الفصل السادس والعشرون

1.2K 92 40
                                    

ممكن لايك من فضلكم ، مش حتخسروا حاجه بس انا حتبسط بيه😊


الفصل السادس و العشرون
حافلة تعبر الحدود بعد وقت طويل، كرسي جلس عليه لمدة طويلة حتى شعر بتنميل قدميه، طفل صغير يعطيه علبة عصير ، الاستراحة التعب المسجد النوم   ذلك الحلم العجيب ثم وجه بشوش رغم أنه مملوء بالتجاعيد
هذه هي ذكرياته الأولى في  هذا البلد الذي يتركه الآن مسيرا لا مخيرا؛ ملمس علبة المشروب البارد على وجهه جعل الوجع يعود من جديد لسائر جسده و إن كان وجع روحه أكبر و أعمق بكثير
تلك النظرة التي رآها في عين حارث لن ينساها طوال عمره،  صحيح أنه حمله على ظهره عندما لم يستطع الوقوف ليخرج من ذلك الجحر الذي كاد أن يلفظ أنفاسه فيه، كما أنه أخرجه من سيارة رؤوف لهذه السيارة  بنفس الطريقة مما أعطاه بعض الأمل في أن علاقتهم لم تنقطع تماما، لكن النظرة التي رمقها به عندما تحركت السيارة بهم لازالت تقلقه بل تجعله شبه متأكد بأنه خسر مكانته عند حارث و ربما خسر معها أخوة باتت حقيقة عنده وليست مجرد شعارات تبخرت مع أول اختبار حقيقي لتلك الأخوة ؟
لم تكن نظراته خوف أو حتى غضب كما هو متوقع منه، بل كانت أسوأ نظرات كانت نظرات .... تخوين
هل يلومه؟!!
لا يعرف
هو لم يقصد خيانته أبدا بل إن سبب من أسباب جفائه مع أشماس هو حارث نفسه
نعم حارث كان دائما في المقام الأول عنده ربما قبل الشيخ عثمان، فإن كان الشيخ قد أخذ مكانة الناصح الذي غمره بكرمه و حنان الأب الذي لا يذكره من أحد سواه فإن مكانة حارث أكبر و أعمق لديه، حارث رفيقه الذي باح له  بأعمق أسراره رغم عمر أخوتهم القصير نسبيا مقارنةً بأبناء عمومته، حارث استأمنه على ماله دون أن يرف له جفن ، حارث أدخله وسط  شباب القبيلة وجعلهم يتقبلونه بل يعتبرونه منهم، حارث و حارث و حارث
في كل مرة يوشك على قول كلمة غزل لها أو حتى التلميح تأتي صورة حارث أمامه ليتراجع فورا، تلك المرات النادرة التي باح بها بما يجول في خافقه نحوها كانت  عفوية يصعب مسك لسانه عندها؛ لسعة برد جديدة سرت في جسده ليخرج تأوها فقال إبراهيم بصوت خفيض: توقفي لقد وصلنا للحدود ولا نريد أن يلمحه أحد حتى نعبر بسلام.
أبعدت جيهان علبة المشروب الغازي المثلجة وقامت بتغطية وجه أيوب  ثم عدلت جلستها، تنهدت وقد تندت عيناها بالدموع مثل كل مرة تحاول فيها تطبيبه بوضع  علب المشروب المثلج على الكدمات التي غطت وجهه حتي أخفت ملامحه؛ مسح إبراهيم دمعة كادت أن تسقط من طرف عينها لتغمض عينها  في محاولة لحبسها.
ركن  مجدي السائق السيارة بالمكان  المخصص للتفتيش ثم طلب من إبراهيم أن ينزل معه و يترك جيهان في السيارة، نزل إبراهيم  ليلف مجدي و يفتح الحقيبة الخلفية للسيارة ليخرج منها صندق متوسط و يترك اثتين آخرين صغيري الحجم، دخل مجدي لمكتب التفتيش حيث يجلس الضابط خلفه إبراهيم، ليقف الأول ويرحب بإبراهيم و مجدي فهو يعرف مجدي جيدا ويعرف أين يعمل ،  وبم أن إبراهيم قد حضر معه فلابد أنه شخصية مهمة ، وضع مجدي الصندوق أرضا
-وقال بعد السلام : جلبت لك ترفاس معي( فطر الكمأ ) لا تنهيه كله هنا مع الحرس اترك القليل لأهلك في منزلك تعرف جمعه يحتاج لوقت وجهد لا أعرف متى أستطيع جلبه لك مرة أخرى ؛
ظهرت السعادة على وجه الظابط المسئول
-وقال بحرج حقيقي: ماكان عليك جلبه، أعرف مقدار المشقة في جمعه، كنت أمزح فقط المرة السابقة، عموما شكرا لك
ابتسم له مجدي  وعرفه على إبراهيم
-قائلا: السيد إبراهيم الجعفري سفيرنا في (....) ذاهب مع زوجته كي يحضر فرح ابنة شقيقها ، تعرف أن العروس عندهم تتكفل بالكثير من حاجيات المنزل الزوجية وقد اشترت لها بعض الحاجيات الضرورية عالية الجودة رخيصة الثمن مقارنة ببلدهم، فخشيت أن تضيع أو يحدث لها تلف أو حتى سرقة في المطارات لذلك قرروا أن يذهبوا عن طريق البر.
هز الضابط رأسه في تفهم ثم  قال : مفهوم هات الجوزات كي أختمها لكم لا داعي للانتظار أكثر
مد له مجدي جوازات السفر الأربعة مفتوحة على ورقة الختم
-وقال: تفضل وقد جهزتها لك  كي لا تتعب نفسك.
ابتسم الضابط وأخذ مجدي يتكلم كي يلهيه عن عدد الجوزات والأسماء كما التقط إبراهيم طرف الخيط و تدخل مع مجدي أيضا في الحديث ؛ بعد أقل من ربع ساعة استقام من مكانه وأشار لهم كي يتقدموا ، خرجوا من المكتب باتجاه السيارة
-فقال لهم : في أمان الله لا تنسَ أن تمر علينا يا مجدي عند العودة سوف أطبخ لك مكرونة بالترفاس .
-ابتسم مجدي وقال: هذا إذا بقى منه شيء
سلم عليهم  ثم أشار للحرس كي يفتحوا لهم الطريق للمرور من بوابة الحدود؛ بابتسامة واثقة ودعه مجدي ليعبر الحدود بسلام ثم يدخل لبوابة حدود الدولة المجاورة، الأمور هنا قد تبدو أكثر تعقيدا من بلده لذلك كان حذرا جدا رغم أن سيارته تحمل لوحة أرقام دبلوماسية تعطيه حصانه لكنه لن يجازف  خصوصا بوجود شخص مصاب بكل هذه الكدمات معه؛ ركن السيارة في المكان المخصص و نزل وحده أولا طالبا من إبراهيم أن ينتظره قليلا ، سبق له المرور من نفس البوابة آلاف المرات لكنه لم يقم يوما بتهريب رجل مصاب أبدا ، أقصى شيء قام بتهريبه بعض  الهدايا لأصدقائه في البلدين التي لا تضر أحدا ؛ الشيء الجيد هو حصوله على الكثير من المعارف وتكوين صداقات حتى مع بعض الحراس،بحث بعينيه عن أحد من الذين يعرفهم من الحراس  ليلمح عطية يجلس على كرسي خشبي أمام مركز ختم الجوازات فأسرع باتجاهه ليقف الحارس ويسلم عليه بطريقته المعهودة وهو يسأل عن آخر الأخبار ويناكفه بأن فريقة بلده كسب في بطولة أفريقيا ليجيب مجدي بأن فريق بلده أيضا سوف يصل وقد يتواجهان في النهائي ، كلا منها أخذ يناكف الآخر قبل أن
-يقول مجدي بعد فترة : معي سيادة السفير و حرمه  وهي متعبة هل تستطيع ختم الجوزات دون نزولهم للداخل؟
-حك الحارس عطية رأسه ثم قال: تعرف بأن الدبلوماسيين لهم وضع خاص لكن أن يختم الجواز دون رؤية صاحبه شخصيا صعب قليلا يجب أن نكرم إخوتنا بالداخل قليلا.
هزة بسيطة من رأس مجدي تعني فهمت  ليسرع مجدي و يتجه عطية معه للسيارة يتفحصها كي يتأكد من خلوها من الممنوعات، فتح له مجدي حقيبة السيارة بعد أن أخبر إبراهيم بكلمات مقتضبة بالمطلوب،فقامت جيهان بإحكام الغطاء فوق أيوب؛ تفحص عطية حقيبة السيارة  ليقدم له مجدي صندوقي الفطر
-قائلا: كما وعدت جربه فقط مع الأكل ولن تندم  فقط لا تخزنه يجب أكله طازجا .
-ليرد عليه عطية متشككا: أشعر بأنه مقلب كبير انظر لشكله هل هذا فطر بالله عليك؟
-قلب مجدي عينيه ورد: إذا كنت لا تريده هاته سوف أبيعه  في بلدك و أكسب ذهبا
مد يده ليأخذ منه الصندوقين فابتعد عطية
-قائلا: عيب يا رجل الهدية لا ترد.
وضع الصندوق جانبا ثم تفحص باقي السيارة، لفت انتباهه أن الكرسي الثالث به غطاء وبعض  المخدات
-ليقول بتساؤل: ماذا يوجد على هذا الكرسي ؟
هلا سمحتِ لي بتفحصه؟
يعلم بأن السيارة دبلوماسية ولا يحق له تفتيشها بالقانون لذلك طلب أخذ الإذن ؛ لتقول جيهان بسرعة متداركة الموقف
-: هذا جهاز ابنة أخي ، فرحها قريب تعرف جهاز العروس وهمه عندنا، وحماتها تدقق في كل شيء والله لولا تمسك الفتاة بخطيبها لكان أخي ألغى الزواج من أساسه .
لاحظت نظرات إبراهيم الغاضبة لأنها استرسلت في الحديث مع الرجل فعدلت الوشاح الذي تضعه منذ وطئت قدمها أرض بلد الجعفري كنوع من الاحترام لهم.
-ليقول عطية متفهما : الجهاز وهم الجهاز لدي ابنتين إحداهما مخطوبة رغم أن زوجتي كانت تقوم بتجهيزها منذ ولادتها إلا أنها لازلت تحتاج الكثير الشيء الجيد الوحيد أن أهل خطيبها متفهمون فهم مثل حالتنا لذلك يصبرون علينا في الجهاز ونصبر عليهم في تجهيزات الشقة.
أخرج إبراهيم من حقيبة يده بعض المال و وضعه في ظرف وأخذ قلم -ليكتب على ظهر و هو يسأل عطية: ما اسم ابنتك العروس؟
-أجابه عطية دون أن ينتبه لما يفعله الأول قائلا: هالة
خط إبراهيم بعض الكلمات مع اسم العروس وأعطى الظرف لعطية -قائلا: هذه نقوط العروس مني و من زوجتي، أرجو أن تكرمني وتقبله.
شعر عطية بالحرج وقد ظهر ذلك على ملامح وجهه ليسرع إبراهيم -موضحا: باعتبار أنك سوف تعزمنا على الفرح وقد لا نستطيع الحضور، أم أنك بخيل ولن تعزمنا؟
قالها ببعض المرح المغتصب من وسط الدوامة تلك التي لم يخرج منها بعد.
-ليمد عطية يده على مضض قائلا: طبعا معزومون بل إنكم تشرفوننا طبعا.
وضع الظرف في جيب سترته الداخلي و أردف بامتنان
-: أعزك الله وستر بناتك. 
-لتسرع جيهان قائلة : ادع لابنة أخي أيضا بالستر معك ربما أنت أقرب لله مني.
لا تعرف لماذا قالتها؟
لماذا طلبت الدعوة لها بالستر؟
هل هي غيرة من دعوة الرجل لابنة إبراهيم والتي تعود على أشماس بالطبع أم خوفها منذ أن تلقى هاتفها عددا من الاتصالات الفائتة كلها من رقم فادية والبيت؟
قلبها يخبرها أن تلك المكالمات بسبب فتنة  وعقلها يرفض أن يفكر في أي شيء يكفيها ما مر عليها حتى الآن .
قرر إبراهيم مرافقة  مجدي و عطية  لداخل مبنى ختم الجوزات حتى لا يشعر الأخير أنه أخذ رشوة حيث أن نية إبراهيم كانت صادقة بأنها هدية للعروس وليست رشوة، في المبنى تكفل مجدي بالأمر لنفس السبب وقام بإعطاء بعض الإكراميات و تم ختم الجوزات الأربعة بعد أن أكد عطية أن كل شيء على ما يرام؛ لتنطلق السيارة بهم وقد تجاوزوا الخطر أخيرا ، أما أيوب فقد كان بين الغيبوبة و الصحو لا يعرف إذا كان ما سمعه حلم أم واقع هو فقط يغيب عن الواقع لبعض  الوقت ويراها تمد يدها له وتصرخ بدون صوت وقد أغرقتها موجة عالية ليحملها السيل بعيدا عنه ، يحاول الاقتراب لينقذها فتزيد المسافة بينهما هي تغرق وهو يده تقصر وتمتد لرقبته فيشعر بأنها تخنقه حتى كاد أن  يلفظ أنفاسه ، شهق بقوة وفتح عينيه لتسرع جيهان وتبعد الغطاء عن وجهه فحاول الاستقامة لكنه وجد صعوبة.
- ليقول له إبراهيم: لا تتحرك كثيرا لا زلنا غير متأكدين من إصابتك بكسر أم لا، اصبر بضع ساعات ونصل عندها نتأكد من كل شيء.
-حاول الكلام ليخرج صوت متحشرج غير واضح : أشماس، حارث  ماذا حدث؟
نظرت جيهان لإبراهيم ليجيب ليبعد الأخير عينيه
-وقال: دعنا نطمئن عليك أولا وبعدها أخبرك بما حدث.
نبرته جعلت القلق يتفاقم في نفس أيوب الذي لم يجد حلا إلا الصبر فهو رفيقه الأبدي منذ الصغر، رفع عينيه ناظرا للسماء المبلدة  بالغيوم السوداء رغم أنه فصل الصيف وشعر بأنها إشارة للقادم.

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now