الفصل السابع و العشرون

25 5 13
                                    


تألق النشاب تحت نور السراج الباهت و قد لاحظ الصبي إيفان أن مقدمته مصنوعة من معدن يأخذ لوناً فضياً فخمّن أنه مصنوع من الفضة و عليه نقشت أحرف ثلاث بأبجدية ما أياً كانت فهو لم يتمكن من التعرف عليها، أما بقية أضلاع النشاب فقد كانت من الخشب المصقول بإحترافية جعلت بدنه أملس ناعم، لقد كان من الواضح حتى بالنسبة لصبي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره أن النشاب كان فاخراً و باهظ الثمن ولا يمكن بأي حال من الأحوال لرجل عديم الأنياب و يتخبط في هوة الفقر أن يمتلك شيئاً بهذه الروعة و في هذه الحالة كان زوج أمه ريتشارد، إلا إن كان قد نهبه من أحدهم بطريقة ما.

تقدم قليلاً نحو الخزانة التي اندفع منها النشّاب فوجد كنانة الأسهم كما توقع، لم يكن إيفان قد رأى نشاباً في حياته من قبل، لكنه يعلم شكله بفضل والدته التي تكرمت عليه بدروس منزلية على مدار ثماني سنوات لقنته خلالها ما استطاعت في فترة مكوثه الوجيزة قبل أن يذهب الى عمله، كانت والدة إيفان على عكس أغلب سكان هذه القرية النائية- إمرأة متعلمة- و لطالما انبهر إيف بقدرتها العجيبة على الإجابة على معظم أسئلته و التي عجز عمال المنجم عن اجابتها، و هذا الأمر كان يشعل في قلب إيفان شعوراً بالفخر كما كان هذا إحدى أبرز الأمور القليلة التي يفتخر بها في عالمه الصغير البارد القاسي.

"علينا تحريك هذا الشيء و إعادته الى مكانه قبل أن يعود"، قالت والدته فجأة.

بعد لحظات كانت الخزانة موصدة كما لو أنها لم تفتح من قبل و كان إيفان يقف عند الباب بينما يتدثر جسمه الضئيل بالوشاح الصوفي الذي لفه حول نفسه عدة مرات و مع ذلك ظل جزء منه يزحف خلفه كذيل.

  وقفت الأم بقلب متردد و هي تراقب إبنها الوحيد على وشك أن يخرج ليبيت ليلة أخرى اشد برودة من قلب زوجها كما فعل في كل مرة أثار فيها غضب عديم الأنياب، غمرتها رغبة عارمة في تحدي واقعها و أخذ ابنها في إحضانها دون أن تقيم وزناً لريتشارد و رد فعله و كان ذلك قلب الأم هو ما يزودها بتلك الفكرة التي تفيض عاطفة، بينما أراها عقلها الوضع كما هو و ألزمها حجمها كالعادة و تساءلت كم سيستغرق الأمر حتى تقرر الإستماع لقلبها؟.

غادر إيفان دونما التفاتة منه حتى لا يحفز مشاعر غير ضرورية، و في الخارج قرر أن يمر على المطعم الذي ارتاده الرجل الذي التقاه عند المنجم، مع أمل في أن يساعده بطريقة ما على تمضية هاته الليلة خاصة و أن الرجل الغريب أيضاً سيحتاج الى مكان يبيت فيه، و تصادف ألا فنادق في هذه الحفرة المسماة قرية فشعر أن هذا يصب في صالحه. و هكذا و بخطوات واسعها تقدم نحو المطعم و وشاحه الصوفي في أعقابه حتى بلغ عتبة باب المطعم و هرع يسأل النادل عند المدخل بعد أن ألقى نظرة فاحصة علم من خلالها أن الرجل الغريب قد غادر كما أنه لا أثر لريتشارد هنا و هذا اثار ارتياحه بشكل كبير.

"سيدي هل لي بسؤال؟"

رمق النادل الصبي بنظرة من زاوية عينه من الأعلى و كأنه ينظر الى قعر بئر و كانت تلك إحدى النظرات الشائعة التي يوزعها أمثاله ممن يعتقدون أن حالهم أفضل بكثير من صبي هزيل بملابس مهترئة و بقع فحم تغطي وجهه، ليس و كأنهما يعيشان في مكب القمامة نفسه، قرر إيفان منذ زمن أنها من النظرات التي تثير اشمئزازه و تُفقد صاحبها أي فرصة في استلطافه، و على الرغم من ذلك انتظر الاجابة، تنهد النادل و قال بنفاذ صبر: "انقلع من هنا يا صبي الفحم"

المغناطيس: الشظاياWhere stories live. Discover now