الجزء السادس و الأربعون

3.4K 346 9
                                    

كانت الدموع تملأ عيناي و أحسست بقلبي ينقبض ، أسرعت إلى أخر الحي حيث كانت السيارة مركونة ، فتحت الباب و قلت للسائق أن ينطلق بسرعة ، كانت نظرات رابمون تتطلع إلى وجهي و كان يسألني :
- سام ؟ هل تحدثت إليه ؟ ماذا قال ؟ ماذا هناك ؟
بقيت صامتة لثوان ثم سالت دموعي و قلت له :
- أظن أنني فشلت نامجون .. لا بل أنا فشلت بالفعل .. فشلت ..
دفنت وجهي بين كفاي فربت على ظهري يحاول تهدأتي :
- لابأس .. أنت بذلت جهدك و حاولت ..
حاولت تمالك نفسي و لم شتاتي ، فكنت أحدق في الأزقة الكثيرة التي كانت السيارة تمر من جانبها ببطئ لكثرة الباعة المتجولين ، فجأة توقفت السيارة شيئا فشيئا ، كنا نستغرب لأن السائق قام بركنها على جانب الطريق ، فسألته :
- ماذا هناك ؟
- لا أعلم آنستي .. لا بد أن هناك عطلا..
خرج السائق يتفقد السيارة بينما كنا جالسين أنا و رابمون داخلها ننتظر معالجة العطل ، لكنه لم يستطع لهذا اتصل بمركز لإصلاح السيارات فأرسلوا عميلهم الذي أخذ وقتا طويلا في الوصول ثم تفقد السيارة و محاولة إصلاحها في عين المكان لكن الأمر تطلب أكثر من مجرد تدخل بسيط ، ثم دخل السائق إلى السيارة و قال :
- أعتذر آنستي ، يبدو أنه عليكم استئجار سيارة أجرة للعودة ، هناك عطل بالمحرك و يجب نقل السيارة إلى مركز الصيانة ..
- ماذا؟
التفت إلي رابمون و قال:
- ماذا هناك ؟
- هناك عطل بمحرك السيارة .. و لا يمكن إصلاحها هنا يجب أخذها إلى مركز صيانة ..هذا يعني أنه علينا استئجار سيارة أجرة ..
- لا بأس سألبس قناع الوجه من الجيد أنني أحضرته ..
- هل جننت ؟ نحن هنا لا نرتدي أقنعة الوجه أنت ستجلب فقط الانتباه أكثر و سيتعرف عليك الفان العربي بسهولة ..
- إذن ما العمل ؟
التفت إلى النافذة أفكر في حل للوصول إلى النزل دون إثارة الانتباه ، فلمحت محلا للملابس و أتتني فكرة ربما كانت مجنونة لكنها أفضل حل للتنزه براحة دون أن يتعرف أي كان على رابمون ، نظرت إليه بعينين واسعتين و قلت له :
- وجدتها .. انتظرني هنا أنا آتية ..
خرجت لدقائق ثم عدت أحمل كيسا به بعض الملابس تمويهية ليرتديها رابمون ، دخلت بحماس و أعطيته الكيس دون قول كلمة ، أمسك الكيس بين يديه و قال :
- ما هذا ؟
قلت بابتسامة عريضة :
- ملابس تمويه .
فتح الكيس ثم أخرج الملابس يتفقدها و هو يهمس :
- لما تبدو كملابس نسائية ؟
ابتسمت و قلت :
- لأنها ملابس نسائية .
نظر إلي نظرة فارغة و بدت عليه الصدمة و ظل صامتا لثوان ثم قال :
- سام .. أنت تمزحين أليس كذلك ؟
- بالطبع لا .. إنها الطريقة الوحيدة لتصل إلى النزل دون أن يتعرف عليك أحد ..
ألقى بالملابس و الكيس بين يدي و التفت و عقد دراعيه و قال :
- لن أرتديها ..
- عليك أن ترتديها هذا فقط لصالحك..
- لن أفعل !
- بل سترتديها ! الآن ! و دون مناقشة ! أيها الغبي هل تريد أن يتعرف عليك أحدهم و يذهب كل العمل الذي قام به الأعضاء هذه الفترة سدى بسبب عنادك الفارغ ! ليس و كأنها أول مرة فقد ارتديت أسوء من هذه الملابس سابقا ! .. حتى أنني اخترت الأجمل !
انكمش رابمون مكانه لانفجاري المفاجئ عليه و كان ملتصقا بباب السيارة ثم عدل جلسته و أخذ الملابس بتردد ، كان الوقت يمر و المساء قد وصل و لم يبقى على غروب الشمس الكثير لهذا فقدت أعصابي عليه ..
أمسك الملابس في يده و رمقي بنصف نظرة ثم نزع قميصه بدون سابق إنذار ، شعرت بالحرج ..
- يااا .. ياا .. ما الذي تفعله ؟
نظر إلي و هو يبدو كشخص فاقد للأمل في الحياة و على وشك أخذه للموت :
- ألم تطلبي مني أن أرتديها ..
- حسنا .. ارتدي فقط .. بسرعة .. بسرعة..
بعد لحظات خرجت من السيارة و فتحت الباب لرابمون الذي كان يلبس عباءة سوداء طويلة اخترتها مناسبة لطول قامته و نظارات سوداء و حجابا أسود ، التفت السائق الذي كان يتحدث مع الميكانيكي فتجمد مكانه ثم بدى و كأنه يحاول كتم ضحكته ، وقف رابمون ساكنا و قال لي و هو يشد على أسنانه :
- قولي له إن ضحك سأكسر أسنانه !
حاولت كتم ضحكتي أيضا و التفت إلى السائق بنظرة حادة و قلت له :
- نحن سنذهب الآن .. أتمنى أن يبقى ما رأيته اليوم سرا !
- حاضر آنستي لا تقلقي.
كنا نمشي أنا و رابمون وسط الحشد الكبير من الناس في الأزقة متجهين إلى الطريق السريع حيث سنستأجر سيارة أجرة ، كان رابمون يمشي ساكنا كئيبا بينما كنت أنظر إليه بين الفينة و الأخرى و أبتسم لشكله المضحك بالعباءة و الحجاب ، ثم اقتربت منه و قلت له :
- احم .. حمدا لله أنك لا ترتدي حذاءا رياضيا و إلا كان علي إيجاد حذاء بقياس قدمك .
التفت إلي بسرعة البرق رغم أنه كان يرتدي نظارات شمسية كان واضحا أنه يرمقني بنظرات حقد .. التزمت الصمت أحاول كتم ضحكتي بينما ظل يتذمر هامسا يحدث نفسه ، كان الزقاق شهيرا بالمحلات التي تبيع الديكورات و الحلي و الاكسسوارات و الملابس و الأواني التقليدية ، بينما كان كل منا يمشي غارقا في أفكاره تجمد رابمون في مكانه و أسرع ووقف أمام زجاج محل يبيع مجسمات الديكور ، كان ينظر إلى مجسم لشخصية كرتونية و هو ملتصق بزجاج المحل و هو يردد كلمات لطيفة ، بدى كطفل بريء صغير نظرت إليه ثم قلت :
- هل أعجبك ؟
- أنا حقا أحب مثل هذه الأشياء إنها لطيفة جدا .. لكن .. لم أحمل معي محفظتي حين خرجت ..
لففت يداي حول ذراعه و قلت له مازحة :
- لا تقلق .. أوني ستشتري لك ما تريد
انتفض من يداي و هو يضرب بقدميه على الأرض و يقول متذمرا :
- آآآه شينتشااا ! توقفي عن إغاظتي !
كنت أموت من الضحك قبل أن أقول له :
- حسنا حسنا .. هيا لندخل ..
دخل رابمون ورائي و نزع نظاراته ليجول بنظره في المجسمات المتفاوتة الأحجام و الألوان و الأشكال ، بدى مستمتعا بالمنظر و كأنه في عالمه الخاص ، كان المحل صغيرا و بسيطا لكنه جميل و مرتب لاحظت أنه لم يكن هناك أحد في المحل فألقيت السلام:
- السلام عليكم !
أطل علينا صاحب المحل الذي كان جالسا وراء الطاولة و قال بابتسامة عريضة :
- و عليكم السلام .. أهلا و سهلا بكم تفضلوا و ألقوا نظرة ..
- عفوا سيدي بكم تبيع هذه المجسمات ؟
أخذ البائع يخبرني بأثمنة جميع المجسمات حسب الحجم و الجودة ، لقد كانت كلها غالية الثمن و تتجاوز المال المتبقي في محفظتي ، بينما كان رابمون منشغلا بالبحث عن الذي يريده بما أن الاختيارات كثيرة فقد كان من الصعب عليه أخذ قرار، تنحنح صاحب المحل و قال لي بصوت هامس :
- تبدو تلك الآنسة أجنبية .. هل هي ماليزية ؟
- ها؟ آه .. نعم .. أنت محق ..
- كنت أعلم ذلك .. لديهن بشرة سمراء و عينان ضيقتان .. لكنهن جميلات ..
ابتسمت ابتسامة خافتة و قلت :
- آه نعم صحيح ..
صمت قليلا ثم قال :
- يبدو أنها تحب الأشياء اللطيفة .. هذا يعني أنها فتاة حساسة رقيقة ..
نظرت إليه مطولا و تذكرت جميع اللحظات التي كان فيها إلى جانبي ، ابتسمت و قلت :
- نعم إنه رقيق جدا .. أقصد .. رقيقة جدا .
- فلتختر المجسم الذي تريده و سأخصص لكما خصما استثنائيا
- حقا ؟؟ شكرا لك سيدي ..
اقتربت من رابمون و قلت له بسعادة :
- هيا بسرعة اختر ما تريده قال أنه سيمنحنا خصما
ألقى رابمون نظرة ازدراء على صاحب المحل و قال لي :
- حقا ؟ يبدو أنه معجب بك .. بما أنه كان يبتسم بسعادة حين كنتما تتحدثان .. حتى أنه منحك خصما .. ربما أرتدي هذه الملابس للنجاة لكن لا تنسي أنك برفقة رجلك !
رمقته بنصف نظرة و قلت :
- آآآه حقا يا لك من ممل ..
التفت أبحث أيضا بين الأغراض و أنا أبتسم لسعادتي بغيرته علي ، فجأة اقترب مني صاحب المحل و قال :
- في الحقيقة آنستي .. أريد أن أطلب منك طلبا ..
- طلب ؟ نعم تفضل ..
- لطالما كان لدي حلم بالزواج من فتاة ماليزية .. هل يمكن بعد إذنك .. أن تقدميني لها؟
- ها ؟
- أنا شخص متزن و ميسور الحال و مستعد لأفعل أي شيء لأجلها .. أرجو أن تساعديني..
كنت أحاول كتم انفجار ضحكي ، حينها اقترب رابمون و هو يحمل مجسما في يده و قال لي :
- حسنا سآخذ هذا ..
كان صاحب المحل واقفا ينظر إلى رابمون بإعجاب بينما كنت أنا مصعوقة من طلبه لا أعلم كيف سأرد عليه و أحاول منع نفسي من الضحك ، نظر إلينا رابمون نظرات فارغة ثم قال :
- ما به ينظر إلي هكذا ؟ لا تقولي أنه يعرف من أكون !
نظرت إليه و قلت :
- رابمون .. هل تريد المجسم فعلا ؟
- بالطبع أريده .
- إذن التزم الصمت فقط و ابقى ساكنا
نظرت إلى البائع و قلت :
- إخبارها الآن سيفاجئها و ستفزع، أنت لا تعلم كيف تصبح حين يتم إزعاجها ، تتحول إلى وحش.. لما لا تلف لي هذا المجسم و تخصم لنا ، و سأحضرها إلى هنا مرة أخرى و أخرى كي تتعرف عليك على مهل ..
- حقا .. أنت محقة .. أشكرك آنستي ..
أخذ البائع المجسم منا و شرع يلفه بينما كنت ألقي نظرة على إحدى الأكسسوارات ، انتهى لف المجسم و تقدم رابمون لأخذه من البائع فقام بإمساك يده و قال له :
- You are so beautiful
جن جنون رابمون و أمسك الرجل من ياقته و سحبه من وراء الطاولة و قال بصوته الخشن :
- Just tell me u wanna die !
ركضت إلى رابمون أحاول تهدئته و لإقناعه بترك الرجل الذي كان يرتعد مفزوعا عن آخره لا يعلم ما الذي يواجهه أمامه ، ثم تركه فقلت للبائع معاتبة :
- لقد قلت لك أنها ستتحول إلى وحش !
ارتدى رابمون نظاراته الشمسية و خرج بسرعة من المحل تاركا المجسم ورائه ، ركضت ورائه أحاول تدارك خطواته الكبيرة و السريعة ، التحقت به بعد الركض المتعب و مشيت بجانبه و قلت :
- آآآه لقد انجرح كبريائي كفتاة .. كيف لرجل أن يحظى بالاهتمام فقط لأنه ارتدى ملابس نسائية و لم أحظى به أنا ..
- ذاك النذل ! فقط لو لم أخشى الوقوع في المشاكل لكسرت عظامه !
- لا يجب أن تلومه إنه لا يعلم أنك رجل .. آآآه تبا .. لقد فوتت فرصة الحصول على مجسم غال بسعر أرخص .
- حتى و إن كان مجانا لن آخذه !
نظرت إليه و انفجرت ضاحكة فقال لي بصوت عال متذمرا :
- هل تجدين الأمر مضحكا ؟؟ توقفي عن الضحك علي !
- هههه حسنا حسنا .. آسفة ..
صمتنا للحظات ثم قلت له بصوت هادئ و أنا أنظر بعيدا أحاول منع دموعي من النزول :
- أنا حقا شاكرة لك نامجون .. لو لم تأتي برفقتي لكنت جالسة في إحدى الزوايا أبكي بحرقة على فشلي في إقناع والد ندى ..
ثم نظرت إليه و أنا أبتسم و قلت :
- بفضلك حظيت بوقت ممتع و ضحكت بسعادة 
ابتسم لي رابمون و لف ذراعه الطويلة حول كتفي ، تابعنا طريقنا بهدوء إلى أن خرجنا من الزقاق إلى الطريق السريع حيث استأجرنا سيارة أجرة ..

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثWhere stories live. Discover now