سيارة راكان التي تخرج من الدوحة متجهة لطريق سلوى
استحكم الصمت بين الطرفين منذ انطلاق السيارة
ومشاعر غامضة عميقة يحوطها ستار حديدي من احترام وتبجيل تكبل راكبي السيارة تجاه بعضهماالسيارة تنطلق في عتمة الليل وظلامه
ليبدآن سويا حياة تبدو معتمة غير معروفة التفاصيل
كلا الطرفين إنسان رائع مفعم بالإنسانية بكل معناها الحقيقي
نذر نفسه لسواه.. ولم يعش يوما لنفسه
بددا سعادتهما من أجل سعادة الآخرين
كان اهتمامهما بنفسيهما في ذيل أولويات كل منهما
كل شيء كان يأتي أولا
ليأتي راكان وموضي في آخر القائمة
قلة من البشر من تعرف هذا النوع من الإيثار النادر
الذي يستجلب إلى عمق الروح نوعا مختلفا من السعادة مقرون بعمق إنساني متجذر في الحنايا
{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}راكان ضحى بحبه وسعادته ليكفل أيتاما ويحفظ سمعة والدتهم
وموضي ضحت بسعادتها لتحفظ تماسك عائلتها وتحافظ على مشاعر عمتها وخالها
وشفقة بحمد المريض الذي رجت أن صبرها عليه سيدفعه يوما للعلاجوهاهما المثقلان بالأسى الدنيوي والعظمة الإنسانية
ينطلقان ليبدآن حياتهما سويا
حياة مجهولة
لا يعرفان حتى كيف سيكون شكلهما وتعاملهما في إطار هذا الزواج الصوري أمام أعين أهلهما
كلاهما يحمل للآخر مشاعر احترام عميق.. ومشاعر ود دافئة هي أقرب للود الأخوي
ولكن هل تكفي هذه المشاعر الرسمية لاستمرار حياتهما معا؟!!!
قد يكون الاحترام أحيانا أقوى من الحب
وعشرات من الزواجات الناجحة قامت على احترام متبادل قد يخلو من الحب كما يُفهم بمعناه المشتعل بالشوق والولع
السكينة.. الرحمة.. الود.. التقدير.. الاحتياج... مصطلحات قد تفي بمتطلبات حياة زوجية ناجحة
ولكن هل هذه المصطلحات تكفي راكان وموضي وقلبيهما المشبعين بالأسى؟!!
ظل الصمت شعار الزوجين الجديدين طوال المئة كيلومتر الأولى الفاصلة بين الدوحة ومنفذ (أبو سمرة) الحدودي
كلاهما غارق في أفكاره الخاصة
نقاشات بسيطة في المركزين الحدودين
ثم حينما تجاوزا سلوى لأول طريق الإمارات
همست موضي بخجل:
راكان أقدر أشيل نقابي وشيلتي .. أبي أفك شعري
الساعة الحين وحدة الليل والطريق مغدر وماحد يشوفني
ورأسي يوجعني من الشباصات اللي فيهشعور ما.. شعور غامض انتاب راكان
هل يرى وجهها أخيرا؟؟لا ينكر أنه في لندن تمنى أمنيات غير مفهومة أن يفاجئها يوما بدون نقاب
ليرى كيف أصبح وجهها الذي لم يرَ تقاطيعه منذ كانت في الخامسة عشرة
وفي ذات الوقت شعر بالتوجس الغريب وهو يتمنى ألا يراه
فمهما يكن.. فذاك الوجه الفتي كان الوجه الوحيد الذي سكن أحلامه
مازال كل تفصيل من تفاصيل تلك الصبية المراهقة محفورا في أعماقه
فتلك الصبية هي كل مابقي له من أحلام صبا اندثر.. وتمنيات عاشق عشق ولم يطل
لأن موضي الصبية كانت له.. ولكن موضي المرأة لم تكن له
وإن كان انتزع موضي زوجة حمد من قلبه
فذكرى موضي المراهقة بقيت تسكن ديوان شعر مغبر اصفرت أوراقه
أنت تقرأ
اسى الهجران
Romanceرواية قطرية بقلم أنفاس قطر يومٌ خريفي بارد.. برودته الخافتة المرتعشة تسربت بحدة موحشة للروح قبل الجسد إنها واشنطن دي سي.. أواخر شهر سبتمبر..شهر الخريف المرير تقلبات الأجواء.. واصفرار الأشجار.. ووجع الغربة وآه يا وجع الغربة.. ما أقساها على روحه الحر...