٣|جَلَّاد رُوحه

577 45 28
                                    

______

أتحسبُ أنني نسيت؟ ولا أذكر الأذى الذي زرعته بقلبك
أو أنني نسيت من كان يدعوني النجمُ الهارب،  كيف عساني أن أنسـاك يا نديم قلب همام؟»

مضت ثوان بعد سماع ما قاله
تكورت يده بشكل قبضة نبضات قلبه تزايدت
وحرارة بدأت تنتشر بأنحاء وجهـه الأسمـر.

أحسَ بخطواته، وأراد السير لكن أوقفه مرة أخرىٰ
حينما قال:

«لم أنسَ ورُبنا، لم أنسَ أبدًا ما تسببتُ به لك
الأذى النفسي، الأذى الجسدي، الكلمات الجارحة
نبذك، وتقليل شأنك، أحتقارك، وكسرك، وتهشيمك
لم أنسَ شيء، ولم تمضِ ليلة إلا وقد صليتُ فيها
صليتُ لأجل أن يغفر الله لي، وألا يعاقبنـي بأبني»

حَسبَ نديم أثناء حديث الآخر إنه سيختم كلماته بشيء
يجعله يحس إنه تغيّر فعلاً، لكنه أثبت له بأنعدام صحة أعتقاده،  لايزال أناني، ويفكر بذاته فقط، حتى بهذا الأمر
هو يطلب المغفرة لنفسه، خوفًا من عقاب الله،  وخوفًا على أبنه،  ولم يفكر بطلب السماح منه على سوء فعلته

«جيد إنك لم تنسَ، كيلا تسأل لاحقًا لماذا حصل هكذا
عندما تسوء من حولك الأمور»
أدار وجهه لليمين، دون أن يلتفت للخلف
ثم نطق جملته بصوت هادئ بارد يخفي أحتراق روحه خلفه،  يحتفظ بكلمات العتاب لنفسه.

سارَ مبتعدًا تاركًا همام بأعيُن غرقت بالدموع، أنفاسه تسارعت، وحرقة سكنت صدره،  الندم بقلبه يأكله
بل يميته في كل مرة يراه، ويسمع صوته.
لايمضي يوم دون أن يتذكر المرات التي أفرغ فيها غضبه، كيف صرخ فيه، كيف ضربه بحزامه،  كيف أستغل محبته له وبراءته لزرع الشّك فيه، وغرس الخوف في أعماق روحه،  ونديم.. نديم كان طفلاً لم يتخطَ التاسعة بعد،  ليس له ذنب سوى إنه يود أن يكون مثله،  يحملُ مُسجل صوتي بيده بحجم قبضته،  يتمنى لو يرأف همام بحاله، ويتحدث اليه كلمات تجعله يثق بنفسه، ويحبها أكثر ويعطيه أملاً لتحقيق حلمه، بأن يكون مثاليًا كما هو، كما همام.. همام الذي حطمه وهشمه، وأماتَ كل عفوية، وكُل فرح، وكُل بساطة وطمأنينة بروحه.

دخلَ نديم إلى المطبخ بنية غسل الصحون الجديدة
وكره وضعه لهذا اليوم، واضعًا سماعاته السلكية بأذنه
وقد أختار تسجيلاً لوالده، وأعطاه تكرار
منذ أن مات والده، وخلال هذه السنوات الأربع
لم يتوقف عن الأستماع للتسجيلات، لصوت والده
لطريقته في الحديث معه،  لمناداته بأسمـه
هو يفتقده، بل يتشظى لفكرة إنه رحل إلى الأبد
ولا أمل يُرجى لعودته..

لايزال يحبه، رغم كرهه لتصرفه الاناني
وكيف أنه ذهب ليلقي بنفسه دون التفكير به
كيف أنه لم يودعه،  وأكتفى بعناق..
عناق أخير، لم يسمح نديم لأحد أن يقترب منه
أو يعانقه بعد هذا العناق، بظنه أن أثره باقٍ
ولا يرغب بمحوه أبدًا، وأيدي والده هي الأخيرة
التي التفت حوله.

لـولاكَ. Where stories live. Discover now