الفصل الخامس و الثلاثون

55 5 10
                                    

- رب أسرة و لقاءات -

بين أروقة المبنى التجاري ركضت إبنته بنشاط الغزلان البرية تمد يدها الى الرفوف كلما وجدت كيساً مبهرج الألوان و بغض النظر عن محتواه تُلح على والدها نصف المنصاع لرغبات طفلته بأن يشتريه لها فيلبي رغبتها تارةً أو يرفض بطريقة ذكية لا تشعرها أنه فعل أصلاً ولا ينقص ذلك من حماسها شيئاً فأمها على كل حال و رغم صرامتها إلا أنها أيضاً تطمرها بالمشتريات المختلفة من حلويات و ألعاب و ملابس، و ملابس كثيرة جداً بشكل خاص لدرجة أن لها ثلاث خزانات ممتلئة عن آخرها ولو قررت أن ترتدي طقماً في كل يوم لاستغرق الأمر أشهراً قبل أن تنفد الخزانات، لكن الأم ترشّد استهلاك طفلتها لكل غرض من أغراضها، كان رب الأسرة الطيب يراقب بانشراح عصفورته الصغيرة -كما اعتاد أن يطلق عليها من باب الدلال- يسترسل شعرها الكستنائي الطويل الحريري حتى منتصف ظهرها و بين الحين و الآخر يظهر الاكسسوار الازرق المثبت أعلى رأسها، و كانت ترتدي سترة حريرية بلون رملي ناعم و تنورة بنفس اللون.

كان يمشي خلال الرواق المخصص للبقوليات بينما يدفع عربة تسوق تكاد تمتلأ و على يساره تتحرك زوجته ذات الشعر الأسود الفاحم المعقوص بشريط زهري، حركاتها هادئة كالعادة و بالكاد تصدر صوتاً و كأنما لها عجلات بدل الأرجل، و فستانها الاسود يكنس الأرضية بصمت، اختطف نظرة لوجهها البيضاوي ذو الأعين الواسعة و الأنف الدائري، كانت تحافظ على ابتسامة باردة ترتسم على فتحة فمها الضئيلة، لا يمكن أن توصف زوجته بأنها فائقة الجمال فقد كانت ملامحها عادية لكن أبرز ما يميزها كانت العينان ذات الحدقتان القرمزيتان و لعلّ ذلك يمنحها مسحة جذابة من جمال غير مألوف، و الأهم من ذلك مكانة تجعلها محط الأنظار.

كانت ابنتها تتفادى بعض الزبائن الواقفين عند الرفوف بخفة و رشاقة و قطعة حلوة في يدها، أخذت الأم تراقبها بفخر ثم قالت: "انتبهي زارينا ستقعين و تتسخ ملابسك، تعالي"، و كعادة زارينا علمت أن عليها الامتثال لأوامر أمها عندما تميل نبرتها الى الصرامة، و تثق الأم بأن طفلتها لديها ادراك مفاده أنها لا يجب أن تجعل والدتها تنتظر، هكذا شاهدت زارينا تتقدم نحوها قافزة على قدم واحدة كطيور الزرزور، عندها منحت الزوجة ابتسامة لزوجها الذي كان يبتسم بدوره و بقيا يراقبان ابنتهما المشاكسة تتقدم اليهما ببطء

انحنت حالما اقتربت ابنتها منها و قالت بلطف:"كفاك تسكع في الأرجاء يا حبيبتي"

قالت الطفلة و نظرة بريئة في عينيها: "أمي اريد مصاصة"

رسمت الأم تعبيراً يدل على رفض مهذب و قالت: "يكفي حلوى لليوم، و إلا كان المكان الذي نقصده تالياً طبيب الأسنان"

قطبت زارينا جبينها بغير فهم و قالت: "و لماذا نقصد طبيب الاسنان؟"

"لأنك تصرين على أكل كميات كبيرة من الحلوى و هكذا تتسوس اسنانك و عندها سيكون على طبيب الاسنان اقتلاعها"

المغناطيس: الشظاياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن