الفصل الخامس

112 9 2
                                    

تنحنح ماركو و ازدرد لعابه و قال بصوت رطب: "يا لها من مفاجأة سارة، السيد والتر هنا لزيارتي؟!" تقدم والتر بخطواته الواسعة الرزينة المعهودة و ابتسم على غير العادة و قال:"طاب يومكم يا سادة"، ثم تنهد بهدوء معبراً عن أسفه و أضاف:"انا مصدوم مما حصل يا بني و عندما علمت بما حصل حاولت القدوم في أقرب فرصة"، تراقصت ابتسامة هشة على شفتي ماركو و اطرق مفكراً: ليتك وجدت حجة أكثر إقناعاً يا سيد اللباقة. ثم قال ابن نيكول بنبرة مبطنة بالسخرية المظلمة:"لا يخفى علي حسك العالي للواجب سيدي"، عندها ابتسم السيد الاربعيني مجددا والتفت خلفه و هتف:"فيكتوريا! كيتارو!". لم يتوقع ماركو أن يرى والد كيتارو في المشفى قصد زيارته بينما استبعد تماماً فكرة حضور فيكتوريا زوجة السيد والتر، و هكذا عقدت الدهشة لسانه بينما تخطو السيدة الحسناء نحوه بخطوات تنضح بالأدب و اللباقة الخالصة كأنما هي ملاك مشع عكس السيد والتر الذي حاول التصنع. قالت فيكتوريا بنبرة ناعمة نعومة بشرتها:"بني ماركو، انا حقاً لا ادري ما اقول... آسفة جداً لما حصل"، تلعثم ماركو في حضورها مفكراً: أوه يا إلهي يا لها من جرعة لباقة مركزة أخشى أن افقد القدرة على النطق، ارحميني . ثم استنجد بسعلة مصطنعة و أضاف:"أنا ممتن سيدتي"، دخل كيتارو الى قلب الغرفة قائلاً:"كيف تشعر؟ " رد ماركو بتلقائية:"كأني جثة حية، لكنني حي و هذا افضل ما في الامر" ابتسم الفتى الاشقر ببهجة واضحة تمكن ماركو من ملاحظتها، حتى سمع والتر يقول:"لا ضير في أن يسلم الرجل بالهفوات التي قد يقع فيها"، اخترقت العبارة مسامع ماركو فحول عينيه من كيتارو الى ابيه مباشرة، ثم تابع والتر:"لقد عاملتك كغريب حينها يا ماركو،.... اعترف... عاملتك كغريب رغم أنك الأخ الذي تمنحه فيكتوريا لكيتارو، و لأكون صريحاً لم اكن لأنتبه لولا هذا الحادث الذي اصابك "، تقدمت فيكتوريا تكمل عن زوجها:" نحن نطلب منك يا ماركو أن تسامحنا على تلك المعاملة التي قطعاً لم تكن تستحقها..." ثم اضافت و هي تنظر الى زوجها:"لقد ادرك السيد زوجي أننا كدنا نفصل بين الأخ و أخيه... "، بعدها تابع والتر مجدداً:" قررنا ترك ابننا كيتارو يقرر كشاب راشد و بإرادته الحرة"، لم يحتج ماركو لسماع المزيد حتى يفهم المقصود من كلام الزوجين و الذي بدا كحمل ثقيل تعاونا لرفعه، قال ماركو بحذر:"إذا أنتما تقولان أنكما ستسمحان لكيتارو بإكمال دراسته في مدرسة المدينة" رد والتر:"طبعاً، إن كانت تلك رغبته" التفت ماركو نحو صديقه و قال:"يبدو أن الأمر كان يستحق كسر بعض العظام"، ضحك كيتارو بشدة من تعليق ماركو لدرجة أن والديه ظل ينظران له بذهول.

تحت شمس الظهيرة الدافئة تحرك شاب فارع الطول ماراً بين الاشجار التي تطل على الشارع من الحديقة القريبة، يدخن سيجارة بشراهة و يركل أوراق الشجر الحمراء الذابلة التي تساقطت بفوضوية على الرصيف و قد كان يأخذ طريقه نحو محل تصليح أجهزة التبريد بينما تعلو ملامحه نظرة وديعة و أخيراً وصل الى وجهته حيث وقف أمام صاحب المحل ممتلء الجسم و رمقه بينما يستغل هذا الأخير قلة الزبائن في أخذ قيلولة قصيرة على راحة يده، لكن عندما دخل الشاب المحل استيقظ المالك منزعجاً من رائحة دخان سيجارة الشاب،و حدجه بعينين تأخذ حدقتهما لوناً رمادياً داكن، نوع لا يروق الشاب النحيل كثيراً، هكذا قال الكهل بامتعاض:"قبل كل شيء تخلص من تلك السيجارة التي بين شفتيك"، ابتسم الشاب بلطف و قال بينما يتخلص منها :"فلتعذرني يا عم، انها عادة سيئة يتمتع بيها ابناء هذا الجيل و ما أنا إلا ضحية"، تنهد صاحب المحل بينما يهش بيمناه حتى تختفي رائحة الدخان وقال:"كيف اساعدك؟" بتلقائية رد الشاب:"إنه جهاز التبريد البغيض، لم يعد قادراً على تبريد المشروبات التي اضعها فيه لا ادري ما خطبه"، رفع الرجل الممتلئ عينيه نحو الشاب و قال:"لا شك انه قديم،لكنني لا اراه بين يديك"، حك الشاب ذقنه و قال بحرج:"أنا شاب هزيل كما ترى ولا أقوى على حمل جهاز التبريد حتى محلك ولا املك وسيلة نقل كما أن شقتي بعيدة بعض الشيء، لذلك اريدك أن تلقي نظرة عليه دون الحاجة الى أن احمله، هل يمكنك القدوم الى شقتي لإصلاحه؟"، رمق المالك الشاب بحدة قائلاً:"أنت تعلم أن طلبات التصليح تكلفك أكثر"، سحب الشاب قطعة ورق صغيرة و مررها على الطاولة و هو يقول:"و هذا ثمن أدفعه لقاء تلك الرفاهية اليسيرة، تفضل هذا عنواني سأتفرغ بعد غروب الشمس لذا اتمنى أن تزورني ولا تقلق بشأن أجرك أبداً".

المغناطيس: الشظاياWhere stories live. Discover now