعر وعودي للكلية كي تلحقي بالمحاضرة الأخيرة.
أخذت أشماس الأمبولات وقالت بعناد:
-بل أنا من سأذهب لها أولا الحقي بي بعد أن تنهي عملك ، أصلا كنت أنوى المبيت عندها بم أننا نهاية الأسبوع وقد أخبرت جدي بذلك.
استقلت سيارتها و انطلقت باتجاه منزل حارث دون أن تنسى المرور على محل المعجنات المفضل لدرصاف ركنت سيارتها أمام المنزل و وقالت لأيوب الذي كانت تحدثه عبر مكبر الصوت لتقص عليه ما حدث عله يجد لها حلا:
-والآن أنا أمام منزل حارث سوف أحل الموقف ربما تهدأ قليلا وتكف عن عندها.
رد عليها بعد أخذ نفس عميق:
-بغض النظر عن السبب الذي جعل أفطيم تفتح المكبر كان عليها أن تنبه در صاف أنك تستمتعين لها، وأنت أيضا أخطأتِ عندما لم تصدري صوتا أو تلميحا ، ربما كانت لا ترغب في الحديث عن حارث أمامك ؟
تعرفين وضعك خاص الآن وليس مثل السابق
عم الصمت من جهة أشماس ليشعر بالخوف من غضبها فقال متسائلا:
-أشماس لازلت معي ؟
أطفأت سيارتها وردت بتذمر:
-ما تقوله ليس صحيحا أنا لا أتعامل معها كزوجة حارث بل كدرصاف لهذا أحاول نصحها لا غير.
ابتسم لنبرتها تلك ورد:
-رغم عدم تصديقي لذلك لكن سوف أجاريك فيه، حسنا ما دمت ترينها درصاف فقط وليست زوجة حارث لا تحاولي التدخل بينهما، إذا أردت تبرير موقف لا بأس أما غيره لا تدخلك قد يعقد الأمور أكثر.

لوت فمها ثم قالت:
-سأحاول ؛ والآن دعك من هذا واخبرني هل عدت من سفرتك أم لا؟
نظر من نافذة القطار للحقول الممتدة وقال:
-أنا في طريقي الآن للعودة، اللقاء كان ناجحا بكل المعايير، ذلك العرض أعجبني جدا وأعتقد بأني سوف أقبل به خصوصا أنني سأكون المسئول الأول عن خط تصنيع التحف وأماكن صنعها وتصديرها وهذا يعطينا المرونة في اختيار المناسب لي حسب الظروف المتاحة، العيب الوحيد أنني لن أتقاضى المال إلا بعد تنفيذ القطع و بيعها وهذا قد يتطلب سنة أو أكثر حسب السوق، لا أعرف إذا كنت سوف أوافق على العرض أم لا خصوصا أنهم من سيتكفلون بالقضية محل النزاع إذا استطاعوا فعلها بسرعة سوف يتوفر لدي المال الكافي لأقيم الفرح وأنهى تجهيز الشقة لكننا قد نؤجل قليلا أمر شراء منزل في بلدك المال لن يغطي كل تلك المصاريف.
نفس القبضة التي تعتصر قلبها كلما تكلم عن قرب الزواج لتجيب في مراوغة:
-سنة ليست مدة طويلة يمكن الانتظار كما أنك لا تحتاج لكثير من المال حاليا لديك نصيبك من شركتك مع حارث وهو كافٍ أعتقد بأن تقبل بالعرض ما دام ملائما فقط استشر خالي إبراهيم في الأمور القانونية.
تذكر شيئا فقال غافلا عن قصدها بتأجيل الفرح:
-بمناسبة الشركة عليك الذهاب مع حارث لبلدي فقد بعث البنك بأنه يحتاج لتوقيع آخر منك لأن التوقيعين اللذين لديهم لا يتطابقان كما أنك لم تستلمي بطاقة السحب، كما أريدك أن تذهبي لتعايني مكان الشقق التي اشتريتها وقت وفاة سهيلة رحمها الله فقد انتهت المرحلة الأولى وأعتقد بأنهم بصدد بناء المزيد برأيي أن تأخذي شقتين للاستثمار لأن سعرها مغرٍ رغم البعد لكن تلك المنطقة ستصبح مكانا مهما.
رأت سيارة سفيان تقترب للمنزل بداخلها درصاف فقالت بسرعة منهية المكالمة:
-سوف أتكلم مع جدي أولا، لا تنسى أن لدي دراسة يكفي ما ضاع مني لا أريد إعادة السنة ، إلي اللقاء الآن وصلت درصاف اتصل بي عندما تصل.
وأرسلت قبلة ليقول لها بعبث:
-تلك القبل لا تحتسب أنا أعد عليك القبل التي فوتها علي ولا تظني بأني سوف أنساها أو أتنازل عنها أبدا.
زمت شفتيها كي لا تفضحها ابتسامتها وقالت في تأنيب:
-أيووب كف عن ذلك قلت درصاف وصلت.
وضع يده على قلبه وقال بوله:
-يا ويلي من أيوب خاصتك تلك اذهبي قبل أن أفضح أنا في القطار.

أغلقت الهاتف وقد هون عليها الكثير و جعلها مثل فراشة بجناحات تقفز من زهرة لأخرى وهي تنشد أغنية حب كتبت نوتتها بنبضات قلبها ؛ أمسكت هاتفها بكلتا يديها كأنها تحتضنه وقربته لشفتيها تقبله قبل أن تخرج من سيارتها حاملة علبة المخبوزات وهي ترسم على وجهها ملامح البراءة وقالت بمجرد اقتراب درصاف منها:
-عرفت بأنك تشتهين كعك اللوز فجلبت لك بعضا منه مع تلك المعجنات بالجبن المالح، في الواقع هو مزيج غريب بين الحلو والحادق كنت أعتقد بأن الحامل تحب نوع واحد فقط لكن أنت كسرت القاعدة.
الرائحة المنبعثة من العلبة جعلت درصاف تتغاضى عن غضبها مؤقتا، لتسحب العلبة و تدخل منزلها فتبعتها أشماس وهي تشير لسفيان بأن يذهب كي تتحدث معها براحتها ففعل الأخير ؛ جلست درصاف متربعة فوق الأريكة في الصالة وفتحت علبة المخبوزات تأكل منها بتلذذ ؛ فهزت أشماس رأسها وقالت بمرح:
-جمبو الجبار عندنا ؟
اغسلي يدك على الأقل لن تطير العلبة.
نظرت لها درصاف جازرة و وضعت قطعة أخرى من المناقيش في فمها لتدخل أشماس المطبخ و جلبت لها ماء وضعته أمامها قائلة:
-حتى لا تشرقين
مسحت فمها و أغلقت العلبة ثم شربت القليل من الماء و قالت:
-و الآن يمكنك الذهاب لا داعي لبقائك فأنا لن أسامحك ولا ابنة عمك الخائنة تلك.
جلست أشماس مقابلة لها وردت:
-أولا أفطيم ابنة عمتي وليس عمي الحمل جعل مخك لا يستوعب شيئا ، ثانيا اصبري لتعرفي أولا ثم احكمي.
فتحت در صاف فمها لترفع أشماس سبابتها لتوقفها وقالت:
-أنا عرجت على أفطيم لأن لدي ساعة فارغة دون محاضرات وكنت أريد أخذ أمبولات الشعر التي أخبرتك عنها لذلك سمعت المكالمة فسماعة هاتفها معطلة أنت تعرفين ذلك وهي لم تصلحه بعد بل قررت تغييره بعد أن تسافر وكانت تستعمل السماعة السلكية لكنها لم تفعل لأنها كانت تعمل هذا كل ما حدث، ثم منذ متى بيننا أسرار؟
نحن الثلاثة نعرف كل شيء عن بعض لا تكبري الموضوع الآن.
قامت من كرسها و مالت على رأس درصاف تقبله وقالت بمرح:
-وهذه رأسك أقبلها يا أم توتي.
أزاحتها درصاف بيدها تخفي رغبتها في احتضانها والبكاء أمامها وقالت بغضب مصطنع:
-توتي!!!!
لا طبعا سوف أنجب فتاة جميلة واسميها هناء على اسم أمي
ظهر الامتعاص على وجه أشماس وقالت:
-فتاة و هناء ، لماذا من قلة الأسماء يعني سوف نجد لها اسم يكرهها في حياتها مثلنا لا تخافين والآن غيري ملابسك سوف تمر أفطيم بعد قليل وأنا سوف أعد لنا الغداء.
أغمضت در صاف عينها ووضعت يدها على بطنها قائلة:
-لا أرجوك معدتي أصلا مقلوبة دون طعام ما بالك بطعامك الذي لا طعم له.
لم تهتم لها أشماس بل تابعت طريقها للمطبخ وقالت باستمتاع:
-لقد تعلمت طريقة الكسكسي بالبصلة ( أكلة ليبية مشهورة ) من فتحية و أيوب يحبه جدا سوف أطبخ لكم منه حتى أتقن عمله بعد أن نتزوج.

❈-❈-❈
في الدولة الأوروبية

مضت ثلاثة أسابيع منذ بداية عملها في محل المواد الغذائية الكبير ، العمل ليس متعبا فهي تعمل على صندوق دفع المشتريات ومعظم تعاملات الزبائن ببطاقة الدفع وهو ما يسهل عليها تخطي أمر اللغة التي لم تتقنها بعد ، كما أن جلوسها يهون عليها تعب شهور الحمل الأولى ، قصر قامتها جعل بطنها تبرز أو ربما هيأ لها ذلك؛ تابعت عملها بروتينية ليظهر السعر الإجمالي للمبيعات مدت يدها دون النظر للزبون كي تأخذ منه المال بم أنه لم يستخدم البطاقة البنكية لكنه لم يعطها شيئا لترفع عينيها فاصطدمت ببحور عينيه الهائجة لتسري فيها رعشة صقيع لا تعرف مصدرها؛ ركز أنظاره عليها ليقول بعدها بنبرة بدت لها تحمل الكثير من الاستحقار:
-كيف يجري العمل معك سيدة فتنة ؟
تعرفين بأني الضامن لك هنا بم أن زوجك العزيز لم يغير إقامتك بعد من سياحة لإقامة.
شحب وجهها دون أن تنطق ليمد لها المبلغ المطلوب وتابع:
-ستجديني دائما فوق رأسك و أبسط خطأ أنت و زوجك للشرطة مفهوم.
ابتلعت ريقها وأخذت منه المال ليردف بحدة:

-لديك طبيبة خاصة بمتابعة الحمل أم أجعل جوليا تحجز لك واحدة ؟
بصوت متحشرج أجابت:
-قاموا بتحويلي في المستشفى لكنني لم أذهب بعد ، سوف أتصل لأخذ موعد بعد أن أقبض راتبي.
كور قبضة يده وكز على أسنانه قائلا:
-هناك عيادات مجانية وأخرى لمحدودي الدخل، سوف أجعل جوليا تأخذ لك موعدا وتتصل بك لإبلاغك به أنت فقط اعطني جدول عملك كي أنسق مع جوليا.
أومأت له برأسها وقالت بصوت خفيض:
-الجدول يتغير كل أسبوع سوف أرسله لك نهاية الدوام
أخذ مشترياته وكاد أن يذهب ليلتفت لها وقال بصوتٍ عالٍ:
-أين زوجك المصون ؟
لماذا لا يأخذك هو أليس هذا ابنه ؟
رغم خوفها من فقدان وظيفتها التى تحرص عليها جدا و خجلها منه خصوصا مع لقاءاتهما التي تنتهي بكارثة عادةً ورغما عن ذلك لم يتراجع عن مساعدتها ، لكنها لم تعد تحتمل سخافته لذلك هدرت به:
-ما دخلك أنت بالموضوع أساسا ؟
إذا كنت تريد مساعدتي فافعل دون مَنٍ أو ابتعد عن حياتي كلها ولا تلتفت ورائك لا أحتاج رأيك بي أو به.
لاحظ هادي أن الناس بدأوا ينظرون لها في فضول لذلك لبس نظارته وانسحب من المحل دون إضافة كلمة أخرى ، لا يقدر أن يكذب شعوره تجاهها أبدا ، هناك سر كبير تخفيه و إحساسه يخبره بأن أشماس ضحية لهذا السر وليست مشتركة مع أيوب في خداعها كما تلمح تلك الفتنة
رغم ذلك الإحساس الذي يتملكه أرسل رقمها لجوليا كي تنسق معها موعد للمتابعة فكر في تكليف لمار بها لكنه يريد إبقاء القصة في أضيق الحدود حتى يعرف أبعادها

❈-❈-❈

دخلت جيهان غرفة فتنة لترتبها فهي أصبحت تغيب كثيرا عن المنزل بحجة قضاء الوقت مع منار و لينا، رغم عدم تصديقها لها لكنها لم تشأ التضييق عليها خصوصا مع تقلب حالة مزاجها مؤخرا، وقلة شهيتها رغم زيادة وزنها الواضحة ؛ تشعر بالأسف عليها خصوصا مع استمرار رفض فادية الرد على مكالماتها تعرف بأن فادية غاضبة بسبب الورث لا غير وليس كما تظن فتنة لأنها تحملها موت جمعة، فقد تبين بأن جمعة قام بالتنازل لها ولفتنة عن منزل العاصمة بيع وشراء منذ سنوات من دون أن يخبر أحد بذلك، ورغم أنه كتب منزلا كبيرا لفادية في مدينتهم الساحلية و كذلك للولدين لكن فادية اعتبرت بيعه المنزل لجيهان و فتنة خيانة كبرى فحسب كلامها فتنة لديها وديعة و حقها الشرعي و هي ( جيهان) لا تستحق أن يكتب لها شيئا ؟
قالتها في وجهها دون حياء، صحيح أنها ورثت من والدها و زوجها ولا تحتاج لمنزل في حي شعبي من جمعة لكنها تظن بأنه قصد ذلك لمعرفته بفتور العلاقة بين فتنة وأمها من جهة ومع أشقائها من جهة أخرى ؛ أكملت ترتيب الغرفة ثم جلبت شراشف نظيفة لتغير المستعملة ، وضعت النظيفة وأدخلت طرفها أسفل المرتبة لتلمس يدها ظرفا ورقيا أو ربما أوراق!
سحبتها لترى ما هي
دقيقة كاملة ستون ثانية مرت عليها ولم تستوعب ما قرأته في التقرير، لتقع على حافة السرير و يدها ترتعش وتحاول القراءة مرة أخرى
اسم المريضة:
فتنة السماك
العمر :
ثلاثة وعشرون عاما
التشخيص:
هبوط بسبب الحمل

لا تذكر بعدها ما حدث بالتفصيل فقط وجدت نفسها في مكتب إبراهيم وهو يقرأ الورقة بوجه جامد دون أن ينطق
لم تدر عن الدموع التي أغرقت وجهها ولم تسمع حتى نفسها وهي تتحدث أو ربما تهذي ليست متأكدة هي فقط تذكر أنها نطقت بعض الكلمات:
-لقد وقع المحظور وتحطمت ثلاث قلوب، يا إلهي لا أصدق كم وزرا سوف أحمله بسبب تلك العملة ، كنت أريد ستر ابنة أخي والآن تسببت في كسر الجميع.
رد إبراهيم بشرود:
-كنت أظن أن القصة ستنتهي بطريقة أخرى لو عرف أبي و باقي القبيلة بأني تسترت على زواج أيوب من فتنة سأقع من نظرهم جميعا ، بل لو عرف الموظفون هنا قد أفقد عملي فأنا لم أبلغ في الأوراق الرسمية وجبريل أنهى الإجراءات في الوطن باعتبار أشماس الزوجة الوحيدة حسب الأوراق التي أعطيتها له ، ياللكارثة التي أصبحت فيها بسبب مراهقين لا يستطع أحدهم التحكم في هرموناته!
شعرت جيهان بأن أحدهم سكب عليها دلوا من ماء مثلج ؛ رمشت عدة مرات ونظرت له غير مستوعبة منطقه في الحديث لتقف بعدها وتقول:
-أنا ذاهبة لأيوب ففتنة لا تجيب على هاتفها يجب أن أعرف حقيقة الأمر و أحله ، أما موضوع أشماس فأنت من عليك حله لست بالشجاعة التي تؤهلني لحضور جنازة قلبها وأنا من شاركت في ذبحه.
خرجت من مكتبه ليلحقها مرغما لشقة أيوب الذي فتح بعد مدة فقد كان نائما؛ دخل إبراهيم تلحق به جيهان بوجه هربت منه الدماء؛
أجلى أيوب صوته وقال بترحيب محاولا إخفاء تفاجؤه من حضورهم:
-أهلا وسهلا اعذروني كنت نائما فقد وصلت منذ ساعات فقط.
تبادل إبراهيم وجيهان النظرات ليسأل الأول:
--من أين وصلت هل كنت مسافرا؟
هز أيوب رأسه في إيجاب وقال وهو يتثائب:
-نعم سافرت منذ أسبوع إلى (....) للاتفاق على عمل وعدت منذ ساعة تقريبا.
وقف من مكانه و أكمل حديثه معتذرا:
-سوف أحضر القهوة فأنا لازلت أشعر بالنعاس
وقفت جيهان وأسرعت تبحث عن المطبخ قائلة:
-أنا من سأحضرها ابقَ أنت فلديك حديث مهم مع إبراهيم.
لم تنظر ناحية إبراهيم لأنها تخشى من نظراتها له الآن ، وهي غير قادرة على خوض هذا الحوار معه، كيف ستفعلها خصوصا أمام إبراهيم، ماذا لو فضح فتنة و أخبرهم بأنها لم تكن عذراء؟
ماذا لو أنكر أبوته للجنين؟
ماذا لو طلب إجهاضه أو أي شيء آخر ؟
لم تعد تثق في أحد فكل من ترتبط بهم فتنة أنذال ، واضح أنها تعلمت من عمتها بحق كما كانت دائما فادية تقول.

بمجرد خروجها قال إبراهيم بحزم:
-اسمع يا أيوب لقد وقع المحظور لذلك عليك حل الأمر بسرعة ودون مشاكل لأحد ، أنت أخطأت فتحمل نتيجة خطأك وأنا سوف أخبر أبي بأنك فضلت العيش هنا، طلق أشماس بهدوء و أكمل حياتك مع فتنة وابنكما.
انتفض أيوب وقال بعدم فهم:
-من تلك التي أطلقها ولماذا؟
مستحيل الموت أهون من الافتراق عن أشماس، ليس بعد كل ما عانيته وتحملته لتكون لي أطلقها بأمر منك .
خلل شعره و دار حول نفسه ليتابع حديثه:
-أنا لم أعد أفهمك لماذا تصر على تفرقتي عنها ؟
ماذا فعلت لك ؟
بل ماذا فعلت هي لك كي تصر على تحطيم قلبها لماذا أريد أن أفهم لماذا؟
وقف إبراهيم من مكانه وصاح بغضب لدرجة أن برزت عروق رقبته:
-لست أنا من كسر قلبها بل أنت عندما تزوجت عليها بل و أتممت زواجك و الآن فتنة حامل منك.
تراجع أيوب للخلف عاقدا حاجبيه وقال في ذهول:
-فتنة من تلك التي تقول أنها حامل مني؟
أنا أصلا لم أرها إلا مرة واحدة عندما رميت عليها يمين الطلاق في منزلك.
صوت تكسر زجاج جعل أيوب و إبراهيم يلتفتان ليجدا جيهان واقعة أرضا



في نفس الوقت انتهت فتنة من عملها ففتحت هاتفها الذي تغلقه وقت العمل حتى لا يضايقها أحد خصوصا عمتها، وجدت مكالمات كثيرة فائتة من عمتها فتجاهلتها مؤقتا لتحاول الاتصال بلينا والتي كان رقمها يعطيها مغلقا كذلك منار التي قررت فجأة السفر دون أن تعطي مبررات؛ تذكر أنه قبل أن يوفر لها هادي العمل ذهبت لها في الشركة كي تذكرها بحديثها عن الكورسات والعمل الذي قد يوفره لها رئيسها رمزي لتجدها تبكي بحرقة وقد أخبرتها بأنها عائدة للوطن على طائرة اليوم التالي بدون مقدمات ودون حتى أن تخبر زوجها ؟
حاولت معرفة السبب لكن منار كعادتها تكتمت عن كل شيء و عادت للوطن فعلا، كما أن مكالمتهما معا أصبحت محدودة جدا؛ وجدت رسالة من عمتها كانت تود تجاهلها في البداية ثم فتحتها لتجد كارثة بداخلها أسرعت تبحث عن سيارة أجرة و أعطتها عنوان منزل أيوب علها تلحق الكارثة قبل وقوعها.

❈-❈-❈

في بلد الجعفري

فضل حارث الجلوس في الحديقة على الدخول للمنزل الآن خصوصا أن سفيان سيوافيه بعد قليل؛ منذ شهر تقريبا وهو يتجنبها بمعنى الكلمة المشكلة ليست في إدخالها لهادي فقط بل أنها تعمدت فعل ذلك وهي تعرف حق المعرفة بأنه يبغض هادي ويرفض حتى التحدث معه لتتعمد هي إدخاله كتحدٍ له ليس إلا، المشكلة الأكبر بأن وراء ذلك والدتها فهي التي تحرضها عليه دوما ودرصاف تنصاع لها رغم معرفتها بحبه لها.
سحب سفيان السيجارة من بين أصابعه لينظر له حارث وقد تفاجأ به فقد سرح في تفكيره لدرجة لم يشعر بحضور الأول الذي قال وهو يطفئها:
-كادت أن تحرق أصابعك لولا معرفتي بك لقلت أنك تسرح في حبيبة جديدة.
أشعل حارث سيجارة أخرى و قال ببرود:
-دعك مني واخبرني ما حدث في التحقيق؟
عاد بظهره للكرسي وقال بصوت متألم:
-لازال جاريا رغم أن النتيجة واضحة ، حتى لو لم يتم فصلي على الأقل ستنزل رتبتي ، صحيح عياد تم إصدار حكم ضده ولكن الكلام عني و عن رؤوف لن يمر بسهولة ، خصوصا أن عياد نفسه اتهمه نفس التهمة
تنهد بصوت وتابع:
-تعرف أن أي شخص يحمل لقب الجعفري تم التحقيق معه وفتح ملفه، عبدالخالق تقدم باستقالته عندما رفضوا طلب أجازته للسفر مع أفطيم لأنه يعرف بأن الرفض مقصود و رؤوف تم نقله للحدود الجنوبية تعرف معنى ذلك والكثير جدا تأذوا بسبب ما حدث.
ليقول حارث بعدها:
-يجب أن نعترف بأن جدي محق، رغم كرهنا لطريقة النفس الطويل لكنها أقل ضررا وكانت لتجنبنا كل هذا.
أومأ له سفيان برأسه ثم قال مغيرا للحديث الذي أصبح ثقيلا على قلبه:
-بمناسبة جدي سمعت بأنه قرر السفر معك هذه المرة أم أنها إشاعة ؟
نفث حارث دخان سيجارته و أجاب:
-نعم صحيح كما أن أشماس ستذهب هي الأخرى اتصل بي أيوب البارحة وأخبرني بوجوب ذهابها لإتمام بعض الإجراءات هناك؛ بالمناسبة أنا لدي حساب بنكي هناك سوف أوثق توكيل لدرصاف كي تتصرف به في حال حدث لي شيء ، كما أن لدي شقة بجانب خالي إبراهيم تعرف مكانها صحيح ، كنت تنازلت عنها لدرصاف سابقا لكنني لم أخبرها بذلك، سفيان درصاف و ابني أمانة في رقبتك لو حدث لي شيء ، أعرف بأن أبي لن يأكل حقها لكنه سريع الغضب و أنت تعرف جيدا درصاف و والدتك عندما يستفزان أحد ، لم أخبر أبي عن التوكيل ولا الشقة بعد، ربما بعد ولادة در ولا أريد تدخلات من أحد لذلك أخبرك أنت فقط وسوف أخبرها عندما يحين الوقت المناسب.
عبس سفيان وقال في تعجب:
-ما هذا الكلام لماذا توصيني بها، هل أنت مريض ؟
تأمل حارث منزله ثم قال ببعض الشرود:
-لا لست مريضا لكن هناك إحساس داخلي يخبرني بأن القادم ليس جيدا، لا أعرف ينتابني إحساس بأن درصاف لن تكمل معي هناك ما سيفرقنا وهو طبعا لن يكون سوى الموت، لذلك قررت تأمين مستقبلها مع ابني، يكفي بأنها ستعاني في تربيته.
وقف سفيان من كرسيه ليلكمه في كتفه وهو يقول:
-أفزعتني يا رجل ، كل ذلك لأنها غاضبة منك ؟!
اشتري لها زهورا أو شوكولاتة أو حتى خاتم ذهبي وسوف تسامحك فورا، رغم أنني لازلت عند رأيي هي المخطئة ويجب أن تعتذر لك.
بنفس الشرود قال حارث:
-ليس مهما من يعتذر لمن، لو كنت شعرت بأنها عرفت غلطها أو شعرت بالحرج منه حتى لما اهتممت به، لكنها على العكس تصر على المضي في طريق تباعدنا، أصبر نفسي بأنها هرمونات الحمل ربما فترة وتمر ، لكن داخلي يخبرني بعكس ذلك كم أخشى عليها الحياة من دوني، درصاف رقيقة جدا لا تستطيع المحاربة كما تدعي بل هي أقرب للانسياق وراء كلام الغير بدلا من اتخاذ قراراتها الخاصة وهذا ما يجعلني لا أنام الليل من كثرة التفكير فيها لو حدث لي شيء و أصبحت لوحدها.
صفق سفيان بطريقة مسرحية وقال:
-عرض رائع لكن درصاف لم تسمعه ؛ توقف عن مشاهدة الأفلام الهندية لن يحدث لك شيء بل ستملأ هذا المنزل أولاد لدرجة تضطر بعدها للسكن في مزرعة كي تتسع لهم، ثم تعال هنا هل تتوقع بأن تظل درصاف على ذكرك؟
أنا شخصيا سأزوجها بعد العدة فورا.
قلب حارث شفتيه ورد بامتعاص
نذل:
-لعب له سفيان حواجبه فارتسمت ابتسامة على شفتي حارث ليقول بعدها:
-بالمناسبة سمعت بأنك خطبت أفطيم أخيرا
عقد سفيان يده وقال بتأكيد:
-حصل وجدك رفض وطردني أيضا ، لكنني لن أيأس سوف أستمر في المحاولة حتى أقنعه أو أقنعها.
أومأ له حارث ثم قال:
-بصراحة لا أعرف كيف وقفت تتفرج عليها وهي تتزوج من غيرك، هروبك وقتها لم يكن في صالحك أبدا خصوصا أن الجميع طلب منك أن تتزوجها وأنت رفضت.
أخفض عينيه يداري سره وقال باقتضاب:
-كان لدي ظروفي الأمر لم يكن سهلا أبدا ، أعرف بأنك لن تساندني أمام عمي وجدي لكن على الأقل لا تقف ضدي.
أطفأ سيجارته ورد:
-لا تخف لن أقف ضدك بل سوف أحاول مساندتك أمام عبدالخالق و علي أقلها نجد حليفا في المنزل؛ لماذا لا تذهب معهم؟
أعني عبدالخالق سوف يرافق أفطيم يمكنك التحجج بإنهاء خدمتك والذهاب معهما أو اللحاق بهما ربما تستطيع إقناعها عندما ترى أنك متمسك بها فعلا.
ابتسم سفيان فقد راقت له الفكرة واستغرب أنه لم يفكر بها سابقا، سوف يحاول إنهاء التحقيق بأقصى سرعة ثم اللحاق بهما.



❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

للمرة العاشرة يقوم بقراءة التحليل عله يجد به شيئا يدل على زيفه ، ماذا يعني فتنة حامل كيف ومن الوالد؟
يا إلهي ما هذه الكارثة التي حلت على رأسه دون إنذار وكيف يحلها دون الخوض في شرف امرأة ؟
تلقائيا عادت ذاكرته لوالدته كما يحدث معه كلما اصطدم بشيء متعلق بهذا الموضوع الحساس

قبل أربعة عشر عاما ،عندما كان لا يزال في العاشرة من عمره لم يكن مضى الكثير على سفر والده وانقطاع أخباره عنهم ليبدأ الكلام يطال والدته ربما أكثر ما كان يؤلمه أنه لم يفهم لماذا يفعل الناس ذلك خصوصا أهل والده والتي حاولت والدته اللجوء إليهم كي يساعدوهم بعد أن تم طردهم من شقتهم بسبب عدم دفع الإيجار ،فهي لم تعمل من قبل وقد تركهم والده دون أي مصدر للرزق، وهنا بدأ يرى العالم بنظرة سوداء مخالفة لطفولته البريئة، فقد حاول عمه الزواج من أمه رغم أنها لازالت على ذمة والده بحجة أنه يريد سترهم و أن شقيقه لابد أنه قد مات وإلا لماذا انقطعت أخباره فجأة ؟
وعندما رفضت والدته بدأ في تلفيق التهم التي تخص شرفها لتضطر لترك منزلهم وبعد النوم في المحطات والشوارع لأيام وصلت لمنزل خالتها المسنة لتعيش معها بعد أن وعدت بالعمل والتكفل بمصاريف أولادها؛ كانت شقة صغيرة جدا في حي شعبي مكونة من غرفتين وحمام وصالة أما المطبخ مربع لا يتسع سوى لشخص واحد لكنه كان أفضل من النوم في الشارع، عاش بجرح لم يلتئم و لم يكف الجميع عن إلصاق التهم بوالدته أو قذفها بالباطل لا لشيء سوى لأنها امرأة جميلة وحيدة ؛ لم ينسَ أنها كانت كل ليلة تكرر عليه ألا يتحدث في شرف امرأة قط حتى لو رأى بعينيه بل يستر و يسكت و لا يفضحها أبدا ، فهي لن تسامحه أبدا لو فعل سواء كانت فوق الأرض أو تحتها.


استغفر ربه و قام يفتح الباب الذي يرن بإلحاح ليجد فتنة أمامه بوجه شاحب و أنفاس لاهثة قالت وهي تدفعه لتدخل الشقة:
-هناك كارثة على وشك الحدوث يجب أن نحلها قبل أن تصل عمتي.
-تقصدين حقيقة أنك حامل.
نطقها ببرود جعلها تتجمد في مكانها لثوانٍ لتجده يقف أمامها بنظرات أقل ما يقال عنها مزدرية ، بحثت بعينها عن أول كرسي لتجلس عليه حتى لا تقع من صدمتها لتقول بعدها بصوت مرتعش:
-كيف عرفت؟
هل جاءت عمتي أم أخبرتك بالهاتف؟
يرغب بجرها من شعرها ورميها خارج شقته لكنه تمسك ببعض التعقل ليقول بحنق:
-بل كانت هنا مع زوجها وقد أخبرتهم بأنني لست الوالد فلا تحاولي معي من فضلك.
أغرقت عينيها الدموع وزادت شهقاتها فجلب لها كوب ماء وهو لايزال واقفا منتظرا منها أن تذهب لكنها مسحت دموعها وقالت بنبرة باكية:
-لقد حاولت إخبارك من قبل صدقني حتى أنني جئت إليك مرتين قبل الآن الأولى كي أخبرك بحقيقة وضعي
قاطعها صارخا:
-أي وضع ذلك ؟
أنت حامل وأنا لم أقربك من هو والد الطفل إذن ؟
نكست رأسها وردت:
-نادر
خطيبي السابق، في الواقع هو زوجي تعرف تم عقد قراننا.
كاد أن يقاطعها مرة أخرى لكنها استرسلت في حديثها بحرقة:
-نادر كان خطيبي وبعدها أتم زواجه مني دون أن يعرف أحد وعندما عرفت بأنني حامل حاولت تعجيل الزفاف لكنه تنكر لي وطلقني وهدد بالصور والقضية.
عقد حاجبيه وظهر عليه الحيرة وهو يسألها بحذر:
-أي قضية وأي صور لا أفهم ؟
هل هناك ذل أكبر من ذلك؟
هي مضطرة لكشف فضائحها للشخص الذي يمقتها سابقا وهي لم تكن ترى به سوى حجر تتسلقه لتخطي للجانب الآخر ؛ في الوقت الذي أخفت فيه سر الصور والقضية عن أعز صديقاتها منار ولينا واكتفت ببعض الرتوش لتجميل ما حدث وستر ما يمكن ستره خصوصا بعد أن أخذت وعدا من عماد بعدم إخبار أحد بما حدث خصوصا منار، ها هي الآن تقص أدق التفاصيل على أيوب.
جلس ليحاول تحليل ما سمعه منها، حسنا هي ليست خاطئة كما كان يظن لكنها أيضا خدعت الكل وبلته الآن بهذا الطفل لينظر لها ويقول بتيه:
و الآن من المفروض أن يكون والد الطفل؟
أعني يجب أن يعترف زوجك الأول به، أنا لن أبتلى به أشماس لن تصدق لو سمعت شيئا كهذا أبدا ، أصلا أنا لا أعرف بعد تأثير خبر زواجي من غيرها عليها كيف سيكون حتى لو تأكدت بأني لم أكن بوعيي لتأتي هذه الكارثة وتقضي على أي أمل متبقٍ لي.

أجلت حلقها وأجابته بخوف:
-بمناسبة أشماس أخبرتك بأني جئت لك مرتين، المرة الثانية كانت بسببها.
نظر لها في تساؤل لتتابع وهي تخفض نظراتها عنه:
-هناك شخص من بلدها عرف بحملي و أنني زوجتك أقصد كنت زوجتك وأراد أن يبلغها، أعتقد أنك تعرفه أيضا اسمه هادي.
-ماذااااا
صرخ بها و هو يتذكر حديث حارث معه ثم سفره بعد ذهاب هادي لمنزله وتلك المشكلة التي عرف بها والتي ظن بأن رد فعله مبالغ فيه جدا والآن فهم، هادي يحاول الاصطياد في الماء العكر.
قام فجأة و دخل غرفته و هو يقول لها:
-انتظريني في الأسفل سنذهب الآن لعمتك يجب حل الأمر حالا.
لم يعطها فرصة الرد بل دخل يغير ملابسه وخرج بسرعة ليجدها في مكانها فصرخ بها:
-لازلتِ هنا هيا بنا فورا.

وصلا لشقة إبراهيم الذي عاد من المستشفى مع جيهان بعد أن اطمئن لوضعها فهو مجرد هبوط وهناك أخبرتهم فتنة بأن والد الطفل هو نادر وليس أيوب.
سكت الجميع ليقول إبراهيم بعد برهة:
-هناك قصة سمعتها قديما لابد أنك تعرفها، يحكى قديما أن رجلا صالحا تزوج من امرأة حامل ليستر عليها ،وعندما وضعت أخذ الطفل معه في صلاة الفجر ووضعه بجانب باب المسجد ولما فرغ الناس من الصلاة وجدوه فقال لهم
اعطوني هذا الطفل أكفله وعاش هذا الطفل في بيته ومع أمه وأخذ هو الأجر.

مسح أيوب على وجهه و أجابه وهو يجز على أسنانه:
-الوضع هنا مختلف، ذلك الرجل كان يعرف بأنها حامل وأراد الأجر كما أن الطفل مجهول النسب ، أما أنا لم أكن أعرف أو أرغب في الزواج من فتنة و والد الطفل معروف أما عن الأجر فقد تنازلت عنه.
هل هي باغية أو آثمة كي يتم التحدث عن سترها بهذه الطريقة المهينة دون اعتبار لوجودها ؟
لهذه الدرجة بخس ثمنها ؟
فتنة السماك يتحدث عن شرفها اثنان لا يمتان لها بصلة وثيقة !!!!
تركتهم يتناقشان أو بالأحرى يحاول أحدهما إقناع الآخر بضرورة سترها لتتصل بشقيقها محمود والذي رد بعد فترة وطلبت الحديث مع والدتها لتقول لها بمجرد سماع صوتها:
-أمي أحتاجك جدا أنا حامل من نادر و أيوب عرف وينوي فضحي .....
أطلقت فادية الزغاريد وقالت بصوتٍ عالٍ لإخوتها:
-باركا لأختكما وزوجها فهي حامل.
أنهت فتنة المكالمة بسرعة من الواضح أن والدتها لن تقف معها بل هي مصرة على المضي قدما في مسرحية الزواج الكاذب تلك بل إنها تؤكده بخبر حملها من أيوب الذي تعرف بأنه غير حقيقي، انكمشت على نفسها وسحبت الغطاء لأعلى رأسها علها تختفي من العالم للأبد.

في الخارج قال أيوب بعناد:
-لقد طلقتها وانتهى الأمر لا تحاولوا تغير الواقع، ابحث عن نادر ذلك ليعترف بابنه لن أتحمل خطأ غيري.
أفلتت أعصاب إبراهيم لأول مرة وهدر به:
-شرعيا هذا ابنك، اسأل أي شيخ الطفل ينسب للفراش وأنت زوجها لا تحاول الآن نفض يديك منها.
زاغت عيناه ثم قال بانكسار:
-لماذا أنت مصر على إبعادي عن أشماس؟
كنت أظن أنك أكثر من ستشعر بما نعيشه والمصاعب التي نحاول تخطيها، لأجد العكس منك؛ أشعر بأنك تبحث عن فرصة لكسر قلبي وقلبها بل لن أتفاجأ لو كانت تلك خطة منك كي تبعد أشماس عني فقط.

لا إرادياً نظر لجيهان ليجد الدموع تملأ عينيها مع نظرة فسرها هو اتهام له ليرد عليه بحزم:
-من أنت كي أضعك في رأسي و أحيك ضدك الخطط ؟
كلمة واحدة مني وما كنت لتتزوج من أشماس أصلا ، لا تدعي حبها بعد أن خنتها في أول اختبار واجهك وعقدت على غيرها مدعيا أنك لم تكن في وعيك بينما أنت كنت تريد رد ما فعله عياد لك بكسرها و جعلها زوجة ثانية لك، كن رجلا واعترف على الأقل.
بقدر ما كانت كلماته سامة بقدر ما جعلته ينظر للأمر من وجهة نظر الآخرين ، ماذا لو فهم حارث القصة هكذا؟
ماذا لو صدقه الشيخ عثمان؟
وماذا لو!!!!!
ترك منزل إبراهيم يجول الشوارع بدون هدف وهو يفكر في حل ينقذه من تنفيذ حكم الإعدام بالمقصلة في قلبه عندما يذاع السر.

❈-❈-❈

في بلد أيوب

وصل الشيخ عثمان وحارث و أشماس وقد قرر الشيخ أن يقيم في فندق حتى لا يتعب أشماس خصوصا أن الرحلة لن تستغرق سوى بضعة أيام لا غير؛ انتهى من إفطاره ثم قال لحارث:
-أريد أن أذهب لمنزل حمو خالك إبراهيم تعرف العنوان بالطبع.
شحب وجه أشماس بينما قال حارث بتحفز:
-ولماذا تريد عنوانهم؟
تجاهل الشيخ نبرة حارث وقال:
-كي أعزيهم في والدهم ، نسيت أنه توفي منذ مدة ونحن لم نقم بالواجب حتى الآن ؛ لولا ما حدث كنا أقمنا عزاء عندنا أم أنك نسيت الأصول.
أمسكت أشماس بيد حارث كي لا يقول شيئا يضايق جدها فأطاعها مرغما لتقول هي بمرح:
-أنا لدي موعد نسائي لن أستطيع الذهاب معكم.
استقام الشيخ وسألها:
-موعد نسائي مع من؟
بابتسامة واسعة ردت:
-صديقة تعرفت عليها هنا عندما جئت المرة السابقة، لقد تواصلت معها كي تجد لي طبيب تجميل جيد بعد أن رفض أيوب أن أجرى العملية بالخارج ربما أجد حلا يريحني فندوب ظهري متعبة للغاية خصوصا تلك العميقة لا أستطيع وضع المرهم لها لتخفيف الألم.
ضمها له وقبل أعلى رأسها قائلا:
-شفاك الله يا بنيتي ، اذهبي لكن لا تتأخري لدينا عمل كثير أما بالنسبة لأيوب فلا يحق له منعك لست في منزله بعد كي يحكم بك، وحتى بعد أن تصبحي في بيته لا يجوز له منعك من العلاج سوف أتحدث معه بعد عودتنا للوطن.

أوصلا أشماس أولا لعيادة الطبيب وتأكدا من وصول صديقتها المدعوة شيرين ثم ذهبا لمنزل السماك.
عندما لم يفتح الباب أحد قام حارث بسؤال صاحب القهوة التي في أول شارعهم ليتبرع أحد الجالسين ويقول:
-لقد رحلوا و أغلقوا منزلهم بعد موت السيد جمعة وسفر ابنتهم لزوجها بأقل من أسبوع.
اتسعت عينا حارث و قال:
-فتنة تزوجت؟
حقا متى لم نسمع بها؟
ليقول صبي القهوة بتحفز:
-ومن أنت كي تسمع عن زواجها أم لا؟
رد الشيخ عثمان الذي اتخذ كرسيا كي يريح قدميه:
-أنا والد إبراهيم زوج عمتهم وهذا حفيدي، سبق له زيارة منزل السماك ويعرف أولادهم لذلك استغربنا بأنهم لم يخبرونا بزواج ابنتهم لا غير.
أسرع صاحب القهوة وصافح الشيخ في احترام ثم أمر الصبي بجلب الشاي لهم وقال بعدها:
-ابنته تزوجت من فترة قريبة حتى نحن تفاجأنا بزواجها فهي كانت مخطوبة لطبيب محترم وقد أقام لها والدها حفلا كبيرا وقتها لا نعرف متي فسخت خطبتها لتتزوج من الآخر.
اقترب الصبي بصينية الشاي ليقول الشيخ:
-نصيب لابد أن سرعة الأمر جعلت السيد جمعة يغفل عن إخبارنا سوف آخذ عنوانهم الجديد من ابني كي أعزيهم.
وضع الصبي الشاي ورد:
-معك حق هو نصيب تعرف أنها تزوجت رغم أن والدها أصيب بالشلل بل إن زوجها تركها يوم الزفاف وسافر لتلحق به بعد العزاء وحدها.
حرك الشيخ سبحته يستغفر بصوت خفيض بينما قال صاحب القهوة:
-اذهب الآن لعملك وكف عن الحديث في هذا الموضوع
حرك يده بعدم رضا وقال متمتما بكلمات لم تصله ؛
ليقول رجل يجلس على الطاولة التي بقربهم:
-الصبي لم يكذب قصة زواجها لا تدخل عقل طفل أنا حضرت عقد القران العريس كان وجهه كله كدمات بل إنه كان يتلعثم في الكلام مثل الذي تعاطى شيء، يا أخي محمود شقيقها هو من كان يردد وحده والآخر لا يقول شيئا سوى نعم ، ثم خرج مسرعا كمن لدغته حية لنسمع صوت العويل ويتحول الفرح لعزاء.
استغفر الشيخ بصوت عال وهم بالوقوف ليتابع الرجل حديثه الشيق فيما أيده الكثير من رواد القهوة بزيادة كلمة أو حدث عن تلك الزيجة:
-تعرف ما هو الأمر الذي يجعلني أشك في وضع تلك الزيجة، أن العريس يعمل عند زوج عمتها، كيف تبدل الطبيب ذو الحسب والنسب بعامل.
تدخل حارث في حديثهم وقال بحذر:
-عفوا ما هو اسم العريس؟


في غرفة الفندق مساءً أخذت أشماس تحكي لهما عن الطبيب الذي لم يعجبها خصوصا أنه صعب عليها المسألة وطالبها بإجراء أكثر من عملية على فترات متباعدة وهو الأمر الذي رفضته لم تتوقف عن ثرثرتها إلا عندما لاحظت وجوم حارث و جدها لتقرر الانسحاب لغرفتها وتركتهم ربما يكونا تعبا من السفر أو ربما لم تستقبلهم تلك المرأة بطريقة جيدة كعادتها.
بمجرد خروجها قال حارث بصوت خفيض:
-هل تعتقد بأنه هو؟
صحيح الرجل لا يعرف اسم العريس ولم يتعرف على صورة أيوب لكن لا تنسَ بأنه قال أيضا أن وجه العريس كان مليئا بالكدمات وملامحه غير واضحة.

أخذ يدور في الغرفة كالأسد الحبيس يضرب قبضة يده في راحة الأخرى ليقول محدثا نفسه بصوتٍ عالٍ:
-ربما كلام هادي صحيح وتراجع لسبب ما؛ لكن كيف تم الزواج في السفارة دون أن يعلم خالي؟
هناك أمر لا أفهمه في هذه القصة أكاد أجن.
استقام الشيخ عثمان يتمشى مستندا على عكازه وقال بهدوء:
-نم الآن و غدا ننهي الأوراق الخاص بك و بأشماس وعندها أنا من سيجد حلا، عليك بالصبر والتكتم على الموضوع حتى أعرف حقيقته مفهوم.

انهوا أعمالهم بسرعة لم تستوعبها أشماس لدرجة أنهم أجلوا أمر توقيع البنك الخاص بأشماس واكتفوا فقط بشراء الشقق و وضع اسم درصاف بجانب اسمه في الحساب ليكون حسابا مشتركا بينهما وعادوا للوطن في اليوم الثالث؛ مر أسبوعين بعدها والشيخ عثمان ما زال يتبع الصمت لدرجة لاحظها الجميع أما حارث فقد تفاجأ بوجود حماته معهم في المنزل ونقل ملابسه للغرفة القديمة والحجة أن درصاف تحتاج هناء معها ليلا لأنها تشعر بالتعب أحيانا!

❈-❈-❈



في الدولة الأجنبية
رد أيوب على هاتفه الذي يلح منذ ساعة أو أكثر ليجد أنها شقيقته رنا والتي بدأت حديثها بالصياح:
-ساعة كي ترد علي ألا يكفي أنك توقفت عن الحديث مع علاء.

أبعد الهاتف عن أذنه وشغل خاصية مكبر الصوت ليبتعد عنه قليلا حتي تنهي تقريعها وغير ملابسه لملابس الخروج ثم أخذ هاتفه وقال مقاطعا لها:
-ماذا تريدين الآن ؟
قلت لك بأني طلقت فتنة هذا قرار لا رجعة فيه كفي عن حديثك الذي لن يجدي نفعا.
لم تتحمل بروده لتقول بلوم:
-لا أصدق بأنك بعت زوجتك أم ابنك من أجل سفر وعمل بالخارج من شابه أباه.
قاطعها بنبرة غاضبة حادة لم تعتدها منه من قبل:
-إياك وتشبيهي به مرة أخرى ، من ذلك الذي يبيع الزوجة ويرمي لحمه من أجل بضعة قروش ؟
أنا هل نسيتِ من أنا الآن ؟
متي كنت أنانيا لأفعل ذلك، عملت منذ طفولتي كي لا أحمل أمي هم مصروفي بل شاركت في مصروف المنزل أيضا حتى جهازك أنا من دفع ثمنه من غربتي التي تعايريني الآن بها.
شهقاتها العالية جعلته يسكت، يعرف طريقتها تلك والتي كانت تؤثر بها على والدتهما لتكسب أي حوار عندما تقترب من خسارته، لكنه لا يتأثر بها ليس غلاظة قلب بل لأنه اعتاد عليها منذ طفولتهما.
بصوت باك قالت:
-تعايرني لأنك دفعت ثمن جهازي ؟
أخبرتك بأني مستعدة للدفع معك وأنت رفضت، ثم من الذي سيساعدني إن لم تكن أنت ها؟
ألا يكفي حرماني من حنان الأب و أنه لم يقدمني لعريسي مثل باقي الفتيات ، حتى أمي حرمت منها ولم ترَ ابني هل تعرف شعوري وأنا ألد دون أحد من أهلي بقربي؟
يكره أسلوب الاستغلال العاطفي كما أن وضعه لا يسمح له بتحمل المزيد من الضغط لذلك رد بحدة:
-رنا كفي عن أسلوبك ذلك فهو لن ينفع معي، أنت من استعجلتي بالزواج لأن خطيبك وقتها والذي أصبح الآن زوجك تحصل على عقد عمل بالخارج وخشيتِ أن تخطفه منك إحداهن ، لذلك اضطرت أمي لكتابة كمبيالات على نفسها لشراء جهازك واستغلها صاحب العمارة ليقوم بتقديمها للشرطة لأنها رفضت بيع الشقة التي ورثتها من خالتها والباقي تعرفينه جيدا رغم رفضي وقتها لقرارك و لتصرفات أمي لم أتدخل في خياراتك ولم أفرض عليك شيئا فلا تحاولي أنت التدخل في حياتي من فضلك لازلت احترم كونك أختي الكبرى.
سمع صوت أنفاسها يعلو لتقول بعدها وقد زالت عنها نبرة البكاء:
-لا تحاول إلصاق موت أمي بي تعرف جيدا ما حدث وقتها؛ عموما لقد وجدت عنوان أهل فتنة وذهبت لهم وقد استقبلوني استقبال رائع ، والدتها امرأة طيبة جدا وهي من أخبرتني بحمل ابنتها وأنها ستقوم بتجهيز كل شيء لإقامة سبوع كبير للمولود عوضا عن الفرح الذي ألغى بسبب موت زوجها رحمه الله، اسمعني جيدا يا أيوب إما أن تردها لعصمتك وتربي ابنك بما يرضي الله و إلا أنا من سيتدخل من السهل الحصول على رقم خاطفة الرجال تلك بل لو اقتضى الأمر سوف أسافر لبلدها خصيصا كي أنهى هذه المهزلة لن أسمح بأن يكبر ابن أخي يتيما هل تفهم.
صرخ بها بحدة:
-إياك والاقتراب من أشماس أو أهلها وإلا انسي أن لك أخا.
أغلق الخط كي لا يتمادى في الحديث ويفضح فتنة، كمية التحكم في الذات التي يمارسها كي لا يفشي حقيقة الأمر تكاد تقتله، هو فعلا وصل لحافة الانهيار حرفيا كل ما حوله انهار أو قارب على ذلك، عمله شبه توقف بسبب قلة تركيزه و تأجيله للاجتماعات للاتفاق الأخير ، مكالماته مع أشماس والتي كانت تصبره قلت كثيرا بسب دراستها كما تدعي وهو أيضا لم يعد قادرا على الحديث كالسابق يشعر بأنه خائن كيف يتغزل بها و يخبرها عن خطط الزواج وفي رقبته قنبلة توشك على الانفجار، حارث الذي لم يعد يجيب اتصالاته ربما هو شاكر لذلك هذه المرة كيف سيفسر الأمر له وهل يمكنه تصديقه حتى لو فسر؟
لم يشعر بأن الباب فتح ودخل منه هاشم إلا عندما وضع الأخير يده على كتفه ليفزع أيوب فقال هاشم ممازحا:
-احذر أن تكون قطعت الخلف وقتها سوف تضطر لرد فتنة وكتابة ابنها باسمك ليحمل اسم العائلة الكريمة.
أسند رأسه براحة يده وقال بتعب واضح:
-لن يحدث لو اجتمع الكل ضدي، كفوا عن محاولاتكم البائسة تلك،زوجتي الوحيدة هي أشماس ولن يكون لي أبناء من غيرها

كونه شهد القصة من بدايتها ويعرف جيدا مقدار الألم الذي يعتري صديقه الآن جعله يتحمل معاملته الفظه له؛ منذ أن مرعليه يوم رجوعه من السفر ليجد باب الشقة مفتوحا و يسمع حديث فتنة كله وهو يشعر بالشفقة ناحية صديقه فلا هو قادر على فضحها ليتنصل من المسألة بأكملها ولا أن يتقبلها ويكمل الطريق معها وقد ملكت قلبه و روحه أخرى.
جلس مقابل لأيوب وقال بمرح مصطنع:
-صيغة الجمع في كلامك لا تعجبني إلا إذا كنت تعني بها التفخيم طبعا.
لم يجبه أيوب ليتابع حديثه:
-الشركة التي قررت العمل معك اتصلت بي بم أنك لا تجيب على اتصالاتهم ووضعت رقمي عندهم للطواريء وقد وافقوا على اجتماع آخر غدا صباحا، يجب أن تحضره هذا مستقبلك الحقيقي لا تضيعه من أجل سحابة صيف ستمر سريعا.
تنهد و عاد برأسه لظهر الكرسي وهو يحاول إخماد البركان المتأجج بداخله ليقول بعدها:
-أخشى أن يكون إعصارا يدمر كل ما في طريقه و ليس سحابة صيف ، لا أعرف أي ذنب ارتكبت ليكون هذا عقابي أو ربما هو ذنب والدي أدفعه أنا بدلا منه ، ألا يقال بأن الأبناء يدفعون دين الآباء.
تحفز هاشم وقال بجدية:
-بمناسبة الآباء هناك خبر وصلني عن والدك لا أعرف إذا كان سيعجبك أم لا.

لم يهتم أيوب كأنه لم يسمعه ليتابع هاشم:
-لقد عرفت أين يقيم.


❈-❈-❈
في بلاد الجعفري
بعد مرور شهرين

رغم تجنبها لتجمعات النساء مؤخرا بسبب الكلام الذي تسمعه منهن والذي يكون في مجمله تهكما عليها لأنها تزوجت من جنسية أخرى لكنها اضطرت لحضور هذه الجمعة بسب جبريل الذي أصر عليها بحجة أنه أخيرا أقنع زوجته بأن تعزم هناء لمنزلهم بعد أن كانت رافضة لذلك تماما ، وكي تتجنب فتحية البقاء معها وحدهما قامت بدعوة بعض نساء العائلة معها؛ كعادتها مؤخرا لم تخلع حجابها رغم أن شعرها استطال قليلا لكنها لازالت تشعر بعدم الثقة لتظهره لأحد ، زفرت و حملت صينية كبيرة عليها كاسات العصير لتقدمها للضيوف بينما خلفها سنان بشكولاتة ، كلما اقتربت بجانب واحدة من النساء لتأخذ كأس عصير تسأل المرأة نفس السؤال:
-كيف حال أمك ؟
لتبتسم لها دون إجابة فيتبعه السؤال الثاني:
-صحيح خطبتِ لرجل غريب؟
يا إلهي من يصدق ذلك ابنة خيرية تتزوج من دولة أخرى.
لتسمع أخرى ترد عليها بصوت عال:
-لا أعرف ماذا حدث لبناتنا من قلة الرجال حتى ننظر للخارج.
فتقول الثالثة:
-المصيبة أنه ليس غنيا أو ذو شأن تعرفين من يكون؟
فتسأل الرابعة بخبث رغم معرفتها لهويته؛ كي ترد عليها السابقة وهي تمتص شفتيها:
-إنه الشاب الذي كان يعمل عند الشيخ عثمان، تعرفين بأنه رغم عقد القران لم يجلب لها شيئا.
تشهق هذه وتصدر تلك صوت يدل على الاستنكار لتختمها إحداهن:
-حبيبتي هذا ما يحدث عندما تعصي الفتاة أمها ، ألم تسمعي بأن خيرية تركت منزلها وعادت لبيتها القديم لأنها رافضة لتلك الزيجة، غدا تعود مطلقة بعد أن يأخذ أولادها و مالها طبعا، هذه نتيجة الدلع تلك الفتاة مدللـة منذ طفولتها بسبب عمتها سليمة لو وجدت رجلا يكسر ضلعها لما تجرأت وفعلتها.

كن يتحدثن أمامها كأنها شفافة عديمة الإحساس لم يهتممن حتى بنطق اسمها أو النظر لها بل وجدنها مادة دسمة للنميمة لتحكي كل واحدة منهن عن قصة تلك التي هربت مع رجل من تلك الدولة لتصبح خادمة عند أهله وتلك التي أصرت على الزواج من أجنبى فطلقها وأخذ أبنائها ، للأخرى التي قتلها ورمي جثتها في البركة و غيرهن من قصص تصلح لمسلسلات رعب أجنبية بامتياز، العامل المشترك بينهن كان طبعا الزواج من جنسية أخرى ورفض الأم.
وضعت أشماس الصينية على الطاولة الجانبية لأن يدها آلمتها فهي لم تعد قادرة على حمل الأشياء الثقيلة مثل السابق تم انسحبت من الصالة بهدوء لتقف عند بابها وهي تسمع درصاف تقول بصوتٍ عالٍ متحدٍ:
-لماذا لا تتحدثين عن ابنك يا برنية ؟
ألم يتزوج أجنبية ثم خانته مع صديقه وحملت منه؟
ذكريني هل طلقها أم لازالت على ذمته حتى يتحصل على الجنسية أولا؟
وأنت يا أم السعد لماذا لا تتحدثين عن زوجة ابنك التي تذيقك المر بل و طردك من منزلها أمام الجميع ولم يتحرك ابنك ،هي من بلد آخر كما أذكر اوو نعم كنت تتغزلين في جمالها الأخاذ وأن بلدهم لا يوجد بها سوى الجميلات فقد عاف ابنك بنات بلدنا من جمالها.
ثم التفت للرابعة وقالت لها:
-أما أنت فقصة ابنك لا مثيل لها أولاده اعتنقوا دين والدتهم بكل فخر عموما لا استغرب كثيرا فهو معروف بسكره وعدم صلاته وقد تزوجها لأن بناتنا رفضن الاقتران به وهي كانت لاجئة حرب فاستغل وضعها صح.
وضعت ساق فوق الأخرى وتابعت:
-حارتنا ضيقة ونعرف بعضنا جيدا، صحيح نسيت أن أضيف كلكن كنتن راضيات عن تلك الزيجات بل فخورات بها رغم أن معظم زوجاتهم كن على علاقة بغيرهم قبل الزواج أم أن زوج الأجنبية لا شرف له مثل زوج العربية ؟
اسودت وجوههن لتنطق أخرى لازال أطفالها صغارا:
-ماذا بك يادرصاف، هن فقط ينصحن الفتاة لا يجوز أن تتزوج دون موافقة أمها ومن عامل أيضا.
ضحكت در صاف بصوت عال و قالت:
-أنت بالذات لا يجوز أن تتدخلي في هذا الموضوع ذكريني من كان وكيلك في عقد القران، لأن والدك رفض تزويجك من خليل شيشة ؟!
أيوب فهو ليس عامل بل مدير المصنع والآن هو موجود في أوروبا لأنه يصدر خط خاص به بملايين الدولارات فلا تحاولن التقليل من أشماس أو من زوجها.
ثم قامت و قالت بقرف:
-جدي من سيرد عليكن أعني على أزواجكن.
خرجت وسحبت أشماس في يدها فضغطت على يدها تشكرها قبل أن تصعدا لغرفة سنان التي لحقت بهما وأغلقت باب الغرفة خلفها وهي ترفع يدها بقبضة انتصار وقالت بفرحة عارمة:
-عفارم عليك زوجة أخي لقد أخرستهن ليتني صورتك وأنت تضعين كل واحدة في مكانها المناسب.
عقدت درصاف حاجبيها وقالت:
-عفارم!!!!
ماهذه الكلمة الغريبة لم أسمعها منك قبلا.
جلست بجانبها وقالت بحماس:
-سمعتها في مسلسل جديد رائع جدا به الكثير من الأبطال كل واحد منهم أجمل من الآخر لم اختر منهم بعد من الذي سيكون المفضل لدي.
كورت درصاف قبضتها وهمت بضرب سنان فرفعت الأخيرة ذراعها لتحمي نفسها لتقول الأولى:
-احترمي وجودي حتى، نسيت أن أخي هو خطيبك
أزاحت خصلة من شعرها للخلف في حركة تمثيلية لتقول بعدها:
-لم يوافق أبي بعد ، من حقي أن أمتع نظري بالحلويات المتاحة أمامي.

ردت درصاف في يأس:
-لو أعرف فقط ماذا يعجبه فيك، قصيرة ولسانك طويل وعينك زائغة ،لك الله يا أخي.

وقفت سنان أمامها تلعب حاجبيها و تقول:
-حبة البطاطا التي أخرست صالة مليئة بالنساء المعروفات بحدة لسانهن تقول علي أنا قصيرة و لساني طويل!!!!!فتحت درصاف فمها على اتساعه كذلك اتسعت عينها وقالت بصدمة:
-أنا بطاطا.

فزت من مكانها وأسرعت تنظر لنفسها في المرآة ، ثوبها البيج الغامق والذي كان واسعا يناسب  تتقدم حملها  يصل لأسفل ساقها لونه أقرب للون البطاطا خصوصا مع لون زينتها الغامق؛ عقدت حاجبيها والتفتت لسنان التي كانت واقفة متخصرة ترقص كتفيها لها لتقول الأولى:
-على الأقل عيني ليست زائغة مثلك.
مطت سنان شفتيها بصوت وقالت وهي تنظر لأظافرها المطلية:
-على الأقل أجيد التميز بين الرجال و....
همت درصاف بالهجوم عليها لتتدخل أشماس بينهما وقالت لسنان بصرامة كاذبة:
-اذهبي وساعدي فتحية بدلا من أن أخبر حارث بما حدث هيا بسرعة؛ وأنت اجلسي علك تجدين حلا لمشكلتي.
أسرعت سنان بالذهاب رغم يقينها من أن تهديد أشماس فارغ؛ جلست درصاف بوجه غاضب وأخذت تربت على بطنها ثم قالت بتساؤل:
-اصدقيني القول هل أبدو مثل البطاطا ؟
يقال أن أم البنت تزداد جمالا لماذا لم يحدث ذلك معي؟
نظرت لشاشة هاتفها وردت:
-لا لست مثل حبة بطاطا ثم من قال أنك حامل في فتاة أنت ترفضين معرفة الجنين عند الطبيبة وتصرين أنها فتاة؟
بعناد أجابت درصاف:
-فتاة أنا متأكدة لقد جربت أمي طريقة الملح واتضح أنها فتاة.
أشارت أشماس لها بإبهامها علامة التصديق و قالت:
-ما دامت طريقة الملح فالأمر مؤكد إذن.
صرخت بها در:
-أشماس توقفي عن السخرية مني قلت فتاه بل إني بدأت في شراء الملابس لها.
مسحت وجهها بباطن كفها وقالت بيأس:
-كما تقولين والآن اسمعيني جيدا، جدي وحارث أصبحا يتجنبان الحديث معي، بل إن جدي طلب مني التقليل من مكالماتي مع أيوب ، و أيوب لم يعد يتصل كالسابق أصلا ولا حتى يبعث رسائل الغزل التي كان يغرقني بها منذ عقد قراننا ، هناك أمر يحدث وأنا لا أفهمه.
ظهر الاهتمام على درصاف لتقول بعد برهة:
-تعرفين معك حق لاحظت أن حارث يسرح كثيرا، هو حتى لم يعد يستفز من كلام أمي ولم يحاول حتى العودة لغرفتنا كما فعل سابقا، تعرفين بأنه سافر لبلد أيوب بعد عودتكم وطلب مني ألا أخبر أحدا بذلك.
رمشت أشماس عدة مرات وأخذت تفكر قليلا ثم قالت:
-ربما ذهب كي يسجل الشقق باسمك كما فعل في البنك، لا أعتقد الأمر يخص أيوب ، أعني لماذا يسافر هناك وأيوب لايزال في أوروبا ؟
رفعت درصاف كتفيها وأنزلتهما بمعني لا أعرف لتقول بعدها أشماس:
-توقفي قليلا لماذا لا ينام حارث في غرفتك؟
لا تقولي أنك طردتيه بسبب حضور أمك ؟
مددت درصاف قدميها على سرير سنان وقالت بحيرة:
-صدقيني الأمر ليس كما تظنين أنا فعلا لم أعد أتحمل قربه، ربما هو الحمل لست متأكدة لكن منذ مكالمة أمي لي عندما قابلنا هادي أول مرة وأنا أشعر بفداحة خطئي عندما توقفت عن تناول حبوب منع الحمل قبل أن أنهى دراستي، أعني ما قالته حدث حرفيا حارث استغل موقف هادي كي يجبرني على إنهاء دراستي والعودة لهنا و والدته كما ترين كل يوم تقيم عزيمة وتجبرني على حضورها بدلا من أن أرتاح في منزلي هذا غير الجاسوسة التي أحضرها لي لتنقل أخباري.

هزت أشماس رأسها عدة مرات وقالت:
-أنت حالة ميؤوس منها فعلا، تفهمين كل شيء بمزاجك،عموما لن أحسابك إلا بعد ولادتك انزلي الآن حتى تجلسي مع أمك استغرب عدم سماع أصوات رصاص في وجودها مع فتحية بنفس المكان.
أسرعت درصاف تعدل هندامها وقالت:
-لابد أن كنز وصلت الوحيدة التي تخاف منها أمي و فتحية معا.
رن هاتف أشماس لتشير لدر بأن تنزل وهي ستلحق بها ثم أجابت عليه:
-أهلا جدي أنا عند جبريل هل تريدني أن أعود الآن ؟
رد الشيخ عثمان بصرامة كما أصبح يفعل مؤخرا:
-نعم عودي الآن فغدا صباحا موعد طائرتك ولا تخبري أحدا بذلك خصوصا أيوب.

❈-❈-❈
الدولة الأجنبية

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now