الفصل الثاني عشر

190 23 12
                                    

(غَرُب لماح)

راقب الشروق في العراء ورغم أن دخان الشتاء كان يخرج مع أنفاسه الا أنه ظل جالساً على الكثب الرملي المنعزل قليلاً، كان يحتاج ليخلوا بنفسه بعد الغضب الذي حل عليه وأكثر من ذلك كان يراجع تصرفاته، غطى وجهه بكلتا يديه نادما على نبرته الجارحة "يا ويلتي ماذا فعلت!" كونه أب مسؤول عن أربع عشرة أبن فليس من المستغرب عليه أن يغضب على أحدٌ منهم الا أنه لأول مرة يقسم على أحدهم بتلك الطريقة، حصل أدهم على مجدٍ جديد كما يبدو ووسم إغضاب لماح بهذه الطريقة، تنهد بينما دلك رقبته قليلاً ووقف نافضاً الرمال عن ملابسه وتوجه بكل ثباتٍ للخيام

وصل لخيمة ود وولج بعد أن أستأذن وجلس بجانب شجي الذي كان مستلقىٍ وحيداً، نظرته فارغة ويتنفس بصعوبة شديدة، بدا جسده يرتجف للماح رغم الغطاء السميك الذي يغطيه، كان ساخناً جداً وكان هذا أكبر تضارب حصل له، وضع لماح يده على جبين أبنه وتحدث بهدوء "شجي أتسمعني بُني؟" أنّ شجي بقوى خائرة ولأنه لم يملك القدرة على الحديث فتح عينيه ببطء شديد ونظر لوالده يائساً، احمرار بياض عينيه كان واضحاً كما أنفه، دنى لماح منه بإهمال وقبل جبينه نطق بهدوء "سأحضر لك دواء يخفف عنك لذا يجب عليك أن تشربه أفهمت؟" عاود شجي اغماض عينيه والتف للجانب الأخر بتعب فعاودت خيبة الأمل تُلقي بظلالها عليه من جديد، دخلت ود الخيمة ونطقت ما أن رأته "صباح الخير" رد عليها بهدوء ونظره لازال على أبنه "صباحك خير، أين كنتِ؟" ردت بهدوء "أرسلت رسالة لأحد الأطباء من معارفي القدامى أسأله في حال شجي فلا خبرة كافية لمن هم في الجوار" التف بهدوء وسأل "حصلت على الرد؟" أومئت إيجاباً ونطقت "أجل فعلت" جلست بجانبه وفتحت الرسالة قرأتها بسكون وتنهدت بينما التف لماح لينظر لوجهها، سأل "ما لأمر؟" ردت وقد جعدت الورقة بيدها "ما أمرض أدهم سيشفي شجي" نطق مستفسراً "ما قصدك؟" نظرت الى عينيه وتحدثت "لأنه لا يتعرق لذا لن تنخفض حرارته مهما شرب من دواء، علينا خفضها من الخارج والا ستفسد أعضائه" مد لماح يده لتطبطب على كتف ود نطق بهدوء "لا تقلقي فهمت قصدك، أنا سأنزل به في النهر " ردت ود "الجو باردٌ بل صقيع ستتأذى أنت أيضاً" مسح على رأسها ونطق "لا بأس ود أستطيع التحمل، لنسرع الأن فكلما تحركنا مبكراً كان الأمر أفضل" تحركت ود على مضض ولم تكن لتقبل الأمر على زوجها الا أنها تكره كون شجي مريض أكثر من ذلك، أخرجت لباساً خفيفاً يخص شجي كان ثوباً فضفاضاً رقيقاً لا يكاد يستر من جسده شيء الا أنه كان يرتديه تحت ملابسه -كزي داخلي- باعد لماح الغطاء عن أبنه، وشرع في نزع ملابسه ناولته ود الثوب فألبسه إياه، نزع هو أيضاً عباءته وكان يرتدي أسفلها قميصاً أبيض قصير الرقبة وسروالا باللون الأسود، جمع شعره الطويل بخيط رفيع مبعداً إياه عن وجهه ودنى رافعاً أبنه وأسنده على صدره، أعطته غطاءً خفيفاً فأسدله على ظهر أبنه ساتراً إياه ظل ضاماً شجي بقوة طوال طريقهم لنهر وتحدث هامساً في أذنه "أعرف أنك تشعر بالبرد لكن علينا فعل ذلك لتُشفى فهمت علي؟" لم يكن شجي يسمع ما يقوله والده من الأساس فقد كانت الحمى بالفعل أثرت على سمعه وحتى رغم أن لماح تنبه للأمر الا أنه ظل يتحدث معه طوال الطريق، خلع لماح خفيه على أطراف النهر وأزال الغطاء الذي كان على شجي وناوله لود التي تقف خلفه تحرك مُنزلاً رجله في الماء فبدأت أصابعه ترتعش من شدة البرودة وأحس بالصقيع المزعوم لأول مرة، أحمرت أطرافه وبدأ لون جلده يتغير، غمرت المياه نصف جسده فجلس ببطء حتى وصلت لصدره ولأن قميصه فاتح شف لونه فبان ارتجاف جسده واضحاً، شهق من شدة البرودة الا أن عينيه كانت على أبنه الذي كان يرتجف أضعافاً مضاعفة، عانقه لماح بينما أرخى جسده لترفعه المياه هو وأبنه كان متمسكاً بجسد شجي بصعوبة فأطرافه فقدت قوتها مع الوقت الا أنه تحمل الأمر على مضض متمنياً أن يتحسن صغيره

وغَرWhere stories live. Discover now