الفصل الخامس عشر

963 49 20
                                    

الفصل الخامس عشر

بدأت لينا في تنفيذ خطة جيهان، فقد امضت الأيام الماضية في التسوق وتعلمت منها كيف تنسق الألوان وتقوم بمزج القطع مع بعضها كي ترتدي نفس القطعة من الملابس بأكثر من طريقة.
الشيء الوحيد الذي عطل خطتها تلك هو عدم ظهور آسر منذ ذلك الإفطار الكارثي!
لكنها متاكدة من مراقبته لها خصوصا أن الدادت في الدار لم يتركنها لوحده أبدا تقريبا، حتى بعد انتقالها للطابق العلوي تناوبن على التواجد عندها بحجج غير منطقية وكانت هي أكثر من مرحبة بتواجدهن حولها كي يصل إليه ما تريد إيصاله، كاستمرارها في العمل مع الدكتور سامح واهتمامه الكبير بها، صادف أنها تلقت اتصال من سكرتيرة العيادة الخاصة بالأخير تخبرها بأن العيادة ستقفل غدا بسبب أمر خاص بالدكتور سامح، ورغم أن السكرتيرة اغلقت الخط بعد إبلاغها فورا لكنها ادعت بأنها حولت المكالمة للدكتور سامح وادعت بعدها أنه طلب منها الحضور لإجراء عمليه خاصة بم أنها طالبة مميزة لديها!
خبر كاذب سربته  وبداخلها أمنية خفية أن يظهر بعد سماعه الخبر؛ رغم إنكارها لذلك لكنها تشتاق إليه....جدا
تنهدت وأنهت تجهيز نفسها كي تخرج حسب الموعد المزعوم لدى الدكتور سامح
وضعت بعض الملازم المهمة في حقيبتها ثم وضعتها على كتفها وخرجت لتجد آسر يقف أمام باب شقتها.
تجمدت في مكانها لثوانٍ ثم رسمت ابتسامة سمجة وقالت: -أهلا آسر هل تريد شيئا بخصوص الدار، يمكنك إخبار الدادة أو المشرفة بعد إذنك فلدي موعد مهم.
كانت تتحدث وهي تخرج من باب الشقة وتقوم بإغلاقة معطية ظهرها لآسر وقد تعمدت أن تطيل تلك الوقفة كي لا يلاحظ توترها ويكشف كذبها.
لفت لتواجهه وعدلت حقيبتها قبل أن تلقي عليه نطرة أخرى لتجد ملامحه جليدية لم تستطع أن تستشف منها شيئا.
تحركت أخيرا شفتيه بعد ثوانٍ ليقول بصوت حازم:
-إلى أين ان أنت ذاهبة الآن؟
كتفت ذراعيها ورفعت حاجبها قائلة باستهزاء:
-هل من المفروض أن أقدم تقريرا بتحركاتي ؟!!!
تقبض وجز على أسنانه ليرد عليها بغضب مكتوم:
-لا تجيبي على سؤالي بسؤال.
نظرت له بتحدٍ و قالت وهي تنظر لساعة يدها:
- لست ملزمة بالإجابة على هذا النوع من الأسئلة لو لديك اعتراض يمكني ترك الدار فورا.
همت بالمغادرة ليعترض طريقها قائلا في غضب:
- هل تعرفين نوع العمل الذي يريدك الدكتور السامح له ؟ أم أنك تدعين الغباء!!!!
لا تورطي نفسك مع....
-وما شأنك أنت؟
قاطعته لينا بصرامة وقد عادت كلمات جيهان ترن في أذنها لتقول بنبرة أقل حدة: 
-هذا الاهتمام بتفاصيل حياتي يجب أن يكون من نصيب خطيبتك سيد آسر ربما اختلط الأمر عليك، بعد إذنك لدي موعد مهم يجب اللحاق به.
نزلت الدرج بشموخ لا تعرف مصدره بل إنها أكملت السير بنفس الطريقة حتى استقلت سيارة الأجرة وابتعدت عن الدار.
أما آسر فقد هزته كلماتها ولم يقدر على الرد  أبدا، ليس لأنها محقة بل لأن الرد وقول الحقيقة سيجعله يصغر أكثر في عينها.


❈-❈-❈

لوح سفيان بذراعه مودعا عمه إبراهيم و حارث وأيوب عند مدخل منطقة المسافرين لينهي إجراءات سفره استمر في تلويحه إلى أن توارى عن الأنظار
فالتفت إبراهيم لحارث قائلا:
-هيا بنا لقد تأخر الوقت و أشماس لوحدها في الشقة.
بعد ساعة أوقف إبراهيم سيارته أمام عمارته القديمة ثم التفت لحارث وقال بهدوء:
-غدا سوف نتناول جميعا الطعام في منزل السماك، رغم أني حاولت التهرب من العزيمة لكن السيد جمعة أصر.
سكت بعد جملته الأخيرة لبضع ثوانٍ فشعر حارث و أيوب أن القادم ليس هينا
ليتابع بعد أن بلع ريقه وقال بحزم:
- أعتقد  بأنن كلنا بتنا نعرف أن أشماس لا تتقبل جيهان أو أي أحد من طرفها، وبصراحة أنا أخشى من أن تفتعل مشكلة أو تقوم بإهانة أحد من أصحاب المنزل بط...
قاطعه حارث بنوع من الحدة:
- منذ متى وأشماس تفعل ذلك؟ متى أحرجتك أو كانت عديمة الأخلاق والذوق؟
تتحدث عنها وكانك لم تربها بنفسك، هل فعلت شىء في فرحك ياخال ؟
هل ضايقت زوجتك أو أحد من طرفها سابقا؟
أعترف بأن ردة فعلها أحيانا تكون متطرفة غير متوقعة لكنها لم تتعدى يوما على أحد دون سبب.
تنهد إبراهيم ورد بنبرة أقل حدة:
- لا أعني من كلامي مافهمته يا حارث؛ طبعا أشماس لن تتعدي على أحد دون سبب فهي ليست مجنونة لكنني أخشي أن تسيء فهم بعض الكلمات كما أن الوضع كله حساس لذلك أطلب منكما أن تحاولا تهدئة الأمور وضبط انفعالاتها لو حدث ما يثير حفضتها، هل يمكنني الاعتماد عليكما في ذلك؟
لم يرد حارث بل أشاح بوجهه، فقال أيوب كي يزيل عنه الحرج وهو يضع يده على كتف حارث:
-لا تقلق كما قال حارث أشماس لن تنفعل دون سبب مباشر، ونحن لن نغفل عنها في حال قام أحد بذلك، أليس كذلك حارث؟
هز حارث رأسه ونزل من السيارة يتبعه أيوب، انتظر حتى ابتعدت سيارة إبراهيم ثم أخرج علبة السجائر من جيبه وأشعل سيجارة ينفث فيها غضبه وحنقه
وضع أيوب يديه في جيب بنطاله وقد شعر بغضب حارث من خاله رغم أنه من وجهة نظره كلام إبراهيم سليم فقد قامت أشماس منذ ساعات مضت بالانفعال على فتنة وإهانة عمتها لسبب تافه!
لكنه لن يناقش معه هذه النقطة فرد فعل سفيان السابق و الانفعال الواضح على حارث يؤكد بأن مكانة أشماس عندهم غير أي شخص آخر، بل إنهم يدافعون عنها حتى وهي مخطئة.
تنهد وأخد يمسح على رأسه بطريقة متتالية وهو يفكر بأن تلك الحماية المفرطة قد تكون سبب أكبر يجعله يبتعد عنها، بالطبع لن يقبل أيا منهما بأن ترتبط به أشماس، فهي تستحق الأفضل.
رمي حارث عقب سيجارته ودهسها بقدمه ثم قال ممازحا:
-ما الذي يشغل تفكيرك أيوب هل اشتقت للحبايب؟
عقد أيوب حاجبيه وقال في استغراب:
-حبايب؟!!!!
أي حبايب؟
ثم ألم تكن غاضبا منذ دقائق مضت؟
وضع حارث يده الغليضة حول رقبة أيوب وقال بتهكم: -أولا أنت قلتها كنت، كان فعل ماضي لا محل له من الإعراب، لا تحاول الهروب من السؤال الأهم الآن وتدعي أن لا حبايب لديك.
غمز بعينه فخفق قلب أيوب بشدة خوفا من افتضاح أمره، وهو يفكر هل قرأ حارث الرسالة التي تركها لأشماس؟!
لا لو كان فعل لما سكت على الأمر أبدا.
-واو هل الامر بهذا التعقيد؟
كنت أظن أنكما متفقان على كل شيء ؟
قالها حارث بصدق جعل أيوب يلتفت له وقد ظهر على وجهه الغباء وعاد يسأل: 
-عمن تتحدث بالضبط؟
زفر حارث و قال بملل:
-عن الفتاة التي تعمل في صيدلية أفطيم، لا تظن أني غافل عنك وعن ذهابك المستمر لها.
أخفض صوته و غمز بعينه قائلا:
-لا تخف لن أحسدك أنا أيضا سوف أرتبط قريبا، أنتظر موافقة العروس فقط.
ليرد عليه أيوب في حماس:
-من تقصد لم أكن أعرف أنك تعيش قصة حب؟
هل أعرف العروس؟
أخرج حارث سيجارة أخرى ليشعلها ثم قال:
-أعتقد أنك تعرفها، ولا ليست قصة حب بالمعنى المعروف.
أخذ نفسا من السيجارة كأنه يخشى أن يقول اسمها فتخذله أو يظهر حبه المخفى لها جليا!
لكنه ولسبب ما بات يشعر بأن أيوب مقرب منه كثيرا، عندما قام بأخوة الدم لم تكن فقط من  أجل أن يبقى معهم في الشقة بل لأنه فعلا يشعر بداخله بأنه في مكانة أخ له؛ صحيح أنه مقرب جدا من أولاد عمومته خصوصا سفيان وعبد الخالق لكن إحساسه بأيوب مختلف، سبحان مؤلف القلوب الذي جعله في فترة زمنية بسيطة يصبح خليله لدرجة أنه وجد نفسه يحكي له عن قصته مع در صاف كاملة دون أن يخفي شيئا، ربما لأنه يريد رأي من خارج محيط القبيلة ينير بصيرته لمَ هو مقدم عليه، أو لأنه لم يعد يستطيع الكتمان أكثر من ذلك خصوصا بعد مباركة سفيان وجدته؟
ليس متأكدا في الواقع السبب وليس مهم معرفته.
استمع له أيوب دون أن يقاطعه أو يظهر أي ردة فعل سلبية كانت أم إيجابية حتى انتهى حارث من حديثه
أجلي حلقه وقال:
-لو فرضنا أنها تحبك أو على الأقل معجبة بك كما قالت أشماس، ألا تعتقد بأن الفارق في التعليم بينكما حاجزا من الصعب تخطيه ؟
قرب حارث حاجبيه وقال باندهاش:
-فارق التعليممممممم!!!!!!!
أنت تمزح صح؟
منذ متى كان هذا عائق للزواج، الكثير من الشباب بدون شهادة عليا أو بشهادة عادية يتزوجون من فتيات ذوات تعليم عالٍ ، تلك لم تكن مشكلة قط.
نظر له أيوب في تعجب وقال في تشكيك:
-فارق التعليم مشكلة للطرفين لا أصدق أن تتغاضى عنها الفتاة أو أهلها بتلك السهولة.
نظر له حارث باستغراب أكبر قبل أن يرد:
-عمَ تتحدث لا أفهمك؟
كيف يمكن تقييم الرجل من خلال شهادته فقط؟!!!
أعني حتى العكس لو كان هو لديه شهادة عليا وهي لا هذا لم يكن سببا في رفض الزواج أبدا، انظر لأفطيم و زوجها الفارق بينهما كبير كذلك عمي سالم هو معهد عالي وهي طبيبة أطفال.
لم يستوعب أيوب منطق حارث لكنه لم يجادله يعرف أن اختلاف العادات والتفكير كبير بين البلدين رغم أنه قد لا يظهر كذلك 
لكنه عاد و سأله من جديد:
-حسنا دعنا من مسألة التعليم، كيف ستقنعهم بأن تعيش معك في مدينتك وهي متمسكة بالعاصمة وغير متقبلة للقبيلة كما قلت؟
هنا تنهد حارث و مشط شعره بطريقة عصبية نوعا ما ثم واجابة:
-لا أعرف ولست واثقا من موافقتها على هذا الأمر، لقد اشتريت قطعة أرض بالفعل وسوف أبدا في بناء منزل عليها بعد عودتنا فورا، لكن بداخلي إحساس بأن الأمر لن يكون بالسهولة التي تتوقعها أشماس أبدا، كثير ما أشعر أنها حالمة أكثر من اللازم تؤمن أن الحب يطوع الصعاب
رغم البؤس الذي رافق كلام حارث لكنه بعث الأمل في قلب أيوب.
الذي قال بنبرة صادقة وهو يربت على كتف حارث:
-ما دام سفيان يقف في صفك وقد أخبرتك أشماس بأنها تميل لك عليك أن تستمر في تنفيذ خطتك للنهاية، دعك مما قلته أنا تعرف أن هناك فرق في العادات والتفكير بين البشر وكما قلت الحب يطوع الصعاب، اعقلها وتوكل.

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربWhere stories live. Discover now