الفصل الثامن

59 7 0
                                    


أثارت الضجة التي سببها فيليب في حجرة ماركو استنفاراً في المرافق القريبة من الغرفة فأسرع عدد من الأطباء و الممرضات مهرولين نحو مصدر الضوضاء، كان روبن يقيد الشاب النحيل على كرسي ذي عجلات باستعمال قميصه عندما دخل طبيبان و ممرضة و علامات الاندهاش و الذعر تعلو ملامحهم، ظل صاحب القلنسوة منهمكاً في عمله حتى سأله طبيب صاحب نظارة بارتباك قائلاً:"ما الذي جرى هنا؟!"، أنهى روبن تقييد المهاجم ثم أجاب:"هذا الشخص المجهول هنا حاول مهاجمة صديقي،لو كنت مكانك لانتهزت الفرصة لأتصل بالشرطة بينما هذا المعتوه ما زال غائباً عن الوعي"، اندفع الطبيب بغضب قائلاً:"ما الذي تقوله؟! هذا الامر سيسبب الذعر للمرضى هنا و قد يسيء الى سمعة المستشفى و مديره! لم لا تقتاد هذا المجرم الى مركز الشرطة؟"، تنهد روبن و ابتسم ثم قال:"ما رأيك أن أقدم بلاغاً ضد هذا المبنى البائس بتهمة تعريض حياة مريض للخطر و دعني أرى كيف ستخلص السمعة الطيبة مديرك العزيز من المحاكمة"، ثم تقدم قليلاً نحو الطبيب و أضاف:"بحقك يا رجل أنت أسوأ من ذلك المجنون المقيد في الزاوية"، بعدها دار روبن على عقبه و أخذ يمرر يديه على شعره البني المُحمر محاولاً تعديل تسريحته و استطرد:"إتصل بالأمن حالا و إلا جعلتك موضوع البلاغ"، بعد أن أنهى روبن جملته بدا الطبيب لماركو كما لو أنه قد فقد لسانه و شاهده يغادر الحجرة خانعاً حتى استوقفه روبن مجدداً و هو يقول: "أنا سائح أتى ليستمتع بروعة إقليم الخريف لكنني أخذت إنطباعاً سيئاً عن هذا المشفى"، لم يعلق الطبيب على كلام صاحب القلنسوة و بدل ذلك أمر إحدى الممرضات أن تتصل بالأمن.

احتار ماركو تماماً في الانطباع الذي تتركه شخصية روبن في نفسه و عجز عن تبين نواياه،لوهلة أصبح ماركو يفكر في أن هذا ما هو عليه روبن،ربما هو يفعل هذا لتجنب تأنيب الضمير،ربما حقاً يمتلك حساً قوياً بالعدالة، لكن ما يحيره هو التصاقه به لمجرد انه قد انقذ حياته كان هذا إحدى الدوافع التي تجعل ماركو يرفض أن يسمح لنفسه للارتياح لهذا الشاب، بالاضافة الى الى الشعور الغامض الذي يصيب جسده في حضوره، كان ماركو سارحاً في تفكيره حتى سمع روبن يخاطبه قائلاً:"هل يجب أن تعلم والدتك بهذا الأمر؟" هز ماركو رأسه نافياً و حافظ على صمته.

وصل المحقق صاحب الشارب الابيض و مساعده المستجد الى المكان الذي يشير له العنوان المكتوب في الورقة و تقدم الاثنان بخطوات واسعة و خلال اقترابهما لم يسمعا أي صوت يصدر من داخل البيت لكن المحقق العجوز قرر التقدم اكثر حتى وصل الى باب البيت و طرق بهدوء و انتظر قليلاً لكن لا مجيب ثم طرق مجدداً و مجدداً و عندما لم يجد استجابة ألقى نظرة فاحصة من النافذة المحاذية للباب الى قلب البيت ثم رمق مساعده و أومأ له في إشارة لكسر الباب بينما أخرج المحقق مسدسه من نوع بيريتا عيار 9 ملم، و ما إن نجح المساعد في كسر الباب حتى تقدم المحقق بمسدسه ببطء و دخل الرجلان بحذر لتفتيش البيت، رمق الرجل العجوز اثاث البيت و أرضيته فلاحظ بقع دماء تأخذ طريقها حتى المطبخ الصغير في الزاوية اليسرى،تتبعها بهدوء حتى انتهت الى قلب المطبخ فأكتشف أثاراً لشظايا زجاج و بقع دماء تمتزج بسائل اصفر غريب،و بحركة من رأسه أشار لمساعده بالدخول لمساعدته في التفتيش فأخذ الشاب يفتح الأدراج واحداً تلوى الآخر بينما انتبه المحقق الى المبرد الصغير الذي يقبع على يمينه فدفعه الفضول المهني لفتحه مباشرة و عندما فعل اتسعت عيناه من الدهشة و ظل يحدق بالمنظر دون أن يلفظ بكلمة حتى انتبه مساعده الذي كان مشغولاً بالتفتيش في زاوية اخرى و لدى رؤيته العلب الزجاجية التي تحمل في جوفها مقل أعين أطلق صرخة ذعر لا إرادية ثم وضع يده على فمه بينما تكاد يعناه تتدليان من محجريهما،عندها تحدث المحقق قائلاً:"حافظ على هدوئك يا فتى..." ثم امعن النظر داخل المبرد و اضاف:"كل الأعين هنا ذات حدقات رمادية، لكن السؤال المطروح أين هو لص الأعين؟" ثم مد يده نحو العلب الزجاجية و قال لمساعده:"اتصل بالمركز و أطلب فريق أمن و فريق طب شرعي حالاً" بعدها اتجه المحقق خارج البيت و أغمض عينيه للحظات ثم تنهد.

المغناطيس: الشظاياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن