الجزء الخامس و الأربعون

3.1K 348 2
                                    

  وصلت السيارة إلى مدخل الحي الذي كان حيا شعبيا فقيرا ، فتحت الباب لأغادر فأسمك رابمون بيدي و قال :
- أرجوك كوني حذرة .. إذا وقع أي شيء فقط اتصلي بي أو أرسلي رسالة فارغة أو ..
ضحكت و قاطعته :
- ليس و كأنه سيقوم بقتلي .. سنتحدث فقط و أسوء شيء قد يفعله هو طردي من منزله لا غير ..
خرجت من السيارة التي كان زجاجها دخانيا لا يظهر الموجود داخلها ، و اتجهت أبحث عن رقم باب المنزل إلى أن وجدته ، وقفت أمامه و قلبي ينبض بسرعة من التوتر و القلق ، أنا حتى لا أعلم كيف سأبدأ حديثي و كيف سأقنعه ، طرقت الباب ثم بعد لحظات فتحت الباب سيدة ذات عينان عسليتان براقتان و وجه أبيض رغم التجاعيد المحيطة بعينيها إلا أنها كانت تبدو جميلة كان واضحا أنها والدة ندى فقد كان الشبه كبيرا بشكل لا يصدق بينهما ، أحسست بالسعادة لرؤية والدتها كما لو أنني رأيت صورة ندى التي اشتقت لرؤيتها و لابتسامتها البريئة ، كنت مندهشة لثوان ثم قلت :
- السلام عليكم سيدتي .
- عليكم السلام يا ابنتي . أي خدمة ؟
كان صوتها رقيقا دافئا و ناعما ، فقلت لها :
- عفوا .. هل هذا منزل ندى ؟
- نعم .. من يسأل عنها ؟
- أنا صديقتها .. أدعى سمر .. لقد تعرفت عليها في النزل حيث كانت تعمل
- آآه .. سمر ! إنها لا تتوقف عن الحديث عنك .. تفضلي يا ابنتي تفضلي .
دخلت إلى البيت المتواضع وراء السيدة فخرج أربعة أطفال صغار متفاوتي الطول ينظرون إلي بخجل بعيون بريئة و خدود حمراء يحاولن استكشاف من أكون، أرشدتني السيدة إلى غرفة بسيطة الأثاث لأجلس بينما ذهبت تنادي ندى بأعلى صوتها ..
- ندى ! ندى ! تعالي يا ابنتي صديقتك سمر أتت لرؤيتك
كنت متشوقة لرؤيتها فسمعتها قالت بصوت عال من بعيد :
- ماذا قلت أمي ؟ سمر؟
أتت راكضة و دخلت الغرفة حتى أنها كادت تسقط ، وقفت و ركضت إلي و حضنا بعضنا حضنا قويا و نحن سعيدتين بلقائنا ، جلسنا و قالت و هي لا تزال متحمسة :
- لا أصدق أنك أنت .. ربما أحلم .. و لكن كيف ؟ .. أقصد كيف حصلت على العنوان ؟
- ربما كان الحصول عليه صعبا لكن المهم أني حصلت عليه .. طمنيني عليك هل أنت بخير؟
ابتسمت ابتسامة خافتة و قالت :
- حسنا .. أنا بخير .. و الآن بما أنك أتيت لزيارتي فإني أفضل حالا.
- في الواقع أتيت إلى هنا لأكلم والدك ..
- ماذا ؟ والدي ؟ ..
- نعم .. سأحاول إقناعه بإلغاء فكرة الزواج تلك .
استرخت كتفا ندى و أطلقت تنهيدة طويلة و عيناها مليئتان بالحزن و قالت :
- سمر أعلم جيدا أن نواياك حسنة و تريدين مساعدتي ، لكن والدي لا يمكن أن يعدل عن قراره .. لقد حاولت معه أمي و لم نلقى سوى غضبه و صراخه ..
- أنا لن أفقد الأمل إلى أن أحاول .. هناك احتمال أن يقبل بما أني أملك هذه ..
نظرت ندى إلى الوثائق في يدي و قالت :
- ما هذه ؟
- هذه وثائق استفادتك من منحة دراسية للدراسة في كلية الطب ، كل ما ينقص هو موافقة والدك ..
ظلت ندى مندهشة لبعض الوقت فقد كان واضحا أنها لم تصدق بعد ما قلته ، ثم قالت :
- م.. منحة ؟ هل هي لي ؟ أنت متأكدة ؟ لكن .. لكني منقطعة عن الدراسة ..كيف..
ضحكت و قلت :
- المنحة ممنوحة لك من طرف شركة مجد للأزياء ، تحدثت إلى المدير و قد وافق ..
لمعت عينا ندى بالدموع ثم ابتسمت و قالت :
- سمر .. أنا حقا .. لا أعلم كيف أشكرك.. لا يمكن لأي كلمة أن تعبر عن مدى امتناني لك في هذه اللحظة ..
فتحت دراعيها و ضمتني إليها بقوة فقلت لها :
- لا يجب أن تشكريني الآن .. افعلي ذلك حين أنجح في إقناع والدك ..
في تلك اللحظة أحضرت والدة ندى القهوة لنا ، ابتسمت بسعادة و قالت :
- أنا حقا سعيدة لقدومك يا ابنتي ، فقد مضى وقت طويل لم أر فيه ندى سعيدة هكذا ..
صمتت للحظات ثم استدركت بتعابير حزينة :
- لقد ظننت لفترة أنها نسيت كيف تبتسم ..
خيم الصمت على الغرفة قبل أن نسمع باب البيت يفتح ، تغيرت تعابير وجه كل من ندى و والدتها ، لقد كان الشخص الذي دخل إلى البيت والد ندى عائدا من عمله المتعب ، خرجت والدة ندى من الغرفة و كنا نستطيع سماع وشوشتها ثم دخل و أصبح الجو فجأة مربكا ، وقفت لتحيته فقال بصوت خشن :
- أهلا بك .. سمعت أنك صديقة ندى ..
- أشكرك سيدي .. هذا لطف منك.
التفت إلى ندى و قال :
- لقد أحضرت بعض الحلوى .. اذهبي و أحضريها لضيفتنا..
وقفت ندى بسرعة و غادرت الغرفة ة هي تبادلني النظرات، جلس والدها بارتياح و قال :
- في الحقيقة لسنا معتادين على زيارة أصدقاء ندى لنا ، فهي عادة لا يكون لديها أصدقاء ..
- في الحقيقة سيدي لقد أتيت لرؤيتك بالخصوص ..
- أنا؟ بأي شأن؟
استجمعت قوتي رغم أن نبضات قلبي قد بدأت في التسارع ، كان والدها يبدو مرحبا بي و لم يبدو كما تصورت لهذا قررت أن أناقشه في الموضوع ..
- أتيت بشأن موضوع زواج ندى .. أرجو منك سيدي أن تتراجع عن هذا القرار ..
تغيرت تعابير وجه الرجل فجأة و أصبحت عيناه حمراوتان فقال لي بنبرة قوية :
- ربما تكونين صديقة ندى لكن ليس لديك الحق في التدخل في مثل هذه الأمور ! شؤوننا الشخصية تخصنا نحن فقط !
- أعلم جيدا سيدي أنني لن أفكر في مصلحتها أكثر منك .. لكن .. لا أظن أنه يجب تزويجها بهذه الطريقة في هذه السن المبكرة ..
انفعل والد ندى أكثر و ثار غضبه فقال بنبرة قوية :
- إذا كنت قد أتيت لرؤية ندى فقد رأيتها ! و إذا كنت قد أتيت لغرض آخر أرجو أن تتفضلي و تغادري حالا !
هم والد ندى بالنهوض قبل أن أحاول للمرة الأخيرة إقناعه ..
- أرجوك سيدي .. فقط اسمعني إلى الآخر .. و أعدك أنني سأرحل بعد قول ما لدي و لن أقوم بإزعاجكم بعد ذلك .. أرجوك امنحني فرصة للحديث..
نظر إلي لثوان ثم جلس و قال غير مبال :
- قولي ما عندك .. و ارحلي بعدها..
صمت للحظات ثم قلت :
- سيدي .. لا بد أنك حين كنت طفلا كنت تحلم بأن تصبح طبيبا أو مهندسا أو شرطيا أو مجرد معلم بسيط .. لكنك توقفت عن قول ذلك حين واجهت ظروفك .. حتى إن لم تكن لديك أحلام أساسا ربما كنت على الأقل تتساءل لمرات كثيرة كل يوم .. لما لا أستطيع أن أملك تلك اللعبة أو ذلك الطعام .. لما لا أحظى بحياة مريحة أيضا.. و أنا متأكدة أن ندى أيضا تطرح هذا السؤال مرات كثيرة .. و متأكدة أنها ذات يوم حين كانت طفلة كانت تحلم أن تصير طبيبة حين تكبر .. و بالمناسبة لا يزال هذا حلمها ..و هذه الوثائق بين يدي هي فرصتها الأخيرة لتحقيق حلمها.. إنها وثائق تخص منحة دراسية حصلت عليها ندى، إنها ممنوحة لها من شركة للأزياء مشهورة .. عادة تمنح فقط لطلبة الموضة و الأزياء و قد من الصعب إقناعهم بمنحها لها .. فأرجو أن تدرك سيدي أهمية هذه الفرصة .. و إذا وقعت هذه الوثائق سيدي ستتمكن ابنتك من إكمال دراستها في كلية الطب و تحصل على راتب شهري لا أظنه سيكفي فقط لسد مصاريف دراستها بين أيضا سيساعدك أيضا على مصاريف البيت.. سيدي أعلم جيدا أنك تريد ضمان مستقبل ندى لهذا تريدها أن تتزوج بشخص غني لكن أليس من غير العادل أن تحرمها من قضاء أجمل اللحظات مع أسرتها ؟ أليس من غير العادل أن تجبرها على العيش مع شخص لا تريده؟ أليس من غير العادل أن تتحمل المسؤولية في هذه السن الصغيرة ؟ ألا يكفي أنها تحملت بالفعل مسؤولية إعالة إخوتها و تحملت الضرب و الشتم و المعاملة السيئة لأجلكم ؟ .. إن مصيرها لا يتعلق بها فحسب .. بل يتعلق بكم جميعا و بالأخص إخوتها الصغار .. كونها ناجحة و قوية سيمنح القوة لهم أيضا و سيكون مستقبلهم مشرقا .. فأنا لا أظنك سيدي تفضل الإعتماد على صهر يقوم بإعالتكم و يمن عليكم بماله .. أنا لا أحاول القول أنه ليس عليها الزواج بتاتا و أنها لا تحتاجه ، لكن من الأفضل أن يكون قرارا تتخذه هي حين تكون جاهزة بمشاورتك و مشاركتك فيه و ليس بإخبارها عليه..
أرجوك سيدي أن تفكر جيدا ما الذي تريده بالضبط لابنتك .. و أنا أثق جيدا أن قرارك سيكون في صالحها .. أعتذر إذا أزعجتك سيدي .. سأترك لك هذه الوثائق و رقم هاتفي ضمنها .. أرجو أن تتصل بي لتعلمني بقرارك و سأحترمه مهما كان .. شكرا على الاستضافة ..
وقفت لأغادر و لم يحرك والد ندى ساكنا حتى حين كنت أتحدث لم يبدي أي رد فعل مما جعلني ف حيرة و شعرت باليأس و الإحباط ، ربما كلامي كان لا جدوى منه ، ربما فشلت بالفعل في إقناعه.. خرجت من البيت مباشرة دون وداع ندى فقد كنت أشعر بالخجل من رؤيتها بما أنه من الواضح أنني فشلت في إقناع والدها ..  

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثTempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang