الجزء الرابع و العشرون

4.4K 416 20
                                    

  في صباح اليوم التالي ذهبنا إلى التصوير كعادتنا لكن لم يستمر لوقت طويل فقد توقف بسبب عطل ما و اضطرنا للعودة باكرا ، كنت أتجاهل النظر إلى رابمون أو التحدث إليه كما اعتدنا أن نفعل فقد كنت غاضبة منه ، حتى حين يقترب مني ليسأل عن شيء أو يحدثني كنت ألتحق بأحد الأعضاء أكلمه في أي كان، نعم .. لقد كنت أتجنبه ، كنت أحس ببعض الندم و أتوق للحديث معه لكن سرعان ما يسيطر علي كبريائي و غضبي و يتغلب على شوقي له ، حين عدت إلى الغرفة فتحت نافذتي فرأيت ناتاشا جالسة بجانب المسبح تقرأ كتابا ، حقا تبدو المرأة جذابة حين تمسك بكتاب تقرأه ، ربما هذا ما جعل رابمون ينجذب إليها و لا يكاد يفارقها طوال اليوم بما أنهما يتشاركان في الإهتمامات ، فعزمت على البدء في قراءة الكتب محاولة إقناع نفسي أنه ليس لأجل رابمون بل لأجل تثقيف نفسي و لأجل أن أكون جذابة مثل ناتاشا ، بحثت في أغراضي لكن لم أجد أي كتاب و أعلم جيدا أن فاطمة لا تتوفر على واحد ، فذهبت إلى غرفة رابمون وقفت أمامه بابه مترددة ، التفت لأعود أدراجي ففتح رابمون الباب و وجدني واقفة أمامه ، نظر إلي باستغراب و قال :
- سام ؟ ما الذي تفعلينه هنا ؟ هل كنت ستطرقين بابي؟ هذا عجييب لم يسبق لك أن زرتني في غرفتي .
كنت أرمقه بنصف نظرة و أنا صامتة ، ترك باب غرفته مفتوحا و دخل و تركني ورائه و قال :
- ادخلي ادخلي .. لا تقفي في الباب..
دخلت و أنا أنظر إلى هنا و هناك ، كانت الفوضى تعم المكان بسبب تناثر الأوراق المكتوبة بما يشبه الخربشات موضوعة على الطاولة و على السرير ، أمسكت بإحدى الورقات و قلت له :
- ما هذا ؟ هل هي كلمات أغنية جديدة ؟
نزع رابمون الورقة من يدي و قال :
- إذن هل جئت للتجسس علي مرة أخرى ؟
ارتبكت و قلت له على الفور:
- ذلك اليوم لم أكن أتجسس عليك ! ثم أنا أتيت لأطلب منك إعارتي كتابا..
- كتاب ؟؟
- نعم
- منذ متى تقرئين الكتب ؟
- أنا كنت دائما أقرأ الكتب أنت فقط لم يسبق لك أن رأيتني أفعل !
- حقا ؟؟ و ما هو اخر كتاب قرأته ؟
- ها ؟ اخر كتاب ؟ .. كان كتاب باللغة العربية لن تعرفه حتى لو قلت لك عنوانه
- حسنا .. و عنوان أي كتاب انجليزي قرأته ؟
- ها ؟ .. أنا لا أقرأ الكتب الانجليزية عادة .. لهذا أتيت لأطلب منك واحدا ..
نظر رابمون إلي مطولا بينما كنت أنظر إليه بثقة ، يقال أنه إذا أردت أن تقنع شخصا بكذبتك و تجعله يصدقها عليك أن تصدقها أنت أولا ، ثم اتجه إلى حقيبته و أخرج منها كتبا كثيرة ، قلبها واحدا تلو الاخر ثم أخذ منها واحدا و مده لي و قال :
- هذا كتابي المفضل .. إنه عبارة عن رواية فلسفية لست واثقا إن كان بإمكانك فهمه..
- ياا .. هل تعتقد أني غبية !
- حسنا .. بعض الشيء..
- ماااذا ؟؟
رفعت يدي إلى أقصاها لأطبع ضربة بالكتاب على كتفه لكنه أمسك بيدي و اقترب مني ، كانت دقات قلبي تكاد تندمج لتصبح واحدة من شدة سرعة الخفقان ، توسعت عيناي و شعرت بجفاف في حلقي .. ابتسم رابمون بعد أن حدق بي للحظات ثم قال :
- هذا هو .. هذا التعبير في وجهك .. أحبه
ثم ترك يدي التي أصبحت ذابلة بسبب الارتباك ، أسرعت و خرجت من الغرفة دون قول كلمة ، كنت أرتجف و أحسست أن قدماي لم تعد تستطيعان حملي ، أسرعت بالدخول إلى غرفتي و أقفلتها فركضت و ارتميت على سريري و أنا أتقلب عليه من شدة الإحراج و السعادة ، فقد استعدت بعض الأمل بأنه لا يزال يكن لي المشاعر، و بعد عودتي لرشدي جلست و أخذت الكتاب لأقرأه ، كانت كلماته الانجليزية معقدة و غير مفهومة ، حتى الكلمات المفهومة منه كانت ذي معنى عميق صعب الاستيعاب ..
- تباا لماذا يتعب أحدهم نفسه و يتحدث بالألغاز في كتابه ! ما الذي كان سيخسره لو تحدث بوضوح و قال ما يريد قوله دون تدمير أعصابي هكذا !
لم تمر سوى دقائق حتى استغرقت في نوم عمييق كان مريحا بشكل عجيب ، أخيرا اكتشفت دواءا للأرق الذي لا أزال أعاني منه في بعض الأحيان ..
قررت حينها أن أستسلم ، قراءة الكتب الفلسفية ليست هوايتي و ليست من اهتماماتي ، على أي لم يعد هناك داع فقد نلت مرادي ، أخذت الكتاب لأعيده لرابمون فطرقت باب غرفته من جديد و هذه المرة بسعادة و حماس ، فتح الباب فنظرت إليه بابتسامة عريضة خجولة فقال لي و هو يبتسم :
- هل أنهيته بهذه السرعة ؟
لكن تعابير وجهي تغيرت من وجه بشوش إلى مصدوم حين لمحت ناتاشا تقف خلفه و تحمل حاسوبا في يدها و تطل برأسها لترى من بالباب ، نظرت إليه نظرة غضب فقال لي :
- سام .. لا .. لا .. لا تسيئي الفهم..
ألقيت الكتاب عليه و أسرعت أركض في الدرج متجهة إلى الحديقة ، كنت أحس بالاختناق و بالضغط أردت فقط أن أخرج إلى مكان مفتوح به هواء نقي بارد أطفئ به النار المشتعلة في داخلي ، أحسست بألم في قلبي و كأني تعرضت للطعن فيه ، فجأة ملأت الدموع عيناي رغم أني حاولت منعها ، لا يجب أن أبكي على أي شاب خصوصا إن كان لا يستحق مشاعري و دموعي ، سمعت رابمون يتبعني و هو يناديني لكني تجاهلته و أردت أن أبتعد عنه و ألا أراه مجددا ، خرجت إلى الحديقة و ابتعدت إلى أبعد مكان فيها لكنه استمر في اللحاق بي إلى أن استدركني و أمسك بيدي ..
- اسمعيني فقط و امنحيني فرصة لأشرح لك ..
- اتركني ! لا تشرح لي أي شيء ! لا أريد سماع شيء منك !
- الأمر ليس كما تظنينه..
- نعم الأمر ليس كما أظنه و لم يكن يوما كذلك ! ظننت أنك لا تزال ذاك الشخص الذي اعترف لي بحبه ، لكنني بالفعل غبية لأني صدقتك و منحت لقلبي فرصة لينبض لأجلك لكنك لا تستحق ذلك ! لأنك وغد منحرف لعوب ! ما إن رأيت فتاة أجنبية حتى تجاهلتني ! إذا كانت مشاعرك تغيرت نحوي فقط أخبرني و توقف عن إرباكي و جعلي أظن أنك لا تزال كذلك ! توقف عن التلاعب بي و جعل قلبي يرفرف مرة ثم أتفاجئ بك تمرح مع ناتاشا تلك !
التفت لأرحل فأمسك بيدي من جديد لكني أبعدتها بقوة و تابعت طريقي و أنا أكاد أحترق من الغيرة و الغضب و الألم الذي كان يقطع قلبي ، فجأة صرخ رابمون :
- ناتاشا بالفعل متزوجة ! .. أنت فقط أسئت الفهم .
وقفت في مكاني حين سمعت ما قاله رابمون و التفت إليه رغبة في سماع التفاصيل ، اقترب مني و قال و هو يشرح بيديه و يعبر بكامل جسده كما اعتاد أن يفعل :
- إنها متزوجة من طبيب أمريكي من مدة قصيرة و زوجها تطوع للالتحاق بمجموعة الهلال الأحمر بإفريقيا ، لكنهما اتفقا على اللقاء هنا و الاتجاه إلى أمريكا ، لهذا أتت إلى هنا لكنها ضاعت و هي الان تنتظر وصوله ليأخذها ، بما أني الشخص الوحيد الذي تستطيع التحدث إليه و وجدنا أننا نتشارك في أمور كثيرة كنا مجرد أصدقاء لا غير، و لقد أتت مباشرة بعد مغادرتك غرفتي لأنها أرادت استعارة حاسوبي للتحدث إلى زوجها و قد أخبرها أنه قادم غدا لأخذها .. هذا ما كنت أود شرحه لك ..
صمت للحظات ثم قلت له بصوت مختلط بالحرج من الشك فيه :
- لما لم تخبرني بذلك من قبل؟
- أنت لم تتقربي منها يوما لتعرفي عنها ذلك و لم تجلسي معنا ، حتى أنك لم يسبق لك أن سألتني عنها .. فقد كنت تتجنبين محادثتي مؤخرا .. كنت أجهل تصرفك الغريب ذاك لكني الان .. بت أفهم ..
اقترب رابمون مني أكثر و أمسك بيدي و وضعها على صدره و قال :
- أنت تعلمين جيدا أن الشخص الوحيد الموجود هنا .. هو أنت
ابتسمت بخجل من السعادة قبل أن يقول و السعادة واضحة على وجهه:
- و لكن .. هل حقا حقا .. أصبحت تبادلينني المشاعر ؟؟
- هاا؟
بقيت صامتة شعرت بحرج لا يوصف ، لا أصدق أني قمت قبل قليل بالبوح بكل شيء في لحظة غضب ، كان الحل الوحيد أمامي و كالعادة "الهروب" ، التفت عائدة إلى النزل بخطى سريعة بينما كان رابمون يناديني :
- هييي.. إلى أين أنت ذاهبة ؟ ألن تجيبيني ؟ هل هذا يعني نعم ؟ هل حقا تحبينني ؟ ساااام !!
عدت إلى غرفتي بسرعة و أقفلتها ، ارتميت على سريري و أنا أحدق في السقف و أبتسم من السعادة و أشعر بالإحراج بسبب اعترافي اللا إرادي ، كنت سعيدة لأن كل ما ظننته لم يكن صحيحا و أنه لا يزال معجبا بي ، لقد تأكدت الان فقط أني أحب شخصا واحدا .. كيم نامجون .  

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثWhere stories live. Discover now