المقدمة

2.2K 116 18
                                    

-للكاتب: سلطان موسى الموسى

كانوا ثمانية.. وتاسعهم كلبهم  في "الاستراحة"   عندما أردت أن امازحهم وأسألهم كعادتي عن الأديان..بدؤوا في معاتبتي على  أن أسئلتي غالبًا ما تكون صعبة  جدّاً  عليهم.. لذلك طلبوا مني هذه المرة أن لا اسألهم عن بوذا أو الهندوس.. فاستجبت لهم وقررت أن أسهلّها عليهم وأن لا اسألهم إلا عن الإسلام..
   
فقلت لهم.. حسنًا إذًا,  سؤالي الأول لكم سهلٌ  جدّاً بحكم أنكم جميعكم مسلمون وتصلون في اليوم الواحد خمس مرات..
قالوا: ماهو السؤال؟
   
قلت: ماذا تعني جملة "تعالى جدك"  التي تقرؤونها بدعاء الاستفتاح  في بداية كل صلاة؟

لم يعرف أحد منهم الإجابة.. حاول صغيرهم وقال: هل كلمة (جدك) هنا لها نفس الدلالة التي نستخدمها مع والد الأب..؟

فقلت له:  استغفر ربك يا صاحبي  فهو الذي قال: { وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا }     ]سورة الجن آية  3[.

  كنت أظن أنني سهلتها  عليهم.. لم أكن أعلم أنهم لا يعلمون ماذا يقولون في صلواتهم..!
أرت أن  أغير السؤال..  فقلت لهم: السؤال الثاني سيكون  أسهل بكثير بحكم أنكم  تقرؤون أذكاركم  كل يوم..
    قالوا: ما هو السؤال.. ونتمنى فعلًا أن يكون أسهل؟
  
قلت: ماذا  تعني "غاسقٍ إذا وقب" التي نقرؤها دائمًا في المعوذات.. ؟
وأيضًا لم يعرف أحد... فلم أنتظر كثيرًا وقررت أن السؤال بسؤالٍ آخر أسهل بكثير  
فقلت: هل  تعلمون ماهي أكثر آية وردت في القرآن.. ؟

وبعد تفكير طويل..  أجاب  أغلبهم هذه المرة ولله الحمد..  فقالوا: إن الآية الأكثر تكرارًا هي قول  الله {فَبِأَيِّ  ءَالَآءِ رَبِّكُمَا  تُكَذِّبَانِ}]سورة الرحمن آية13[ حيث تكررت في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة..
فرحت كثيرًا وقلت: أحسنتم.. إجابتكم صحيحة.. وسؤالي الأخير لكم ماذا تعني كلمة{ءَالَآءِ} التي وردت إحدى وثلاثين مرة في سورة الرحمن.. ؟

ولم يعرف أحدٌ منهم الإجابة.. !!
لست ألومهم كثيراً.. فقد كنت مثلهم في الماضي.. لا أتأمل ولا أتدبر ولا أتفكر.. المهم بالنسبة لي أنني كنت أصلي وأصوم.. رغم أني أعلم بأن الله وجّه معظم آياته إلى "أولي الألباب" وكان دائمًا ما يقول سبحانه.. أفلا يتفكرون؟ أفلا يعقلون؟ أفلا يتدبرون؟ ... ثم يسأل لستة مرات فيقول جل جلاله (فهل من مُدّكر..؟ .. فهل من مُدّكر؟.. فهل من مُدّكر..؟.. فهل من مُدّكر؟) [سورة القمر]..
شدد الله سبحانه على أهمية معرفتنا لمعاني كلامه.. لأن الله لم يخاطبنا إلا بهذا الوحي.. ولو لم نتأمله ونعرف معناه.. لما استطعنا أن ندرك عظمة من أنزل هذا الكلام.. ولو لم تكن معرفة معاني النصوص المقدسة مطلباً ربانياً.. لما كان من أول ركن من أركان الإسلام هو أن يقول الإنسان شهادة ألا إله إلا الله بشرط أن يكون(عالماً) بمعناها وعاملاً بمقتضاها.. ولاحظ أن العلم بالمعنى أهم من العمل بالمقتضى في الترتيب..

-------------

كنت في "لندن" عندما تعرضت للموقف الذي غيّر حياتي بهذا الخصوص.. تحديداً حين التقيت مصادفةً برجلٍ من المغرب العربي في حديقة "الهايد بارك" الشهيرة.. سلّم علي ورحب بي رغم صغر سني وقتها مقارنةً به.. فقد كنت في الثامنة عشرة من عمري بينما كان هو في عمر أبي تقريباً.. وأخبرني أنه يعيش في "لندن".. وحين أخبرته أنني من "السعودية" رحّب بي كثيراً..
      
كنت أقضي مع عائلتي إجازة "عيد الفطر" هناك.. فقررت أن اسأله وبحكم أننا خرجنا للتو من شهر رمضان عن كيفية معاناتهم مع الصيام في "أوروبا" التي لا تغرب شمسها بسهولة.. ليفاجئني بإجابته حين قال: أنا لا أصوم يا ولدي ولا أصلي..
  
     فلم أكتم تعجبي وسألته لماذا..؟ خصوصاً وأن اسمه كان "محمد" كما أخبرني..؟
فقال لي: (أنا ملحد ولا أومن بوجود خالق)..
ومازلت اتذكر كيف قالها باسماً..!
   
    كانت هذه المرة الأولى الني أواجه فيها شخصاً ينكر وجود الله.. وكنت أتعجب كيف يصل إنسانٌ إلى هذه المرحلة.. قد أتفهم وجود ديانات أخرى.. ولكن إلحاد..؟ ما الذي يدفع إنساناً إلى هذا الاعتقاد.. قررت أن أسأله عن معتقده.. فلم يرحمني ولم يرحم صغر سني.. إذ بدأ يطرح علي مجموعة من الأسئلة التي تهدف إلى التشكيك في وجود الله وفي البعث وفي القرآن وفي نبوة محمد.. ولم أكن أعرف كيف أجيب عليها.. فعرفت حينها أنه انتصر بسبب
جهلي.. وبسبب ثقتي العمياء من كوني مسلماً من بلاد الحرمين ومهبط الواحي.. وبأني قد درست في المدرسة من المواد الدينية ما نسبته (60%) من مجمل المواد على امتداد اثنتي عشرة سنة.. لم أكن أدري أني كنت حينها مثل أصدقائي.. لا أعلم حتى ماذا يعني دعاء الاستفتاح..!

كانت مثل الصفعة على وجهي.. وسبحان الذي ربط على قلبي بأن جعلني أبحث وأحاول أن أستكشف الدين مرة أخرى.. وأبحر في معانيه وإعجازاته.. فلربما لو كان شخص غيري لانصاع لشبهات هذا الملحد ليكون أحد ضحاياه..
   
ومن هنا بدأت رحلتي صغيراً في عالم البحث والقراءة عن ظاهرة الإلحاد وحقيقة الأديان.. كُنت أريد أن أقنع ذاتي وأرضيها لمعرفة حقيقة الإسلام ولماذا هو الدين الحق؟.. وما هو الفرق بين الإسلام وغيره من الديانات السماوية كالمسيحية واليهودية..؟ ولماذا نُسخت أديانهم بدينٍ جديد..؟
   
  أحببت جدّاً المجال الذي بدأت أقرأ فيه.. وبالفعل تغيرت نظرتي في أمور كثيرة بعدما صرت أقرأ وأكتشف الكتب التي تخاطب العقل وتلبي احتياجاته.. وليس ما اعتدت عليه من كتب الحشو الديني..!

أردت أن أخوض تحدياً آخر في حياتي بأن أتعمق أكثر في مجال البحث عن الأديان وتقصي حقائقها ومشاهدة المناظرات والحوارات التي يقيمها متخصصون ضد أصحاب الديانات الأخرى.. واستمر الحال لأكثر من خمسِ سنين.. وأنا أبحث وأقرأ.. وفي كل مرة أستحضر في رأسي أسئلة ذلك الملحد.. إلى أن توصلت بقناعة كبيرة بديني الذي لم أكن أعرف حتى ماهي أساب صحته غير أنني ولدت عليه..!
    
والحمد لله الذي احتواني إلى أن اختلف الحال.. وأصبحت أسعى لأن أدرك عظمة كل جملة في القرآن الكريم وما تُخفي خلفها من أسرار وإعجاز..
       
وها أنا اليوم وقد جلبت نتاج بحثي وقراءاتي في هذا الكتاب, لأحاول أن أسد بها الثغرات التي يستغلها الملحدون وأصحاب الديانات الأخرى للتمكن من الذين لا يملكون أبجديات الرد..
     
   فإن أصبت فلي أجران.. وإن أخطأت فلي أجر اجتهادي.. وإن أحسنت فبتوفيق الله.. وإن اسأت فمن نفسي والشيطان.. وإن اختلفت معي فاحترم رأيي.. وثق تماماً بأني سأبادلك شعور الاحترام.. وتذكر أننا نهدف جميعاً إلى رفعة كلام الله مهما اختلفنا..
فأنا أقولُ قِيلا.. وأنت تقولُ قِيلا.. ليبقى كلام الله أقومُ قِيلا

أقوم قيلا Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin