الفصل الثالث و الثلاثون

38 4 17
                                    


"فالك أنا لا أشعر بأنفاسه!" قال السجين الآخر و هو يحمل صديقه بيلي على ظهره.
تقدم فالك نحو المصاب ووضع إصبعين على عنقه ثم تنهد و هز رأسه بخيبة و قال: "لقد فارق الحياة"

"كان يقول لي ألا أدع جثته تُدفن هنا، لكن ظننتها مجرد هلوسة"

لم يكن الوقت مناسباً للرثاء و البكاء و يبدو أن زميل المتوفي قد أدرك ذلك فاكتفى برسم تعبير كئيب على ملامحه محاولاً ألا يخرج دمعة واحدة، وضع فالك يده على كتف السجين الحي على سبيل المواساة و قال: "علينا الخروج من هنا و دفن جثة صديقك، أليست تلك رغبته الأخيرة؟"، هز السجين رأسه موافقاً و لم يضف كلمة، لكن صاحب النظارات رأى الكلمات في عينيه توشك أن تنضح بهما لو كانتا تتحدثان بلغة مسموعة.

كان فريقهم قد انقسم نصفين لينزلوا من المصعد الذي يؤدي الى مخرج الطوارئ، حيث استقل كل من فالك و السجينين (احدهما مصاب) و زاك و ماركو و ريكي الذي كان يوجه مسدسه الى جين، استقلوا المصعد الأول، بينما اتجه هيروكيول و رهينته ايفان، و السجينين الآخرين و اليكس المأسور و الزميلين اللذين كانا مع ماركو في زنزانته، استقلا المصعد الثاني، و قد نزلوا ثلاث طوابق قبل أن يتوقفوا بسبب إنفجار عنيف قطع التيار الكهربائي عن المبنى ثم عاد التيار بعد لحظات و استغلوا ذلك في الخروج من المصعد خشية أن يعلقوا فيه و عندها التقت المجموعة مجدداً على أرضية الطابق رقم سبع و خمسين ، و هناك لفظ السجين المصاب أنفاسه الأخيرة.

قال أليكس بينما يجول بنظره حول المكان:" إنها خمسين طابق سيكون من الغباء أن نستعمل المصاعد للنزول، روبرت يصطادنا الآن "

تنهد جين الذي يبدو و أنه أصبح في إمكانه فتح عينيه لفترة أطول و قال: "ذلك الوغد، فقط كم زرع من متفجرات في هذا المكان؟"

أشار البارون الى نهاية ممر واسع و دون أن يجيب عن سؤال زميله قال: "خلف ذلك الباب هناك يوجد درج يوصل جميع الطوابق ببعضها، إنه بديل جيد عن المصعد الكهربائي، لكن علينا الإسراع"

قال جين:"عبر تلك السلالم وصل الفدائيون الى أعلى طابق"

تقدم هيروكيول و تابع أليكس أمامه و أشار الى أحد السجناء قائلاً: "أنت ستحمل رهينتي على ظهرك، و أنا سأتقدم في طريقنا للنزول لأحميكم من أي فدائي إن صح كلام جين"

كانت المجموعة في أمس الحاجة إلى حل ما سواء كان منطقياً أو مغرقاً في الجنون لا فرق بين هذا و ذاك في وضعهم، لقد علم هيروكيول من ملامحهم أن احتمال موتهم داخل البرج صار يحتل النسبة الأكبر في خلدهم لذا أي حل سيفي بالغرض، أي حل يعني أي بصيص أمل يدفعهم للمضي حتى لو كان أملاً زائفاً، هكذا لم يعترض أحد على فكرته و لم يتوقع ذلك على أي حال، إنتظر أن يحمل السجين تلميذ البارون و بعدها تقدم نحو الباب و في داخله حرص أقل على إنقلاب الموازين بينهم و بين أفراد المنظمة و ركز على محاولة الخروج من المبنى باستماتة، إذ يعني ذلك له الكثير فما زالت هناك خطط في رأسه يعتزم تجسيدها على أرض الواقع و الموت تحت الأنقاض ليس ضمن مخططاته، التفت للحظة الى الخلف يناظر الشاب ماركو، إنه أحد أهم عناصر مخططه و يأمل أن يتمكن من إطلاعه على كل ما يعرف بعد نجاتهم، إن معرفة ماركو بما يجري حوله هو المفتاح لفتح أفق يمكنه من التفاوض معهم مع من خلف ماركو رغم فائدة الشاب له إلا أنه لا يفكر باستغلاله لمصالحه ثم التخلص منه فما زال ينظر له على أنه ضحية تصارع قوتين هائلتين، أخطاء الماضي التي على أبناء هذا الجيل تحمل تبعاتها هي إحدى نتائج ذلك الصدام، إنه يطمح لمصلحة مشتركة بينه و بين ماركو و لهذا يسعى لوضعه في الصورة، حتى يحين ذلك الوقت شعر هيرو بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه من اجل شق طريق له و لرفاقه، و بخروجه يصبح هناك مصدر إزعاج آخر عليه التعامل معه، إنه روبرت الذي لم يحسب له حساباً من قبل إذ لطالما حاول تجاهل وجوده بما أنه شخص ينشط في الظل عادةً، و لم يكن له حضور دائم في اجتماعات المنظمة الدورية و اكتفى بالانزواء في الصرح، حتى رودي لم يأتي على ذكره كثيراً لكن في كل مرة فعل كان يثني على فطنة الشاب و دهائه و هاهو ابن كاراكارغا يلمس شيئاً من تلك الصفات ما أعتبره سوء حظ، وصل هيرو عند الباب و ما إن همّ بفتحه حتى اهتز المبنى ثانية آخذاً معه التيار الكهربائي، لقد كان ذلك انفجار في طابق ما على الارجح، لأول مرة منذ بدأت هذه العملية وجد هيروكيول نفسه تمدح صلابة المكان التي عرف بها من بين جميع أبنية المنظمة و تمنى لو كان أصلب بشكل أكبر قليلاً، نظر خلفه و صرخ في الظلام الدامس قائلاً: "فالك أخرج المصابيح اليدوية!"، و رأى اشارة امتثال النادل لطلبه عندما اشتعل الضوء الأبيض مبدداً بعض الظلمة حولهم و أشار للمجموعة بالتقدم عندما سلط صديقه ضوء المصباح عليه و ما إن اكتمل عددهم أمام عينيه حتى أخذ المصباح عن صديقه صاحب النظارات و القى نظرة فاحصة لما يقبع خلف ذلك الباب و ما وجد غير ظلمة خانقة يغوص عبرها درج يحاول إقناعهم أنه سبيل نجاتهم الوحيد لكن هيروكيول رأى فيه طوق نجاة مرمي في محمية اسماك قرش، مرر مصباح ليتأكد من أن الطريق سالكة للأسفل ثم وضع قدمه اليمنى ذات الحذاء الجلدي الأسود طويل العنق على أول درجات ذلك السلم الذي قُدّ من دجى الليل، مع كل خطوة أقدم عليها كان يمرر مصباحه اليدوي على كل شيء متشح بالسواد، الجدران و درجات السلم و حتى الحذاء الذي ينتعله، و بعد خمس درجات طفق رفاقه يتقدمون خلفه، لقد كان إبن آل كاراكارغا يقف امام فوهة المدفع، طريق غير آمنة موغلة في الظلمة الخالصة إن لم ينل منه فدائي ما ستحاول الأنقاض جعله يموت بين أحضانها و إن كان لعمره بقية سيحكي لآيريس قصة النجاة، كان الصمت سيد الموقف و أدرك كل واحد منهم أنه من الأفضل أن يظل الوضع هكذا، و من ناحية أخرى لم يكن لأحدهم القدرة على التحدث فاحتبست الكلمات داخلهم تخشى الخروج.

المغناطيس: الشظاياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن