الفصل الواحد والثلاثون

1.1K 55 15
                                    

الفصل الواحد والثلاثون

في الدولة الأجنبية


لم يعد يتحمل أكثر من ذلك، يشعر بأن جبلا يجثم على صدره يشعر بأنه خائن ليس لها فقط بل لجده بل والده نعم مايمثله له الشيخ عثمان أكبر بكثير من مجرد رجل كبير في السن أخذه تحت عبائته خصوصا عندما عرف عنوان ذلك الذي يقال بأنه والده الحقيقي.
في البداية ذهب للعنوان ليس طلبا للمساعدة المادية كما كان يريد بعد وفاة والدته بل كي يجد سندا ظهرا أي شيء يكون عونا له في المعركة التي يوشك على خوضها ليثبت برائته من الخيانة وحقه في أشماس.
ليجد بأن ذلك الرجل والذي يحمل جيناته يمتلك منزلا وسيارة  وتبدو حالته المادية فوق المتوسطة بل الأكثر إيلاما هو معرفته بأنه كون عائلة له هنا بعد أن تركهم يتضورون جوعًا ويتذوقون مرارت اليتم وهو على قيد الحياة.
تجمد مكانه على بعد أمتار منه لم يقوَ على المواجهة أو ربما تمنى أن يعرفه والده ويجري عليه كما رأي آلاف المرات في حلقات المسلسلات العربية لكن الوقع صدمه ولم يلمحه حتى بل مر أمامه دون أن يشعر بشيء بل دون أن يشعر به حتى ؛الغريب بأنه لم يشعر تجاهه بأي مشاعر شوق أو حنين كأن مشاعره تبلدت من كثرة الصدمات أو ربما عود نفسه منذ الصغر على محي أي شعور تجاهه، الآن فقط عرف سر تجنب والدته لذكره لابد أنه طلقها فعلا لذلك تجرأ عمه عليها وطلبها للزواج!
هذا هو التفسير المنطقي الوحيد؛ ذكريات طفولة محرومة من الأب مرت أمام عينيه لحظة أن لمحه، كم عيدا مر عليه بدونه رأي فيه الأولاد يذهبون لصلاة العيد ممسكين بيد آبائهم إلا هو، كم مرة وقف أمام المدرسة أول يوم دراسي ليشاهد الآباء مع أولادهم وهو مع أمه فقط والتي تضطر لتركه لتوصيل شقيقته أو الذهاب لعملها، كم مرة شاهد الأولاد يلعبون وسط الحي مع آبائهم كرة القدم ، كم وكم وكم عمر ضاع و فات وذكريات لم تحاك والسبب أن والده قرر تبديلهم بعائلة أخرى !
رنين هاتفه أخرجه من تلك العاصفة الفكرية ليرد بآلية على المتصل فوجد أنه سالم  يطلب لقائه بسرعة ؛ التفت وذهب في الاتجاه العكسي ليستقل سيارة أجرة وذهب للمكان المحدد؛ مغناطيس قلبه حدد مكانها بين الجموع بسهولة ليسرع بضمها لقلبه هي من يحتاجها الآن يحتاج حبها وحنانها يحتاج لحارث و الشيخ عثمان لعائلته الحقيقة وليس ذلك الشخص الذي خذله عبر الزمن منذ طفولته، المشكلة أنه لم يستطع الحديث عما يجول في خاطره فهو لم  يستوعبه بعد.
رغم محاولتها معرفة ما أصابه دون جدوي فقد انتهى اللقاء بخيبة أمل لها وله ،  حاول التحدث مع هاشم  ولسبب ما تراجع ربما لأنه ليس قريبا له بدرجة كبيرة ؟
فهو لم يعش معه طفولته وعندما تعرف عليه لم يتحدث عن والده أبدا ؛ حاول أيضا الاتصال برنا شقيقته  وتراجع قبل ضغط زر الاتصال لأنه يعرف رد فعلها جيدا، على الأغلب سيكون مبالغا فيه كعادتها وهو غير قادر على تحمل المزيد من الضغط على الأعصاب خصوصا منها؛ وجد نفسه ينقاد لها هي الوحيدة القادر على فهم ما يجول بداخله أو على الأقل هي التي لا يخشي إظهار ضعفه أمامها ، من حسن حظه أنه أوصلهم للفندق سابقا وعرف رقم غرفتها والتي لم يكن متأكدا من أنها لها وحدها أم جناح يضم غرفتين لها ولشقيقها لكنه جازف وطرق باب الغرفة على أي حال؛ رحمة الله واسعة كما يقول دائما الشيخ عثمان فقد فتحت له هي ، الوحيدة التي رمي نفسه في حضنها دون شعور بالخجل دون الخوف من رد فعلها أو من حكمها، لم يخشَ أن تراه صغيرا بل إنه لم يهتم حتى لو بكى أمامها ربما فعلا لا يذكر فقد كان غارقا في حزنه  تحدث كثيرا عن مشاعره خوفه حتى إحساسه بتأنيب الضمير ناحية والده لأنه لا يشعر ناحيته بأي شيء !
وهي لم تخيب ظنه بل استطاعت فهمه دون مجهود يذكر، بلمسه من أصابع يدها مسحت كل آلامه بحضن لم يدم سوى دقائق شحن قوته التي كاد يفقدها ليقرر بعدها أن يبدأ في  طريق تصحيح الأخطاء التي تراكمت عليه؛ تركها عند طلوع الفجر مرغما بعد إلحاح منها ليتجه لسفارة بلده أولا كي يثبت طلاقه من فتنة ويوثق زواجه من أشماس الأمر الذي جعل  البعض ينظر له باستحقار خصوصا السكرتيرة التي أخذت منه عنوان فتنة في الوطن ولم يسلم من تلقيح الكلام فهو بالنسبة لها رجل خائن طلق زوجته ليتزوج بأخرى والسبب لابد أن يكون مالها بالطبع!
قد تكون الميزة الوحيدة التي اكتسبها بسبب هجران والده لهم هو أنه تعلم ألا يكترث بآراء الآخرين به ولا يحاول أبدا تغييرها  طالما هم ليسوا مهمين له؛ أخذ نسختين من ورقة الطلاق أرسل واحدة لفتنة على عنوان منزل إبراهيم،  وبحث في هاتفه عن رقم فتنة ليجده بعد صعوبة فهو ليس مسجل عنده واتصل بها لم تجبه بل أرسلت له بأنها في العمل الآن ولا تستطيع الإجابة ليطلب منها عنوان عملها فأرسلته ، وصل لمكان عملها لينتظرها خارجة منه لحسن حظه لم تتأخر في الخروج فقد وجد امرأة  تقف أمامه مختلفة تماما عن فتنة التي يعرفها لدرجة أنه لم يلاحظها إلا عندما ألقت عليه السلام
نظر إليها باستغراب فقد هيأ له بأنها بدت أكبر سنا مما هي عليه في الواقع، وجهها حزين خالٍ من مستحضرات التجميل التي كانت تزينه في كل مرة يراها سابقا، تلف شعرها فيما يسمى ربطة الكعكة أعلى رأسها وترتدي ملابس سوداء تظهر حملها الذي تقدم كثيرا كما أنها قصرت أو ربما هي كانت قصيرة من قبل وكانت ترتدي  الأحذية ذات الكعب العالي؟
مدت يدها له وقالت:
-كيف حالك أيوب هل هناك أمر مهم جعلك تطلب مقابلتي ؟
لم يسلم عليها بل رد وهو يكتف ذراعيه :
-لقد وثقت الطلاق في السفارة و أرسلت نسخة لمنزل أهلك في الوطن وأخرى لمنزل عمتك.
لا شعوريا وضعت يدها التي كانت ممتدة له على بطنها كأنها تواسي طفلها و أغمضت عينيها  لتغتصب بعدها ابتسامة وجدت صعوبة في استمرارها كثيرا على شفتيها وقالت:
-كما تريد أنا فقط عندي لك طلب بل هو رجاء
قاطعها قائلا بحدة:
-لن أكتب الطفل باسمي هذا خلط أنساب ، لا توجد قوة على الأرض تجبرني على ذلك لو اقتضى الأمر سوف أرفع قضية وأثبت أنه ليس ابني تحليل بسيط يثبت ذلك، لكنني حقا لا أريد فضحك أو فضح الطفل الذي لا ذنب له لذلك لن أتخذ أي إجراء إلا لو قمت باستغلالي أكثر من ذلك.
إهانة أخرى تتلقاها منه، المشكلة أنها لا تلومه بل تحترمه!
نعم تحترم موقفه الثابت منذ البداية تحترم نخوته والتي لازال يتحلى بها تجاها وربما تحسد حبيبته التي يتمسك بها ، لا تذكر بأن أحدهم فعل المثل معها بداية من أمها و حتى صديقاتها الجميع ابتعد عنها لتبقى وحدها منبوذة في بلد غريب.
فتحت عينيها وقالت بتفهم:
-لا تقلق أنا أبحث عن نادر وسوف أجعله يعترف بابنه، فقط أريدك أن تحفظ سري موقتا لا أريد أن يلحق العار إخوتي يكفي أن أبي مات بسبب فعلتي تلك  وأنا أعدك بأن الطفل لن يكتب باسمك حتى لو اضطررت أن أنسبه لي وأعيش هنا للأبد بعيدا .

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن