٠|البداية

2.6K 76 45
                                    

_

يجدُر بِنا أحيان كثيرة التوقف عن لوم ذواتنا
ولوم الآخرين، ونتخذ لحظة صُلح مع كلاهما
نهدأ، ونتنفس بعُمق، ونعي أنها مُجرد حياة
وكُل ما حصل وسيحصُل هو مجموعة أختبارات
وتجارُب، وأشياء ستُساعدنا على التعلُم والعيش..

يجدر بنا أن نتخلى، أن نُفلت أيدينا
أن نبتعد، ونرحل، ونغادر، ونركض
بعيدًا عن كُل ما يُقلق ذواتنا ويحزنها

أرواحنا أمانـة، لذا علينا أن نُداريها قبل كُل شيء آخر
أن نلتفت لها قبل أن نفعل للآخرين، وأن نحبُها بأفراط
لأن لا أحد يمكنه العيش بحُب ما لم يحُب نفسه
ولن يتمكن من حُب الحياة والأشياء بشكل كامل
إذا فقد روحه، وفقد رؤية الوان الحياة وبهجتها..

تعلمتُ أن أعيش هكذا، بعد أن خسرتُ كُل شيء في مُراهقتي، تحطمت، وبكيت، كرهتُ الحياة والعائلة
الأصدقاء، الحُب، الأطفال، النباتات، الحيوانات، وكل شيء.. لكنني بعد ذلك بفترة وعيت، وسئمت حالي الحزين، أقتربتُ من الله أشدُ أقتراب، وصليت..
صليت كي أظلُّ هنيئًا بذكره، وآمنًا بالتوكل عليه
صليت كي أنجو وأعيش..
ونجوت.

أنا الآن بعامي الأربعة والأربعون، ولكن كلما يسألني أحدًا أخبره أنني دخلت الأربعون للتو.

ولدي زوجة تكاد تحملُ فؤادي بين يداها
تمسحُ عن روحي التعب، وتداريني بحبها
هي العوض، العوض الكبير لكُل شيء خسرته
الأمان الدافئ بعد كمية الخوف والقلق
هي كُل ما أنتظرته ودعوت لأجله منذ أعوام.

رونق هي حياتي
وصغيري مؤيد الذي بلغ عامه الرابع بهجتي
ومطعمي المكان الذي فيه أتجدد
ونديم.. نديم.. الشخص الذي أشعر به أنني أرى هُمام
أنا ذات الستة عشر عام، التمرد، الغضب
الكُره، التشتت والضياع ذاته.

ذات الاشياء التي عشتها أنا، أراها فيه
لذا لايمكنني تجاهله
أشعر إنني عندما أراه، أود أنقاذه بأسرع وقت ممكن
أن أريه الحياة من جوانبها الأخرى، أجعله يحب ذاته
يحب الحياة، ويحب الناس..

ولكن كيف أتمكن؟
فكلما أقترب يمنعني الكُره الكبير المتدفق من عيناه
من تنافر خطواته إذا ما سرت بجانبه، من مغادرته أي مكان أكون أنا فيه.

أنا أفهمهُ، أفهمه جدًا

أفهم نديم أعمق فهم، وربما لم يتمكن أحد من هذا سواي
نديم موظف لدي، قبل أسبوع أتم عامه العشرون، ودخل في عامه الجديد الواحد وعشرون، وحاول الرفاق عمل مفاجأة لطيفة له، وجلبوا كعكة وأعدوا ألذ الاطعمة في مطعمي لأجلـه، لكنه خرج متجاهلاً الجميع بعد علمه بالأمر، وطلبتُ من الرفاق ألا يلحوا بشأن الأمر، وألا يضغطوا عليه، لطالما تعجب الآخرون من الأستثناء الكبير الذي أعامله به، كيف لنديم أن يغير قوانيني
وعندما يصل الأمر عنده، أسمح له ما لايُسمح لغيره
ولكنني حرصتُ على ألا أجعل هذا يُسبب الكراهية في الوسط، وأركز دائمًا على منح جميع الذين يعملون لدي
من طُهاة، ونوادل، ومُساعدين، وغاسلي الصحون، وكل فرد هُنا أن ألقي عليه من دفء كلماتي ولُطف روحي

والده أنتحر عندما كان في السابعة عشر من عمره
يُقال أنه بسبب أن والدة نديم قامت بخيانته، لكنني لا أُصدق بالشائعات، ولا أكترث للأقاويل في حينا، لكنها حتى الآن موجودة.. ونديم لايزال يتأثر بسببها..

منزله قرب منزلي، رونق تزور والدته بأستمرار
ولم تتحدث عنها إلا بكل خير، قالت إنها انسانة طيبة القلب، وكريمة جدًا رغم حالتهم المادية السيئة..

بشأن نديم، فأنني قبلت توظيفه بسبب والدته
ألحت عليّ عندما زارت منزلنا، وطلبت ذلك
ولم أكن أود أن أردها خائبة، رغم أنني لم أكن أتقبله
قبل خمس شهور، وكنت أرفض أن يعمل لدي
عناده الكبير، أنفعالات غضبه، جعلتني في بداية عمله أقوم بطرده من العمل عدة مرات
وفي كل مرة أعيده للعمل بسبب والدته.

لكن.. الآن أشعر به، أفهمه
أعرف كل مزاجاته، وكل مشاعره
من نظرة واحدة أتمكن من قراءته.

كُل صباح أخرج للعمل، يخرج هو بالوقت ذاته
على دراجته الهوائية، يتجاهل حتى إلقاء التحية
يتجاهلني في العمل كذلك، وفي كل طريق أصادفه.

في السابق كنت أنا من أفعـل، قبل أن ينتحر والده
كان يبتسم ببشاشة كلما رآني، يلقي تحية الصباح اثناء خروجه للمدرسة بينما أنا أذهب للمطعم، وكنت أتجاهله بالفعل.

شعره الأسود المتموج
بشرته السمراء التي تسكنها شامة سوداء صغيرة
بوجنته اليمنى
وعيناه الكبيرتان
طول قامته، ورشاقة قوامه
لم يتغير كما هو في السابق
إلا أنه أصبح له ذقن خفيف يليق به
وشاربين محددين، أصبح شابًا ناضجًا.
أحفظُ أدق تفاصيله، وكيف لا أفعل وأنا أعرفهُ
وهو جاري، حائطي على حائطـه
ومنذ أن أتى للحياة سمعتُ صرخاتهُ الأولىٰ
وبكاءه الأول، وخطواته الأولى
شهدتُ طفولتـه، ومُراهقته، وحتى نضوجه
بمعنى أدق حتى خسرتُ رؤية جاري الصغيري
نديم المُبتهج، كما خسرتُ أبتساماته، وتحية الصباح لي.

_____________

يُحكىٰ أن في مدينة ما، كان هُناك رجُل قد أنتحر
بعد معرفته بخيانة زوجته، وعندما أزدادت شكوكه
حول أبنهما الوحيد، هو قام بألقاء ذاته من أعلى الجسر، ليموت غرقًا. تاركًا خلفه أبنه وزوجتـه يصارعان من أجل البقاء.

كيف ستبدأ محاولات همام لأصلاح الشاب العنيد نديم
والفارق العُمري بينهما كبير، كذلك المشاعر والأفكار...

لولاكَ..
قريبًا...

تنويه: غير مُناسب⚠️
لمن يعاني من اكتئاب، عدم أستقرار نفسي، عُقد نفسية
أضطرابات نفسية، مزاجات حادة، وأفكار أنتحارية.







لـولاكَ. Where stories live. Discover now