الجزء الثاني و الخمسون

3.2K 353 12
                                    

لم يمر سوى يوم واحد على حبسي داخل القبو لكني أحسست أنها سنة ، كان الوقت يمر بشكل أبطء منه في أي مكان أخر مما كان يجعلني أكاد أصاب بالجنون ، كل ما أفعله هو النحيب على وضعي و استرجاع جميع ذكرياتي مع أهلي و مع فاطمة و الأعضاء ، تذكرت لقائي الأول بهم .. كنت مراهقة طائشة كل ما تجيده هو الأحلام طوال الوقت و عدم فعل شيء ، لا زلت أذكر تعامل رابمون اللطيف معي و كيف كان يساعدني على فهم الأعضاء و التأقلم مع الوضع في كوريا ، لكني لا أستطيع تذكر الوقت الذي تغيرت مشاعري اتجاهه ، ربما منذ أصبح يتجول مع ناتاشا أو ربما اعترف لي بل ربما منذ عرفته أول مرة .. فقد كان سندي و كنت أحس أنه يفهمني أكثر من أي شخص .. ربما كنت أظنها مشاعر صداقة لكنها كانت بداية مبشرة بحب ..
كانت تلك الذكريات التي أسترجعها هي أنيسي الوحيد من بشاعة ذلك المكان المظلم و الخانق ، كنت أظن أن تجربة المصعد أبشع تجربة مررت بها لكن لم أتوقع أن أمر بتجربة أبشع ، لا زلت لا أفهم لما ينتهي بي الأمر أن أكون ضائعة أو على مشارف الموت ؟؟
لكن هذه المرة لم أكن أفكر في الذكريات بقدر ما أفكر في الإبرة التي قمت بتثبيتها على ظهر رئيس الخدم ، كان الخادم يحتسي كوبا من القهوة و يدخن الكثير من السجائر و هو يشاهد هاتفه ، كان واضحا أن الوقت قد تأخر و هو يحاول البقاء مستيقظا بما أنها ليلة تسليم البضائع .. كنت لا أزال أتشبت بخيط رهيف من الأمل بأنه في اي لحظة سيفتح رابمون الباب ليخرجني من هنا بعد أن رأى القلب المعلق على ظهر رئيس الخدم ..
رن هاتف الخادم فوقف و غادر القبو بسرعة و كأنه في انتظار ذلك الرنين ، كنت أستطيع الإحساس أن وقت المغادرة إلى الجحيم قد اقترب ، صرت أبكي من الخوف و الألم الذي كنت أحس به في صدري .. أنا أشهد الآن تدمر حياتي و لا يمكنني فعل شيء.. ربما فقط لو لم أكن أتدخل في أمور الآخرين كما قال رئيس الخدم .. أحاول دائما جعل الآخرين سعداء لأجد نفسي الآن وحدي في قبو مظلم مقيدة بالسلاسل بين الأغراض القديمة و سأصبح عبدة لأشخاص لا رحمة في قلوبهم عما قريب لما تبقى من حياتي .. كنت قد بدأت أحس ببعض الندم على طيبة قلبي و على مساعدتي للآخرين و قد ملأ الظلام قلبي .. لكني تذكرت قول ندى ذات مرة .. "ربما قد تسبب لك طيبة قلبك الأذى .. لكن أبدا لا تندمي عليها" .. فأيقنت حينها أنه حتى لو عاد بي الزمن للوراء لقمت بمحاولة مساعدة الفتاة مرة أخرى ..
فجأة فتح الباب فتيقظت كل حواسي و مددت عنقي أحاول معرفة من الذي فتحه ، ثم رأيت الخادم و يلحق به رئيس الخدم ، و كان رفقتهما رجل آخر كان يرتدي ملابس سوداء و يضع قبعة قطنية سوداء على رأسه ، لا أعلم لما توقعت أن يكون رابمون من يفتح الباب ، لكن حقا حينها أسلمت لقدري و يبدو أنه لن يأتي أحد لإنقاذي و لم يلاحظ أحد الإبرة و القلب ..
وقف الثلاثة أمامي ثم قال الرئيس لخادمه :
- جهزها !
اتجه إلي الخادم و هو يخرج شريطا لاصقا و حبلا سميكا من جيبه ، التصقت بالجدار و أنا أصرخ و أحاول الإفلات منه لكنه أمسكني بقوة و أمسك بيداي لينزع السلاسل و يضع الحبل بما أني سأذهب إلى "مالكي" الجديد ، كنت أفكر في أي طريقة للهروب فبينما كان الخادم يقوم بمحاولة ربط الحبل ورائي خفضت رأسي للأمام أجمع قوتي ثم ضربته بشدة فسقط على الأرض و أنفه ينزف دما ، حدث ذلك بشكل غير متوقع لهم فركضت متسللة بأقصى سرعتي إلى السلالم لكن الرجل ذي الملابس السوداء أمسك بقدمي و سحبني فسقطت على السلالم أتألم في قدمي و يدي و أنا أنظر إلى الباب المفتوح الذي كنت على وشك الوصول إليه و الخروج منه لأصبح طليقة .. لكن فرصتي قد ضاعت ..
ثار غضب رئيس الخدم فصاح على خادمه :
- أيها الأبله ! كيف يمكن لفتاة أن تفلت منك ! أحمق لا فائدة منك ! .. أسرعا و أحضراها قبل أن يستيقظ أحدهم !
اتجه رئيس الخدم إلى السلالم مغادرا بينما وقف الخادم ثائرا يترنح من أثر الضربة التي تلقاها رغم أن رأسي أيضا كان يدور على إثرها ، اتجه إلي كالوحش و سحبني من ملابسي و هو يشتم و يصرخ و قيد يداي بالحبل ، بينما كنت أصرخ أحاول الاستنجاد .. لكني كنت وحيدة ..
اتجه الرجل ذي الملابس السوداء ليحملني لكن أوقفه صوت شيء يسقط ، التفت الجميع لنرى رئيس الخدم يتدحرج من على السلالم ليسقط مغشيا عليه أرضا ، كان أحدهم يقف عند حافة الباب و قد بدى مألوفا ..
لقد أحسست بالجمود للحظات و لم أصدق أن رابمون و جونغكوك كانا نازلين من السلالم بعد أن لكم رابمون رئيس الخدم على وجهه لكمة قوية ، تأهب الرجل ذي الملابس السوداء للقتال فتوجه نحوه جونغكوك بنظرات حادة لم يسبق لي أن رأيته بتلك التعابير منذ اليوم الذي عرفتهم فيه ..
ركض الرجل ناحية جونغكوك يحاول لكمه بقبضته لكنه كان أسرع منه و قام بتفاديها بخفة ، فاستغل فقدانه للتركيز و لكمه على بطنه ، تراجع الرجل يمسك ببطنه متألما بينما التف جونغكوك حول نفسه و وجه له لكمة بقدمه على الوجه أردته طريح الأرض غير قادر على النهوض ..
في تلك الأثناء اتجه رابمون إلى الخادم الذي أخرج سكينه يلوح به هنا و هناك ، كنت أرتعد في مكاني و كاد قلبي أن يتوقف خوفا من أن يقوم بإيذاء رابمون ، لن أستطع مسامحة نفسي أبدا لو تأذى أو فقد حياته بسببي ..
ركض الخادم ناحية رابمون بكامل جسده و هو يحاول طعنه فأطلقت صرخة مدوية و أنا أقفل عيناي بشدة خوفا من رؤية مشهد سيؤلم قلبي إلى الأبد ، لكن رابمون قام بإمساك ذراعه التي كانت تقترب شيئا فشيئا منه ، ثم دفعه إلى الجدار و قام بضرب ذراعه مع الجدار حتى فقد القدرة على إمساك السكين و تركه يفلت منه ، حينها كان جونغكوك قد انتهى من مواجهة خصمه و ركض ليلتقط السكين ثم اتجه إلي يقوم بفك قيدي بينما كنت أتابع بخوف المواجهة بين رابمون و الخادم ..
لكم الخادم رابمون على وجهه لكنه سرعان ما أعاد له الضربة بلكمتين متتاليتين ، ثم انقض عليه ليطرحه أرضا و ينهال عليه باللكمات حتى أصبح وجه الخادم داميا و توقف عن المقاومة ..
في تلك اللحظة رأيت رابمون يتحول إلى شخص لا أعرفه و لم يسبق لي أن عرفته .. لقد تحول إلى وحش ..
كنت أخشى أن يموت الخادم بين يديه و يلطخ يديه بدمائه التي لا تستحق ذلك و يتدمر مستقبله فكنت أصرخ عليه أن يتوقف :
- نامجون ! توقف ! أرجوك توقف ! ستقتله !
لكنه تجاهل صراخي و كأنه واقع تحت سيطرة شيء غامض مظلم ، كان كوكي واقفا بجانبي مصدوما لرؤية رابمون على تلك الحال ، فقرر التدخل بعد أن لاحظ مبالغته في رد انتقامه ، أسرع إليه و لف ذراعيه القويتين حوله ليوقفه و هو يقول له بهدوء :
- هيونغ .. هذا يكفي .. هذا يكفي .. توقف ..
كان رابمون يحاول الإفلات من بين يدي جونغكوك و هو يصرخ بأعلى صوته :
- اتركني ! أنا أريد قتله ! أفلتني في الحال !
ثم صرخ عليه كوكي بينما كنت منكمشة على نفسي أبكي بحرقة رغم أني لا أعلم سبب دموعي :
- هيونغ ! عد إلى رشدك ! ألا ترى حالة نونا المزرية ؟ يكفي ما مرت به !.. على أي حال الشرطة هنا و سينال جزائه لا محالة !
فجأة هدأ غضب رابمون فأفلته جونغكوك و توقف في مكانه شارد الذهن ، حينها أطل من الباب تاي و جيهوب يصرخان :
- هيونغ ! جونغكوكااا ! هل وجدتما نونا؟
فأجابهما كوكي :
- نعم إنها هنا !
كان تاي يريد النزول قبل أن يمسك به هوبي و يقول له :
- تعال إلى هنا ! هيا لندل رجال الشرطة أولا على المكان !
ركض تاي و هوبي مسرعين لإحضار رجال الشرطة ، فاقترب مني رابمون بخطى هادئة ثم انحنى إلي ، لم أستطع النظر إليه بعد أن وجدني على تلك الحال .. ملابسي مزرية و وجهي متسخ و تملئه الجروح بسبب السقوط و الضرب المتكرر ، لم أرد أن يراني الأعضاء في تلك الحالة .. لكن رابمون رفع رأسي إليه فوضع يده على خدي و مسح دموعي الغزيرة ، فارتميت على حضنه أبكي بنحيب و قام بضمي إليه بقوة و هو يربت على رأسي و يقول بهمس :
- آسف .. آسف لأني تأخرت .. آسف..

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثWhere stories live. Discover now