الجزء السادس و الستون

3.2K 339 10
                                    

تعاونا على جمع أغراضنا في السيارة ثم عدنا أدراجنا ، ساد الصمت بيننا .. لا أعلم إن كان بسبب التعب من اللهو طيلة اليوم أم بسبب الحزن من اقتراب موعد الوداع ..
وصلنا أمام النزل فكان على ندى أن ترحل فودعتنا ثم غادرت رفقة السائق و هي تحدق بجيمين من زجاج السيارة ، كانت أعينهما الحزينة معلقة ببعضها بشكل مؤثر ، وعدت ندى أنني سأحضرها في الغد لتوديع الأعضاء..
تناولنا عشائنا بصمت و انعزل كل منا في غرفته ليرتاح استعدادا لآخر يوم سيقضونه في بلدي ..
أخذت حماما دافئا و استلقيت في سريري لأجد نفسي عاجزة عن النوم بسبب التفكير فيما بعد رحيل الأعضاء ، مررت ساعات و أنا أتقلب في سريري دون أن يرف لي جفن فقررت النزول للحديقة لعل المشي يتعبني و يجعلني أنام بسرعة ..
نزلت بخطوات صامتة و خرجت للحديقة لأجد رابمون جالسا على كرسي وحده يضع سماعات الأذن و يداه في جيب سترته الرياضية ، يبدو غارقا هو الآخر في أفكاره ..
اقتربت منه و جلست بجانبه دون قول شيء ، التفت إلي فعدل جلسته و نزع سماعاته و قال مستغربا :
- سام .. ما الذي تفعلينه هنا ؟ من المفترض أن تكوني نائمة ..
- لم أستطع النوم ..
- لماذا ؟ ما الذي يشغل بالك ؟
التفت إليه و قلت مبتسمة رغم الحزن العميق في قلبي :
- أظنه نفس الشيء الذي يشغل بالك و جعلك تجلس وحيدا في هذه الساعة المتأخرة من الليل ..
أطلق رابمون تنهيدة و كأنه يحاول بذلك نفض الثقل الذي يحس به في صدره ، ثم استرخى على كرسيه و قال :
- حسنا .. أنت محقة .. لقد تعودنا على المكان هنا .. و تعودنا على رفقتكم ..
ثم التفت إلي و قال مبتسما رغم أني كنت أستطيع رؤية الدموع تتلألأ في عينيه و قال :
- و تعودت عليك بالأخص ..
ابتسمت ابتسامة خافتة فغصت في تفكيري في صمت رهيب ، كنت أحس بألم حاد في قلبي .. لست أعاني من أي مرض لكني كنت أحس بألم عميق لا أستطيع تفسيره .. فاضت مشاعري و فقدت السيطرة على دموعي فانهمرت كالسيل و وضعت يداي على فمي أحاول منع نحيبي من الخروج ..
تفاجئ رابمون ببكائي فوقف و سحب كرسيه أمامي و جلس يحاول مواساتي ، قام بضمي إليه و هو يقول بصوته الحنون :
- أووه سام .. أرجوك لا تبكي .. أنت ستجعلينني أبكي أيضا ..
مسح دموعي بعد أن هدأ روعي قليلا ثم استدرك قائلا :
- اسمعيني جيدا سمر .. سأكذب عليك إن قلت أنني لم يسبق لي أن جربت الحب أو لو قلت أنك حبي الأول .. لكن .. ما عشته معك لم يسبق لي أن عشته أو أحسست به .. حسنا صحيح أنها علاقة غريبة بعض الشيء بالنسبة لي بما أن الأمر لم يتعدى تشابك الأيدي لكن ..
لم أستطع نفسي من ضرب رابمون على كتفه كعادتي بعيناي الممتلئتان بالدموع ..
- ياااا!
ضحك ثم تابع :
- حسنا .. يؤلمني أنه لا يمكنني طلب أي شيء منك .. لا يمكنني أن أطلب منك انتظاري أو الاستمرار معي .. لا يمكنني أن أطلب منك المواعدة رسميا أمام العالم أو الزواج حتى .. و هذا ما يجعلني أشعر بالعجز .. حقا أنا غبي رغم أن الجميع يقول أني ذكي .. كنت أعلم النهاية بالفعل لكني أردت الاستمرار ..
كانت عيناه غائرتان يسبح في أعماق حزنه ، ثم ابتسم و نظر إلي و قال :
- لكني أريد أن أشكرك كثيرا .. لأنك كنت صديقتي و لأنك كنت حبيبتي و ساندتني و منحتني القوة و الإلهام .. أشكرك لأنك علمتني كيف أحب نفسي ..
كنت جامدة في مكاني متأثرة من كلام رابمون ، استجمعت شتات نفسي و قلت له بصوت هادئ :
- أنا أيضا أريد أن أشكرك لأنك كنت بجانبي منذ أول يوم لي في كوريا ، و لأنك منحتني حبك رغم أني تسببت لك في الألم لمرات عديدة .. لن أنسى أبدا كيف خاطرت مرات عديدة بنفسك لأجلي ..
- إذن ما رأيك أن نعود أصدقاء أوفياء كما كنا .. أعلم أن ذلك صعب لكن .. لا أريد أن يكون وداعنا حزينا و يبدو كأننا ننفصل ..
مد لي يده لمصافحتي و قال مبتسما :
- إذن .. أصدقاء ؟
أحسست ببعض الراحة و هدأت دموعي فصافحته ومبتسمة و قلت :
- أصدقاء ..
أعاد كرسيه لجانبي و صمت قليلا ثم قال :
- صديقتي ..
- اممم ؟
- أريد أن أطلب منك معروفا
ضحكت و قلت :
- اطلب يا صديقي
- لا تتزوجي أيا كان ..
- ها ؟
- لا تتزوجي فقط لتهربي من نظرة الآخرين لك .. تزوجي شخصا يحبك لنفسك و كما أنت .. لملامحك البسيطة هذه لأنه لو أحبك سيراها دائما الأجمل .. شخصا يتقبلك بكل صفاتك الغريبة ..
(يعني بالعربي اعنسي هههه )
كنت مبتسمة منسجمة مع حديثه إلى أن بدوت فارغة التعبير و قلت :
- صفاتي الغريبة ؟ مثل ماذا ؟
- مثل حين تتصرفين بتهور و غباء في بعض الأحيان ، و تحاولين مساعدة الآخرين بينما تحتاجين بالفعل لمن يساعدك .. و الأغرب حين تقومين بضرب الجالسين بجانبك حين تسمعين شيئا مضحكا أو حين يقول أحدهم شيئا مستفزا لك ..
قمت بضربه على ذراعه بقبضتي و قلت :
- يااا !
أمسك ذراعه بمسح على مكان الضربة و قال :
- مثل الآن بالضبط ..
قلت متذمرة :
- أنا أقوم بذلك للأشخاص المقربين مني .. لا أضرب أيا كان !
- أراسوو أراسو.. فقط لا تنسي طلبي هذا
- لا تقلق .. لن أنساه أبدا
- هيا عليك الخلود للنوم بما أنه لدينا اجتماع غذا
مشينا معا إلى الطابق الأول فودعت رابمون بابتسامة و لوحت له بطفولية قبل أن أدخل إلى غرفتي ، من العجيب كيف تغيرت حالتي بعد أن تحدثت إليه .. قررت حينها أن أترك الكآبة جانبا و أحاول التخفيف من حزن الأعضاء كي يغادروا سعداء و مرحين ..
استيقظنا باكرا استعدادا للإجتماع الأخير ، تناولنا فطورنا بضجة كعادتنا و كأننا نحاول تجاهل اللحطات المتبقية لنا ، وصل مدير الشركة و اتجه لقاعة الاستقبالات الخاصة حيث التحق به الأعضاء ..
طلبت من السائق أن يأخذ فاطمة لتحضر الجدة و ندى ليتمكنوا من رؤية الأعضاء قبل رحيلهم ريثما ينتهي الاجتماع ، أخذ الاجتماع منا وقتا طويلا حيث تناقشنا حول كل ما يتعلق بالتصوير و العراقيل التي واجهها الأعضاء خلاله ..
لم ينتهي اجتماعنا إلى المساء خرجنا منه منهكين بالرغم من أننا أخذنا استراحات متقطعة أثناء الاجتماع ، خرجنا فوجدنا فاطمة جالسة في الردهة رفقة الجدة و ندى ، كانت مفاجئة رائعة للأعضاء الذين حاموا حول الجدة يعانقونها واحدا تلو الآخر بينما يطالبهم تاي بالابتعاد ليحظى بفرصته أيضا ..
كان جيمين يبتسم بسعادة لندى التي كانت تحاول إخفاء حزنها ، ثم جلسا جنبا إلى جنب و كل ما يفعلانه هو تبادل النظرات يخفيان أيديهما المتشابكة ..
وقف شوقا أوبا و انحنى للجدة و قال :
- أشكرك جدتي على إنقاذي قبلا .. لم تتسنى لي الفرصة لشكرك بطريقة لائقة.
شرحت للجدة ما قاله شوقا أوبا فابتسمت بسعادة و أمسكت بيده لتجلسه و قالت :
- أخبريه أن هذا واجبي فأنا أعتبرهم كأبنائي حتى و إن لم يكونوا مسلمين مثلنا فهذا لا يمنعنا من معاملتهم كإنسان ..
كنا أنا و الجدة نتبادل أطراف الحديث بينما كان تاي يضع رأسه على كتفها و تقوم بمداعبة شعره ، كان هادئا كالطفل الرضيع في حضن والدته ، التفت لأجد رابمون كان محدقا بي فابتسمت له ..
فجأة قالت الجدة :
- أووه تذكرت ..
سحبت كيسا من جانبها و أخرجت الكثير من الأوشحة الصوفية بألوان مختلفة و أعطت لكل من الأعضاء واحدا ، ثم قالت :
- كنت أصنعها منذ اليوم الذي رأيتهم فيه أردت أن أهدي لهم شيئا ..
ثم قالت بهمس :
- بما أن أبنائي نسوني أريد أن يتذكرني أحدهم ..
انفطر قلبي من كلمات الجدة التي لم تستحق يوما تلك المعاملة الجافة من أبنائها ، حتى و إن كان وجودها يزعجهم أو حادة الطباع يجب عليهم الاهتمام بها و تحملها كما تحملت شعبهم و صراخهم حين كانوا أطفالا .. أليس هذا أقل شيء يمكن للمرء أن يمنحه لوالدته ؟ .. فقط أن يتحملها ..
فرح الجميع بهداياهم من الجدة فقلت لهم :
- لقد شرعت في حياكتها منذ أن التقت بكم أول مرة..
تلألأت عيون الأعضاء من السعادة و قال جيهوب :
- واااو أنا حقا متأثر .. جدتي أنت الأفضل !
فصاح عليه تاي و هو يعانق الجدة :
- هييي هيونغ إنها جدتي أنا فقط !
لم يستطع أحد قول شيء سوى الضحك بما أنهم يعرفون ما تعنيه الجدة لتاي و كيف تألم حين فقد جدته ..
خاننا الوقت و لم يبقى على غروب الشمس سوى القليل فكان على الجدة و ندى المغادرة ، وقف الأعضاء و قاموا بتوديع الجدة قبل أن تحضن كل واحد منهم بقوة و كأنها تمنحهم قوة إرادتها و إيجابيتها ، لمعت عيون تاي بالدموع لكنه استمر بالابتسام ببلاهة ثم قبل الجدة و لوح لندى يودعها و ركض مسرعا إلى الطابق الأول تاركا الأعضاء ورائه .. كان واضحا أنه لم يستطع التحمل و يفضل ألا ترى الجدة وجهه الكئيب ..
قاومت الجدة دموعها و ودعتنا و سبقت ندى إلى السيارة ، وقف الجميع أمام ندى يصافحونها و يتمنون لها حظا موفقا في دراستها بينما كانت تشكرهم على مساعدتهم الدائمة لها ثم قالت لي :
- أرجوك سمر .. أخبريهم أنهم أفضل أصدقاء حصلت عليهم ..
أخبرت الأعضاء بذلك فابتسم جيهوب ابتسامته المعهودة و قال جين أوبا و قال :
- نحن أيضا سعداء لحصولنا على صديقة عربية أخرى ..
و تابع جين أوبا :
- نتمنى لها النجاح في دراستها و نتمنى أن نراها مرة أخرى في كوريا حين تصبح طبيبة .. سأتردد دائما على عيادتها ..
ثم أرسل لها قبلته الطائرة تنهد جيمين و هو يضحك على تصرفات جين أوبا اللا حدود لها فقام جونغكوك بسحبه للمغادرة و هو يقول :
- آآه هيونغ .. يبدو أنك تحاول تلقي الضرب ..
لوح لها بينما كان يدفعه كوكي و غادروا إلى الطابق الأول رفقة رابمون و هوبي بينما ظلت فاطمة جالسة مع شوقا أوبا ، خرج جيمين و ندى أمام النزل ليودعا بعضهما و رافقتهما بناءا على طلبهما ليتمكنا من التواصل .. فكانا يتحدثان بينما كنت أترجم لهما ..

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثWhere stories live. Discover now