الجزء الواحد و الخمسون

3.2K 331 8
                                    

  فتحت عيناي على إثر كابوس مرعب أعاني من ألم في رقبتي و جميع أنحاء جسمي بسبب النوم جالسة و مقيدة اليدين ، كنت لا أستطيع الإحساس بيداي فقد كانتا متشنجتان ، تفاجأت أن الخادم لم يكن جالسا كعادته في مكانه ، زحفت أتفقد المكان بما أني فقدت القدرة على الوقوف بسبب الجوع و العطش و التعب ، كنت أحاول تحمل تنفسي البطيء و المتقطع و تجاهله لأستطيع التركيز و أفكر في طريقة للخروج من مشكلتي ، لكن دون جدوى ..
فجأة فتح الباب أو بالأحرى سحبت الخزانة و دخل أحدهم ثم أقفله و نزل ببطئ ، لقد كان الخادم يحمل صحنا مقعرا و قارورة ماء معدنية ، رشف رشفة من الصحن أصدر على إثرها صوتا و قال :
- امممم هذا الحساء حقا لذيذ ..
اتجه إلي فانكمشت في مكاني و وضع الصحن و القارورة أمامي ثم سحبني إليه و أنا أحاول الإفلات منه ، فقال بنبرة قاسية :
- اهدئي ! إنه موعد فطورك ! ..
أخذ يفتح القفل بمفتاحه الصغير ثم اقترب من أذني و همس :
- إذا فكرت في القيام بأي حركة .. كوني أكيدة لن أرحمك !
بلعت ريقي بصعوبة أحسست بالدوار بسبب رائحة السجائر القوية التي تفوح منه ، ابتعد و جلس على كرسيه يراقبني ، أخذت أدلك يداي المزرقتان بفعل السلاسل الثقيلة ، كانت يداي ترتجفان و أنا أحمل القارورة بعد أن فتحتها بصعوبة ، و أردت شربها كاملة من شدة العطش الذي كنت أعاني منه لكن كان علي التمهل في شربها كي لا يقوم الخادم بإعادة السلاسل ليداي ، ما إن شربت أول رشفة من الماء حتى أحسست ببرودته تعيد داخلي إلى الحياة بعد أن كنت ذابلة ..
نظرت إلى الحساء الذي كان ساخنا و يبدو لذيذا من شكله أو ربما بسبب الجوع أصبحت أرى أي طعام يبدو لذيذا ، حتى الماء المعدني الذي تعودت على شربه كان له طعم لذيذ هذه المرة ، لكني شعرت بالاشمئزاز من تذوقه بما أن الخادم رشف منه بالفعل ..
كان الخادم يحدق بي فقال و هو يلعب بسكينه على الطاولة :
- تناولي الحساء قبل أن يبرد ..
- لا أريده !
- آآآه .. ربما تعودت على تناوله بالملعقة .. نحن حقا متأسفون على مستوى الضيافة الرديء لكن لا يمكننا إحضارها لك .. فهي تعتبر سلاحا .
نظرت إليه بسخرية و قلت هامسة :
- سلاح ؟ لا بد أنك تمازحني ..
- لا تخافي لم نضع لك فيه أي مخدر .. لكن أظن أننا نحتاج لفعل ذلك حين نود نقلك .. بما أنك لست هادئة و مثيرة للمتاعب ..
- نقلي ؟ إلى أين ؟
- من يعلم ..
أخرج هاتفه و سيجارته و بدأ يدخن حتى ملأ المكان دخانا خانقا ، كنت أمسك بالقارورة في يدي فانتبهت إلى الإسوارة في يدي ، تحسستها و كأني بذلك أتحسس يد رابمون التي لطالما استمديت القوة منها ، تغرغرت عيناي بالدموع و همست لنفسي :
- نامجوني .. أنا حقا بحاجتك الآن أكثر من أي وقت مضى ..
نزلت دموعي في صمت بينما كنت أحدق في إسوارتي و قلوبها المعلقة و أنا أتذكر اليوم الذي أهداها لي ، و كيف قام ببذل جهد لتزيينها بكل القلوب الصغيرة .. فقط لو بإمكاني إرسال رسالة له ..
فجأة سرت في ذهني فكرة ، فتنحنحت في مكاني ثم تنهدت و قلت بصوت شبه هامس بتعابير حزينة محاولة جذب انتباه الخادم :
- كيف يمكن أنهم لم يبحثوا عني .. حقا كنت غبية حين كنت أظنهم أصدقائي .. لا وجود للأصدقاء في هذا العالم .. على أي حال لقد تعبت من مراقبة أعضاء تلك الفرقة .. إنهم مزعجون و يرهقونني كثيرا .. أريد حقا الحصول على عمل مربح جدا بدل تضييع وقتي مع هؤلاء المجانين..
التزمت الصمت أتأمل أن يبتلع الخادم الطعم ، بعد ثوان قال بهدوء :
- أنت بالفعل ذاهبة لجني المال عزيزتي ..
التفت إليه و وجدت أنه كان يراقبني و من الواضح أنه سمع حديثي ، فقلت له مندهشة :
- حقا ؟ هل هو فعلا عمل مربح ؟
- حسنا .. هذا يعود لك .. يجب أن تكوني بارعة في جلب الزبائن و خدمتهم ببراعة ..
- و لكن ما نوع هذا العمل ؟ هل سيتطلب مني مهارات خاصة ؟
بدى الخادم أكثر ارتياحا و متجاوبا مع حديثي :
- نحن نرسل الفتيات للعمل كنادلات في محلات يتردد عليها فقط كبار المسؤولين و الشخصيات ، لكن أغلب من يتردد على المحل لا يكترث أبدا للذة الطعام المقدم أو حسن الاستقبال بقدر ما يأتي فقط لرؤية تلك الفتاة الجميلة التي تخدمه .. بمعنى آخر تكونين لافتة لجذب الانتباه .. و في بعض المحلات قد تتجاوز مهمتك كونك مجرد نادلة أو لافتة .. تعلمين ما أعنيه ..
التزمت الصمت للحظات متظاهرة أني أفكر في الأمر بينما كنت أبكي دما في أعماقي على جميع الفتيات اللواتي أتين إلى هذا النزل لكسب قوت عيشهن و إعالة أسرهن فانتهى بهن الأمر مختطفات و يجبرن على القيام بأعمال دنيئة ليتدمر بذلك ما تبقى لديهن من روح .. كيف لم يوقف أحد هذا الانتهاك في حق الطفولة و المرأة ككل ؟؟
التفت إلى الخادم و قلت له :
- ما رأيك أن تسدي لي خدمة .. أريد رؤية الرئيس .. أنا مستعدة للعمل معه لكن لدي شروطي أريد مناقشتها معه أولا ..
نظر إلي مطولا ثم وقف قائلا :
- حسنا .. سأمنحك فرصة .. لكن لا تتصرفي بغباء !
وضع سكينه في جيبه و هو يراقبني ثم حمل الصحن معه و صعد السلالم ، ما إن أغلق الباب حتى أخذت أتفقد حجابي ثم سحبت إبرة منه و وضعتها على الأرض ثم نزعت إسوارتي و حاولت إخراج إحدى القلوب الصغيرة منها بيداي المرتجفتان خوفا من عودة الخادم و رئيسه قبل انتهائي ، أخرجت قلبا و وضعته داخل الإبرة التي حاولت جعلها مقعره بأسناني ، فجأة فتح الباب فأخفيت القلب في يدي ..
نزل الخادم يتبعه رئيس الخدم بخطوات واثقة ، وقف أمامي و هو يضع يديه في جيبه فوقفت لأتمكن من الإقتراب منه فقال لي :
- هل ما سمعته صحيح ؟ هل حقا تريدين العمل معي ؟ أم أنك تحاولين خداعي ؟.
- بالطبع أنا أريد العمل و جني المال .. فلدي شركة مفلسة بالفعل قبل حتى أن تبدأ .. لكن لدي شروطي.
- أنا أسمعك
- بما أن فضل جني المال سيعود لي .. أريد الحصول على حصة 70% من المال .
صمت رئيس الخدم لثوان ثم ضحك حتى تلألأت عيناه بالدموع بينما كان الخادم يبتسم بسخرية ، كنت أعلم بالفعل أنه عرض مبالغ فيه و غير مقبول لكن لم يكن ذلك هدفي بقدر إحضار رئيس الخدم إلي ..
بعد أن توقف عن الضحك تغيرت ملامحه لتصبح أكثر جدية و قال :
- لا بد أنك تمزحين ! أنا الرئيس و الرئيس يحصل على النسبة الأكثر .. لأنه لولا الرئيس لن تحصلي على عمل و لا مال.. مفهوم ؟
تظاهرت بأن أعصابي قد ثارت و قلت بحدة :
- هذا ليس عدلا ! كيف يعقل أن أبيع نفسي دون أن أحصل على الحصة الأكبر !
- عليك أن تعلمي أنك لن تحصلي على شيء بتاتا ..
نظرت إليه بغضب ثم جهزت الإبرة في يدي و كانت تلك فرصتي ، قمت بالانقضاض عليه و أمسكت بياقته و قمت بتثبيت الإبرة على ظهره و أنا أصرخ و أشتمه قبل أن يسحبني الخادم و يقوم بضربي بقوة ، سقطت على الأرض أعاني من ألم الضرب على شتائم الخادم الذي جن جنونه هو الآخر بسبب تجرئي على الهجوم على سيده ثم قال رئيسه بصوت عال :
- قيد هذه المجنونة ! و احرمها من الأكل و الشرب اليوم كله !
- حااضر سيدي ..
اقترب مني و انحنى إلي و أمسك بذقني بقبضته القاسية كتعابيره و حديثه و قال بهدوء :
- أنا الآن حقا غاضب بقدر غضبي حين غادرت ندى النزل .. لقد كانت من ضمن بضائعي المفضلة التي ستدر علي بالثراء الفاحش .. لكن بما أن علاقتك بها كانت مقربة و بدوتما صديقتين .. لما لا نرسلك مكانها ؟ أنا متأكد أنها ستكون ممتنة لك .. أليس هذا واجب الأصدقاء ؟ أن تحلي مكانها حين يتعذر عليها الحضور ؟ ستحبين المكان كثيرا .. إنه أسوء من الجحيم ..
دفعني فقام الخادم على الفور بإمساك يداي و تقييدي بالسلاسل بينما اتجه الرئيس إلى السلالم ليغادر و لكنه وقف و التفت إلي و قال :
- كوني جاهزة .. ستغادرين الليلة ..
زحفت إلى مكاني بسرعة و انزويت بجانب الخزانة القديمة أبكي بحرقة من ألم الضرب بقوة الذي أدى إلى جرح في شفتاي و من ألم المجهول المظلم الذي ينتظرني كباقي الفتيات قبلي .. أتمنى فقط أن تكون الإبرة قد علقت و لم تسقط .. أتمنى أن يتمكن رابمون من ملاحظتها و يفهم رسالتي منها .. لكن الساعات قد مرت و بدى و كأن الظلام يحل و لم ألحظ أي تجاوب ..
حينها بدأت أفقد الأمل و أستسلم لقدري ، ربما ظن الأعضاء أني رحلت و تركتهم .. لا بد أنهم يكرهونني لذلك .. ربما قرروا نسيان أمري ..  

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثWhere stories live. Discover now