الفصل السادس والثلاثون

51 3 9
                                    


دبت أقدام رودي غوردوست خلال الممر بوقع منتظم في مشية هي أدنى لمشية ضابط عسكري، و أخذت عيناه الغائرتان تشقان الطريق أمامه بينما فكه المربع مطبق بإحكام و الذي انتشرت عليه بوادر لحية لم يواظب على حلاقتها فبدا ذقنه كحقل أزهار برتقالية ضاربة للحمرة ، لم تتبدل قسماته التي كأنما قُدت من صخر قيد أنملة طوال الطريق، تسربل بالأسود بالكامل إذ ارتدى بدلة سوداء و سروالاً  و حذاءً بنفس اللون و غطى يديه بقفازات داكنة، على يمينه تحرك رجل في العقد الرابع من العمر و يزحف على جانبي ناصيته صلع وراثي فبدا كخليج عند مقدمة رأسه، له شعر بلون بني عسلي يتموج في خصلات طويلة مسرحة للخلف و تكسو وجهه لحية غزيرة و مشذبة بعناية، لا يحمل «ألكسندر غوردوست» من ملامح اسرته إلا الشيء القليل لكنه حافظ على العينين الغائرتين الرماديتين، إنه من ابناء عمومة رودي و لو كان ابن عمٍ من درجة ثانية حيث يعتبر جد ألكسندر و جد رودي أخوان، لكن الرئيس لا يستغني عن خدماته و لطالما أسدى إليه المشورة و الرأي الحكيم و من خصاله المحببة هي الإخلاص الذي يطلبه رودي من كل رعاياه، و هي الطينة التي صُنع منها ألكسندر بل إن عليه أن يُخلص الطاعة لوليه بما أن دماء الأسرة تجري في عروقه ، على جانبه الأيسر كان يعرج شاب يناهز رودي عمراً لكنه افتقر للمشية الشامخة السليمة، فكان «غيلبرت ريمون» يحجل على ساقه اليسرى مستيعناً بعُكاز و يحاول مواكبة رئيسه قدر الإمكان، لقد وُلد بعاهة بساقه اليمنى، تتفرد أسرة ريمون بالعلاقة العريقة التي جمعتها بآل غوردوست منذ أن كانت الإقطاعية تُمارس بحذافيرها قبل ثلاثمئة سنة، و رودي رجل يكافؤ الخدمة الخالصة بجزاء جزيل، و منذ اللحظة التي جلس فيها على كرسي أبيه ككبير للأسرة نظر بعين التمحيص و التقدير، فربط الأسرتين بزيجة على وشك أن تتم بين شقيقه روبن و أخت غيلبرت ، على أنه سمع التمتمات الرافضة هنا و هناك سواءً في بيت الأسرة أو من بعض رؤساء الأسر الموالية، فقد كان كل حليف له يمني النفس بشرف كالذي منحه لآل ريمون وضيعي الميلاد على حد تعبيرهم ، يدرك رودي أن تلك النبالة الوهمية التي تشدقت بها الأسر عبر العصور قد اندثرت ها هنا و رغم أن اسرة ريمون لا تعوزها الثروة إلا أن مناهضوا قراره ما زالوا يعايرون من يرونهم ادنى منهم في عرفهم بابن فلاح ما، أو نجل خادم أو عبد و يشيرون لهذا او ذاك بأصابعهم متهمين: أنظروا الى ذلك الوضيع ابن الوضيع ذو الدماء الوضيعة يلبس مثلنا و يتجرأ أن يعيش حياته على طريقتنا. متناسين بذلك أن أشهر ملك حكم هذه الأقاليم كان صياداً ابن صياد فكيف منعته دماؤه الوضيعة من إقامة دولة ما زال يبكيها كل رجل في الأقاليم الأربعة.

يؤمن رودي أن الرجل لا يعيبه إلا سوء تصرفه و غير ذلك من نسب و حسب فلا يقيم له وزناً ولا يصنع له شأناً ، لكن إسم صهر أخيه يتقبله بالكاد، "غيلبرت"، يستدعي وقع هذا الاسم على أذنه ما لا يحب تذكره، خيبة و إخفاق و وصمة عار تأبى أن تندثر، إلتفت عن يساره و قال بروية:"من تأكد حضوره من المكاتب؟"

المغناطيس: الشظاياWhere stories live. Discover now