الجزء الثالث و الخمسون

3.3K 352 5
                                    


دفنت رأسي في حضن رابمون فأحسست بالأمان و سكن روعي ، ذلك الحضن الأشبه بالمنزل الدافئ حيث تختفي الأحزان لتصبح طيور حمام بيضاء جميلة ترفرف في سماء الربيع .. ذلك الحضن حيث تصبح كوابيسي الموحشة أحلاما وردية لا يسكنها سوانا نحن الإثنان .. ذلك الحضن حيث يصبح كل شيء بخير ..
نزل حينها الكثير من رجال الشرطة و طوقوا المكان يتفحصون الأشخاص المطروحين أرضا و يلقون القبض عليهم بعد أن استعادوا وعيهم بينما انتشلوا جثة الخادم الذ كان لا يزال فاقدا للوعي لكنه لا يزال حيا ، اتجه نحونا عميد الشرطة و قال لي :
- آنستي هل أنت بخير؟
أجبته بصوت شبه هامس :
- نعم .. أشكركم على تدخلكم ..
- لا داعي للشكر فالفضل يعود لهذا الشاب الذي لازلت لا أستطيع نطق اسمه .. لقد كنا نحاول منذ مدة طويلة القبض على هذه العصابة متلبسة فللأسف لديهم نفوذ و لم نكن نجد أي دليل ضدهم ..
ساعدني رابمون و كوكي على الوقوف ، لكني لم أستطع خطو خطوة واحدة بسبب ألم في ركبتي التي سبق أن تأذت في المصعد و قد عاودت السقوط عليها مرة أخرى ..
نظرت إلى يدم رابمون التي كان يلكم بها الخادم ، كانت مليئة بالجروح تنزف لكنه لم يكن يعيرها اهتماما ، شعرت بالألم لرؤيته يتأذى بسببي .. حينها قال عميد الشرطة بحزم لأحد رجاله :
- لا بد أن سيارة الإسعاف قد وصلت .. أرشدهم إلى هنا ليأخذوا الآنسة !
- أمرك سيدي !
كنت واقفة أتمسك بدراعي رابمون و كوكي في انتظار رجال الإسعافات ، لكني أحسست بالضعف و بأن ضغطي ينزل ، لا بد أنه بسبب عدم تناول شيء منذ ما يقارب يومين ، كل ما كنت أستطيع سماعه هو صدى الأصوات الموجودة في القبو على خلفية صوت صفير يكاد لا ينقطع ، فجأة أصبحت أرى كل شيء مزدوج و بشكل ضبابي ، تسارعت ضربات قلبي و تسارع معه تنفسي ، نظرت إلى الباب في الأعلى كنت أرى ظلالا غير واضحة لكن من الصوت تيقنت أنهم الأعضاء يتساءلون عن حالي و سمعت صوت فاطمة تناديني و تسأل الآخرين إن كانوا قد وجدوني .. التفت إلي رابمون و قال :
- سام .. هل أنت بخير ؟
لم أستطع أن أنطق بحرف واحد فقد أحسست أن شفتاي المجروحتان قد تخدرتا ، حينها خارت قواي و أغمي علي ..
كان رجلان ضخمان يمسكان بي بقوة و يسحبانني في ممر مظلم و ضيق و لم يتوقفا إلا أمام باب ضخم فتحاه و ألقوا بي في الداخل ثم أغلقوا الباب ، كنت ملقية على الأرض فرفعت رأسي لأجد نفسي داخل غرفة كبيرة حيث الموسيقى صاخبة و الأنوار بمختلف الألوان سببت لي الدوار ، و الكثير من الأشخاص غريبي الملابس و التسريحات يقفون هنا و هناك و يرقصون و هم يحتسون الشراب ، فجأة توقف كل شيء .. الموسيقى و الرقص و عم الهدوء و التفت إلي الجميع بنظرات استفزاز و سخرية ، وقفت بصعوبة ثم ركضت إلى الباب أحاول فتحه لكنه كان مغلقا فسارعت أطرق بشدة و أصرخ طلبا للمساعدة ، التفت إلى الأشخاص في القاعة .. كانوا لا يزالون متجمدين في أماكنهم دون حراك و نظراتهم لي لا تزال كما هي ، ثم صاروا يضحكون و يقهقهون بشدة مما أثار فزعي .. كنت أصرخ عليهم أن يتوقفوا .. لكن صوتي لم يكن له أثر أمام أصوات ضحكاتهم المستفزة .. انكمشت في مكاني و أغلقت أذناي بشدة بيداي محاولة منع قهقهاتهم المثيرة لأعصابي من الدخول إلى مسامعي لكن دون جدوى .. كنت أحس أني أصاب بالجنون ..
حينها فتحت عيناي و قلبي يكاد يتوقف من شدة النبض ، كنت ممددة على سرير و أحس بألم في رأسي و جميع أنحاء جسدي ، جلت بعيناي في المكان الذي بدى مألوفا من رائحته فقط ، لا بد أني في المستشفى ..
استغرقت بضع دقائق لأتذكر كل ما حدث لي ، قبل أن تدخل فاطمة تحمل حقيبة في يدها ، ما إن رأتني مستيقظة حتى ألقت بالحقيبة من يدها و ركضت إلي تعانقني ..
- آآآآه .. يدي ! ياا .. ستقتلينني .. !
- أووه .. آسفة آسفة عزيزتي .. حمدا لله أنك بخير .. لا تعلمين كم قلقت عليك أوني ..اشتقت لك حقا أوني !
ابتسمت لها فأسرعت و أحضرت وسادة أخرى من الخزانة و ساعدتني على الجلوس ، كانت تبدو سعيدة و متحمسة ، ثم قالت و هي تعدل الوسادة لي :
- الطبيب قال أنك لا تعانين من شيء خطير فقط تحتاجين للراحة و تناول الطعام جيدا .. لهذا لم أتصل بعمي و خالتي ..
- حمدا لله أنك لم تتصلي بهم .. يكفي ما عانته أمي بسببي بعد حادثة المصعد ..
التفت إليها و نظرت إليها بحنان و قلت :
- حقا لا أعلم ما الذي كنت سأفعله من دونك فيفي .. أنت أفضل أخت حظيت بها ..
ابتسمت بسعادة و ضمت كفيها و قالت :
- أوموووو من النادر سماع كلام عاطفي منك .. ستجعلينني أقع في حبك *_*
- و أنت ستجعلينني أندم لأني قلته !
ضحكت فاطمة بشدة ثم أخرجت هاتفها و بدت و كأنها تتصل بأحدهم ..
- هل تتصلين بأحد ؟
- نعم .. برابمون أوبا .. طلب مني أن أقوم بمكالمة فيديو معه حين تستيقظين ..
- ماذا ؟ هل جننت ؟ ألا ترين كيف هي حالتي ؟ وجهي شاحب تملئه الندوب ! على الأقل انتظري إلى أن أضع كريم أساس ! أغلقي الهاتف بسرعة .. !
لكن رابمون أجاب على الحال فوقفت فاطمة أمامي لأظهر ورائها على شاشة الهاتف ، كان رابمون واقفا و الأعضاء ملتفين حوله مصدرين ضجيجا يدفعون بعضهم البعض .. قمت بسحب الغطاء و وضعه على وجهي خجلا من رؤيتهم لي بتلك الحال خصوصا رابمون .. خشيت أن أبدو قبيحة فيغير نظرته لي ..
أعطتني فاطمة الهاتف و قالت :
- هيااا ! إنهم قلقون عليك و يردون التحدث إليك !
شعرت بالأسى عليهم بأني جعلتهم يقلقون فسمعتهم يقولون بصوت عال :
- نوناااا ! هياا نريد رؤيتك ! أنت جميلة بكل حالاتك لا داعي للاختباء !
أخرجت رأسي من تحت الغطاء و أمسكت الهاتف فقالت لي فاطمة :
- سأخرج لأحضر لك شيئا تأكلينه .. خذي وقتك أوني ..
خرجت فاطمة و نظرت إلى الأعضاء على الشاشة و قلت لهم بصوت خجول :
- مرحبا شباب !
بدأ الجميع يصيح "نونااا اشتقنا لك .. عودي بسرعة .." بينما كان رابمون يتذمر من أصواتهم العالية التي أرهقت أذنه و في كل مرة يتدافع الماكنيز فيما بينهم كل منهم يدفن وجهه في الشاشة و يقول شيئا فيبتعد رابمون هاربا بالهاتف لكنهم يتبعونه من جديد ..
كنت أضحك على تصرفاتهم الطفولية فشعرت بالسعادة و تأثرت لقلقهم علي و وقوفهم الدائم بجانبي فابتسمت و الدموع تتلألأ في عيناي و قلت لهم :
- أنا أيضا اشتقت لكم شباب كثيرا ..
اقترب كوكي من الشاشة و قال :
- امم .. نونا هل تبكين ؟.
بدأ الجميع يصرخ "لا لا .. لا تبكي .. لا تبكي .." ، بينما كنت أبتسم و أمسح دموعي و أقول :
- لا .. ما الذي تقولونه .. أنا لا أبكي ..
رأيت رابمون يحاول قول شيء لكن تاي قرب وجهه للشاشة بشكل مضحك و قال :
- نونا متى ستعودين ؟
ضحكت و قلت :
- لا زلت لا أعلم ..
حاول رابمون قول شيء مرة أخرى فكنت أتابعه رغبة في سماع ما سيقوله ، لكن جين أوبا أخرج رأسه من جانب رابمون و قال :
- أسرعي و عودي سأعد لك الكثير من الأطعمة الشهية بنفسي ..
فسمعت كوكي يقول له :
- هيونغ هل تحاول تدبر عذر للتقرب من النونا الطاهية ؟
بدأ جين أوبا يتذمر من كلام كوكي بينما يقوم كوكي بتقليده لإغاظته فصرخ عليهم رابمون :
- يااا أنا أحاول التحدث توقفوا عن مقاطعتي !
صمت الجميع ملتفتين لبعضهم البعض يبتسمون فسحب شوقا أوبا الأعضاء و هو يقول :
- هيا .. هيا يا مفسدي الحفلات ..
ثم اقترب من الكاميرا و قال :
- أسرعي و عودي سالمة .. نحن في انتظارك ..
- شكرا لك يونغي أوبا ..
ابتعد ضجيج الأعضاء شيئا فشيئا فظل رابمون وحده ، فجأة أصبح الجو مربكا بشكل غريب ، فقدنا القدرة على الكلام و كنا نضحك فقط .. رغم أني كنت أحس أني أريد قول الكثير لكني فجأة نسيت كل شيء ..

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثWhere stories live. Discover now