الفصل الثاني

126 13 29
                                    

تساقطت أولى قطرات المطر عندما وقف كيتارو قدام النافذة ذات الستائر التي تحتل غرفته و بدأ يراقب نحيب السماء بصدر منقبض، بعد دقائق من وقوفه كان قد بدأ الضباب يزحف على المدينة كشبح ضخم يبتلع المباني في صمت مرعب و اكتسى الحي برداء رمادي جعل الرؤية مشوشة، كان الفتى الاشقر يفكر في الانسلال من البيت ليلحق بصديقه و يحاول الاعتذار منه على تصرفات ابيه رغم علمه أن ماركو لن يظل غاضباً لوقت طويل و على الارجح أنه قد نسي الامر برمته لكنه ما زال يشعر انه يدين له بذلك الاعتذار،انه زميله و أعز أصدقائه بل صديقه الوحيد لطالما شعر كيتارو أن ماركو سند كبير و شخص يتشرف بصحبته شخص لا يتردد في تقديم يد العون له حصرياً و لعل هذا أكثر ما يجعله يرفض الانتقال الى حيث يريد والده،أخيراً قرر كيتارو أن يتسلل خارج البيت دون علم ابيه و كله يقين أن الخدم سيغطون عملية هروبه نظراً للعلاقة الطيبة التي تجمعه بهم و هكذا ارتدى الشاب طاقية سوداء و سترة بنفس اللون تصل حتى ركبتيه و في طريق خروجه من الغرفة مد يده الى المظلة المعلقة عند الركن القريب من الباب، اجتاز الرواق الطويل و اتخذ دربه نزولا الى الطابق السفلي و اتجه الى غرفة الخدم يطلب نيل الذي هرول تلبية له، اقترب كيتارو من العجوز ذي الشارب الابيض بياض العظام و همس له قائلاً: " اريدك أن تدخل عند والداي في غرفة الجلوس و تسأل ابي إن كان يحتاج غرضاً ما" تيقن نيل أن ما يطلبه السيد الشاب هو محاولة الهاء سيد القصر بينما يتسلل كيتارو خارج البيت مروراً بغرفة الجلوس دون أن ينتبه والده.

ارتبك الخادم و قال بتردد:"لكن يا سيدي..." قاطعه كيتارو بهدوء:"ارجوك إعمل معي هذا المعروف و لن انساه لك، ثم إنني لن اغيب طويلاً و حتى إن فعلت سأخبر ابي أنني تسللت دون مساعدة... اعدك بذلك " امتثل العجوز في صمت لأمر سيده و هكذا تمكن كيتارو من مغادرة البيت و اجتاز الحديقة الفسيحة وصولا الى البوابة الرئيسية دون أن يصادف أحداً.

كانت قد مرت ساعتان منذ اتصل ماركو بوالدته يخبرها بتأخره و لم يعد حتى الان ما جعل السيدة نيكول تعلن بداية توترها. حيث انها تعلم أن عادة ابنها انه كان يحضر معه صديقه الى البيت و ليس العكس و من النادر لماركو أن يزور كيتارو في بيته، هكذا بدأ صبرها ينفذ فأمسكت هاتفها تتصل بإبنها، و ما حصل بعدها جعل قلقها يزداد بجدية اذ اكتشفت أن هاتف ابنها خارج نطاق التغطية فبدأت الهواجس المشؤومة تهاجمها و ليس بوسعها إلا التشاؤم فمن فرط حبها لابنها الوحيد و بحكم معرفتها بطباعه اصبحت تتخيل أن مكروهاً اصابه حتى كادت تصدق،اخذت تجلس على الاريكة تارة و تقف من مكانها تارة، تذرع غرفة الجلوس تارة و تنقض على باب البيت إن سمعت ادنى ضوضاء تارة اخرى، فجأة اصبح هذا الترقب يشعرها بأن الجو يزداد برودة فطفقت تحك كفيها ببعضهما طلباً و لو لنذر يسير من الدفء. بعد ربع ساعة فقط كاد الانتظار يدفعها للجنون حتى انها بدأت تفكر في الخروج للبحث عنه لوحدها في هاته الليلة الظلماء الماطرة، لكن قبل أن تتهور سمعت جرس البيت يقرع مرات متتالية،حملتها ساقاها في رد فعل لا ارادي الى باب البيت و اسرعت تفتحه بلهفة و في جزء من الثانية فكرت انها لن توبخه أبداً و لن تعاتبه لتأخره، ولدى فتحها للباب تخيلت السيدة نيكول أن ترى وجهاً متوسط الطول و شعر اسود فحمي مع عينان رماديتان حادتان و ملابس مبتلة عن آخرها لكنها وجدت في المقابل شخصاً آخر فتاً اشقر تحتل وجهه عينان بأزرق سماوي و يرتدي طاقية لم تفلح في تغطية شعر الاصفر الطويل المنساب و قد كان يحمل

المغناطيس: الشظاياWhere stories live. Discover now