الفصل الثلاثون

36 5 4
                                    


تعانقت أنصال جين الثلاثة مع نصل هيروكيول الأسود مصدرة شرارات و افترقت لتتصادم مجدد بعنف و من عنف الهجمة شعر الغراب الأسود بعظامه ترتج و تئن لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة المعركة، تراجع خطوتين للخلف و دور سيفه بحركة استعراضية معتادة ملوحاً إياه في كل الإتجاهات يمينا و شمالا، أسفل و أعلى، و تراقص «سيمفونية الحرب» في يمناه بطواعية كأنه يعرف صاحبه، إندفع هيرو نحو غريمه القديم موجهاً سيفه الى يساره بحيث تغطي ذراعه اليمنى صدره بالكامل و ما إن اقترب من جين حتى سحب غمده من خلف ظهره و الذي يتخذه بين الحين و الآخر كسيف ثانٍ له، إستهدف بتلويحة الغمد تلك رقبة صاحب الأنصال و في علمه أن ضربة مركزة منه قد تتسبب في جرح خطير كما قد يستطيع دق عنق خصمه، لكن لا هذا ولا ذاك حصل في تلك اللحظة، فقد تفادى الأربعيني النحيف كحلي الشعر تلويحة الغمد بثني ظهره برشاقة للخلف بحيث أصبح رأسه منخفضاً عن مسار الضربة، و ما ضرب الغمد سوى الهواء، لكن هيروكيول كان يدرك، فلوح بسيفه من اليسار الى اليمين مستهدفاً ساقاي مخبر المنظمة، و لوهلة تمكن الرجل الذي كان صاحب القبعة قبل بدء العملية أن يتخيل سيفه يمر خلال ربلة ساق جين اليمنى قاطعاً إياها و متجها نحو الربلة اليسرى، و كان ذلك ليكون كافيا لحسم النزال الى الأبد عند جولته السابعة و الثلاثين تقريباً ، لكن جين مجدداً و بشكل غير متوقع حطم آمال السياف ذي المعطف الأسود و قام بحركة شقلبة للخلف في وضعه الحرج ذاك و من دون الإستعانة بذراعيه و هكذا تمكن من تجنب إمكانية أن يتعرض لإعاقة مدى الحياة. كان جين لينجو من ذلك الهجوم كلياً لولا أن زخم الحركة جعله يحاول موازنة نفسه بعد الشقلبة و هذا ما أعطى لهيرو فرصة ذهبية، دار حول نفسه و ركل جين في صدره بكعب قدمه ذات الحذاء الجلدي القاسي فرمته الضربة لمتر و نصف تقريباً.

وضع جين يده على صدره حيث أصابه صديقه القديم و قد كان يجثو على ركبة واحدة ثم وقف باعتدال و قال دونما ابتسامة:"ليس سيئاً"، ظل واقفاً يذرع هيروكيول بعينيه من رأسه حتى أخمص قدميه و على جانبيه عله يجد ثغرة تمكنه من تنفيذ هجمة مجدية، لطالما شعر جين أن لهزيمة هيروكيول معنى ما في حياته، و يدرك أن الفرق قبل حصول ذلك و بعده سيكون كبيراً على نفسه، لم يفصح الأربعيني العابس من قبل لأي شخص عما يدور في خلده و بإستثناء سعيه للتفوق على هيروكيول، حافظ على سرية حياته الشخصية و دوافعه و ذلك لأن المخبر كره حياته السابقة و نفسه القديمة بل و يتمنى لو أنه لم يكن ذلك الشخص من قبل.

***

قبل حوالي عشرين سنة لم يكن لجين وجود في هذه الحياة و ما كان لأحد أن يتعرف على الإنسان الذي صاره فيما بعد، في السابق كان أشهر رجال المنظمة و أحد ألمع أفرادها شيئاً ضئيلاً يشعر بالانهزام ليس لأنه كان ضعيفاً بل لأن كل شيء فعله لإثبات نفسه كان يشعره بالانهزام أكثر، الجانح الفاشل ذلك ما كان عليه «ريغن»، أو أن هذا ما رآه جين في ذاته القديمة، شاب حليق الرأس و الذقن و يتسربل بمعطف بني رديء بغض النظر عن حالة الجو، كان ذلك الشاب كان يحظى بسمعة سيئة و الذي كان يعيش في ضواحي مدينة «تموز» في إقليم الصيف في مقاطعة «كاتيو» أين يمكن للمرء أن يسرق منه أي شيء بدءاً من زر سترة وصولا الى روحه، و حيث جهاز الشرطة الفاسد الذي تقبض وحداته رشاوي مقابل التغاضي عن التجاوزات الجسيمة، إلا أن صفة القسوة لم تغب عنهم فمن يقع في أيديهم لا يُعلم مصيره.

المغناطيس: الشظاياWhere stories live. Discover now