الفصل الثاني و العشرون

37 6 4
                                    

تناول كيتارو إفطاره على مضض كما كان يفعل طيلة الايام الفارطة، يضع لقمة في فمه ثم يجعل ملعقته تقلب اكله في الصحن يمنة و يسرة و كأنه يحاول استخراج ماركو من طبقه، كانت عيناه الزرقاوان فارغتين فراغ ملعقته اذ رفعها في المرة الثانية. و رغم علمه أن عينا والديه طرحت أسئلة قبل أن تنضح بها شفتيهما الا أنه لم يكن مستعداً ليتحدث في موضوع لا يفهمه هو أصلا و لهذا شعر بإمتنان عميق كونه تحت حظوة ابوين لم يسيئا فهم ابنهما أبداً على قدر ما تسعفه ذاكرته، لكنه يعلم جيداً أنه مدين لهما بشرح مستفيض لكل ما حصل في الايام الأخيرة و خاصة سبب مجيء السيدة نيكول في تلك الحالة المزرية الى البيت، إذ ما زال يتذكر اليوم الذي قدم فيه زاك الى المستشفى حيث ترقد والدة صديقه و أخبرها ما اعتبره كيتارو رصاصة الرحمة، أما نيكول فلم تبدي ردة فعل قوية حيال ما سمعته و ادهش الأشقر لصلابتها و حتى عندما دخلت بيت أبيه لم يظهر عليها ما يدل على أنها متأثرة بإختفاء ابنها الوحيد بل كانت توزع الإبتسامات العذبة على الجميع من أهل بيته سواء تعرفت عليه أم لا، كما أنها شكرت والدي كيتارو على كرمهما السخي و تحدثت معهما بود .

رمق كيتارو المقعد الفارغ على يمينه حيث اعتادت شقيقته الراحلة "كاتلين" أن تجلس، يتذكرها الفتى كيتارو فتاة كالربيع و ألوانه بوجهها المتورد كوريقات زهرة كرز و شعرها الحريري الطويل و ثغرها الذي اعتاد الابتسام في كل الاحوال، لم يحتج كيتارو أن يقال له أنها كانت مدللة ابيها فقد كان يرى ذلك بأم عينيه حتى رغم أنها شقيقته الأكبر، لكنه لم يحسدها على ذلك قط بل شعر دائماً بإستحقاقها لذلك إذ لطالما شعر أنها مصدر سكينة البيت فلم يكن يتعجب من سماع تهامس الخدم عنها و عن لباقتها و روحها الطيبة، روح لم تعد بينهم بعد الآن. تذكر كاتلين في محنته و التي كانت الاخت المؤنسة له، ليتها على قيد الحياة الان احس كيتارو بألم فقدان الاخت الكبرى و ليست اي اخت ليس الجميع بوسعه امتلاك اخت ككاتلين الباسمة. ذلك ما يجعل وضعه الان أكثر تعقيداً اذ تأبى الكلمات الخروج و بهذا قرر التريث اكثر، أخيراً نهض من على مائدة الإفطار بعد أن عاندته شهيته و أتخذ طريقه صعوداً الى الطابق العلوي و اجتاز الرواق الطويل قصد الوصول الى الغرفة الاخيرة فيه و لدى اقترابه ببضع امتار انبثقت خادمة من الغرفة فارتبكت بعض الشيء لدى رؤية سيدها اليافع، تراجعت بضع خطوات و كومت يديها أمامها و انحنت انحناءة طفيفة تحدث كيتارو بإيجاز قائلاً: "كيف حالها؟" ابتسمت بارتباك و قالت:"لا ادري سيدي، إنها... إنها تبدو بخير... لكنها لا تبدو بخير... أعني إنها تأكل كما يجب لكن لا يبدو عليها أنها تشعر بمذاق ما تأكله... كأنها... كأنها ترغم نفسها على الأكل مثلما ترغم نفسها على الابتسام و التحدث..."، ثم طأطأت رأسها و أضافت:"إنها تخيفني"، ابتسم كيتارو بوهن ثم رفع رأسه متنهداً و قال:"حسنا، سأرى ما الذي يمكنني فعله، أنا شاكر لك، انصرفي"، أومأت له الخادمة و قطعت الرواق مبتعدة عنه.

المغناطيس: الشظاياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن