سيل جارف الجزء الاول من سلسلة الحب والحرب

الفصل الثالث و العشرون

الفصل الثالث و العشرون
في الدولة الاجنبية
عبرت جوليا الممرر الطويل بجانب هادي قبل أن تتوقف ليفعل هو المثل و التفت لها في تساؤل لتقول بهمس و هي ترفع سبابتها في -وجهه : هناك أمرا عليك معرفته قبل أن ندخل للمكتب، أنها متحفظة جدا يصعب أخذ أي معلومات منها كما أنني لست متأكدة من جنسيتها أو دينها لذلك عليك أن تنتقي كلماتك بحذر كي نجعلها تتعاون معنا .
ثم تابعت سيرها بضع خطوات لتقف أمام مكتب وطرقت الباب تنتظر الإذن بالدخول، دخلت جوليا أولا بعد أن أذن لهم ليأخذ هو وقته في تأمل المكتب و محتوياته ، مكتب متوسط الحجم بنافذة تحتل الجدار بأكمله تطل على الحديقة الواسعة لتعطي إحساسا بأن المكتب جزء منها، الأريكة ذات اللون الأخضر الغامق بلون أوراق الشجر مع السجادة الترابية لتكمل اللوحة بامتياز.
بتحفظ يناقض طبيعتها المرحه
- قالت جوليا: مرحبا لمار هذا صديقي هادي الذي أخبرتك عنه.
ثم التفتت لهادي وقالت وهي تشير له بالتقدم ناحيتها بعينها
-: هادي هذه لمار عنان مسئولة عن شئون الطلبة الأجانب في الكلية كما أنها تعمل متطوعة في مركز خدمة المهاجرين و اللاجئين .
بنظرة متفحصة حاول هادي معرفة هويتها، لم تكن محجبة لكن ملابسها محتشمة ، ملامحها جميلة لكن يمكنها أن تكون شرقية أو غربية على حد سواء، حتى اسمها يصلح أن يكون عربي أو غربي.
تكلمت ليزداد حيرة أكثر فهي تتقن لغة البلد جدا.
أخرجت ملف من درج مكتبها و وضعته أمامهما وهي
-تقول بعملية: هناك بعض المواقف العابرة التي جعلتني أشك في أمرها كما أنها تعرضت لكسر في الساعد وادعت أنها وقعت من الدرج.
-قاطعها هادي قائلا: لماذا افترضت كذبها؟
ربما يكون الكسر نتيجة وقعه فعلا وليس من تعنيف زوجها، أعتقد أنك قفزتِ لتلك النتيجة فقط لأنها عربية صحيح لمار ؟
أغلقت الملف وعادت بظهرها للكرسي لتنظر له بتحدٍ قائلة
-: أولا اسمي آنسة عنان لست صديقي كي ترفع التكلفة بيننا، ثانيا هذه ليست أول حالة أتعامل معها كي أعرف إذا كانت تعنيفا أو سقطة حقيقة، كما قالت لجوليا ليس لدي أدلة دامغة خصوصا أنها كتومة جدا لكن ماعندي يؤكد بأنها ضحية تعنيف قد يكون نفسي أكثر منه جسدي لذلك لم أجد أدلة ملموسة تساعدنا في القضية ؛ رغم ذلك لا أسمح لك باتهامي بالعنصرية أو التشكيك في مصداقيتي.
وقفت فجأة تعني نهاية المقابلة لكن هادي لم يتحرك من مكانه بل وضع ساقا فوق الأخرى ببرود متناهٍ ليظهر الغضب عليها وهي التي حاولت كتمه؛
-لتقول جوليا بمرح مصطنع: لمار كفي عن طباعك هذه أكاد أجزم أنك من صقلية بهذه الطباع المشتعلة .
-رمقتها لمار بنظرة جازرة فتابعت الأولى غير مبالية : ماذا عن الأخرى قلت لديك أدلة دامغة ؟
مرت ثوان شعر خلالها هادي و جوليا بأن لمار لن تغير قرارها لكنها جلست أخيرا على كرسيها وفتحت أحد الأدراج تخرج ملفا آخر وتعطيه لجوليا متجاهلة وجود هادي
-وقالت بصرامة: هذه خمسة عقود زواج لنفس الفتاة خلال أقل من ثلاث سنوات، والد الفتاة يستغل أنها تحمل الجنسية الأجنبية ويقوم بتزويجها عدة أشهر كي يتحصل العريس على التأشيرة مقابل مبلغ كبير للأب ثم يحدث الطلاق بعد ذلك.
-اعتدل هادي في جلسته وقال: وكيف لم تبلغ سابقا أعني هذه تعتبر تجارة بالبشر تحت غطاء الزواج ألا تعرف فتاه عاشت هنا وتحمل الجنسية حقوقها؟
-قلبت عينها وأخذت تلعب بالقلم الحبر بين يدها وردت : أعتقد أنك عربي صحيح ؟
ربما بل على الأغلب تظن بأن جميع من تربى في الغرب خصوصا الفتيات منحلات بلا أخلاق ويقمن بالإبلاغ عن أهلن بمجرد أنهم منعوهن من ارتداء ملابس بحر فاضحة !
هذه الفتاه بالذات لم يسمح لها بإكمال تعليمها الثانوي هنا بحجة أن المنهج به مواد جنسية ، قام والدها بإرسالها لبلدهم كي تأخذ الثانوية منها وبالطبع فشلت لاختلاف اللغة وهناك بدأت أول عملية بيع أو زواج، تربت في خوف لم تجرؤ على إخبار أحد بذلك حتي لا تؤذي والديها، لكن الأمر زاد عن حده خصوصا وأن الرجال الذين تزوجتهم قاموا بإيذائها جسديا بشدة ، ولعلمك الذي أبلغ جارة الفتاة وليست هي كما أنها خائفة جدا كل ما تريده المساعدة في الحصول على عمل و سكن بعيد عن أهلها كما أنها ترفض تدخل الشرطة بأي حال من الأحوال .
كانت جوليا تتفحص عقود الجواز و وتقارير المستشفى التي تؤكد كلام لمار
-وقالت: مادمت متأكدة يجب علينا أن نبدأ في إيجاد منزل لها في أقرب فرصة كي نمهد لهروبها منهم.
-لتقول لمار بنفس النبرة : وجدنا لها المنزل فعلا، سكن مشترك مع فتاة أخرى في مدينة بعيده عن هنا كما وفرنا لها عمل مؤقت كي تعتمد على نفسها، تعرفين مسألة التهيئة النفسية هي الأصعب كثير من المعنفات يعدن بعد الهروب بسبب عدم قدرتهن على التأقلم و الاعتناء بأنفسهن .
لتقول جوليا بأسف : خصوصا المعنفات نفسيا هن الأقل قدرة على النجاة .
هنا تكلم هادي أخيرا وقال وهو يأخذ صورا للأوراق التي ناولتها له جولي
-: متلازمة ستوكهولم؛ تحتاجين لمعالجة نفسية أعتقد فريقك ناقص بدونها.
-ردت عليه: نحاول توفيرها عندما تكون الحالة تحتاجها كثيرا، لكن ذلك ليس سهلا، لا تنسى اختلاف طبيعة الشخصيات المرأة العربية تختلف عن الأجنبية تختلف عن تلك التي نشأت هنا بين ثقافتين كما أن هناك عوامل أخرى ، عموما هناك الكثير من المتطوعين للمساعدة ؛ المهم جوليا أحتاجك يوم الأحد كي ننفذ الخطة فقد قام والدها بترتيب زواج آخر لها سوف يسافر معها يوم الأحد كي يقيم مراسم الزواج هناك الخطة...
-قاطعتها جوليا محرجة: اوو عزيزتي أنا مرتبطة بموعد مهم نهاية الأسبوع لذلك من الصعب علي مساعدتك أعني لقد وعدت روبيرتو بأن أذهب معه لمنزل عائلته و....
أغلقت فمها ونكست رأسها مع شعورها بتفاهة ما قالته مقارنة بالمطلوب منها، لكن هادي تفهمها فهو شاهد على مشاجراتها المستمرة مع البيرتو بسبب انشغالها في عملها التطوعي وتفضيلها العمل عليه حسب كلامه لذلك
-قال منقذا للموقف: أنا يمكنني الذهاب معك، إن لم يكن لديكِ مانع طبعا.
-رسمت ابتسامك باردة على وجهها وقالت: لا مانع لدي طبعا المهم أن تحضر في موعدك .
كتبت شيئا على ورقة صغيرة ثم مدتها له
-قائلة: سوف انتظرك عند هذه البوابة في الساعة المكتوبة عندك إذا تأخرت أكثر من عشر دقائق سأعرف أنك لن تأتي وأنهى المهمة وحدي إذا استطعت؛ في حال جئت يجب أن ترتدي ملابس رياضية مع حقيبة ظهر.
أخذ منها الورقة واستقام يمد يده لها بالسلام لتسلم عليه وهي تنظر له بتحدٍ فأعطاها ابتسامة استفزتها لكنها لم تظهر ذلك؛ أما جوليا التي كانت محرجة للغاية حاولت الاعتذار لها لكن لمار تصرفت بحرفية لم تجادلها بل أخبرتها بخطتها لتهريب الفتاة دون الإضرار بوالدها حسب طلبها.
في طريق العودة
-قالت جوليا: هادي إذا كنت لا تريد الذهاب اخبرني كي أغير خططي، أعني أعرف بأن لمار مستفزة لكنها جادة جدا في مواعيدها و تصرفاتها تجاه عملها كما أن الفتاة لاذنب لها كي نخذلها بعد لجوئها لنا.
-قال بجدية: لا تقلقي لا أنوِ التخلف عن الموعد.
ثم ظهرت ابتسامة عابثة سرعان ما أخفاها
-ليتابع: لن أخذل عربية مثلي
قالها بلغته لتلتفت له جوليا في غير فهم ليرفع صوت المذياع وأخذ يغني مع نغمات الأغنية الأجنبية التي تصدح منه دون أن يرد عليها فشاركته الغناء بدورها تعرفه عندما يكون بتلك الحالة جيدا