٨١

15.3K 209 38
                                    

سيارة راكان التي تخرج من الدوحة متجهة لطريق سلوى

استحكم الصمت بين الطرفين منذ انطلاق السيارة 
ومشاعر غامضة عميقة يحوطها ستار حديدي من احترام وتبجيل تكبل راكبي السيارة تجاه بعضهما

السيارة تنطلق في عتمة الليل وظلامه
ليبدآن سويا حياة تبدو معتمة غير معروفة التفاصيل
كلا الطرفين إنسان رائع مفعم بالإنسانية بكل معناها الحقيقي
نذر نفسه لسواه.. ولم يعش يوما لنفسه
بددا سعادتهما من أجل سعادة الآخرين
كان اهتمامهما بنفسيهما في ذيل أولويات كل منهما
كل شيء كان يأتي أولا
ليأتي راكان وموضي في آخر القائمة
قلة من البشر من تعرف هذا النوع من الإيثار النادر
الذي يستجلب إلى عمق الروح نوعا مختلفا من السعادة مقرون بعمق إنساني متجذر في الحنايا
{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}

راكان ضحى بحبه وسعادته ليكفل أيتاما ويحفظ سمعة والدتهم
وموضي ضحت بسعادتها لتحفظ تماسك عائلتها وتحافظ على مشاعر عمتها وخالها 
وشفقة بحمد المريض الذي رجت أن صبرها عليه سيدفعه يوما للعلاج

وهاهما المثقلان بالأسى الدنيوي والعظمة الإنسانية
ينطلقان ليبدآن حياتهما سويا
حياة مجهولة
لا يعرفان حتى كيف سيكون شكلهما وتعاملهما في إطار هذا الزواج الصوري أمام أعين أهلهما
كلاهما يحمل للآخر مشاعر احترام عميق.. ومشاعر ود دافئة هي أقرب للود الأخوي
ولكن هل تكفي هذه المشاعر الرسمية لاستمرار حياتهما معا؟!!!
قد يكون الاحترام أحيانا أقوى من الحب
وعشرات من الزواجات الناجحة قامت على احترام متبادل قد يخلو من الحب كما يُفهم بمعناه المشتعل بالشوق والولع
السكينة.. الرحمة.. الود.. التقدير.. الاحتياج... مصطلحات قد تفي بمتطلبات حياة زوجية ناجحة
ولكن هل هذه المصطلحات تكفي راكان وموضي وقلبيهما المشبعين بالأسى؟!!
ظل الصمت شعار الزوجين الجديدين طوال المئة كيلومتر الأولى الفاصلة بين الدوحة ومنفذ (أبو سمرة) الحدودي
كلاهما غارق في أفكاره الخاصة
نقاشات بسيطة في المركزين الحدودين
ثم حينما تجاوزا سلوى لأول طريق الإمارات
همست موضي بخجل:
راكان أقدر أشيل نقابي وشيلتي .. أبي أفك شعري
الساعة الحين وحدة الليل والطريق مغدر وماحد يشوفني
ورأسي يوجعني من الشباصات اللي فيه

شعور ما.. شعور غامض انتاب راكان
هل يرى وجهها أخيرا؟؟

لا ينكر أنه في لندن تمنى أمنيات غير مفهومة أن يفاجئها يوما بدون نقاب
ليرى كيف أصبح وجهها الذي لم يرَ تقاطيعه منذ كانت في الخامسة عشرة
وفي ذات الوقت شعر بالتوجس الغريب وهو يتمنى ألا يراه
فمهما يكن.. فذاك الوجه الفتي كان الوجه الوحيد الذي سكن أحلامه
مازال كل تفصيل من تفاصيل تلك الصبية المراهقة محفورا في أعماقه
فتلك الصبية هي كل مابقي له من أحلام صبا اندثر.. وتمنيات عاشق عشق ولم يطل
لأن موضي الصبية كانت له.. ولكن موضي المرأة لم تكن له
وإن كان انتزع موضي زوجة حمد من قلبه
فذكرى موضي المراهقة بقيت تسكن ديوان شعر مغبر اصفرت أوراقه

اسى الهجران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن