الفصل الثالث عشر

1K 53 20
                                    

الفصل الثالث عشر

منذ أن أمرها جدها بطريقة غير مباشرة بأن عليها أن تضع الحجاب وهي تخشى من رد فعله عندما يراها به؛
تعرف أنه فرض وكان عليها أن ترتديه منذ مدة ، ربما يكون سبب تأخرها في اتخاد هذه الخطوة هو أن الجميع يتعامل معها على أنها طفلة!
ليس لأنها الأصغر سنا بين أحفاد الجعفري، فهي ليست كذلك طبعا بل هم من وضعوها في هذا القالب الذي منحها امتيازات أحبتها و تمسكت بها بكلتا يديها ، أهمها قضاء الوقت مع حارث و سفيان دون حدود و الذهاب للمصنع في أي وقت وغيره الكثير
صحيح أن والدتها كانت لها بالمرصاد و حاولت تحجم حريتها تلك بكل الطرق، لكن ذلك لم يؤثر في استمتاعها بالحرية الممنوحة لها أبدا.
ربما بسبب ذلك لم تكن لها علاقات عاطفية ولم تعجب بشاب سابقا فهي محاطة بمن تعتبرهم إخوتها؟
بل كثيرا ما اعتبرت نفسها ابن العم السادس مع حارث وسفيان وعلي وعبد الخالق و رؤوف
ولم تبالِ يوما بإظهار أنوثتها أو الاهتمام بها حتى، لم تغضب عندما تتنمر الفتيات على صغر حجم صدرها فهو مناسب جدا لجسدها حسب رأيها، ولا لرأي در صاف بشأن حاجبيها الغليظين ولا حتى محاولات أفطيم المستميتة كي تضع واقي للشمس يحميها من تباين لون بشرتها الذي اصطبغ وأصبح غير متناسق بشكل واضح،
وحده أيوب جعلها تفكر في كل ذلك وتهتم بصورتها في عينيه؛ وليتها ما فعلت فقد أتاها الرد أسرع مما تتوقع، هو يراها بشعة.
لازلت الكلمة ترن في أذنها وتجعلها تعيش نفس الإحساس المؤلم مرة تلو الأخرى ، وكأنها تريد تذكيرها بحقيقة كونها ليست أنثى كاملة ولن تكون في نظره أبدا أغمضت عينيها تحبس دمعة تحترق كي تنزل وتبرد بعض من نيران قلبها، لكنها تستحق ذلك هي من خانت الثقة الممنوحة لها وكان هذا جزائها فلتتحمل إذن وتتعلم من الدرس جيدا.
تنهدت وعدلت حجابها الذي أصبحت ترتديه رسميا، لم تتقن طريقة وضعه الصحيحة بعد رغم أن سهيلة زوجة أخيها حاولت تعليمها كثيرا دون فائدة لذلك اتخذت إيشارب بدلا من الشال الدارج لبنات سنها و ثنت طرفيه خلف رقبتها، واستعدت للصعود لطائرتها مع حارث، التي تأخرت عن موعدها أكثر من أسبوعين تقريبا لسبب لا تعرفه.
أكثر شيء استغربته ردة فعل والدتها التي لم تعارض سفرها كما تفعل بأي شيء تقوم به دون تخطيط منها بل إنها كانت سعيدة وطلبت منها إحضار الكثير من ملابس المحجبات ،في الواقع هي سعيدة منذ اتخاذها خطوة الحجاب حيث أنه حسب وجهة نظر أمها سوف يجعل العرسان يلتفتون لها بعد أن كان الكل ينظر لها على أنها طفلة ؛ أما جدها فلم تتغير معاملته معها كثيرا ربما زاد في تدليلها قليلا وأصبح يعتمد عليها في مشاويره القصيرة كثيرا ، تعلم أنه يفعل ذلك كي يعطيها ثقة بنفسها وتتغلب على خوفها الفطري من قيادة السيارة ، لكن حارث بالطبع لم يتوقف عن إلقاء النكت عليها و مناكفتها منذ أن استلمت رخصة القيادة بل إنه تعمد أن يسير خلفها أكثر من مرة وهو يزمر كي ينبهها لكل شيء أو يزيد توترها على وجه الدقة.


بعد ساعتين تقريبا وصلا لمطار بلد أيوب وكالعادة لم تأخذ الإجراءات وقتا طويلا لكنها تلكأت متعمدة في الخروج لسبب لا تعرفه.
ربما لأنها كانت تخشي ألا تجد أيوب في انتظارها
أو الأسوأ أن يكون في انتظارهما وترى في عينيه نظرة ازدراء بشكلها الجديد
أخذت تدعي في سرها ألا يأتي لاستقبالهم، رغم محاولاتها المضنية كي تحذفه من تفكيرها و تضعه في مكانة الغريب إلا أن قلبها أبى أن يستجيب للعقل وأصر على مكانته الفريدة التي لن يحتلها بشر سواه
في خارج المطار كان أيوب يستند على الحاجز الحديدي خلفه مقابل لبوابة القادمين في محاولة بائسة للاسترخاء كي لا يضرب الواقف بجانبه يثرثر منذ أن وصلا للمطار عن شوقه لأشماس ورغبته في قضاء وقت ممتع معها قبل أن يسافر!!!!
أخذ يستغفر في سره ويتمتم ببعض الأذكار التي تعلمها من الشيخ عثمان كي تهدئه عند الغضب، فهو غاضب بشدة بل إنه وصل لدرجة لم يتوقعها من الغضب و الغيرة،غيرة لم تدع مجالا للشك داخله بمكانة تلك التي كان يحاول تجنبها عندما التقاها أول مرة بسبب إزعاجها المستمر له
إزعاجا لم ينتهي ولن ينتهي أبدا مادامت احتلت كل خلية في قلبه وكيانه.
لم يكد ينتهي من تفكيره حتى رآها تتقدم ناحيته بجانب حارث؛ لكن ماجعل عينيه تتسعان هي تلك الهالة التي احاطتها لتجعل جميع من حولها يختفي فتبقى وحدها في الصورة مالكة قلبه بامتياز.

من قال أن الحجاب يحجِب الجمال؟
من قال إنه يجعل الفتاة أقل فِتنة!!!!
كاذب من يفكر بذلك أو لمح له، فالإجابة أمام عينيه تؤكد عكس ذلك تماما.
لقد أظهر حجابها البسيط تقاسيم وجهها التي كان يظنها حادة لتبدو أمامه في غاية الرقة بل إنه لن يكذب لو قال أنها ازدادت جمالا؛ فقد ظهرت غمازتها التي تزين خدها كما بان طابع الحسن فقد لفت انتباهه منذ أن شاهدها أول مرة وهو يحاول تبين كونها فتاة أم شاب!
حتى ملابسها التي زادت حشمها يقسم بأنها باتت تظهر أنوثتها أكثر، ذلك القميص الواسع الذي يقف فوق ركبتيها بقليل وبنطالها الجينز بلونه الأزرق المميز جعل منها آنسة راقية بدلا من تلك الطفلة المتشردة
لم تشبع عيناه من تأملها رغم محاولته الإشاحة بنظره عنها حتى أخذ سفيان يتغزل بها بكل وقاحة
بل إنه أمسك بوجهها وتلمس بشرتها بجرأة كادت تجعله يرتكب جريمة دون أن يبالي بالعواقب.
لم يفكر بل اتجه ناحية سفيان وقد فاض به الكيل، فليذهب كل شيء للجحيم لن يقف ينظر له وهو يتغزل بها أمامه
ألقى جملته و دفعها لتصبح خلفه دون أن يفلت ذراعها؛ أخذ ينظر لسفيان بتحدٍ حتى بدا المنظر كأنهما محاربين يتصارعان كي يثبت أحدهما حق ملكيته
تجمد سفيان من ردة فعل أيوب المتطرفة لعدة ثوانٍ حتى أتاه صوت حارث وهو يتقدم منه غاضبا:
-ما فعلته يعتبر فعل فاضح في الطريق العام، احمد الله أن أيوب لحق الموقف قبل أن توقفنا الشرطة ، فلا أحد يعرف هنا أنك تعتبرها أخاك
كان سفيان يود مجادلته لكن النظرة الزاجرة في عيني حارث جعلته يبلع لسانه ويتقدمه بسكوت.
أما أشماس فلم يسعفها عقلها لتستوعب الأمر كله مرة واحدة ؛ منذ أن تفاجأت بوجود سفيان والذي أخذ يمطرها بكلمات الغزل وهي تحاول أن تستشف رد فعل أيوب
لتأتيها الإجابة بأجمل طريقة ممكنة
لم ترد أن يفلت يدها أو بالأحرى كم القميص الذي ترتديه فهو للأسف لم يمسك ذراعها بل أمسك حافة قميصها فقط
لكنها بقت على مقربة منه كي لا يفلتها ولم تأبه بحديث حارث و سفيان فداخلها كان هناك حديث يدور من نوع خاص، خاص جدا لا تريده أن ينتهي حتى لو كان مجرد وهم لا أساس له من الصحة هي راضية به.

أفلت أيوب قميصها و تقدمها دون أن يتحدث معها لتعود لأرض الواقع بعد أن كانت ترقص بين سحابات العشق الساحر.
تبعته وهي ممتنة للدقائق التي جعلتها تصدق بأنها تهمه أو ربما... ربما يكن لها شعورا خاصا.

وصلوا لشقة إبراهيم القديمة حيث كان الأخير ينتظرهم فيها وحده ، وبمجرد أن خطت أشماس بداخلها انقبض قلبها بشدة٠
أخذها إبراهيم في حضنه وهو يقول بفرح:
-لا أصدق أنك تحجبتِ فعلا كنت أظن أن الأمر مزحة من حارث.
أبعدها قليلا وأخذ يتطلع لها ثم أردف:
-تعرفين لقد زادك الحجاب جمالا مبارك حبيبتي.
اغتصبت ابتسامة متوترة لترسمها على شفتيها وهزت رأسها دون أن ترد عليه، إلا أن شحوب وجهها لم يخفى عليه بالطبع، ليجلسها بحجره عنوة
لكنها قالت بحرج معترضة وقد تغير لون وجهها للأحمر: 
-خالي دعني من فضلك لم أعد طفلة.
أطلق ضحكة صاخبة غير منتبها لذلك الذي يخرج الدخان من أذنيه من شدة احتراقه وقال:
-بل ستظلين طفلة في عيني حتى لو أصبحتِ جدة
أفلتت من قبضته الواهنة وعدلت حجابها تداري حرجها و كي تتسرق نظرات للسيد الجامد، الذي لم يتبادل معها كلمة واحدة حتى الآن
أما حارث فقد جذب سفيان فور دخولهم للشقة وأدخله الشرفة وأغلق الباب عليهم كي لا يسمعهم أحد
ثم التفت وقال له بنبرة صارمة يعرفها سفيان جيدا تدل على غضبه:
-اسمع يا سفيان ما فعلته مع عمتي في المطار تجاوز لا يمكنني قبوله ، منذ متي ونحن نتعامل مع بناتنا بهذا الانحلال؟
أم ظننتها سهلة وليس لها ظهر؟
اتسعت عينا سفيان وقال بصرامة مماثلة:
-أنا منحل و أتجاوز الحد؟
منذ متي تراني كذلك، متي رأيت مني شيئا شائنا كي تحكم علي، تعرف جيدا ماذا تمثل لي أشماس أنا أعتبرها أحمد صديقنا وليست عمتك!
قاطعه حارث وهو يلوح بسبابته:
-هي ليست أحمد و إلا ما تحجبت ، قد ولي زمن اللعب معنا في الشارع، اسمع جدي أوصاني عليها وحذرني بأن أسمح لأحد أن يتجاوز معها بأي حجة ، مالا ترضاه لأختك لا ترضاه على بنات الناس.
جملته الأخيرة أحرجته ، حارث محق ما كان ليرضى أن يمسك أحدهم بوجه در صاف أو يتغزل بها بهذه الطريقة أبدا، لذلك أطرق برأسه ثم قال بهدوء:
-حسنا أعدك أن أعرف حدودي ولا أتجاوزها
وعاد يقول بعناد:
-لكن ماذا عن أيوب هل أعجبك ما فعله ماذا يعني بتصرفه هذا؟
كتف حارث يديه وقال بتحدٍ: 
-وماذا فعل قلت لك احمد ربك وإلا لتحولت المسالة لكارثة ، ثم لا تنسى أن أيوب ملازم لجدي ولذلك يشعر بالمسئولية تجاه أي شيء يخصنا خصوصا أشماس لأنها وصية جدي، سبق و منعها من التواجد في المصنع وحدها و أخبرني بذلك، وهو لم يتجاوز معها أبدا؛ وإذا كنت تظن بأنه يحمل لها مشاعر اطمئن أيوب لديه حبيبة من بلده تلك التي تعمل مع أفطيم.
نغزه قلبه على ذكر اسم أفطيم فحاول تغيير الموضوع ليقول بعناد:
-وما أدارك بذلك هل أخبرك هو؟
رد عليه حارث ببرود:
-لا طبعا هذا ليس طبعه أبدا، أشماس كانت تتناقش مع در صاف في الأمر منذ مدة وأنا لاحظت تكرار زيارته لصيدلية أفطيم حتى بعد سفرها كما أنه يقضي وقتا مع عائلتها، وقد قرر شراء شقة له هنا لابد أنه يجهز نفسه للزواج وينتظر الوقت المناسب.
قرن حديثه بأن فتح باب الشرفة وخرج منها متوقع من سفيان أن يتبعه لكن الأخير بقي فترة يفكر في حال أفطيم وقد زاد قلبه تقيحا على قصتهما التي لم تبدأ كي تنتهي عنوة ، ترى ماهو الذي حدث لها وجعل أشماس تتصل به وتقارعه بتلك الطريقة؟
زفر دون أن يجد جوابا يطمئن قلبه، لكنه سيفعل لابد أن يحميها حتى من بعيد.
في صالة المنزل جلس حارث على الأريكة بقرب أيوب الذي لم يغادر لسبب غير معروف حتى له هو شخصيا.
في نفس الوقت أشار إبراهيم لحقائب السفر الموجودة أمام باب المنزل وقال في صيغة أمر: 
-حارث ادخل حقيبة أشماس لغرفتها القديمة آخر الرواق، وخذ أنت و سفيان الغرفة الأخرى
عقد حارث حاجبيه وقال: 
-هل سيبقى معنا سفيان في الشقة ؟
لماذا لم ينزل في فندق؟
سمعه سفيان عند دخوله من الشرفة ليجيب بتهكم:
-شكرا على كرمك يا ابن العم؛ عموما إجازتي عبارة عن اثنان وسبعون ساعة فقط ضاع منها أكثر من عشر ساعات حتى الآن لو اقتطعنا منها الوقت اللازم لعودتي لن يتبقى لي سوى أقل من أربعة وثلاثين ساعة لا غير ،كنت أود أن أقضيها معكم كي أُرضي الآنسة أشماس و ترد على مكالماتي بعد أن وضعتني في قائمة الحظر!
أشاحت أشماس بوجهها وقالت مغمغمة: 
-لم أحظرك أنا فقط غاضبة قليلا.
اتسعت ابتسامته الطفولية قائلا:
-وأنا قادر على امتصاص غضبك تماما.
كور أيوب قبضته وهو يشعر بأنه سوف ينفجر في أي لحظة ليقف من مكانه فجأة
وهو يقول بنبرة يشوبها بعض الغضب غير المفهوم سببه لمعظم الجالسين وقال:
-استأذن منكم أعتقد بأن مهمتي انتهت هنا.
هم بالذهاب ليقف حارث و يمنعه من الذهاب وهو يهتف به:
-إلى أين تظن نفسك ذاهبا ، سوف تبقى معنا مادام هذا الجحش موجودا هنا.
وأشار لسفيان الذي كتم بالكاد ضحكته كذلك فعل إبراهيم
نظر له أيوب بتشكيك ثم قال:
-لا يجوز طبعا أقصد أنتم عائلة مع بعضكم وأنا سوف أذهب لمنزل شقيقتي لا تشغل بالك نلتقي بعد الغداء لنبدأ ال....
أمسك حارث بكفه بقوة وأبعد بين أصابعه ليقرب إصبعه الخنصر له و قد أخرج من جيبه بحركة سريعة ميدالية مفاتيحه ليحرك بأحد أصابعه طرفها فيخرج سكينا صغيرا جدا ويجرح به إصبع أيوب و إصبعه ثم يضع جرحه على جرح أيوب الذي لم يستوعب ماحدث للتو
ظل ضاغطا على الإصبعين لعدة دقائق و هو يقول:
-والآن أنت أخي بالدم أي من العائلة، إذن وجودك أصبح طبيعيا جدا؛ لا تتحجج بذلك أما منزل شقيقتك فهو فارغ كما أخبرتني إذن حتى هذه الحجة لن تنفع معي، سوف تبقى معنا يعني سوف تبقى معنا.
هز إبراهيم رأسه وقال بإعجاب لفعل حارث:
-لقد حشرك في الزواية لا مفر لك الآن.
أما سفيان فنظر لأشماس وقال وهو يلعب حاجبيه: -أصبحتِ عمة لأيوب أيضا مبارك.
مطت شفتيها و نظرت لهما وهي تقول بنزق: 
-في أحلامك ، هو أصبح أخ حارث لكنني لن أكون عمته أبدا يكفيني ذلك الجلف الذي يفضحني في كل مكان عمتي عمتي.
اعتدلت في جلستها وقالت بجدية متناسية كل ما فات:
-لم ترَ ماذا فعل بي عندما بدأت أتحرك بسيارتي، لقد قاد سيارة جديدة لم أرها من قبل وأخذ يتبعني وهو يطلق المزمار كل خمس ثواني لدرجة أفزعتني ومرة يغير بكاشف النور الأمامي ومرة يحاول تجاوزي يا إلهي يا كدت أموت رعبا منه.
أبعد حارث يده عن أيوب الذي كادت أن تغرق عينيه بالدموع تأثرا بفعلته وقال بمرح وهو يلف ذراعه الغليظة على رقبتها:
-وطبعا أشماس ذات القلب الحديد خافت وركنت سيارتها بمحاذاة الطريق وأخذت تتصل بي وتبكي لأن أحدهم يضايقها في الطريق.
ضربته بمرفقها كي يسكت فقد شعرت بالحرج من الموقف كله، لكنه لم يهتم وأخذ يقص عليهم ماحدث وكيف أنها انهارت بالبكاء عندما أخبرها كذبا بأنه خارج المدينة وعليها أن تتصرف وحدها، وغيرها من الذكريات المماثلة والتي أنعشت قلب أيوب الذي كاد أن يتحول للرماد من نار غيرته عليها.
❈-❈-❈

لا تعرف ماذا يحدث معها، هي حرفيا لم تجد خرم إبرة لتنتقل للعيش فيه
منذ تلك الليلة وقرارها بالمغادرة وهي تبحث باستماتة عن شقة صغيرة أو بيت مغتربات دون جدوى حتي الشقق الخاصة بالكلية والتي جعلتها كآخر المطاف لها لتوفر عدد الأماكن بها عندما ذهبت كي تسجل بها أخبرها المسئول أن الأماكن كلها شاغلة يمكنها الانتظار للسنة القادمة ربما تجد مكانا!
أحبطت لدرجة جعلتها تفكر أن تستأجر غرفة في فندق نجمتين أو ثلاثة نجوم حتى تجد بديلا ، ولحظها العثر حتى هذا الحل غير متاح لأن أصحاب الفنادق لا يؤجرون لفتاة وحدها دون مرافق ذكر مسئول عنها
ومن يوافق تعرف من نظرته لها أن له غرضا آخر.
عادت للدار تجر أذيال الخيبة ، دخلت غرفتها دون أن تمر على المبنى الرئيسي فقد باتت موقنة أنه يبقى بمكتبه كل يوم حتى موعد عودتها؛ كم تبغض هذا الأمر هل يريد إثبات شيء معين ببقاءه؟!
إنه المالك الجديد و يجب على الجميع معرفة ذلك
بمجرد دخولها لغرفتها رن هاتفها لتجد اسمه على الشاشة فلم تجب وهمت بتغيير ملابسها وأخذ حمام ساخن يزيل عنها تعب اليوم، لتسمع طرقات على باب غرفتها، -وقفت خلف الباب وهي تجذب المنشفة على كتفها وقالت بحذر: من بالخارج؟
أتاها صوت الدادة حمدية وهي إحدى المساعدات في الدار لتقول لها بصوتها ذو النبرة -العالية دائما:
-هذه أنا دادة حمدية لا تدعي النوم فقد رأيتك عندما دخلتِ منذ قليل للدار.
شتمت في سرها حظها الذي يزداد سوءا فهذه المرأة معروف عنها أنها ردار الدار تعرف تحركات الجميع وأخبارهم، لابد أنه عرف بهذه المعلومة فاستعان بها كي تكون المرشد الخاص به
فتحت الباب قليلا وبقيت خلفة تخفي جسدها وقالت بصرامة: 
-ماذا تريدين يا دادة أنا متعبة جدا و أريد النوم.
مط حمدية شفتيها وقالت في نزق:
-شخصيا لا أريد من وجهك ال... الجميل هذا شيئا السيد آسر هو الذي يريدك في مكتبه، لا تتأخري علية يا ست البنات فهو ينتظر منذ مدة.
قالت جملتها الأخيرة بنبرة هازئة بدت لأذن لينا ذات مغزي مما زاد حنقها من الموقف لتغلق الباب في وجهها فورا بغضب و تتوجه للحمام كي تأخذ دشها وتنام دون أن تهتم بالذهاب لآسر.

صباح اليوم الثاني استيقظت منتشية بشعور الانتصار على غروره، فتمطت في فراشها كالقطة قبل أن تقوم من عليه و تستعد لمغادرة الدار، لقد حزمت أمرها سوف تجعل عمة فتنة تساعدها كما عرضت عليها الأخيرة.

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now