الفصل الثامن عشر

1K 53 15
                                    

الفصل الثامن عشر

كلما تقدم خطوة أبعدته عنها أميال ؛ يعرف طبعها المتمرد جيدا و جزء كبير ِمنه كان موقنا بأنها لن توافق على طلبه بخصوص سفيان، لكنه أراد أن يختبر مكانته عندها أو ربما رغب في سماع كلمات تطرب قلبه رغم يقينه بعدم صحتها!
لا يعرف السبب الحقيقي وراء طلبه ذلك كل ما يعرفه أنه أراد منها أن تؤكد له أن مكانته عندها تفوق مكانة سفيان
وقد خاب ظنه!
على بعد أمتار منهم أنزل عياد هاتفه النقال بعد أن التقط لهما معا صورة قبل أن يقترب وقد التمعت عينيه مثل الضبع الذي وجد صيدا سهلا:
-أهلا وسهلا بابنة العم ومن معها.
وصل صوته لأذنها مثل فحيح الأفعى لتلتفت له في قرف واضح وقد زاد انعقاد حاجبيها دون أن ترد؛ أما أيوب فقد تحفزت كل خلاياه ليتقدم ويقف كحاجز بينه وبين أشماس في حمائية واضحة جعلت عياد يبتسم  باستهزاء وكاد أن يتكلم ليقاطعه رؤوف الذي مد يده بكوب قهوة لأيوب وآخر لأشماس ثم قال باقتضاب لعياد:
-أهلا
كلمة واحدة شرحت كل مشاعر القرف والنفور التي يحملها له لتأتي درصاف وقالت وهي تحتضن يد أشماس :
- لقد اقترب وقت طائرتنا لنذهب الآن و روؤف سيوصل أيوب .
لم تعطها الفرصة للاعتراض أو حتى توديعه بنظرة ، بل جرتها من ذراعها التي تأبطتها وذهبت في اتجاه الرحلات الداخلية .
أما عياد فقال باستهزاء واضح :
-هل جئت خصيصا لتودعني ؟!!
رد عليه رؤوف ببرود :
-لا طبعا لقد جئت كي أودع أيوب فهو مسافر لبلده كما أنني سأذهب مع در صاف و أشماس لمدينتنا بعد أن تقلع طائرة أيوب.
رغم الصفعة التي تلقاها للتو لكنه تابع بنفس النبرة وهو يرمق أيوب بتعالٍ وغل واضح:
- حقا جئت كي تودعه!!!
ألم يذهب مع عمي إبراهيم من مدة متى عاد كي يذهب مرة أخرى ؟
رد أيوب بنبرة صارمة محاولا التحلي بالصبر كي لا يخرج غضبه في هذا المتبجح البغيض :
-واضح أننى أشغل تفكيرك لدرجة جعلتك تتتبع أخباري و تعرف متي وأين ذهبت بل مع من أيضا، أم أن الفراغ جعلك تفعل ذلك؟!!!
ألقى عياد الحقيبة التي كانت على كتفه بعنف وتقدم من أيوب ظنّا منه أن الأخير سيتراجع في خوف لكنه لم يفعل فقال وهو يحرك ذراعيه في الهواء ملوحا بهما بصوتٍ عالٍ :
-كيف تتكلم معي بهذه الطريقة هل نسيت نفسك؟
أمسك رؤوف ذراعيه لينزلهما وقال بصوت منخفض ونبرة خطرة :
- أنت من نسيت نفسك.
بهت عياد وعاد للخلف ليتابع روؤف بنفس النبرة :
- توقف عن أسلوب التهويش الذي لم يعد يجدِ نفعا؛ سبق وحذرك سفيان و حارث من الحديث مع أيوب بهذه الطريقة فهو أصبح منا و أنا الآن أعيدها عليك للمرة الأخيرة إياك أن تتجاوز معه وإلا
ليهدر به عياد وقد نفرت عروق رقبته :
-وإلا ماذا؟
هل تفضل الغريب وتنصره علي أنا ابن عمك؟!!
نقره رؤوف في صدره بإصبعه قائلا:
-ليس هو الغريب بيننا؛ ثم توقف عن مقارنة نفسك بالغير حتى لا تخسر مكانتك.
بتعالٍ قال عياد وهو يلوح بتذكرة الطائرة:
- مكانتي عالية ومعروفة لمعلوماتك الخاصة أنا متجه الآن إلى أعرق جامعات أوروبا بعد أن نلت درجة عالية في الثانوية العامة وسوف أعود بشهادة عليا كطبيب معروف وليس مجرد عامل أو عسكري أو راعي مواشي
هز رؤوف رأسه ورد وهو يعطيه ظهره:
-اذهب لحال سبيلك النقاش معك تقليل من قيمتنا.
تركه يحترق بغله و اتجه مع أيوب لبوابة الرحلات الخارجية لينهي إجراءات الأخير،
بعد أن ابتعدوا قال لأيوب وهو يطلب كوب قهوة مركزة من أحد الأكشاك الموجودة في المطار:
- أعتذر عن الموقف السخيف الذي حدث منذ قليل؛ عياد دائما هكذا يحب أن يستعرض عضلاته.
أخذ منه كوب قهوة آخر بعد أن رمى الأول واجابه :
- هل كنت تعلم بتواجده هنا لذلك أحضرت درصاف معك؟
رد رؤوف بتلقائية وهو ينظر في ساعة يده :
-لم أكن أعرف طبعا بل أحضرتها كي تكون عودة أشماس معي بدون حارث مقنعة كما أن در صاف اشتاقت لها كثيرا.
أخذ أيوب يفكر بأنهم يخافون من حديث الناس بطريقة مقلقة رغم أن الكثير من النساء يسافرن وحدهن هنا لكن عائلة الجعفري بالذات تحتاط كثيرا من المساس بسمعة بناتها أو التلميح لها !
لن ينسى عقاب الشيخ عثمان لعوض بسبب كلام عياد عن أشماس وكم جر ذلك وراءه من أسرار مخبأة ربما لم تكن لتفتضح أبدا.
بعد فترة ركب أيوب الطائرة المتجهة لبلاده بينما ركبت أشماس أخرى لمدينتها وكلا منهما يفكر كيف سيكون القادم لقصتهما بعد الذي حدث؟

❈-❈-❈


وصلت لمدينتها فشعرت بأن الهواء أصبح أكثر انتعاشا لتأخذ نفسا كبيرا تملأ به رئتيها وقد نسيت موقتا ما كان يؤرقها طوال المسافة بين المدينتين
اتجهت لمنزل جدها بعد أن وضعت حقيبة سفرها أمام منزل والدتها، بحثت عنه في مجلس الرجال أولا وعندما لم تجده دخلت للمنزل الرئيسي لتجده هناك يجلس في مكانه المعهود أمامه مصحفه يقرأ فيه والذي أغلقه عند سماعه لصوتها العالي مهللا منذ دخولها من باب المنزل لتدخل عليه قبل أن يبعد المصحف
وقالت بمرحها المعهود:
- أعرف أنك اشتقت لي كثيرا لذلك قررت ألا أحرمك من رؤيتي وعدت بسرعة لتشرق شمسك من جديد.
ابتسم لها وأشار لتقترب منه ففعلت فورا وقبلت يده أولا ثم خده بقوة ليطلق ضحكة ويستقبلها بين ذراعيه بحنانه الجارف ؛ لن ينكر لقد اشتاق لها جدا رغم أنها لم تطل الغياب هذه المرة مثل المرات السابقة مع سليمة رحمها الله ،لكنه تعود على رؤيتها كل صباح فمنذ مرض سليمة السريع وموتها لم تبتعد عنه، لذلك شعر بفراغ كبير عند سفرها هذه المرة خصوصا أنه صادف مع سفر حارث و أيوب معا
ربت على رأسها بحنان وهو يستمع لما تقوله عن سفرتها بحماس شديد حتى ذكرت قصة الغداء في بيت السماك و ما قالته لها فادية ثم التفتت له قائلة في جدية :
- لم أفهم ما عنته تلك المرأة بكلامها، أي دين سأدفعه ؟
عقد الشيخ عثمان حاجبيه و قال بعد برهة :
-هل أكلتم عندها؟
هل هذا سبب مرضك ؟ ولماذا لم يخبرني حارث بذلك فورا؟!
هزت أشماس رأسها في نفي وأجابته:
-لا لم نأكل بل قمنا كما أخبرتك، أما عن حارث لا أعرف هو يتصرف بغرابة منذ ذلك اليوم حتى أنه منعني أن أذهب معهم لأختار لسفيان ملابس على ذوقي.
حرك حبات السبحة في يده قبل أن يقول برصانة :
- سوف أتحدث معه فيما بعد، والآن اخبريني عن الشقة التي اشتراها لك خالك هل أعجبتك؟
قفزت من مكانها وثنت ساقيها تحتها وأخذت تشرح له تفاصيل الشقة والمنظر الرائع الذي تطل عليه،
ليقول بابتسامة:
-ظننت أنه اختار لك الشقة التي في الدور الأرضي وليس آخر دور؟
احمر خديها و ردت وهي تهرب بعينها منه:
- حقا!!
كنت أظنها التي في آخر دور عموما لا تفرق كثيرا؛ المهم هل أخبرتك أمي برغبة حارث في الزواج من درصاف؟
-أمك التي لم تعبريها بسلام حتى ؟
صاحت خيرية بجملتها وهي تدخل لغرفة والدها وقد علا وجهها علامات اللوم لتقف أشماس من مكانها وتسرع لاحتضانها بالقوة رغم مقاومة الأولى لها لكنها أغرقتها بالقبلات حتى ابتسمت خيرية لتقول أشماس وهي لا تزال تحتضنها:
-اشتقت لك أمي واشتقت لطعامك اللذيذ كثيرا.
زمت خيرية شفتيها وقالت بحنق:
- هذا ما اشتقت له طعامي فقط، حسنا يا ابنة عبد الخالق.
ابتعدت عنها أشماس وقالت بنوع من الصدمة:
- ابنة عبدالخالق؟!!!
لم تنعتيني بها سابقا؟
ببعض الاضطراب أجابتها :
-وماذا فيها ألست ابنته ؟
الطعام جاهز تعالي لتأكلي مع در صاف.
شعر الشيخ عثمان  بأن كلمة خيرية ليست عفوية ليقول بنبرة تعرف خيرية معناها:
- أحضري الطعام هنا واخبري درصاف أن تأتي ايضا سوف تبيت الفتيات معي الليلة.
نفذت خيرية دون اعتراض فهي فعلا كانت تعني الكثير بكلمتها تلك وليست مجرد زلة لسان!

بعد يومين في غرفة أشماس أنهت حديثها عما جرى مع أيوب بالتفصيل لدرصاف و أفطيم التي تستمع لهما عن طريق سماعة الكمبيوتر فقد وجدن أنها أكثر نفعا من الكتابة عندما تكون شبكة النت قوية
لتقول در صاف باندفاع:
- من يظن نفسه كي يتحكم فيك أو يمنعك من الحديث مع سفيان؟
-عدلت نظارتها الطبية بسباتها ثم قالت بغضب:
كيف تسمحين له أصلا أن يحدد طريقة كلامك مع رؤوف؟
لأنك وافقت تمادي وطلب منك عدم الحديث مع سفيان أيضا، هذا مايحدث عندما ترضخ الأنثى لتسلط الذكور فيظنون أنهم امتلكونا.
زفرت أشماس وهي تسمع نفس الكلام للمرة التي عجزت عن عدها منذ أن أخبرتها بما حدث؛ بل أنها لا تكف عن توبيخها بسبب اعترافها له بمشاعرها أولا
قاطعتهم أفطيم قائلة :
- بالعكس أرى أن موقفه طبيعي جدا، يحبك ويغار عليك ماذا تتوقعين منه؟
هو لا يعرف مثلنا مكانة سفيان عندك لذلك من الطبيعي ألا يكون مرحبا بعلاقتك به، لاحظي أنه غريب عنا كما أنك تضعين الحدود مع الكل عدا سفيان.

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربOù les histoires vivent. Découvrez maintenant