الفصل الواحد والاربعون

1.5K 68 23
                                    

الفصل الواحد والاربعون

لاحظت أن عمتها ليست في حالتها الطبيعية منذ فترة ، في البداية رجحت أن يكون السبب عودتها للوطن و ذكرياتها مع زوجها لكن حتى مع مرور الزفاف الذي لم تستمتع به خصوصا مع إصرار محمود أن يكون في المدينة الساحلية وليس في العاصمة ، لذلك بمجرد انتهاء الزفاف عادت لمنزلها في العاصمة مع حسن و صديقاتها لتبدأ سهرة النميمة عن أحداث الحفل وملابس الحضور وطبعا لم تسلم العروس و فستانها وزينتها من الانتقاد لتقول لينا متسائلة:
-لماذا أشعر بأن عمتك ليست على مايرام؟
أيدتها منار ملتقطة منها طرف الحديث:
-معك حق لقد لاحظت منذ قدومها بأن هناك ما يشغلها،  تصدقين لم تصفق وترقص كعادتها بل حتى زينتها كانت أقل من عادية بل لم تقم من كرسيها أبدا .
وضعت فتنة صحن المقرمشات بينهما وردت:
-إنها على هذا الحال منذ فترة ، كنت أظن بأنها بدأت تتأقلم في حياتها الجديدة بعد أن قرر زوجها تركها لكنها عادت في يوم من عملها متجهمة تسرح معظم الوقت كلما سألتها تقول لا شيء مهم .
ضيقت منار عينيها وقالت:
-ربما قابلت زوجها هناك ألم تقولي بأنه يعمل في نفس المكان؟
هزت فتنة كتفها دون رد لتقول لينا:
-بصراحة أشعر بالشفقة عليها لقد أصبحت معلقة لا مطلقة ولا متزوجة هذا أكثر ما يؤلم عليها اتخاذ موقف حازم وطلب الطلاق بنفسها.
تنهدت فتنة وردت:
-الأمر ليس سهلا عليها حبه يجري في دمها حتى دبلته لم تخلعها بعد من يدها، صدقوني أنا أكثر شخص أتمنى أن تبتعد عنه لأنها تأذت كثيرا منه.
لتقول لينا:
-ألم تقولي بأن زميلها يميل لها ؟
لماذا لا تحاولي أن تقربي بينهما ؟
شهقت منار و قالت بلوم:
-هل جننت ؟
كيف تقرب بينهما وهي لازلت متزوجة ؟
التفتت لها الأولى وردت :
-هل هذا زواج بالله عليك ؟
مثل البيت الوقف لا أكملوا بنائه ولا هدموه لتعود الأرض للبيع.
ثم عادت لتتحدث مع فتنة وقالت بجدية:
-اسمعي عليك أن تتحدثي معها كي تطلب الطلاق ، ربما بعدها تستطيع أن ترى بأن هناك فرص أمامها للحياة حتى لو رفضت التقرب من زميلها ذلك ، المهم أن تخرج من هذه العلاقة السامة.
لتقول منار بعفوية كأنها تحادث نفسها:
-كلنا في علاقات سامة وليس عمة فتنة فقط.
التفت إليها زوجان من الأعين لتتابع:
-لينا وعلاقتك مع آسر التي لا يعرف أحد منا طبيعتها، فتنة وعلاقتها مع نادر أو أيوب أنا و تامر و..
قطعت كلامها متعمدة الأمر الذي لاحظته لينا وغفلت عنه فتنة التي قالت:
-لم أقم بعلاقة مع أيوب أنا كنت اممم بل لازلت معجبة به.
تعالت شهقات صديقاتها لتقول موضحة :
-الأمر ليس إعجاب أنثى برجل أعني أنا معجبة بصفاته ، معجبة بحبه لأشماس و تصميمه على أن يكون لها وحدها ، كيف أنه حارب لينالها.
سكتت قليلا تحاول تجميع الكلمات الصحيحة لتصف مشاعرها ثم تابعت:
-تعرفان بأني عشت قصة حب عمتي جيهان ورأيت كيف للمرأة أن تعيش عمرها كله تحب رجلا واحدا وتحارب لتناله لذلك حاولت فعل المثل مع نادر وكلنا نعرف النهاية، لكني لم أر العكس.
لترد منار:
-معك أنا أيضا لا أذكر بأني شهدت قصة حب الرجل فيها هو الذي يتمسك بالمرأة أعني صحيح أمي وأبي تزوجا عن حب كما أعتقد ، لكني لم أسمع يوما قصة حبها، أمي لا تحب الحديث في هذه الأمور حتى لا تفتح عيني كما تقول، عماد تعرفونه رافض للفكرة أصلا.
أومأت لينا لها وقالت:
-أعتقد والد آسر فعل ذلك مع والدته، أعني هي كانت راقصة شعبية وهو رجل أعمال معروف كما أنها زوجته الثانية كما فهمت لم ينجب من الأولى وطلقها ثم تزوج أم آسر.
رفعت منار حاجبيها وردت:
-واضح أن هناك تطورات لم نعرفها دكتورة لينا؟
هربت لينا بعينيها وادعت الأكل قالت فتنة:
-أنا لا أحسد أيوب و أشماس على علاقتهما فقط كنت أتمنى أن أجد من يحبني بهذه الطريقة سابقا أعني الآن أعرف بأن الأمر مستحيل لذلك أركز في دراستي و بعدها سوف أعمل لأصنع لنفسي حياة .
تبادلت منار ولينا النظرات لتقول الأخيرة :
-لماذا تقولين هذا ؟
لا زلت صغيرة وجميلة لايجوز أن تقرري ذلك لمجرد تجربة فاشلة
رفعت فتنة السبابة و الإبهام وردت:
-تجربتين وليست واحدة ، أنا مطلقة مرتين في أقل من سنة واحدة تعرفين ماذا يعني ذلك عندنا ، غير قصة الصور والابتزاز لو عرفت لن ينظر أحد في وجهي إلا بنظرة نعرفها ، وقصة المحضر وغيرها ، لن أجازف وأدخل في علاقة قد تنتهي بطريقة تحطمني أكثر عندما يعرف الطرف الآخر ماضيِي .
تحشرج صوتها لتسكت فأسرعت منار تحتضنها لتقول لينا محاولة التخفيف عنها:
-لا تقولي ذلك أي شخص سيكون محظوظا بالارتباط بك، أنت فخر لكل من يعرفك يكفي بأنك معترفة بأخطائك و تحاولين التكفير عنها.
زاد نشيجها لترد بين دموعها :
-بل أنا عار لقد وصمت بوصمة لا أستطيع الإفلات منها ، صدقيني لم أعد غاضبة بل أنا ممتنة لكل عطايا الله لي فقط لن أغوص في الأحلام مرة أخرى .
لترد منار:
-كفي عن ذلك أنت قلتها بنفسك الله سترك لماذا تقفلين الباب في وجه الحياة من جديد ؟
مسحت دموعها و أجلت صوتها لتقول ببعض المرارة :
-دعي عنك الرجال و همهم ، لقد تم اختيار تصميمي لينفذ في قسم الولادة في أحدى المستشفيات.
هللت البنات لينقلب الوضع في لحظات من حزن لفرح لتقول لينا:
-يا إلهي وكنت تخبئين عنا الأمر لماذا لم تقولي مبكرا كي نحتفل بشكل يليق بالمناسبة ؟
ردت منار:
-لابد أنها أرادت أن تخبرنا أولا حبيبتي يا فتنة لقد سعدت لك جدا هذه خطوة ممتازة وسوف تجعل لك اسما مهما في مجالك.
أخذت لينا تتحدث بينما سرحت فتنة في أفكارها فهي قد أبلغت هادي قبل الجميع، لم يكن الأمر متعمدا ، فقد أبلغها أستاذها باختيار تصميها لينفذ وهي في طريقها للمنزل لتجد نفسها أمام مقهى هادي المفضل الذي حفظت مكانه ليصبح المفضل لديها أيضا رغم أن شيئا بداخلها طالبها بأن تبحث عنه إلا أنها عاندت وقررت أن تشتري بعض الحلويات كي تحتفل مع عمتها لتجده يمد يده ويدفع بدلا منها قبل أن أن تعترض أهداها ابتسامة رائقة و قال:
-تم اختيار تصميمك صحيح ؟
شعرت بفرحة عارمة لأنه عرف دون أن تخبره لدرجة أنها ردت بسعادة وهي تريه الرسالة التي استلمتها دون الاهتمام للواقفين خلفها و ردت:
-لازالت لا أصدق بأنهم اختاروه انظر ماذا كتب مدير القسم عن التصميم
تابعت حديثها الشيق وهي تنظر لأمواج البحر الرائقة في عينيه ، تلك الابتسامة الجذابة الكفيلة بإذابة قلوب جميع النساء بينما يتشرب هو ملامحها بقلبه قبل عينيه التي تحاول اختزال صورتها وكم تمنى أن يطول اللقاء ليغرق في عبق عبيرها أكثر ؛ لا لن تجعل ذلك اللقاء أو النبرة التي تغيرت موخرا فأصبحت تدغدغ شغاف قلبها  تؤثر بها هزت رأسها لتزيح تلك الذكريات لتسمع لينا تسأل منار عن قضية الطلاق فقالت متفاجئة :
-أي قضيه تلك ؟
لترد لينا:
-تامر رفع قضية طلاق على منار في الخارج وهي طبعا ترفض الطلاق بل قطعت أي تواصل معه .
لتقول فتنة:
-إذن هذا سبب سفرك المفاجئ ؟
لكن حتى لو رفضت أعتقد يستطيع نيل الطلاق في الخارج صحيح ؟
بحدة ردت صاحبة الأمر :
-لا لن يقدر طبعا ما جمعه الرب لا يفرقه إنسان ، كم مرة قلتها لكم لقد تحملت الكثير منه لكني أبدا لن أخسر ديني بسببه فليفعل مايشاء و يحمل الذنب وحده أنا لن أكسر ميثاق ثم عقده في الكنيسة أبدا .
كادت لينا أن تتكلم عندما ألقت عليها فتنة نظرة صارمه لتبتلع لسانها ، رغم الغضب الذي تملكها إلا أنها تعلم جيدا بأن الحديث مع منار في هذه النقطة لن يجدي نفعا، لتدع الأيام ربما تحل الأمور بدون تدخل من أحد


❈-❈-❈

بعد عدة محاولات استطاع أخيرا أن يجبرها على الحديث معه، رغم أنه أخذ موافقة والدتها و شقيقها بل تم الاتفاق على موعد الفرح لكنها لازالت تتهرب منه، وهو يخشى أن تكون مرغمة على الزواج منه.
جلست أمامه تتهرب من عينيه المسلطة عليها لدرجة ظهور بعض حبات العرق فوق جبينها رغم برودة الجو هو أيضا كان يشعر بتوتر كبير لذلك أخرج سيجارة وهم بإشعالها لتقول في صدمة حقيقية :
-تدخن!
أبقى السيجارة بين يديه دون إشعالها ورد:
-عادة جديدة اكتسبتها لأفرغ فيها بعض من همومي.
نظر لعينيها التي اشتاق لهما كثيرا ثم أردف:
-هل تتضايقين من رائحتها ؟
يمكنني الاقلاع لو أردت طبعا.
ازداد هدير قلبها لتنزل رموشها وردت:
-افعل ماتريده لا دخل لي بحياتك.
مد يده يداعب أناملها وقال:
-أنت حياتي كلها يا أفطيم، لا تدعين بأنك جاهلة بحبي لك منذ أن بدأ هذا القلب في النبض، أنت التي جعلتني لا أقيم أي علاقه في حياتي ولا حتى أعاكس فتاة لأنهن ببساطة يتساقطن خاسرات أمام المقارنة بك .
رفعت عينيها تتلاقي مع خاصته لتجدها ممتلأة بعشق لا يمكن إنكاره فأسرعت تنزلها مع شعور غير مريح بانقباض قلبها خصوصا مع ذلك الاعتراف الذي ظنت بأنها لن تسمعه في حياتها أبدا ، ليسترسل سفيان في الحديث:
-عندما كنت في السجن كان كل خوفي أن أموت قبل أن أراك وأطلب منك العفو عن جبني و غبائي عندما فررت هاربا بدلا من إعطائك خيار القبول بعيبي أو رفضه
قاطعته باستغراب:
-قبول ماذا ؟
عن أي عيب تتحدث بالضبط؟
جاء دوره ليعترف يشعر بخوف وهو يقص عليها تفاصيل إصابته وفقدانه لإحدى خصيتيه ، الأمر الذي يجعل إمكانية الحمل بطريقه طبيعية لديها شبه مستحيلة ؛ أنهى حديثه ينتظر ردها الذي جاءه حادا باردا مقترنا بتصفيق جعله يتلفت حوله ليرى إذا كان هناك من ينظر لهم لتقول هي ببرود قاتل:
-إذن هذه خطتك كي تشعرني بالرضا عن نفسي وأقبل بالزواج بك؟
عقد سفيان حاجبيه و قال في غير فهم:
-خطة لتقبلي الزواج مني؟
لترد في غضب:
-من هو الرأس المدبر ياترى أمي لا أعتقد ربما أعتقد أعطتك فكرة لكنها لن تستطيع حبكها هكذا، إذن هي درصاف صحيح ؟
جز على أسنانه وقال:
-اخفضي صوتك لا نريد فضائح، ثم لماذا سأخترع كذبة كهذه يمكنك كشفها يوم زواجنا بسهولة ؟
احمر وجهها وردت بعناد :
-لأنها تعرف بأني مترددة في قبول الزواج منك بعد أن أصبح لدي مشكلة في الحمل و لأنك تستحق الأفضل خصوصا بعد ماحدث لك بسبب طليقي ، أما قصة كشف الكذبة عندها تكون الفأس وقعدت بالرأس ، لأنها تعرف بأني أحبك فعلا فلن أطلب الطلاق .
أشعل سيجارته و نفث دخانها باستمتاع قائلا:
-ممتاز أنت تحبينني و موافقة الباقي سنحله بعد الزواج.
استقامت تمسك بحقيبتها وردت:
-أنت تحلم لن أتزوجك أبدا أبدا.
اتسعت ابتسامته وأخذ هاتفه يتصل ليقول بعد أقل من ثانية:
-اسرعي في العودة سنقيم الفرح قبل رمضان أفطيم متعجلة على الزواج
تابع ببطء وهو يتاملها:
-تريد أن تتأكد من وجود بعض الأشياء في مكانها الصحيح.
شعرت أفطيم بأن وجهها يحترق لتغادر المكان بسرعة هاربة من نظراته الجميع لها كما تظن

❈-❈-❈


في الدولة الأجنبية

بدأت الثلوج تغطي الأرض بطبقة بيضاء ألقت بكآبتها عليها خصوصا مع وصول الزائرة التي غابت لأكثر من شهرين لتجعلها حبيسة الفراش تضع قربة الماء الساخن على بطنها ليخفف من حدة الألم  ، جلس أيوب بقربها يحمل بيده كوب خزفي به شيء ساخن لم تعرف هويته وقال:
-من كان المتصل حارث؟
عدلت من نفسها لتجلس نصف جلسة على السرير تسند ظهرها للمخدات خلفها و ردت:
-لا بل سفيان بلغني بأنهم حددوا موعد الزفاف قبل رمضان.
رفع حاجبيه ومد لها الكوب قائلا:
-قبل رمضان؟
غبي لم يحسبها جيدا سوف أتصل به ليؤجلها بعد العيد.
لترد في عناد :
-وما دخلك أنت إذا كان قبل أم بعد ؟
وضع الكوب في يدها عندما لم تأخذه منه ورد:
-لأنه لن يجد الوقت الكافي ليشبع من عروسه ياذكية ، بعد العيد أفضل.
أطلقت صرخة فرحة وهي ترى مكونات الكوب لتضعه على الطاولة الجانبية ثم تقفز تحتضنه قائلة بفرح:
-سحلب قصب لا أصدق من أين أحضرته ؟
ضمها له بقوة ورد:
-لم تنتهي بعد العطلة الإجبارية هذه اشتقت لك كثيرا حبيبتي.
ابتعدت عنه لتأخذ الكوب وتبدأ في ارتشافه في استمتاع لتقول:
-أجب سؤالي أولا من أين أحضرته ؟
ابتسم ودر:
-لقد طلبت من حارث أن يرسل لي مع خالك بعض الأشياء من ضمنها بخور خاص من صنع عمتك مبروكة
لمعت عيناها بسعادة حاولت إخفائها عنه بشرب المزيد من السحلب ليمسك خصلة من شعرها وقال:
-و الآن متى تنتهى وتعودين لوضعك الطبيعي؟
رفعت حاجبيها وردت:
أنا طبيعية جدا لا أعرف ماذا تقصد بالضبط.
أمسك الكوب الذي بيدها ومال يقبل وجهها برقة قائلا:
-أعني متى تنتهي ظروفك متي تعودين للصلاة وأعود أنا لرفع المقاسات.
نزلت يديه لجذعها فعضت على خدها من الداخل كي لا تضحك وحاولت إبعاد يده العابثة قائلة :
-يوم آخر أو يومين لماذا الاستعجال، ابتعد عني أحتاج للراحة الآن.
صاح بصدمة :
-يومين؟!!
ماهذا انتقام؟
ما أعرفه أن مدة الدورة الشهرية ثلاثة أيام أو خمسة وأنت هكذا منذ أسبوع.
دثرت نفسها بالغطاء جيدا و ردت:
-أولا أنا لا تأتيني كل شهر كما لاحظت ثم من أين عرفت المدة ؟
كل امرأة تختلف عن الأخرى ، اعتبرها مدة تدريب على حياتنا بعد أن نعود لحضور الفرح.
رفع حاجب وقال:
-ماذا تعنين بالضبط؟
ما دخل عودتنا ببعدك عني هل تنوين المبيت عند منزل عمتك؟
حركت حاجبيها للأعلى و الأسفل مرتين ثم قالت:
-دع عودتنا لوقتها لم أقرر بعد ماذا سيحدث بعدها، واسعد بأني لم أحمل حتى الآن .
لم يلتقط نبرة الحزن في صوتها ليقوم باحتضنها واضعا رأسها على صدره و رد:
-أخبرتك سابقا غير مسموح لك بالنوم إلا بقربي لا يهمني المكان هنا أو هناك، وأما عن مسألة الحمل لو أردت التأجيل يمكننا التحدث مع طبيبة لمعرفة الطرق المناسبة لنا.
رفعت رأسها راغبة في سؤاله عن رغبته في الإنجاب لتسمع صوت دقات على الباب الأمر الذي فاجأ كليهما ليستقيم أيوب من مكانه و يعدل ملابسه ثم يخرج من الغرفة ويغلق بابها خلفه ، أسرعت أشماس لتضع أذنها على الباب علها تسمع شيئا لتفتح الباب قليلا فرأت أيوب يقف متصلبا يضم قبضته بقوة تكاد ترى عروقه النافرة من مكانها، احتارت ماذا تفعل هل تخرج لتعرف ما يحدث أم تبقى مكانها حتى يخبرها من الذي جاء؟
اتسعت عيناهت وهي تتخيل بأنه ذلك الطبيب الحقير جاء عندما تأكد بأن أيوب لا يحمل الجنسية ليتابع تنمره عليه هذه المرة لن تدعه يذهب قبل أن تهديه علامة في وجهه يتذكرها بها للأبد ، أسرعت تبحث عن شيء تغطي به شعرها لتسحب إسدال الصلاة وتضعه عليها وتخرج كطلقة تنوي سحق كل من يقترب من رجلها لتقف متسمرة بقربه عندما رأت الذي يقف أمام الباب بملامح تشبه كثيرا ملامح الذي بقربها لتنقل بصرها بينهما ثم تبتلع ريقها فقال الواقف بلهجة بدت لها غريبة رغم أنها نفس لهجة أيوب:
-أنت زوجته ؟
زوجة ابني....

❈-❈-❈

في بلد أيوب

تركتها الطبيبة تتحدث رغم أن حديثها لم يكن منتظما لتقول بعدها:
-حسنا دعينا ننظم الأمور قليلا، أنت غير موافقة لفكرة زواج شقيقك لأفطيم صحيح ؟
ردت درصاف:
- لا لست معارضة بالعكس أنا أحب أفطيم كثيرا فهي صديقتي الأمر فقط.
تنهدت ولم تعرف كيف تشرح لها ما تشعر به؟
كيف تقول لها أنه كون أفطيم من القبيلة يجعلها تنفر من فكرة ارتباطها بشقيقها، كم تمنت لو كانت من أي قبيلة أخرى أو حتى جنسية أخرى وقتها لم تكن لتهتم ، لقد رضعت كره قبيلتها منذ نعومة أظافرها حتى بات تجاوزه أمرا مستحيلا؟
مشاعر مختلطة بداخلها لاتعرف كيف تعبر عنها لأنها باتت تخجل منها؛ كرهها للقبيلة مقابل حبها لابنها و ، نفور منهم مقابل صداقة عميقة لأشماس و أفطيم، لا تريدهم وهم الذي أخذوا بيدها وساعدوها و حمو ابنها، متضادات لا حصر لها ؛ أمسكت بكوب الماء تتجرع منه لتقول بغضب من نفسها ربما:
-يرفضون العودة للوطن وانا أريد الذهاب لأمي ، بل وصل بحارث أن يهددني بأخذ ابني مني لو ذهبت تصدقين؟
نظرت لها الطبيبة و ردت:
-سبق وأخبرتني بظروف خروجهم وأن طليقك مطلوب في تهمة تم تلفيقها له صحيح؟
هزت درصاف رأسها بالموافقة لتتابع الطبيبة:
-طبيعي جدا أن يرفضوا العودة خصوصا ما نسمع عن وضع بلدكم لا يطمئن أبدا .
لترد بعناد:
-أريد أن أرى أمي هذا حقي، لم تريها كيف كانت آخر مرة ، لم أراها في حياتي مكسورة لهذه الدرجة ، لماذا لا يقدرون موقفي؟
لترد الطبيبة :
-أنت تريدين الذهاب لأمك التي كانت السبب الرئيسي في موت أهلهم و تشريدهم ماذا تتوقعين منهم؟
أفهم جيدا حبك لأمك ولا ألومك عليه لكن عليك أن تري الأمر من وجهة نظرهم .
لم تشأ الاعتراف لتقول بعناد :
-لا الأمر لا دخل له بما فعلته أمي ثم من قال بأن بلاغ أمي هو ما جعلهم يقومون بقصف منزل جدي؟
لقد قصفت كل المدينة أمي فقط تشعر بالذنب بسب موت رؤوف ، السبب الذي يمنعهم من العودة هو معارضتهم للثورة لا غير؟
كالعادة لم تتغير ملامحها وبقت على حالها لتقول:
-لماذا أنت مصرة بأنهم ضدك ؟
حاولت درصاف مقاطعتها لتتابع دون أن تترك لها المجال:
-أخبرتني سابقا بأن جدك منع الانحياز لأحد الأطراف المتنازعة ، وهم نفذوا صحيح .
لم ترد درصاف هذه المرة لتتابع الطبيبة :
-أعرف نوع أهلك أطلق عليهم عندنا ( حزب الكنبة ) الذين لم يشاركوا في الثورة بأي شيء مع أو ضد، و تم محاربتهم كثيرا لدرجة أن بعضهم فقد عمله ؛ ماحدث لعائلتك أسوأ بكثير رغم أنهم لم يشاركوا تم قتلهم و إلصاق التهم بهم باطلا و حبس شقيقك أيضا صحيح.
قاطعتها بحدة :
-عياد من فعل ذلك أي ابن القبيلة لتعرفي بأن لدي حق في كرههم والبعد عنهم.
كتبت الطبيبة شيئا و خطت تحته لتقول دون النظر إليها :
-تلومين القبيلة على خطأ فرد أم أنك تبحثين على ما يدينهم فقط؟
شعرت بأنفاسها تتسارع فقالت مشيحة بوجهها:
-لا تغيري الموضوع الآن أنا أتحدث عن أمي أخبرني راضي بأنها تسحب منه الكثير من الأموال بحجة أن هناك معلومات عن وجود رؤوف أعتقد بأنها بدأت تفقد عقلها يجب أن ألحقها.
لترد الطبيبة :
-تعرفين أكبر كارثة يقوم بها البشر هي التصنيف؛ أنت لست معي يعني أنت ضدي تم استعمال هذه النظرية في الحروب كثيرا ، وحالة عائلتك أكبر دليل على ذلك تم تصنيفهم أو إجبارهم على اختيار صف رغم أنهم رفضوا ذلك.
بنفس العناد ردت :
-بل اختاروا يرفضون العلم الجديد و ي...
لتقاطعها :
-على ماذا تلومينهم بالضبط ؟
فرضا أنهم فعلوا ذلك عمدا الم يجروا لحرب لا دخل لهم بها بل أن العودة لوطنهم أصبحت مرهونة بخسارة أحدهم على الأقل ، ماذا تريدين منهم أن يفعلوا كي ترضي؟
شحب وجه درصاف وشعرت بأن عقلها توقف عن التفكير تماما ، تركتها الطبيبة لتستعيد قدرتها على الحديث وعندما طال صمتها قالت:
-لقد قطعت شوطا كبيرا لتبني علاقة جيدة مع ابنك، ذهابك الآن قد يعيدك لنقطة الصفر.
ردت بهدوء هذه المرة:
-سفري لأمي لن يبعد ابني عني، كيف أتوقع منه أن يكون بارا بي وأنا لم أبر أمي ؟
أغلقت دفترها و قالت:
-لن أجادلك في كلامك رغم أني لا أتفق معك تماما، لكني عرفت سبب المشكلة الأساسية لديك.
نظرت لها بعينين متسعتين لتتابع ببطء:
-كرهك لقبيلتك جعلك لا تتقبلين أي شيء منهم بل ترفضينه بقوة خصوصا حبك لزوجك و ابنك.


❈-❈-❈

في حديقة فيلا حارث اقتربت جمان تقدم خطوة وتؤخر الأخرى حتى رفع حارث عينه لها فأسرعت ناحيته بخطوات مستقيمة ذكرته بمدرسته القديمة خصوصا ذلك الحذاء معدوم الكعب والتنورة الواسعة الرمادية وقالت بنبرة مدرسة حتما:
-أخبرتني عمتي مبروكة أنك تريدني .
نظر لها جيدا لتعبس فأبعد عينه عنها وقال:
-أريد أوراقك الثبوتية من أجل الإقامة ، كيف استطعت الحصول على مسكن وأنت لا تحملين إقامة ؟
أمسكت بطرف بلوزتها وردت :
-لقد ساعدتني هالة أقصد السيدة هالة في تأجير الشقة ، هي أصلا شقة صغيرة فوق السطح ، ولم يطلبوا مني إقامة لأنها ضمنتني بحكم كونها مواطنة .
ظهر عليه الاستغراب ليقول:
-هل علاقتك قوية بعائلة حامد لهذه الدرجة ؟
هزت رأسها في نفي ثم ردت:
-كنت أدرس مع أخته كما أعطيت بعض الدروس لأولاد أخته الكبرى وعندما خرجت من البلاد تواصلت مع خالتي تفاحه لأني أملك رقمها وقد ساعدتني كثيرا.
لم يشبع فضوله ليقول مدعيا أنه ينظر في هاتفه:
-كنت أظن بأنك مدرسة جامعية كيف تدرسين لطفل؟
جزت أسنانها و أرادت أن تقول له ألا يتدخل فيما لا يعينه لكنها سكتت لأنه رب عملها و هو من يدفع لها المرتب و ردت:
-أنا أصلا تخرجت من معهد المعلمات ثم أكملت دراستي مع العمل حتى أخذت الماجستير و أصبحت أستاذة في الجامعة قسم لغة عربية.
مد يده وقال:
-هاتي جواز سفرك لآخذه صباحا للسفارة إذا كانت عليك مخالفات سوف أسويها وبعدها آتي و آخذك مع سنان لننهي أوراق الإقامة ، لا داعي أن تعيشي في خوف من القبض عليك أو ترحيلك، أو ننتظر للغد لتحضري جواز أمك معك؟
شحب وجهها وأسرعت تعطيه جواز سفرها قائلة :
-أمي لا تخرج من المنزل لا داعي أن نتعبها أعني عندما نقرر العودة لن يمنعها أحد من ذلك ، شكرا لأنك ستنهي أوراقي .
وأسرعت تعود للفيلا الأخرى الأمر الذي جعل حارث يشك في أمرها كثيرا ويقرر البحث خلفها، هناك حتما سر تخفيه تلك الجمان.

❈-❈-❈


في الدولة الأجنبية

مد الرجل يده وقال بوقار:
-إبراهيم الخليل والدك.
خيل لها بأن العرق النابض في رقبة ذلك الذي يقف بقربها سيخرج من مكانه خصوصا مع تشنج ملامحه أكثر لترد هي:
-تفضل ياعمي أنا أشماس زوجة أيوب.
أفسحت المجال ليدخل الرجل الذي ألقى نظرة سريعة على الشقة ثم جلس على الكرسي لتجذب أيوب وتجلسه عنوة على الاريكة وتجلس بقربه وهو لايزال على حاله من التجمد والاستنكار ليقول والده الذي وصله شعوره بالنفور:
-أعرف بأن زيارتي غريبة وقد تكون غير مرحب بها أيضا ، أردت ب ...ب.. بأن أتأكد بنفسي من أنه أنت وليس مجرد تشابه أسماء.
بصوت جامد قال أيوب:
-كيف عرفت عنواني؟
فرك والده يده ورد:
-انا أعمل في قسم الحسابات في مستشفى وقد وضعت بطاقتك الائتمانية وعنوانك عندما دفعت ثمن فاتورة علاج زوجتك .
اغتصبت أشماس ابتسامة لتقول:
-يامحاسن الصدف تعبي أدى إلى فائدة إذن .
جزرها أيوب بنظرته لتقف وتتابع:
-تفضل الشاى أو القهوة ؟
بادلها الابتسامة و رد:
-شكرا لاداعي لذلك.
لتقول:
-لايجوز هذه أول مرة تزورنا يجب...
قاطعها أيوب بحدة :
-قال لايريد شيئا.
عم الصمت لثوان ليقف والده ويقول:
-أعتذر لحضوري دون اتصال أولا ، أنا فقط لم أستطع أن أنتظر للغد حتى أتأكد من حقيقة شخصيتك؟
ابتسامة هازئة ظهرت على شفتي أيوب ولم تصل لعينيه ليرد:
-انتظرت أكثر من عشرين عاما لن يضرك يوم زيادة ؟
جاء دور والده لتتجمد ملامحه وتقدم ناحية الباب ثم التفت وأخرج بطاقة من جيبه مدها لأيوب قائلا:
-هذه البطاقه تحتوي علي أرقام هاتفي اتصل بي عندما ترغب في الحديث معي.
أخذتها أشماس عندما شعرت بأن زوجا لن يفعل وانتظرت حتى استقل المصعد لتغلق الباب ثم علقت البطاقة على باب الثلاجة وأسرعت تدخل لأيوب الذي كان وجهه شاحبا جدا لم تعرف ماذا تقول له أو كيف تخفف عنه ؛ غيرت ملابسها ثم خرجت له لتقول بمرح مصطنع:
-هيا نخرج لنتمشى قليلا أشعر بتصلب قدمي من كثرة الاستلقاء على السرير.
رفع أنظاره لها دون أن تتغير ملامحه ورد:
-الجو بارد كما أنه ليس لدي رغبة في الخروج .
أعطته معطفه وقالت:
-هيا لم أخرج منذ أيام أم تريدين أن أخرج وحدي؟
طاوعها مجبرا ؛ برودة الجو جعلتها تلتصق به طالبة للدفء وعندما اقتربا من عربة تبيع القهوة طلبت منه أن يشتري لها مد لها الكوب وقال:
-منذ متى تحبين القهوة؟
أمسكت الكوب بيديها و نفخت به قائلة:
-الجو قارس جدا أحتاج لشيء يدفئني .
وضع يده حول كتفيها و رد:
-لنعد للمنزل لا فائدة من التجول في هذا الجو.
حاولت الترفيه عنه في الطريق للمنزل دون فائدة فهو لم يتجاوب مع نكاتها ولا حتى مشاكستها له وعندما وصلا للشقة قرر أن يأخذ حمام دافيء، فكرت بأن تنضم له لكنها لم تقدر على ذلك لذلك بعد خروجه وقبل أن يرتدي ملابسه أمسكت بيده و قالت:
-تعال لديك جلسة تدليك خاصة.
لم يقاوم فهو منهك جدا ؛ جعلته ينام على بطنه لتبدأ في جلسة مساج مستخدمة الكريمات التي وضعتها سنان لها في الحقيبة و لأول مرة تشعر بالامتنان لفعلتها تلك خصوصا مع شعورها بأنه بدأ في الاسترخاء فعلا لينقلب على ظهره و يقول :
-أريد النوم في حضنك.
تذكرت تلك الليلة عندما طلب منها نفس الطلب لتسرع في تنفيذ طلبه ليرتاح فوق صدرها فضمته لها وقالت :
-هل تحتاج غطاء الجو بارد؟
ليرد دون أن يتحرك من مكانه الذي يبعث بالدفء في عروقه:
-أنت دِفء روحي إن مسها برد.
طوقها بيديه وتابع:
-عديني بأنك لن تتخلي عني في يوم من الأيام مهما حدث، أنت بالذات لا أستطيع تحمل فقدانك أبدا أفضل الموت على ذلك.
انقبض قلبها على سيرة الموت لتمسد شعره وترد:
-لا موت لا فراق هذه السيرة ممنوع التلميح لها حتى .
انتظمت أنفاسه بعد فترة ليست قليلة لينام أخيرا أما هي فلم تستطع ذلك، المواجهة بين أيوب و والده لم تبدأ بعد وهاهو يكاد ينهار بين يديها ماذا سيحدث لو قرر مواجهته و الأسوأ لو فعل العكس.





❈-❈-❈
في بلد أيوب

مر أكثر من أسبوع منذ أخذه لجواز سفرها، لم تسمع منه خبر بشأن الاقامة ولم يعيده لها لذلك قررت أن تتحدث معه اليوم ، عاد للفيلا وقت الغداء وبمجرد أن دخل المنزل وجدها تجلس في الحديقة لتستقيم بمجرد رؤيته ألقى السلام و تابع سيره للداخل فسمعها تقول بصوت منخفض:
-أستاذ حارث دقيقة من فضلك.
رفع حاجبه وردد:
-أستاذ حارث!!
بصوت أعلى ردت:
-ماذا تريد أن أناديك إذن ؟
وضع يديه في جيبه وقال:
-ندهتي علي لتعرفي بماذا تناديني؟
زمت شفتيها وقد بدأ الغضب يتسرب لملامحها لتقول:
-لا طبعا ليس هذا السبب، أنا فقط أسألك كي أعرف ماهو اللقب الذي تريد أن أناديك به في المستقبل؟
كادت أن تظهر على شفتيه ابتسامة متسلية ليمنعها بقوة و رد:
-دعك من الألقاب الآن لا أعتقد بأنها سبب انتظارك لي في هذا البرد لمدة طويلة.
عقدت يديها وقالت بحدة :
-من قال أني أنتظر من مدة طويلة ؟
لقد جئت عندما سمعت صوت الجراج فقط.
اقترب منها لتتراجع خطوة للوراء و بدأ صدرها يعلو ويهبط بطريقة ملحوظة معلنا عن تسارع نبضاته فقالت لتوقفه عن التقدم:
-ماذا حدث في الإقامة ؟
توقف حارث فعلا فتابعت بشجاعة أكبر :
-لقد أخبرتني بأن الأمر سينتهي في يوم واحد ولم أسمع منك شيئا منذ أكثر من أسبوع ، تعرف وضعي صعب وأخشى أن توقفني الشرطة وتطلب تعريف و..
شعرت بغصة وكادت أن تبكي لذلك سكتت مانعة نفسها من المتابعة ثم أسرعت تتخطاه لتدخل الفيلا دون أن تسمع رده نظر لمشيتها الغاضبة بابتسامة عريضة ثم دخل يبحث عن يزيد و عمته ولم يجد أثرا لجمان بعدها كالعادة، فهي تختفي عندما يكون أحد الشباب في المنزل بطلب من عمته كما يظن ، بعد الغداء أخذ يقلب في صفحات المنتدي ليجد منشورا باسم جمان كتب من أقل من ساعة تقول فيه:
-لا سند لك إلا نفسك، إياك ثم إياك أن تميل على أحد .
نكز عبدالخالق الذي يجلس بجانبه وقال بصوت منخفض:
-هل جلبت لي المعلومات التي طلبتها؟
أشار له ليذهبا لغرفة الأخر حيث يوجد جهاز كمبيوتر كبير وشغله وبدأ إدخال بعض الرموز لتفتح له الصفحة الخاصة بجمان في المنتدى ثم رفع عينيه وقال:
-لقد كتبت منشورا منذ مدة قليلة انتظر سوف أحدد مكانها.
ليرد حارث:
-تستطيع ذلك حقا؟
قام بفتح عدة صفحات ليرد عليه دون أن يبعد عينيه من الشاشة:
-نعم الأمر ليس صعبا كما يظن البعض ، هناك بعض البرامج التي تساعد في ذلك بسهولة كما أن المواقع الإلكترونية لا تحمي المستخدمين بل من السهل الحصول على عناوين مشغليها ومحرريها.
التفت له وتابع ليسهل عليه الأمر :
-لنفترض أنك تبحث عن شخص كان موظفا في شركة ما في زمن ما، سيتيح لك أرشيف الإنترنت أن تتصفح موقع تلك الشركة كما ظهر في تاريخ محدد، وهناك قد تجد عناوين إلكترونية ومعلومات تمنحك طرف الخيط.
ليرد عليه حارث:
-هذا في حالة معرفة اسم الشخص الحقيقي لكن نحن غير متأكدين من اسم المستخدم هنا.
ابتسم له وقال:
-بل عرفت اسمها و رقم هاتفها أيضا وطبعا لأنها مثل معظم المستخدمين لا تستخدم شبكة محمية دخلت عليها و سوف أحدد لك مكانها فورا.
نقر بأصابعه عدة مرات ثم ظهر عليه الاستغراب لينظر للشاشة بتركز ثم قال:
-هناك أمر غريب يبدو أن جمان موجودة الآن في منزلنا، أو ربما أنا لست بالبراعة التي كنت أظنها ؟
خرج حارث من الغرفة واتجه للفيلا الأخرى مناديا على سنان التي أسرعت له وردت بنزق:
-ماذا تريد لم تنادي بصوت عال ؟
قال وهو يحاول أن لا يبحث عنها بعينيه :
-من في الداخل؟
أعني هل أفطيم و درصاف موجودات معك؟
مطت شفتيها وردت:
-أفطيم في العمل و درصاف وصلت منذ فترة كانت مع زيزو في الخارج .
الإجابة لم تكن مرضية له فقال:
-اخبري جمان ألا تعود لمنزلها أنا سوف أقلها .
رفعت سنان حاجبها ليتابع:
-تعرفين أن الأوضاع الآن ليست مطمئنة لذلك سوف أوصلها للتأكد من سلامتها وأنت ستكونين معنا طبعا.
لتقول بمرح:
-بشرط تشتري لي ذرة مشوية من الشارع.
رفع حاجبيه وردد :
-ذرة مشوية ؟
اشوي هنا في المنزل لماذا نشتريها من الشارع؟
هزت كتفها و ردت:
-لا التي في الشارع طعمها أحلى
أشعل سيجارته وقال:
-نحن لسنا في الصيف انتهى موسمها اختاري شيء آخر
فكرت لثوان ثم ردت:
-إذن بطاطا حلوة ونأخذ زيزو معنا
انحنى يقبل رأسها و قال:
-تأمرين سنان أنا ذاهب الآن سوف أعود عند موعد انصرافها كوني جاهزة و نبهي عليها ألا تذهب وحدها.
أومأت له و أسرعت تدخل للفيلا بينما ذهب هو لعمله

رن هاتف درصاف برقم دولي لتجيب عليه بلهفة :
-أمي هذه أنت ؟
أتاها صوت شقيقها راضي قائلا:
-هذا أنا أمك جنت تريد مني أن أرسل لها عشرة آلاف دولار تخيلي؟
ردت بخيبة أمل :
-ارسل لها ما المشكلة ؟
يكفي أنها تنتقل من مدينة لأخرى تبحث عن رؤوف وأنت لم تحاول الذهاب معها حتى.
رد بغضب:
-تريدين أن أترك دراستي و أعود لأبحث عن وهم؟
رؤوف مات هي من تذكرت الآن أن لها ابنا لتبحث عنه؟
اسمعي كلنا نعرف بأنها كانت على خلاف دائم معه لأنه يفضل العيش مع قبيلة والدك هذا خلاف لانه اصلا عاش طول عمره بين بيت سليمه و مبروكه بل كان ينادي سليمه زوجه عمك إبراهيم  امي ،قصة الحنان هذه ظهرت فجأة بسبب تأنيب الضمير لا غير.
وقفت من مكانها مصدومة من كلام شقيقها الأكبر والمفضل لأمها ، لا تصدق بأن هذا رأيه في أمه أو في موت رؤوف ؟
لتقول بصوت عال:
-إنها أمك يا جاحد كيف تتكلم عنها هكذا، وهذا المال التي تتشدق به هي من أعطته لك.
ليرد بحدة :
-قصدك سرقته.
شعرت بأن الكلمة صفعتها لتغلق الخط في وجهه وتجلس أرضا ثم تبدأ في بكاء حار لا تعرف سببه .

بعد أن فشلوا في تهدئتها اتصلت مبروكة بسفيان عله يعرف ماحل بشقيقته، فعلا نجح في جعلها تهدأ ليقرر أن يخرج معها من الفيلا كي تتكلم براحتها أخذها لجولة بالمركب الأمر الذي جعلها تسترخي تماما و تعود لحالتها الطبيعية ثم قرر أن يجلس معها في أحد المطاعم التي تطل على النيل لتقص عليه ماحدث وحاجة والدتها لمبلغ مالي كي تعرف طريق رؤوف .
قال بصوت هاديء:
-اسمعيني جيدا الوطن الآن يحكمه زمرة ميليشيات الكل يحاول استغلال وضع المنكوبين و نهب أموالهم لذلك يجب أن تقنعي أمك بأن تتوقف عما تفعله فرؤوف إذا كان حيا يرزق هو حتما ليس في الوطن.
أمسكت يده وقالت بأمل :
-هل تظن بأنه حي؟
ربت على يدها و رد بحنان:
-صدقا لا أعرف ، لايوجد من نطلب منه إجراء تحليل إثبات نسب بسب الأوضاع الآن ، كما أني لا أستطيع التأكيد بأنه حي.
أنزلت عينها وقالت:
-هي متأكدة هذه المرة ربما لو أرسلنا لها المبلغ...
طحن ضروسه ورد:
-من أين لي بهذا المبلغ بالله عليك؟
أم أنك تريدين أن أطلب من حارث؟
اهتزت مقلتيها وقالت:
-أعلم بأنه لن يرفض لك طلب، أنت فقط تعاقب أمي فقط لأنك تراها سيئة
استغفر و رد:
-هذا غير صحيح لن أنكر بأنها ربتنا جيدا وحرصت على دراستنا حتى بعد وفاة والدي رحمه الله، بل أنا متأكد من ندمها على علاقتها برؤوف ، لكني لن أطلب من حارث بالذات أي مال لها أعتقد أنك تعرفين السبب جيدا.
أشاحت بوجهها وردت بعناد :
-ومافائدة القبيلة التي تتغزلون بها إذا كانت لاتقف مع أمي في هذه الظروف؟
أشعل سيجارته و نفث عدة مرات كي لايقول مايجرحها، فهي لازلت في طور التشافي كما أنه يعرف تعلقها الشديد بوالدتهم ليقول بعدها:
-أين هي قبيلة أمك منا؟
بل أين هي عائلتها؟
أخوالك وخالاتك لماذا لم نسمع منهم؟
تعرفين بأن خالك كان هنا و لم يحاول السؤال عنا ؟
حتى قبل الحرب و تهجيرنا و سجني متى كانوا عونا لنا؟

تعلم جيدا بأن كلامه صحيحا ، فعائلة أمها لم تكن يوما عونا لهم بل إن خالتها سعت لتزويجها لتكسب من ورائها ثم حاولت تخريب زواجها ببث سمومها في أذن حارث يوم زفافها ، لكن رغم ذلك هم أفضل بالنسبة لها من أهل والدها وتحكماتهم الغريبة ، حتى بعد الحرب يصرون على العيش معا ؛ لتقول بعد أن أحضر النادل أطباق الطعام:
-هل لازلت مصرا على زواجك من أفطيم؟
توقف عن تقطيع شريحة اللحم وقال ببعض الخوف:
- تعرفين شيئا لا أعرفه ؟
حركت الطعام بغير شهية وردت:
-لا فقط أتأكد من أنك تحبها فعلا ولا تفعل ذلك لأنك مضطر وتشعر بالذنب مثلا.
عقد حاجبين و وضع السكين والشوكة ثم ردد :
-مضطر و أشعر بالذنب؟؟
درصاف لو كانت أفطيم لا تحبني أو تعلقت بشخص آخر خلال غيابي اخبريني لن أحرمها مِن مَن تحب أبدا ، فأنا من تركتها تضيع من يدي سابقا.
شعرت بمدى حب شقيقها لأفطيم لتحاول رسم ابتسامة على شفتيها و ترد:
-لا هي تحبك ولم يدخل حياتها أحد ، كما أخبرتك لا أريدك أن تكون مرغما على الزواج فقط.
أسند فكه لقبضة يده و قال بعد تفكير:
-هل أجبرك أحد كي تتزوجي حارث؟
أسبلت جفنيها ولم ترد ليتابع:
-جدي أعطاك حرية الاختيار حتى أنه لم يضغط عليك عندما تجاوزت المدة بدلا من أسبوعين لشهر كامل أم نسيت ؟
عادت بظهرها للكرسي و عقدت يديها أسفل صدرها قائلة :
-حسنا لنتذكر ماحدث وقتها، بعد أن جاء رجال القبيلة و قاموا بالعرض الذي كنت أنت المخطط له لرفض العريس، قام جدي بأخذى للإقامة معه بل إنه قال بالحرف الواحد بأنه لن يدعني أعيش مع أمي مرة أخرى لو رفضت حارث...
قاطعها بصوت عال ناسيا المكان الذي هم فيه:
-لحظة واحدة ، جدي رحمه الله لم يربط عيشك مع أمي بزواجك بحارث أبدا ، لقد أخبرني بأنه لم يعد يثق بها لذلك سواء رفضت أو وافقت لن تعودي للعيش معها.
لم ترد عليه وإن ظهر على وجهها أنها لا تصدقة فقرر أن يغلق الحديث في هذا الموضوع الآن على الأقل ؛ بعد أن عاد للفيلا قال لها:
-ربما أنت مقتنعة بأنه تم إجبارك على الزواج من حارث لكنه بالطبع لم يجبرك أحد على يزيد حاولي الفصل بينه وبين حارث .
تندت عيناها لترد:
-هل تشك في حبي لابني؟
تابع الأكل ورد:
-أبدا بل أنا متأكد بأنك تحبينه أضعاف ما تظهرين له تحتاجين فقط أن تحرري مشاعرك ناحيته وهذا ماعليك فعله درتنا الجميلة .
ابتسمت بحق هذه المرة لترمي نفسها في حضن شقيقها الذي احتضنها و قبل رأسها قائلا:
-أنا معك دائما لا تنسي ذلك أبدا .


❈-❈-❈



مرغمة ركبت السيارة مع سنان وحارث الذي أصر أن يوصلها لباب العمارة التي تسكن بها وقد استغربت سنان الحي المتواضع لتسألها في استغراب:
-كيف عرفت هذا المكان؟
أعني هل يسكن الكثير من بلدنا هنا؟
ردت بابتسامة :
-يقول المثل مد قدميك على مقاس لحافك ، وهذا ما أستطيع دفعه الآن ، عموما المكان ليس سيئا كما يبدو.
فتحت الباب لتنزل فقال دون أن يلتفت لها:
-سلمي على والدتك لابد أن تزورنا كي تتعرف عليها عمتي مبروكة .
هربت الدماء منها وأسرعت تغلق الباب وتدخل للعمارة كأنها تهرب من الرد بينما يتابع هو انفعالاتها التي بدأت تؤكد شكوكه؛ عادا للمنزل بعد أن اشترى البطاطا الحلوة لسنان وقرر أن يشتري للباقي ليجد عمته قد جهزت الكستناء مع الشاى الأخضر وقد سعدت بالبطاطا كثيرا ليجلس بقربها فقالت له:
-اتصلت أشماس لتخبرني بأنها ستحاول العودة قبل شهر رمضان المبارك.
ليقول سفيان:
-يجب أن تفعل لتحضر الفرح.
ليرد حارث:
-لازلت مصرا بأن يكون قبل رمضان؟
أعتقد من الأفضل أن تؤجله لبعد العيد.
لتقول مبروكة :
-لا أعرف رمضان متعب ربما أفضل قبله لقد وجد شقة صغيرة ليقوم بتأجيرها ولا يحتاجون إلا لغرفة نوم وباقي النهار سيقضونه هنا.
عقد سفيان حاجبيه وكاد أن يرد ليميل عليه حارث و يهمس:
-اسمع مني لن تأخذ راحتك لو تزوجت قبل رمضان اجعله بعدها وخذها لأي مدينة أخرى .
أخذ رشفة من الشاى ورد بثقة :
-لا تقلق علي أعرف كيف أدبر أموري المهم ألا يتأجل الفرح.
اعتدل وقال بصوت عال:
-عمتي مارأيك أن نجهز جناح لسفيان و أفطيم هنا؟
الفيلا واسعة والطابق العلوى فارغ تقريبا حتى نوفر مصاريف بما أنهما ينويان العودة للخارج بعد مدة .
تهللت أساريرها وردت:
-سلم لسانك هذا عين العقل بالغد سوف أجعل جمان تنظف الغرف جيدا ليضعوا بها الأثاث الجديد.
تابعت حديثها بفرحة عامرة بينما سفيان يكاد ينفجر غيظا وحارث يتبادل الحديث يجاريها كاتما ضحكاته، ليضع سفيان كأسه و يتركهما يخططا براحتهم استغل حارث وجوده وحده مع عمته وسألها :
-ماذا تعرفين عن أهل جمان؟
مدت له صحن الكستناء المقشر و ودت:
-كل ما أعرف أنها وحيدة لا أخوة لها وأنها من سكان العاصمة .
لم ترضي الإجابة فضوله فعاد يقول:
-لماذا خرجت من البلاد؟
أعني هل وقع منزلهم أم ماذا ثم لماذا أتت هنا هي أستاذة جامعية لا أظن بأن هناك من يلاحقها الأفضل أن تعود بدلا من الخدمة عند الناس.
عدلت ربطة الايشارب فوق رأسها وردت :
-لا أعرف هي لا تتحدث كثيرا؛ لكني أشعر بأنها مكسورة فعلا وليس تمثيل لذلك ألتمس لها العذر.
أراد أن يستمر في الأسئلة لكن دخول سنان ويزيد و درصاف جعله يستقيم و يخرج لاحقا سفيان فيما جلست درصاف و أسرع يزيد يجلس في حجرها مسترخيا لتبدأ في إطعامه الكستناء الأمر الذي جعل مبروكة تشعر بالراحة فعلاقة درصاف بيزيد بدأت تأخذ مسارها الصحيح بالتدريج.


❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

مر أسبوع منذ تلك الزيارة الغريبة ادعاؤه بأنه لم يتأثر وأن كل شيء عاد لطبيعته لم ينطلي عليها أبدا ؛ انتهت من صفها مبكرا فقررت أن تمر عليه في عمله كان المعرض به بعض الزبائن فوقفت بعيدا في الزاوية تشاهد كيف يتعامل معهم ولم تخفي عنها تلك الشمطاء التي تتعمد وضع يدها على ذراعه تارة وتمسك يده تارة أخرى مدعية أنها تريد أن تسأل اوشئ من هذا القبيل ، رغم الغيرة التي نشبت بداخلها إلا أنها لم تقم بأي تصرف يدل على ذلك بل وقفت تراقب ردة فعله حين لا تكون بجانبه؟
في العادة يحاول قدر الإمكان عدم الالتفات لهذه الحركات خصوصا و أن معظم أهل هذا البلد يحبون الحديث بالأيدي و التلامس دون أخذ الإذن ، عادة غريبة وغير مستحبة لكنه طوع نفسه للتعامل معها بحرفية سابقا، إلا أن طاقته قد نفذت اليوم ليبعد يدها عنه بطريقة لفتت الأنظار له لتسرع أشماس و تجذبه من يده في نفس الوقت تدخل مدير المعرض ليتدارك الموقف لتقوم هي بسحبه ناحيتها كي لا يتطور الوضع، ليأتي المدير باتجاههم بعد أن انتهى من إرضاء الزبونة الغاضبة لتسرع أشماس بانجليزية ركيكة في طلب الإذن لأيوب لأن لديهما موعد هام وافق بسهولة ليس لأنه صدقها بل كي لا يتجادل مع الأخير فهو مهم للشركة رغم كونه يعمل حاليا في المعرض.
أخذته لمكانهم المفضل بقرب الشاطيء رغم برودة الجو و الأمواج العالية التي تكاد تصل لهم رغم بعدها عن الشاطيء الأصلي لوهلة شعر بأنه مثل تلك الأمواج
غاضب هائج يود أن يكسر كل ما يقف أمامه ليصطدم بتلك الأحجار الإسمنتية لتكسر موجته فينسحب خائبا يلملم شتات جرحه الذي لم يلتئم بعد.
أراحت رأسها على كتفه ليخرج من تلك الحالة و يفرد ذراعه على ظهرها يضمها له فقالت:
-عليك أن تواجهه ماتفعل يقتلك من الداخل ببطء.
رد بصوت يقطر ألما :
-لماذا الآن ؟
ماذا يريد مني؟
هل توقع أن أجرى لأرتمي في حضنه؟
عاش حياته وتذكر الآن بأن له ابن؟!!
رفعت رأسها وقامت بحضن وجهه بين كفيها لترد:
-عليك أن تخبره بذلك وأنت تنظر في عينيه، هذا هو الشيء الوحيد الذي سيجعلك ترتاح وتتحرر من كل تلك المشاعر السلبية.
أغشيت عينيه بطبقة شفافة من الدموع جاهد ليمنعها من النزول فقامت بحضن رأسه لصدرها لتعطيه الحرية في سكبها دون حرج، استكان في حضنها يغمره شعور بالراحة لا بل بالانتماء كأنها الجزء الناقص في حياته التي أنعم عليه الله بها ليصبح كاملا أخيرا فمنذ أن دخلت حياته وهو يتساءل ماهي الحسنة التي فعلته حتى يجازيه الله بها؟
أم تراه ابتلاء يختبر الله فيه شدة حمده على نعمته ؟
أو ربما جائزة يريد أن يرى الله فيها أثر نعمته عليه؟
أم دعوات أمه له التي داومت عليها حتى أفضت أنفاسها الأخيرة ؟
تذكر موت أمه لينقبض قلبه و يبتعد عن أشماس لينظر للبحر مرة أخرى ثم قال:
-أمي كتبت على نفسها إيصالات أمانة عند تجهيزها لأختي ، وكانت تحاول دفعها في موعدها كي لا تزيد الفائدة عليها، في نفس الوقت صاحب العمارة قرر أن يهدها ليبني مكانها برج سكني فهي عمارة قديمة ومعظم السكان يقيمون بعقد إيجار قديم
قالت في استغراب:
-إيجار قديم؟
رد عليها :
-إنه عقد قديم يجعل السكان لا يدفعون مبلغا كبيرا.
رغم أنها لم تفهم تماما ماذا يعني لكنها فضلت الصمت وتركه يفرغ ما يجثو على صدره.
أغمض عينيه يتذكر تلك الفترة الصعبة ، لم يجدوا حلا وقتها أبدا فهم مجرد مستأجرين لايحق لهم بأي تعويض وفي نفس الوقت لا يستطيعون تحمل تكاليف شقة بإيجار جديد حتى لو وضع كل ما يكسبه من عمله البسيط مع ما تكسبه والدته معا فلن يجدوا مايكفي قوت يومهم، لذلك رفضت أمه ترك الشقة رغم معرفتها بأن لصاحب العمارة الحق فيها وإدركها بأنه سيكسب قضية الطرد التي رفعها ضدهم؛ هي فقط كانت تحاول تأجيل المكتوب حتى يتخرج هو ربما يجد عملا بمرتب معقول يعينه على الانتقال.
فتح عينيه وتابع :
-صاحب العمارة رفع قضيه طرد علينا لكنه لم ينتظر صدور الحكم بل قام بشراء إيصالات الأمانة التي وقعتها أمي من أصحابها وقدمها للشرطة.
تحشرج صوته ليسكت قليلا ثم أخذ نفسا كبيرا وتابع:
-كنت عائد من كليتي عندما وجدت العساكر يجرون أمي لأعرف بعدها بأن عليه احكم بالسجن لتأخرها في الدفع.
شهقت و قالت:
-كيف حدث ذلك؟
أعني ألا يفترض بأن يتم إبلاغها أولا بموعد الجلسة وخلافه؟
زفر ورد:
-لا أعرف كيف ومتى، لابد أن صاحب العمارة لديه محامي كبير ذو نفوذ ليحدث كل ذلك دون علمنا.
صمت فقالت بخفوت:
-وماذا حدث بعدها؟
هذه المرة لم يحبس دموعه بل تركها تنزل علها تخفف من لهيب صدره المشتعل لتلك الذكرى ليرد :
-ماتت أمي في الحجز.
التفت لها وتابع بغضب ممزوج بالبكاء:
-كان ينقصني أقل من ألفي جنبه فقط كي أخرجها ، تخيلي ماتت قبل أن أستطيع اقتراض كل المبلغ .
لم تعرف ماذا تقول لتمسك بيده تضمها لقلبها فتابع هو :
-حتى الدفن لم أستطع شراء مقبرة تليق بها بل دفنت في مقابر الصدقة ، تعبت من أجلي وأنا لم أكن سندا أبدا
قاطعته لتقول برقة :
-لايهم أين دفنت فالروح تخرج لله، أنت لم تقصر في حقها، بل فعلت ماتقدر عليه و قمت بدفع كل دينها،  متأكدة بأنها سعيدة الآن بك .
نظر لها و قال:
-لا أستطيع أن أسامحه أبدا ، إذا سامحته في حقي لن أسامحه في حقها.
استقامت و أجبرته على أن يفعل مثلها وردت:
-لا تفعل أخبرتك بأن عليك أن تواجهه فقط، لقد شعرت بارتياح كبير عندما واجهت خالي.
نظر لها فقامت بمسح دموعه و طبع قبلة رقيقة على شفتيه ثم قالت:
-تعرف ماذا كل من اسمه إبراهيم قام بخذلنا لذلك لن ندخل أي شخص جديد بهذا الاسم لحياتنا مرة أخرى .
شعر بأنه أصبح أفضل بعد حديثه معها ليعود معها لشقتهم ليقضيا أمسية هادئة لم تحاول فيها إزعاجه كعادتها ولأنه اضطر للخروج باكرا للعمل أرسل له قائلا:
-ملأت روحي منك
حتى لم يعد لروحي مني موضع ومكان
نبرة صوتك ألذ شيء ممكن يلامس قلبي
يا قاب قوسين بل أدنى بأعماقي إن الفؤاد على عهد الهوى باقي.

قرأتها باستمتاع للمرة المئة ثم أرسلت له:
-ممن سرقتها هذه المرة ؟
ليرد عليها:
-من أعماق قلبي العاشق لو فقط تصدقين وتظهرين حبك له.
ردت بسرعة :
-كاذب  لذلك ستظل في نفس الخانة الي أن تثبت العكس.
ليرد:
-لن أيأس أبدا.
ازداد هدير قلبها معلنا عن قرب استسلامه لتقوم من السرير وتقرر الاتصال بدرصاف أو سنان كي لا تغرق في مشاعرها أكثر .


❈-❈-❈

منذ عودتهم للخارج و هي تشعر بأن عمتها تتجنب الحديث معها، لا بل قبل ذلك في البداية ظنت أن السبب شوقها لزوجها أو ربما هي تلقت ورقة الطلاق ولا تريد أن تفصح عن ذلك ، لكن الأمر طال بل وصل لحد أنها أصبحت تعتذر لكمال عن الخروج معه بحجة أنهم مشغولون؟!!!
عندما حضرت من عملها كانت في انتظارها لتعرف ماخطبها ، تحججت جيهان بأنها متعبة وتريد النوم لتقول فتنة بعناد:
-اخبريني ماذا حدث أولا وبعدها نامي، لا أصدق مسألة التعب هذه إلا لو....
قطعت كلامها واتسعت عيناها لتقول بصدمة:
-عمتي أنت حامل؟
جاء دور جيهان لتصدم في البداية ثم أطلقت ضحكة من قلب الحزن لتنتهي بتنهيدة حارة وقالت بعدها:
-أي حمل تتحدثين عنه اللواتي في عمري أصبحن جدات.
لترد فتنة بسرعة :
-هذا لايمنع بأنك لازلت قادرةعلى الحمل ، أعتقد بأن الذي لديك أعراض حمل عليك إجراء تحليل لنتأكد.
هزت رأسها وردت:
-لا ليس حَمل بل حِمل ثقيل لم أعد قادرة عليه.
لم تفهم ماذا تقصد عمتها فقالت:
-ماذا هناك اخبريني علك ترتاحين قليلا.
بلعت ريقها و ردت:
-كمال طلب يدك للزواج.
توقعت استنكار أو رفض أو حتى ضحكة ساخرة لكن كل ذلك لم يحدث بل لم يظهر أي تأثير على ابنه شقيقها أبدا لتتابع في خوف:
-أعرف بأن الأمر صدمة فهو من عمري إذا لم يكن أكبر بعام أو اثنين اسمعي أعلم رأيك جيدا أنا فقط كنت أفكر في طريقة أخبره بها برفض طلبه دون جرح مشاعر كي لا أخسره كصديق و..
قاطعتها بهدوء مريب:
-ومن قال بأني أرفض ؟
رأت الاستنكار يظهر جليا على ملامح عمتها لتتابع:
-أعني أحتاج لفترة كي أفكر أولا قبل أن أعطى رأيي
بللت جيهان شفتيها وردت:
-تعرفين الفرق بينكما كم عاما ؟
هزت فتنة رأسها بنعم وقالت:
-الكثيرون يتزوجون والفارق بينهما كبير وتكون زيجاتهم ناجحة ، خصوصا أن عقله غربي و هو لم يسبق له الزواج يعني لن أشعر بالفرق أبدا.
حاولت جيهان التحكم في كلماتها كي لا تخرج حادة وردت:
-الفرق بينكما ليس قليلا بل أكثر من عشرون عاما إنه يليق بأن يكون والدك وليس زوجك!
رفعت كتفيها للأعلى ثم أنزلتها لترد:
-لا يظهر عليه السن، كما قلت هو يهتم بنفسه كثيرا يعني من يرانا معا يظن الفرق بيننا لا يتعدى عشر سنوات فقط.
صرخت بها في حنق:
-ماذا عن الداخل؟
إذا خدع الناس بمنظره الخارجي ماذا سيفعل في حقيقة أن بينكما أكثر من جيلين؟
أي أن طريقة تفكير كل منكما مختلفة تماما عن الآخر ، وهذا ليس لأن به عيب بل لفرق العمر وهذا الطبيعي .
ردت بعد تفكير قليل:
-أنا وأنت ننسجم في معظم الأفكار ونتحدث في كل شيء تقريبا لماذا ستكون حياتي معه مختلفة ؟
بدأ صبرها في النفاذ لترد بحدة :
-لأني عمتك وأعرف مكانتي جيدا لا أحاول أخذ مكانة صديقتك أو أخت في نفس عمرك.
أغمضت عينيها لتذكر حياتها مع أزواجها الأكبر سنا وكيف عانت من فرق التفكير والاستهزاء بآرائها باعتبارها لازالت صغيرة ، حتى مع زوجها الأخير والذي كانت سعيدة في العيش معه لأنه أعفاها من مهامها كزوجة في الفراش إلا إنه كثيرا ما كانا يتصادمان ببعضهما بسبب فرق الأجيال وفرق التفكير بينهما ، ناهيك عن الغيرة القاتلة التي واجهتها بسبب ذلك الفرق .
زفرت وقال بهدوء:
-اسمعي فتنة هناك أيضا أمر العلاقة الزوجية عندما تكوني أنت في قمة احتياجك الأنثوي يكون هو في خموله هذا الأمر ليس سهلا عليكما أبدا.
قاطعتها بحدة :
-هذا ليس صحيحا سمعت بأن الرجل يزداد فحولة مع كبر سنه.
أطلقت جيهان ضحكة هازئة وردت:
-هذا الكذبة اخترعوها ليبررو زواج القاصرات من رجال في أعمار أجدادهم وليس والدهم فقط، الواقع غير ذلك تماما يمكنك سؤال أي طبيب مختص أو قراءة كتب علمية لمعرفة الحقيقة إذا كنت لا تثقين بي.
لتقول فتنة :
-لا تهمني تلك الأشياء أصلا
لتقول بغضب:
-بل يجب أن تهمك لأن وقتها هو من سيحيل حياتك لجحيم بسبب غيرته المجنونة ، سيظن بأنك تبحثين عن البديل في كل رجل يمر أمامك ، اسأليني أنا التي عانيت الأمرين لدرجة أنه قد يمد يده عليك فقط لأنك أعجبت بممثل في التليفزيون.
شهقت فتنة فهذه أول مرة تعترف عمتها أنها تعرضت للتعنيف الجسدي رغم شكها في ذلك، لكن جيهان كانت تنكر دائما أو تغير الموضوع .
شعرت بأنها على وشك البكاء لتعض على شفتيها المرتجفة وتقول:
-كمال عاش عمره بدون زواج لأنه لايريد تحمل المسئولية أعتقد سبب طلبه للزواج منك لأنك أعجبته لكن أنت الوحيدة التي ستخسرين خصوصا لو أثمرهذا الزواج عن أولاد ، لذلك أنا أرفض هذا الارتباط شكلا و موضوعا.
ردت فتنة بكسرة :
-من الذي سيرتبط بواحدة سبق لها الطلاق مرتان ؟
هذا إذا لم يعرف بقصة نادر والصور والسجن وغيرها من الفضائح الكفيلة بجعلي سيئة السمعة لدي الكل.
نزلت دموعها وهي تذكر كلمات هادي التي لازلت تؤلمها وتابعت:
-كنت فقدت الأمل حتى بأن أكون زوجة ثانية وليس الأولى لرجل لم يسبق له الزواج!
لذلك أنا موافقة على الأقل أجد من يحن علي مثل أبي .

وقفت جيهان وقالت بحزم:
-هو لايعلم بأنه سبق لك الزواج سوف أخبره ولنرى عندها ماذا سيكون رأيه .
تركتها ودخلت لغرفتها وهي عازمة ألا تجعل ابنة شقيقها تقع في الحفرة هذه المرة بل ستنقذها مهما كان الثمن.


❈-❈-❈

في بلد أيوب

في حديقة فيلا العائلة انتهت جمان من سرد القصة للأطفال فقالت درصاف:
-هيا لنذهب للحديقة انتهت حصة اليوم.
لترد سنان:
-سوف نفتح حضانة بعد قليل من أين جلبتم هذا العدد من الأطفال .
ردت در وهي تلبس يزيد معطفه:
-أصدقاء يزيد قمت بدعوتهم كي يجلس ويستمع للقصة لأنه يريد اللعب دائما.
نفضت جمان تنورتها واستقامت قائلة :
-فكرتك ممتازة الأطفال يحبون أن يمارسوا هواياتهم ضمن مجموعة لذلك هو يصغي لي عندما يكون معه أطفال آخرين .
خرجت مبروكة لتستمع لحديثها ثم قالت:
-لماذا لم تتزوجي حتى الآن ؟
التفت العيون لها زوج مستنكر و أخرى مصدومة والثالثة محرجة لتردف ببعض الحرج:
-أعني أنك جيدة في الطبخ صحيح لا تجدين اعمال المنزل لكنك  تجيدين التعامل مع الأطفال وشكلك جميل وأيضا تحملين شهادة فلماذا لم يتقدم لك أحد ؟
هزت درصاف رأسها في يأس وقالت بهمس:
-تخلف هذه القبيلة لا حد له.
ثم رفعت صوتها قائلة:
-إذن هي مجرد طباخة و خادمة ومربية لذلك يجب أن تتزوج صحيح .
لم تعلم بأن كلماتها جرحت المعنية أكثر من سؤال مبروكة إلا بعد أن قالتها لتغمض عينيها في غضب من نفسها لتسمع جمان ترد بصوت هاديء :
-نصيب ياعمتي .
مطت مبروكة شفتيها وردت:
-لابد أنك كنت ترفضين العرسان حتى كبرت كم هو عمرك أعتقد انك بعمر ابنتي أفطيم أو حارث صحيح .
لتصيح درصاف:
-خالتي!!
أشاحت مبروكة بيدها وقالت وهي تدخل المنزل:
-ماذا لا أستطيع أن أقول كلمتين دون تدخل إحداكن في الحديث، هذا ما نأخذه من البنات.
أخذت جمان تنظف الحديقة لتقترب منها درصاف وتقول:
-لم أقصد ماقلته أنا فقد تضايقت من أسلوب خالتي.
ردت عليها بابتسامة واهنة :
-لا تهتمي أنا لم أحزن ، كما أني لم أتضايق من كلام عمتي مبروكة فهي تذكرني بأمي رحمها الله.
التقط حارث آخر حديثها في الوقت الذي لم تعره درصاف اهتماما و أخذت ابنها لتخرج به للحديقة ساحبة سنان معها لتعاونها لتقول الأخيرة بعد أن خرجوا من الفيلا:
-هل ستتركين حارث مع جمان وحدهما عمتي لن تسكت؟
ردت دون اهتمام:
-دعك منها هي مشغولة في التجهيز للفرح الآن ، ثم ماذا سيحدث لو بقى معها هل سيأكلها مثلا؟
نظرت لها وقالت:
-ألا تغارين عليه أبدا ؟
وقفت در في وسط الشارع وقالت بتعجب:
-من هذه؟
تابعت سيرها وقالت:
-أنا لا اغار لا منها ولا من غيرها .
في حديقة الفيلا وقف حارث يضع يديه في جيب بنطاله وقال بحدة :
-لماذا تكذبين؟
شحب وجه جمان وردت:
-في ماذا كذبت عليك؟
رفع حاجبه و أنزله ليرد:
-حسنا لنبدأ من اسمك لقبك ليس بوعجيلة كما قلت ؟
لتقول بصوت مهتز:
-لم أكذب هو اسم جدي.
رفع حاجبه ود:
-حقا؟؟
إذا علي القول بأني حارث عثمان وليس الجعفري صحيح ؟
لم ترد ليتابع :
-وأنت لست من سكان العاصمة الأصلين بل والدك انتقل لها من مدينتك الأصلية صحيح ؟
أغمضت عينيها وقد شعرت بأن قلبها سيتوقف حتما، مادام عرف هذه المعلومات التي لا يعلمها إلا جيرانهم في العاصمة أو أهل والدها إذن هو حتما عرف بالسر الآخر .
يقول ببطء مميت بالنسبة لها:
-كما أنك لا تسكنين مع أمك كما زعمت .
كادت أن تقع لولا أنها استندت على الكرسي لتجلس عليه وقد تجمد الدم في عروقها ليقترب منها ويقول بنفس النبرة :
-من أنت بالضبط ياجمان وماهي قصتك كاملة؟
رفعت عينيها المهتزة له ليتابع:
-أريد الحقيقة كاملة وإلا لا تلومي إلا نفسك على ما سأفعله بك.


بعد يومين وصلت باكرا لمكتب الجوازات مع حارث كي تنهي أوراق الإقامة الخاصة بها لكن الزحام أجبرها أن تنظر دورها وعندما طال الوقت أخرجت هاتفها تقلب فيه ثم
كتبت في المنتدى:
-حسبنا الله في من آذانا، ومن ظلمنا، ومن ذكرنا بالسوء ، حسبنا الله وحده وكفى به وكيلا.

لم تنتبه للواقف بجانب كرسيها ليقول بصوت منخفض:
-على من تحسبنين لا تقولي علي أنا ؟
رفعت رأسها له بعيون متسعة فاغرة فاها ليتابع بتسلية :
-عندما تدخلين لمنتدى لا تضيعين اسمك الحقيقي و رقم هاتفك كي لا يتم اختراق حسابك بسهولة ، وعدلي شعرك الخارج من الحجاب.
لم تستوعب في البداية لتدخل بعدها تلك الخصلة الهاربة ثم نكست رأسها بدون رد ليقول باستمتاع غريب عليه:
-عليك غلق هذا الحساب اليوم.
رفعت رأسها بحدة وقالت عاقدة الحاجبين:
-لماذا؟
هذا هو متنفسي الوحيد ثم إني لا أتحدث مع أحد فقط أضع بعض الخواطر.
رفع سبابته ورد:
-المسروقة.
بعناد قالت:
-بل منقولة وأكتب مصدرها .
أخرج سيجارته يشعلها و قال:
-تكلمت معي وإلا كيف عرفت هويتك؟
حاولت التذكر متى فعلت ذلك لتخنها ذاكرتها فكتفت ذراعيها وقالت:
-هذا تعنت لا يجوز أن تطلب مني ذلك.
نفت دخان سيجارته ورد:
-لأنك أكبر مني؟
طحنت ضروسها و ضيقت عينيها لتنظر له بغضب وردت:
-لا أصدق بأني أكبر لابد أنك تسخر مني تبدو أكبر مني بعده أعوام .
نادوا على اسمها لتستقيم وتدخل للمكتب فذهب معها حارث ليهمس بأذنها قبل أن تدخل:
-لن أخيب آمالك وأريك جواز سفري لكن تأكدي بأنك تكبريني بعامين أبلة جمان.
سمع صوت طحنها لضروسها فكتم ابتسامة و رسم الجدية على وجهه في المكتب ليقوم هو بإنهاء الأمور والرد على الأسئلة كأنها مسئولة منه وللعجب لم تمانع هي بل شعرت بأنها تريد أن تعتمد عليه حتى لو كان لفترة مؤقتة بعد كل ما واجهته من تعب .


❈-❈-❈


في الدولة الأجنبية

الشتاء كان له أثر سيء جدا عليها عكس معظم الناس تكره هي الثلج جدا فهو يذكرها بالكفن الذي يلف به الميت ليتم دفنه ومازاد الأمر سوءا هي تلك العواصف التي تتخللها أصوات البرق والرعد لتجعلها تستيقظ كل يوم لتعيش أجواء القصف من جديد، حاول كثيرا التخفيف عنها واستشار حارث ليخبره بأنهم يعانون نفس الشيء مع سنان و يزيد وهو شخصيا لا يستطيع النوم أحيانا لكن الوضع عندهم أفضل لأن الشتاء ليس بقسوة البلد التي يقيم بها أيوب.
استغل أخذها لحمام سريع بعد عودتها من المعهد ليقوم بتحريك الاريكة ليضع مخدات على الأرض و يشعل بعض الشموع ولم ينس وضع البخور الذي تحبه لتخرج بسرعة دون أن ترتدي كامل ملابسها غير مصدقة لما شمته وهي بالداخل فقابلها بإبتسامة واسعه لتنحني على المبخرة تملا أنفها بتلك الرائحة التي تعشقها فهي تعيد لها ذكريات زمن كانت فيه شخصا آخر لا يحمل مسؤولية ولا يهتم لهموم الحياة أبدا .
أمسك كتفها العاري من الخلف و وقال بهمس:
-مارأيك بهذه المفاجأة ؟
عضت شفتيها كي لا تبتسم و ردت:
-بالطبع عمتي مبروكة بعثته لي وأنت الآن تدعي بأنك صاحب الفكرة.
أبعد يديه ليأخذ الكريم ويضعه على كتفيها برقة رسام يخشي أن يضغط على الفرشاة فتختلط الألوان أكثر من اللازم وتابع همسه:
-إذن لا تريدن معرفة المفاجأة الأخرى ؟
بدأت في الاسترخاء لتميل عليه دون رد فتابع مايفعله وعندما حاول إبعاد المنشفة عن ظهرها اعتدلت وشدتها لها ثم قالت:
-ماهي المفاجأة الأخرى ؟
أسند ذقنه لكتفها و قبل رقبتها قائلا:
-لقد تركتك تعبثين بجسمي كما تريدين بحجة المساج الآن جاء دوري
ابتعدت و التفت بجسدها لتقابله وردت في استنكار:
-أعبث في جسدك؟!!
دلكت ظهرك فقط ثم الوضع مختلف تعرف اتفاقنا لا تقترب من ندوبي أبدا .
سحبها لتجلس فوق حجره رغم أنهما يجلسان على الأرض و قال:
-أخبرتك سابقا بأني لا أنفر منها أبدا ، على العكس تماما إنها..
قبلته كي لا يتابع كلامه لتبتعد عنه بعد قليل وهي ترد:
-وأنت تعرف بأني لا أصدقك ، قلتها وقتها لغرض معين وقد نلته فلا داعي لتستمر في الكذب والآن ماهي المفاجأة ؟
أراد المجادلة وإخبارها بأنه لا ينفر من ندوبها لو طلبت منه أن يحلف على المصحف لفعل ، لكن حالتها هذه الأيام لا تسمح بهذا النقاش أبدا يكفيها خيالات الحرب التي لم تفارقها بعد ؛ ليقول وهو ينظر لصدرها بحاجب معقود:
-هناك تغير في الحجم كيف لم ألاحظ ذلك؟
رفعت مقلتيها للأعلى وردت:
-أنت مهووس تعرف ذلك؟
أبعد المنشفة ورد:
-لا أنا جاد هناك تغير واضح لا هذه مسألة لا يمكن السكوت عليها أبدا.
أمالها لتنام على ظهرها وخيم فوقها لتضحك قائلة :
-قل المفاجأة تم خذ مقاساتك كما تريد
بابتسامه عابثه رد:
-تؤتؤ تؤ، هذا تقصير لا يمكن التهاون عنه ويجب أن يكون العمل مضاعف هذه المرة كي لا يتكرر الخطأ
ردت باستنكار:

-هذه المرة ؟؟؟؟
ابتلع باقي كلماتها بشفتيه فرفعت يدها تضمه لها بقوة ، تحتاجه وتحتاج الشعور برغبته بها مهما حاولت التظاهر بالعكس وادعت بأن المسألة بينهما مؤقتة .

بعد فترة  كانت تنام بين ذراعيه مغمضة العينين كقطة متخمة بينما يمشط هو شعرها بيده ليقول :
-كينيا أم زنجبار؟
ردت دون أن تفتح عينيها :
-كينيا
لكن لماذا؟
ضحك ورد:
-اخترت دون أن تعرفي السبب هذا أكثر ما أحبه فيك، التسرع.
نظرت له بنصف عين:
-تحب في تسرعي فقط؟
قبل رأسها ورد:
-قلت أكثر ما أحبه فيه وليس الشيء الوحيد و أعني به عفويتك كي لا تأخذي معني آخر.
شدت الغطاء عليها دون رد ليتابع هو:
-بما أني استلمت مبلغا جيدا قررت أن نذهب إلى شهر عسل في مكان دافيء وقد وجدت أماكن جميلة بأسعار تناسب ميزانيتي لذلك كنت أخيرك هناك أكثر من مكان وقد حصرتها بين الوادي المتصدع أو ماساي مارا اختاري بينهما.
حاولت التحكم بنبضات قلبها كي لا تكشف له وردت:
-ماذا عن دراستي و عملك؟
رد وقد شعر بحماسها في نبرة صوتها:
-سوف آخذ إجازة وأنت يمكنك التأجيل أيضا لن نغيب كثيرا أسبوعين فقط، يكفي بأني لم أقيم لك الفرح الذي كنت تحلمين به.
لم تجبه لفترة فظن أنها نامت لتقول بعدها:
-منذ موت جدي قررت بأني لن أقيم فرح، هو أكثر من كان ينتظر رؤيتي عروس تزف لك، وقتها عرفت بأني أبدا لن أشعر بنفس الفرحة ولن أكون سعيدة في ليلة العمر.
كادت أن تقول بأنها نوعا ما ممتنة لخيانته التي جعلتهم يرضخون لطلبها بعدم إقامة فرح لتشعر به يضمها له أكثر وكأن ذلك ممكن ويقول:
-جدي لن يعود لكنه لن يكون سعيدا لو أوقفت حياتك؛ أتفق معك بأن الفرح بدونه لا معنى له مثل كل شيء آخر سنفعله لكن الحياة تستمر وعلينا عيشها بحلوها كما عشنا مرها، هذا ما تعلمته منه وأعتقد بأنك تعلمت ذلك أيضا .
تنهدت بقوة وحبست دموعها قبل أن تنزل لينقلب الوضع للحزن فهي تعرف بأنه هو أيضا يجاهد لحبس دموعه مثلها وربما أكثر .


بعد يومين استقلا الطائرة المتوجهة لكينيا فقد حصل على عرض ممتاز لم يقدر على تفويته ليمضيا شهر العسل في أكثر من مدينة حسب العرض السياحي ، نزلا أولا في نيروبي العاصمة والتي لم تكن مبهرة لهم إلا عندما ذهبوا للحديقة الوطنية بعيدا عن المدينة ليشاهدوا الحيوانات البرية ومنها ذهبا لمدينة مومباسا متخطين زيارة تلال نغونغ ، مدينة مومباسا أكثر مكان أعجب أشماس فبالإضافة لكونها ساحلية معظم سكانها مسلمين ليقضوا فيها أكبر وقت من الإجازة مستمتعين بخصوصية لعدم كثرة السياح و بمشاهدة الأعمال اليدوية المحلية التي يعشقها كلاهما لتكون بحيرة أنكور هي محطتهم الأخيرة قبل العودة ، حيث أصر أيوب على الذهاب لها لمشاهدة الطيور المهددة بالانقراض من ضمنها طائر الفلامنجو
لتكون رحلة العودة بعدها بروح مختلفة وقلوب زادت عدد خفقاتها.

❈-❈-❈

في بلد أيوب

جلست تفاحة بقرب مبروكة تكتبان قائمة المستلزمات لفرح سفيان لتقول تفاحة :
-هل سنقوم بعمل الحلويات هنا أم نشتريها جاهزة ؟
لترد سنان:
-لماذ نتعب أنفسنا أصلا المعازيم لن يتخطوا خمسون شخصا؟
تدخلت درصاف في الحديث قائلة :
-لا تنسي يوم عقد القران لابد أن سفيان سيقيم بعزيمة كبيرة للرجال ومعارف شقيقك وحدهم يتخطون الألف .
شهقت مبروكة تضرب صدرها في صدمة وردت:
-يا إلهي كيف نسيت ذلك حارث لديه معارف كثيرة هنا أين سيقيم العزيمة لايمكن أن تسعهم الحديقة أبدا .
مدت جمان أكواب السحلب الدافئة للجميع وقالت:
-لقد اتفق مع صالة مناسبات أعتقد بأننا سنقوم بالطبخ فقط.
رفعت هالة حاجبها ومالت تقول لعمتها:
-لماذا تتكلم كأنها من أهل البيت؟
القت عليها تفاحة نظره صارمه لتبلع لسانها فسالتها أفطيم:
-حقا لم أكن أعرف ذلك، لكن هل لدينا المعدات اللازمة للطبخ لكل هذا العدد؟
كانت درصاف تحاول تبريد السحلب لابنها عندما قالت:
-لا تحسبوني معكم لن أضع يدي في شيء أبدا ، أقصى مايمكنني فعله الإشراف .
مطت مبروكة شفتيها وردت:
-لا نريد شيئا من وجهك اكفنا لسانك واهتمي بابنك فقط.
تخصرت سنان وقالت:
-ولماذا لا تفعل شيئا أليست أخت العريس؟
أنا أيضا لن أساعد .
ردت عليها مبروكة بنبرة لينة :
-لا أنا لا أستطيع الاستغناء عنك أبدا كما أن نفسك في الطبخ لا مثيل له ليس مثل تلك التي لا تجيد طبخ البكبوكه.
تهللت أسارير سنان لتقول بسعادة :
-معك حق سوف أساعدكم أعرف بأن نفسي هو الذي يجعل للأكل طعم مختلف.
زمت أفطيم شفتيها كي لا تضحك بينما كانت جمان تنظر لهم بسعادة غامرة ، هذه العائلة لا تشعرها أبدا بأنها مجرد عاملة عندهم لقد احتضنوها دون أن يعرفوا قصتها الحقيقية وجعلوها فردا منهم لدرجة أنها باتت تتناول الطعام معهم على نفس المائدة بل وتتدخل في نقاشاتهم كفرد منهم ، سنان أكثر من تحبها بينهم لأنها تجاكرها وتتشاجر معها كأخت بل إنها تغضب منها و تصالحها أيضا ؟
أفطيم متحفظة معها في البداية ظنت بسبب كونها تعمل عندهم لتعرف بعدها أن هذا حالها مع الجميع، درصاف حالة خاصة أحيانا تراها متكبرة وأحيانا أخرى لا لذلك باتت تتجنب التعامل المباشر معها لتتجنب حدة لسانها الذي قد تكون لا تعني به جرح الذي أمامها في أحيان كثيرة .
الوحيد الذي لم تحدد صفته أو طريقة التعامل الصحيحة معه بعد هو حارث!
لا إرديا تفكر فيه أكثر من العادي، لن تمني نفسها وتقول بأنها تحبه فهذا ضرب من ضروب الخيال طبعا، ليس لأنها تكبره في السن ولا لأنها تعمل لديهم بل لأنه غارق في حب طليقته كما عرفت من مبروكة والجميع ينتظرعودتهما القريبة ، حتى من دون تلك الحبيبة لا توجد لها فرصة معه فكيف ينظر شخص كحارث بكل ما فيه من رجولة وحنان و مميزات لا حصر لها لفتاة مثلها ؟؟؟
-جمان جمان
أخرجها صوت النداء من أفكارها لترمش عدة مرات فقالت تفاحة بابتسامة :
-الذي أخذ عقلك ؟
احمرت وجنتيها وحاولت البحث عن كذبة تسعفها لتقول مبروكة :
-ألم تقولي بأن والدتك متخصصة في صنع الحلويات؟
ردت بحماس:
-نعم لا أحد يجيد الحلويات مثلها أبدا كان الحجز لديها يصل لأشهر.
لتقول سنان بسرعة :
-ممتاز إذن هي ستصنع لنا الحلويات.
أومأت لها مبروكة لتقول:
-هذا ماكنت أفكر فيه، ما رأيك أن تحضريها معك لنتعرف عليها من وتساعدنا في الحلويات .
هربت الدماء منها لترد بصوت متحشرج:
-غير ممكن ..أعني أنها مريضة لا تخرج من البيت أبدا .
لتقول سنان:
-ما المشكلة حارث يجلبها بسيارته كي لا تتعب في المواصلات
ساندتها هالة :
-نحن نساعدها هي عليها مزج المكونات فقط .
اغتصبت ابتسامه لترد:
-سوف أسألها وأرد عليك بالتأكيد .
استأذنت بعدها لتعود لمنزلها فقد تأخر الوقت وهي تعلم بأنها ذاهبة بلا عودة .
❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

قالت أشماس عبر الهاتف:
-أريد أن أعرف ماهو وجه اعتراضك هذا عاشر تصميم أريه لك، اخبريني ماهو تخليك لفستان الزفاف من فضلك.
ردت عليها بحدة :
-أنا أصلا لا أريد أن أرتدي واحدا ، بل لا أريد أن أتزوج من الأساس أنتم من تخططون لكل شيء كأن موافقتي أمر مسلم به.
تابعت أشماس تفقد فساتين الأفراح بينما ترد عليها بسماعة الهاتف:
-ولماذا ترفضين ماهو اعتراضك على سفيان؟
لم تعرف بماذا تجيب بداخلها ألف سبب للرفض خصوصا تلك الكذبة التي لا يصدقها عقل طفل لكنها لم تستطع البوح بها لترد بغضب:
-لقد جربت نصيبي واكتفيت من الزواج لتبحثوا له عن عروس أخرى .
أعجبها أحد الفساتين فوضعته عليها وحركت جسدها أمام المرآة وهي ترد:
-هو لايريد غيرك ثم هل تحسبين تلك زواجة بالله عليك؟
اسمعي أنا لم أحضر حفل زفافك المرة الماضية لذلك ستقيمين واحدا من أجلي مفهوم.
المهم هل حجزتم صالة أم سيكون الحفل في الحديقة كما قالت عمتي؟
ردت هالة التي كانت تتسوق مع أفطيم :
-القاعة حجزها حارث و جمان، اسمعي لا أحب تقربهما كان من الأولى أن يأخذ درصاف معه.
ردت عليها ببعض الاستغراب:
-متي حدث ذلك ؟
آه تقصدين قاعة عزيمة عقد القران؟
ردت هالة بإيجاب لتقول لها:
-جمان لم تكن معه وقتها أصلا أيوب هو من اقترح عليه المكان ؛ لكن تعالي هنا هل هناك ما يجري من خلفي؟
ردت أفطيم:
-لا يوجد شي هالة فقط لا تحب جمان.
ردت هالة فورا:
-لا طبعا القصة ليست أحبها أو لا القصة أني أشعر بأن هناك شيئا يجري بينها وبين حارث في الوقت الذي تجمدت علاقته مع درصاف.
دفعت أشماس ثمن الفستان الذي اختارته و خرجت من المحل لتجلس على أقرب كرسي حجري و ترد:
-أولا درصاف هي التي لا تحاول مع حارث لعلمك لقد حاول أن يأخذ رأيها في الصالة وأثاث غرفة سفيان هي من رفضت المشاركة بحجة أن رأي أفطيم هو المهم.
بعناد ردت هالة:
-حتى لو أنا لا أوافق على دخول طرف آخر في العلاقة، خصوصا وأنا أشاهد بعيني أنها تحاول مع ابنها بل لقد تقدمت كثيرا وأصبح شبه متعلق بها.
لتقول أفطيم:
-رغم أني في صف در بالطبع لكن علاقتها بيزيد ليس لها أي دخل في علاقتها بحارث، أعني من الطبيعي جدا أن تفعل ذلك ليزيد لكن حارث أمر مختلف.
لتؤيدها أشماس:
-أتفق ، هالة أنت لم تكوني حاضرة منذ بداية زواجهما لذلك تحكمين من منظورك فقط، حارث قدم الكثير لدرصاف لا أعني ماديا فقط بل هو تحمل أشياء لا يتحملها أي رجل آخر في مكانه بينما هي لم تحاول حتى التخفيف عنه بعد كل ما مر به.
تقبضت هالة وردت:
-هل ستوافقن على ارتباطه بتلك الجمان ؟
زفرت أشماس و ردت:
-لايوجد شيء بينهما أؤكد لك ذلك، الأمر أن حارث يساعدها لأنه يعرف ظروفها فقط، لمعلوماتك لقد تحدثت معها أكثر من مرة ولا أعتقد أبدا أنها من النوع الذي تظنينه.
أما أفطيم فقالت:
-بغض النظر عن جمان وغيرها أنا أرى أن من حق حارث بالذات أن يجد إنسانة تحبه وتعوضه ، جف لساني وأنا أحاول مع درصاف أن تتقرب منه وهي ترفض لذلك بت مرحبة لفكرة ارتباطه من غيرها.
نظرت لها هالة بحقد وقالت:
-خائنة.
تنهدت وردت:
-أنت لا تعرفين ما يفعله الخذلان بالرجل، صدقيني عشت مع أخي عبدالخالق حزنه ورأيت كيف كُسرت نفسه عندما خدعته ابنة خالي عوض بعد أن كان غارقا في حبها للنخاع وينفذ لها جميع طلباتها بل إنه تحدي أبي وأمي وخطبها دون رضاهم ليعلم بعدها أنها مخطوبة لغيره
شهقت أشماس وقالت:
-هل كانت بينهما علاقة؟
كنت أظنه معجب بها فقط.
ترقرقت الدموع في عيني أفطيم وردت:
-بل كانت هناك والخبيثة كانت تطلب منه هدايا غالية ومال بل إنها اختارت معه أسماء أطفالهم والآن تنزل على صفحتها كم هي سعيدة بزواجها وكلام عن عشقها لزوجها وعشقه له.
لتقول هالة:
-آسفه بشأن شقيقك لكن الأمر مختلف.
لتقاطعها أشماس:
-أعتذر منكن حارث على الخط الآخر .
أغلقت الخط لتقول أفطيم:
-بل أسوأ لأن حارث عاش معها وتحمل طباعها دون شكوى، عبدالخالق أخرج كل مشاعره أما حارث فهو يكتمها بداخله لأنه يحترم سفيان، الرجال أيضا يجرحون وجرحهم يصعب تطبيبه.

ردت أشماس على حارث قائلة :
-جيد أنك اتصلت هل وجدت لي حلا في قصه أيوب و والده؟
رد عليها:
-لا لكني أعتقد بأن عليه الابتعاد قليلا، المسألة معقدة وأيوب يرفض الحديث عنه أصلا ما رأيك أن تقدموا زيارتكم.
هزت رأسها وقالت:
-لا أعرف لم أنتهي بعد و أيوب لديه عمل أيضا ثم ماذا ستكون الحجة حتى لو أجلت الدراسة ؟
فكر قليلا ورد:
-يمكننا تقديم فرح سفيان هذه أفضل حجة ، ربما عندما أتكلم مع أيوب وجها لوجه أستطيع إقناعه بمقابلة والده.
راقت لها الفكرة فهي قد اشتاقت كثيرا لأهلها لتتذكر حديثها مع هالة وتقول:
-وأنا أيضا أريد الحديث معك ومع صديقتك الجديدة
عقد حاجبيه وقال:
-أي صديقة تلك؟
ردت:
-جمان التي بت تتعمد تجنب الحديث عنها، كأني لا أعرفك جيدا.
حك رأسه وقال:
-لا يوجد ما أخبرك به، هذا كل مافي الأمر ثم دعك منها اسمعي أريد منك بعض الأشياء لتجلبيها لي سوف أرسل لك المال.
ردت بحماس:
-لا ترسل شيء سآخذه منك عندما أعود اخبرني فقط ماذا تريد ولمن؟

أغلقت الهاتف وأسرعت تذهب لعمل أيوب لتريه الفستان الذي اختارته لأفطيم وقالت:
-من دون غضب لقد أخبرتك بأني سأشتري لها هدية صحيح .
لم تتغير ملامحه ورد:
-عندما أراه عليك سأخبرك إذا كنت غاضب أم لا
رمشت بعينيها وردت:
-كيف تراه على ؟
هذا فستان أفطيم كما أنه حتما ليس مقاسي
مال يهمس بجانب أذنها :
-بل سترتديه وأنا من يخلعه عنك يكفي بأني حرمت من خلع الفستان الآخر .
عضت على خدها من الداخل كي لا تضحك وردت:
-منحرف..
لو صبرت لكن رأيت ما اشتريته مخصوصا لك أفضل من هذا الفستان بكثير.
لمعت عيناه وكاد يفتح فمه عندما تغيرت ملامحه فجأة للنقيض وهو يركز عينه لنقطة خلف كتفها لتلف رأسها وتنظر لما ينظر إليه فوجدت والده يتقدم منه مع فتاة شقراء في بداية العشرين من عمرها.


❈-❈-❈


بعد أقل من أسبوع وصلت طائرة تقل أيوب و أشماس ليجدا حارث في استقبالهما وقد لاحظ أن هناك توتر بينهما، فبعد أن سلم على أيوب الذي بدا كالغريق يحتاج لمن ينقذه على العكس منه كانت أشماس فقد بدت سعيدة بالعودة وتعمدت أن لا تتحدث مع زوجها خصوصا عندما وصلوا للفيلا ليجدوا يزيد و سنان وسفيان في استقبالهم بالطبع ، يزيد كان الأكثر فرحان يحرك يديه و قدميه في سعادة واضحة مع ضحكات عالية تنشر السعادة في الأجواء لتنحني أشماس واضعة ركبتها بقرب الأرض فأسرع يقفز في حضنها لتقبله بحنان وتقول:
-كبرت ياحبيبي.
وضع كفيه الصغيرين على خدها وقال:
-ماش بيبي ماش تات
يعني أشماس حبيبتي جاءت لتنزل دموعها وتقبله مرة أخرى بقوة ثم تستقيم حاملة إياه بين يديها وتلوح لسفيان الذي سلم على أيوب ثم اقترب منها يقول بمرح:
-أخيرا هلت علينا أشماس لتزيل العتمة و تنير المكان.
قام أيوب بالتربيت على صدره بقوة وقال:
-النور نورك ألم تلاحظ أنها جاءت مع زوجها؟
ضحك سفيان وقال:
-حبيبي يا أيوب تعرف بأنها مثل درصاف عندي أعني أشماس وضع خاص لا يجب أن تغار عليها مني؟
خلع حارث نظارته وقال:
-من يأخذ على عقل هذا الأبله يكفي أنه أراد أن يقيم فرحه قبل رمضان بأسبوع فقط.
دخلوا لفيلا حارث ليجدوا عبدالخالق يقوم بتقطيع الخروف فقام أيوب بالسلام عليه قبل يترك هو مابيده وبدأ الشباب في مرحهم السابق كأنهم لم يفترقوا يوما الأمر الذي جعل أيوب ينسى حزنه الذي خيم عليه لأكثر من أسبوع مضى

دخلت أشماس تحمل يزيد لفيلا العائلة لتستقبلها زغاريد وغناء (الشتاوى) الخاص بالعروس لتقوم سنان بربط ايشارب طويل على خصر الأولى التي تسمرت مكانها ولم تعرف ماذا تفعل فقامت درصاف بوضع يديها على خصرها لتحركه لها بعد أن أخذت منها يزيد لكن أشماس لم تستطيع الرقص بل غطت وجهها بيديها من الحرج لتبعدها سنان وتقوم هي بالرقص بطريقة مضحكة لتنهي حرج عمتها التي أسرعت ترمي نفسها في أحضان مبروكة وتبكي لسبب لاتعرفه ولم تبخل عليها مبروكة بالدموع لتتلقاها بعهدها أحضان درصاف و أفطيم على التوالي قبل أن تبعدهن سنان التي كان بكائها بصوت عال وهي تقول:
-اشتقت لك يا رائحة أبي لا تتركيني مجددا فقد كنت أشعر باليتم وأنت بعيدة عني.
ضربتها مبروكة بأطراف أصابعها على كتفها وقالت:
-وماذا أفعل أنا إذا كنت يتيمة من غير أشماس؟
ألست أمك يا جاحدة؟
ضمتها أشماس لصدرها بقوة ولم تستطع الرد من شدة بكائهما لتقول أفطيم:
-إن لم تكفى عن ذلك سوف أنادي حارث ليفرقكما ، هيا أنت وهي كل لقاء ينقلب الوضع لعزاء بدلا من الفرح.
نزعت سنان نفسها من حضن عمتها ولم تتوقف شهقاتها لترتمي في حضن مبروكة ليجرى يزيد و يحتضن أشماس مرة أخرى .
مرت أكثر من ساعة حتى توقفن عن البكاء لتغير أشماس ملابسها وتجلس تتبادل معهن الحديث عندما نادى عبدالخالق على أمه يعطيها اللحم لتحضر الطعام لتقول باستغراب:
-أين حارث أريده في أمر هام.
دخلت للمطبخ تحضر الطعام ليدخل عليها حارث بعد قليل فقالت:
-جمان لم تأت منذ أربعة أيام
ليرد عليها:
-ألم تقولي بأنها مريضة ؟
وضعت اللحم في القدر وردت:
-هذا ما أخبرتني به في البداية لكن أظن بأن الأمر متعلق بأمها ، ربما تضايقت عندما طلبنا منها أن تساعنا.
عقد حاجبيه وقال:
-ماذا حدث بالضبط أريد التفاصيل كي أفهم .
قصت عليه ماحدث وتبعته:
-كنت سأعطيها ثمن مساعدتها لكني لم أقل أمام الباقين لأنها حساسة جدا ولم أشأ أن أحرجها.
هل تطن بأنها تضايقت من طلبي؟
قبل رأسها وقال:
-سوف أرى الموضوع لا تشغلي بالك أنت .
لترد عليه:
-الفتاة دخلت قلبي بالله عليك طيب خاطرها واجعلها تأتي للفرح .
قلت لا تقلقي عمتي غدا تكون عندك.

خرج ليخرج هاتفه ويبحث في المنتدى عنها باسمها الجديد ليجدها وضعت منشورا منذ ثلاثة أيام :

-فلتجري الرياح كما تشتهي..فلم تعد سفننا تشتهي شيئا..!

ومنشورا آخر بعدها بيوم:

-الباب مكسور ونافذتي ذوت
قل للرياح العابثاتِ تمتعي

قلب في صفحتها ليجدها وضعت منشورا منذ ساعة:
-أنا مُجهد ..
واتيت بقاربي المهترئ
الى شواطئك العذيّه لأرتاح ..
كسّر مجاديفي وهرب ..
وحُطام القارب المسكين ..
نصفهُ في البحر ..
ونصفهُ الآخر تذروه الرياح ..

كتب لها:
-ألن تتوقفي عن السرقة من غيرك؟

انتظر لدقيقة لترد عليه:
-لماذا تدخل صفحتي مادمت سارقة؟

طلب رقمها لترد بعد رنتين فقال:
-كم مرة أخبرتك ألا تردي على أحد في المنتدى ؟
جزت على أسنانها وقالت:
-لأني أعرف بأنه أنت ثم لماذا أسمع كلامك أصلا ؟
عاد له شعور بالمرح وهو يثير غضبها ليقول:
-رغم أنك أكبر مني في السن إلا أنني أعرف مصلحتك جيدا.
سمع صوت تنفسها العالي ليعرف بأنها تغلي فتابع:
-لماذا لم تأت منذ مدة ، تعرفين بأن أشماس وصلت صحيح ؟
أجابته بدهشة :
-حقا؟
لقد نسيت.
ظهر الحزن في صوتها وهي تتابع:
-لا يمكنني العمل عندكم بعد الآن ، سوف تنكشف قصة أمي بصراحة لا أتحمل نظرة الخيبة في عيني عمتي مبروكة عندما تعرف بأني كذبت عليها.
شعر بحزنها ليقول:
-انسى قصة العمل هنا لقد وجدت لك عملا في حضانة دولية هذا أفضل لك، لكن عمتي تحبك جدا وهي تشعر بالحزن لغيابك ، اسمعي عليك أن تقابلي أشماس أولا وبعدها سوف نرى قصة أمك هذه.
تنهدت وردت:
-لايوجد حل ياحارث لو عرفوا الحقيقة لن يسامحوني وقد ينظروا لي بنظرة سيئة أعني كيف يتقبلون فتاة تركت بلدها وسافرت وحدها هذا غير قصة فتحي ابن عمي طبعا.
لا يعرف لماذا قصة ابن عمها بالذات تصيبه بالغضب ليقول بحدة :
-لا تجلبي اسمه على لسانك مرة أخرى مفهوم.
أشعل سيجارته ونفث فيها قبل أن يتابع:
-وجدت لك شقة صغيرة بقربنا الحي الذي تسكنين فيه غير آمن .
اترد بحده:
-حارث لا تكن مبالغا الحي جيد ثم أنه من المستحيل أن أقدر على إيجار شقه عندك .
نفث دخان سيجارته وقال بحسم:
-غدا مساء تجهزين حاجتك سوف أمر عليك مع أشماس لتنقلي سكنك هنا.
أغلق الخط قبل أن ترد عليه الأمر الذي جعلها تشتاط غيظا وتقول :
-من يظن نفسه لن أتحرك من هنا وليفعل مايشاء؟



في الليل نام يزيد على قدمي أشماس لتقول درصاف:
-هاتيه سوف أحمله لغرفته.
ردت عليها وهي تعدل رأسه :
-لا اتركيه سوف ينام اليوم معي لقد اشتقت له كثيرا
رفعت مبروكة حاجب و أنزلت الآخر قائلة :
-ماذا يعني ينام معك ألن تذهبي مع زوجك؟
هزت رأسها بالنفي
فضيقت الأولى عينها وقالت:
-تعالي معي لغرفتي
وقفت متوقعة أن تقف المعنية أيضا لكنها لم تفعل لتهدر بها:
-أشماس تعالي الآن.
أسرعت درصاف تأخذ ابنها بينما وقفت أشماس مرغمه وذهبت مع عمتها لتدخل الغرفة و تغلقها ورائها قائلة :
-لماذا لا تريدين الذهاب مع زوجك ألم يتم زواجكما؟
هزت رأسها بنعم مع احمرار في وجنتيها، لتتابع مبروكة وهي تضرب يدها بالأخرى:
-مادام دخل بك وتعيشين معه كزوجين منذ أشهر لماذا هذا الحركات أمامنا ؟
أم تظنين أننا لا نعرف ماذا يحدث بين المتزوجين؟
اشتعل وجهها وقالت:
-عمتي ماهذا الكلام؟
جلست على سريرها وردت:
-كلام الحق ياحبيبتي ، حركات البنات هذه ولا أكلم زوجي في منزل أهلي بل يظل كلا منكما في غرفة بحجة العيب لا تنفع، كلنا نعرف بأنكما متزوجان إذن اذهبي إليه و نامي بقربه بل حتى الغداء والعشاء معنا اليوم فقط لأننا نحتفل بك بعدها لا أريد رؤية وجهك على الغداء إلا وهو معك.
عقدت يديها وردت:
-نحن أصلا متخاصمان لذلك لا أريد رؤيته.
ضربة كفها بالاخر وقالت:
-لا إله إلا الله ولماذا تخاصمتما ياحبيبة عمتك أنت الأخرى ؟
قامت بفك عقدة شعرها و ربطتها مرة أخرى لتقول بعدها بتوتر:
-لأنه غسل مفرش السرير.
رددت بغباء:
-غسل المفرش؟
لم أفهم ما المشكلة لو غسل المفرش هل أفسده مثلا؟
هزت رأسها وردت:
-إنه المفرش الذي أخبرتني أن أخبئه
ضيقت عينيها و ظهر عليها علامات التفكير لتقول أشماس:
-المنديل ياعمتي ، أعني هو لم يستخدم منديل لكن المفرش كان عليه قطرات دم فقمت ب..
رفعت مبروكة حاجب الشر و أسندت ذقنها ليدها قائلة :
-وأنت نكدت على الرجل لأنه غسله؟
ابتلعت أشماس ريقها دون إجابة لتتابع عمتها:
-طبعا بنت خيرية تبحثين عن النكد بملقاط
تخصرت وردت:
-بل هو الذي يصر على التقليل من عاداتنا ، أنا كنت أضعه في الخزانة بعيدا عن باقي المفارش من طلب منه غسلها بالذات ؟
قاطعتها قائلة:
-وهل كان يعرف ؟
نظرت له أشماس ببلاهة لتتابع مبروكة :
-هل كان يعرف بأنك لاتريدين غسله أو أنك استعملته كمنديل لدم عذريتك أصلا ؟
اسمعي صحيح بأني من طلبت منك جلبه لكن لن ألوم عليه، فهو لايعرف عاداتنا وأنت لم تخبريه إذن الأمر منتهي.
أشاحت بوجهها وردت :
-حتى لو كان عليه الاعتذار على الأقل وأنا لن أذهب له أبدا.
ردت بصرامة :
-أشماس يا ابنه أخي أنا متأكدة بأنك أسمعته كلاما قاسيا ومسحت به القارة كلها لذلك الآن ستذهبين له وتبيتين معه وإلا...
ضربت الأرض بقدمها في حنق و خرجت من غرفة عمتها تفكر في طريقة لتذهب معه دون أن تهين كرامتها بينما قالت مبروكة في سرها:
-اللهم احفظ أشماس ابنة عبدالخالق لزوجها واحفطه لها وأدم عليهما نعمتك يا كريم ياحفيظ.

أحكمت الحجاب على رأسها و دخلت فيلا حارث لتجد الشباب متجمعين في الحديقة أمامهم الارجيلة لتقول بصوت عال :
-كيف حالك عبدالخالق لم أسلم عليك جيدا.
ابتسم أيوب ليقف عبدالخالق وقال:
-بصراحة بت أخاف أن أسلم عليك مثل السابق يقوم زوجك بضربي أنا الآخر
ليرد حارث:
-ها ها كف عن الاستظراف افعلها وأنا من سأقطع يدك وقتها
قرب أيوب حاجبيه وقال:
-كيف كان يسلم عليها سابقا؟
ضحك سفيان ورد:
-صدقني لا تريد أن تعرف، ضع في اعتبارك فقط بأننا كنا نتعامل معها كأحمد.
وقف واضعها يديه حول كتفها وقال:
-لأنكم عديمو النظر هيا أشماسي دعك منهم ولنعد لمنزلنا
ليقول حارث:
-سأوصلكما
لم تكن فيلا أيوب بعيدة بل يمكن الذهاب لها مشيا على الأقدام لكن حارث أراد الحديث مع أشماس و أيوب هذا مافهمه الأخير وفعلا هذا ماحدث بمجرد وصولهم للفيلا حيث جلس حارث في الصالة وقال:
-أريد أن أخبركم عن قصة جمان لكن لا أريد لأحد غيرنا أن يعرف عنها شيئا.
❈-❈-❈

بعد أسبوع تم عقد القران في فيلا حارث ثم انتقل الشباب للصالة التي أجرها حارث ليستقبلوا المعازيم بينما بقت النساء تجهز باقي الطعام ، لتقول تفاحة :
-إذا ماذا حدث عندما دخل والده للمعرض؟
قلبت أشماس البطاطا المبطنة وردت:
-صدم مثلنا فهو لم يكن يعرف بأن أيوب يعمل هناك بل جاء مع ابنته كي تختار قائمة الأثاث أو شيء كهذا.
قاطعتها درصاف:
-تقصدين قائمة هدايا العروس
عقدت مبروكة حاجبيها وقالت:
-ماذا تعني لم أفهم ؟
ردت درصاف:
-هذه عادة عند الأجانب عندما تتزوج الفتاة تذهب للمحلات وتختار ماتريده لمنزلها والضيوف يشترونه لها.
ضربت تفاحة و مبروكة على صدريهما وقالت الأخيرة :
-تشحت الهدايا؟
ضحكت الفتيات بصوت عال لتتابع أشماس:
-المهم والده لم يقترب منه بل إنه تقريبا تعمد أن يتجاهله خصوصا عندما جاء خطيب ابنته وقام بتقبيلها أمام الجميع.
لوت مبروكة فمها لتقول تفاحة :
-الستر يا الله.
لتقول سنان بفضول:
-وماذا حدث بعدها؟
أخرجت البطاطا لتضع القسم الآخر وردت:
-لا شيء خرج أيوب فورا طبعا وحجز التذاكر في اليوم التالي لأبدأ أنا رحلة التسوق السريعة
نظرت لدرصاف وتابعت:
-أعتذر حقا كنت أود جلب لك هدايا أكثر لكن الوقت لم يسعفني .
ابتسمت له وقالت:
-يكفي ما أحضرته حبيبتي
لتقول سنان :
-لا أنا أريد أكثر اسمعي هذه المرة سامحتك لكن عليك شراء المزيد لي بعد أن تعودي فورا مفهوم.
اقتربت جمان منها وقالت :
-دعني أنهي الباقي أنت تعملين منذ الفجر.
استندت على ذراعها لتستقيم وردت:
-شكرا جمان لقد تعبت فعلا ظهري يؤلمني جدا منذ أيام .
ابتسمت وقالت:
-سلامتك عندي مسكن سوف أعطيه لك بعد أن انتهي.
لتقول تفاحة :
-جمان هل أنهيت السلطات؟
أومأت لها وردت:
-نعم أنهيتها مع هالة تأكدنا من تغليفها جيدا الشاب أخذوا كل شيء حتى الفواكه ، لم يبق سوى البطاطا المبطنه والكسكسي حارث سيأخذها معه.
لتقول سنان:
-أفطيم عروس فهمنا أنه لايجوز أن تشارك معنا لكن السيدة درصاف لماذا لا تفعل معنا شيئا ؟
لعبت لها حاجبها وردت:
-انا أخت العريس أشرف عليكن فقط.
لترد عليها بحنق:
-هذا ظلم في فرح حارث كنت أساعد ولم تدعني أمي أرتاح
رمشت عدة مرات لتغيظها أكثر و قالت:
-لقد طويت المناديل واخترت معك ديكور الطاولات يكفيني هذا ثم إني أهتم بيزيد و بلقاسم.
تدخلت أشماس قائلة :
-يزيد حبيبي الغالي تعرفين رغم أني أستبعد الفكرة لكني أتمنى إنجاب فتاة لتزويجها له ويب..
قاطعتها درصاف غير مدركة لذلك الذي يقف على بعد خطوات منها:
-لا طبعا لن أسمح لابني بأن يفرض عليه أحد أو يتزوج من القبيلة أصلا يكفي بأنه تم إجباري على الزواج من...
-حارث!
انتهى الفصل ولم تنتهي الحكايه
ريما معتوق









.








.












.





 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now