الفصل الرابع

89 8 7
                                    

ظل يجول بحدقتيه ارجاء الغرفة بقدر ما تسمح له وضعيته، لم يرى سوى ركن واحد و سقف بمصابيح ترسل نوراً شديد البياض لدرجة انه كان يشيح بنظره للزاوية الوحيدة التي يستطيع رؤيتها، لبضعة لحظات لم يكن قادراً على استيعاب أي شيء، حاول تحريك جزء من جسده الذي غمره الارهاق الشديد، شعر أن تحريك عضلة يتطلب جهداً جباراً لكنه رغم ذلك كافح لتحريك كتفه و ما إن نجح في فعل ذلك حتى ندم أشد الندم إذ احس بسيخٍ من اللهب يخترق عضلات كتفه ممتداً حتى الترقوة وصولاً لأضلاعه المهشمة على جانبه الايمن لقد أُفعم جسده بجرعة ألم حاد لا يمكن إحتماله جعلته يطلق صرخة ألم مكتومة و ذلك الجهد اليسير جعل الدوار يستبد بجمجمته حتى بدأ يشهق بقوة من شدة الوجع الذي ألمّ به، عندها قرر عدم الإتيان بأي حركة متهورة، ثم كافح مجدداً لإيجاد صوته و قال بنبرة إعياء:"احد ما... أي احد؟" ثم توقف يلتقط انفاسه، لقد شعر بواقي رقبته يعيق حركته و يسبب ذلك وخزات الم فظيعة في الجزء المتضرر من عنقه و هكذا استسلم مجدداً و أرخى رأسه على الوسادة مغمضاً عينيه، و بينما يحاول اخذ قسط من الراحة دخل أخيراً أحد الاطباء و في تلك اللحظة فتح ماركو عينيه و قال بينما يحاول استجماع انفاسه:"ما الذي حصل لي؟" رد الطبيب بينما يحقن له حقنة مسكن ألم:"انت في المشفى الآن... يا لك من شاب محظوظ" ردد ماركو بينما يرمق السقف:"محظوظ؟" ثم اضاف:"منذ متى و انا هنا؟"، امسك الطبيب منديلاً و مد يده نحو جبين ماركو الذي بدأ بالتعرق و قال و هو يمسح العرق:"بالتحديد عشرة أيام، لقد كنت في غيبوبة جراء الصدمة التي تلقيتها من ذلك الحادث... هل راودتك أي كوابيس؟"

ردد ماركو في شرود:"حادث... حادث" ثم التفت فجأة الى الطبيب في حركة سريعة جعلت وجهه يمتقع من موجة الألم التي اجتاحته رغم مسكن الألم الذي حُقن به و قال وسط معاناته:"مهلاً... ما الذي تتحدث عنه... حا.... حادث؟... اي حادث؟ "

رمقه الطبيب من زاوية عينه و قال بسخرية:"هل أخبرك احدهم أننا نضمد الأصحاء في هذا المشفى؟"ثم استطرد:" لقد تعرضت لحادث و الواضح أن شاحنة قد ارتطمت بك".

حاول ماركو استرجاع ما حدث له لكن صداعاً راوده فجأة جعله يغمض عينيه بقوة، عندها اخبره الطبيب:"لا ترهق نفسك... انها حالة مؤقتة ستتذكر لاحقاً".

تنهد ماركو ثم قال:"أين هي أمي؟"، أشار الطبيب الى المكان خلف النافذة الزجاجية العازلة للصوت و قال:"ظلت هنا في المشفى طيلة فترة غيبوبتك و يبدو انها الان نائمة من شدة الارهاق".

حاول ماركو النظر باتجاه النافذة لكنه لم يستطع بسبب واقي العنق، عندها منحه الطبيب ابتسامة تفهم ثم اخرج هاتفه و هو يقول:"اسمح لي" ثم التقط صورة للسيدة نيكول من خلف الزجاج و سلم الهاتف لماركو الذي تمعن في صورة امه الباهتة للحظات و هو يبتسم ثم غمغم:"يا لها من امرأة" ثم قام بمسح الصورة من هاتف الطبيب و التفت اليه بعبوس و قال:"شكراً على الخدمة التي لم اطلبها"ثم اعاد الهاتف لصاحبه و أضاف:"لا تكررها من فضلك".

المغناطيس: الشظاياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن