الفصل--6

187 17 0
                                    


رحلتي إلى الفاتيكان...
       

لطالما تساءلت كثيراً حول الفاتيكان وبحثت وقرأت عن هذا الصرح المقدس الذي يخفي وراءه تاريخاً وأسراراً وخبايا ودماء وأموراً ما تزال إلى يومنا غامضة! فأسأل نفسي وأقول: كيف أصبح للفاتيكان دولة مستقلة تمتلك هذه السلطة والوجاهة التي تخولها التحكم بالعالم ولم يأمرهم المسيح بذلك؟ وكيف تم تنظيم وتوزيع المهام الدينية بين أكثر من أربعة آلاف أسقف يحكمهم البابا من قصره الذي يحتوي على أكثر من ألف وأربعمئة حجرة ولم يأمرهم المسيح بذلك؟ من أين جاءتهم فكرة التقديس يوم الأحد الذي تقرع فيه الأجراس ويهرع الناس للصلوات ولم يأمرهم المسيح بذلك؟ ومن أين أوهموا أنفسهم بأن يبقى البابا أعزب مدى الحياة ولم يأمرهم المسيح بذلك؟ ومن أين أتوا أصلاً بشعار الصليب وجعلوه رمزاً للديانة المسيحية ولم يأمرهم المسيح بذلك؟ ومن أين أتوا بطقوس الاعتراف وصكوك الغفران ولم يأمرهم المسيح بذلك؟ وإن كانت تعاليم المسيح هي الحب والتسامح والغفران.

والرحمة فكيف يكون تاريخ المسيحين مليئاً بالحقد والعنف والحروب والقتل وإراقة الدماء؟ وإن كانت رسالة المسيح هي المحبة والسلام حيث إنه لم يخض يوماً حرباً ولم يقد جيشاً, فكيف قادت الكنيسة كل هذه الحروب والحملات الصليبية باسمه ومن أجل نشر ديانته؟ هل يُعقل أن يكون للفاتيكان والمسيحين علاقة أصلاً بالمسيح؟!.. هنا يجب أن نرجع بالتاريخ ونعود للوراء حتى نعرف القصة من أولها عسى أن تكتمل الصورة..
       
في بداية دعوة المسيح في فلسطين اصطدمت دعوته ومعتقداته مع معتقدات الدولة الرومانية الوثنية التي كانت تحكمهم آنذاك بقيادة القيصر "بيلاطس" حيث كانت ديانة الرومان تتمثل بعبادة إله الشمس "سول" بينما جاءهم من يدعوهم لعبادة الله, اشتد التصادم بين دعوة المسيح وبين معتقدات الروم إلى أن قرر الروم بالتعاون مع اليهود القضاء على المسيحية, فبدؤوا بالقبض على الرأس الأكبر وهو المسيح, وحكموا عليه بالقتل والصلب.. وما قتلوه وما صلبوه بل رفعه الله إليه.
   
    بعد ذلك بدأت سلسلة التخلص من تلامذة المسيح المعروفين (بالحواريين).. وبالفعل تمكن الروم من قتل ونفي كلٍّ من (بولس ومتّى ويهوذا ويوحنا) بينما استطاع "بطرس" أن يهرب إلى روما في إيطاليا.

        وعندما وصل "بطرس" إلى روما بدأ يدعو إلى الديانة المسيحية بالخفاء والسر, حتى فُضح أمره حيث أمر القيصر "نيرون" بإعدامه, وهذا ما حصل إذ تم قتله وصلبه مقلوباً رأساً على عقب في نفس المكان الذي يُسمى اليوم بساحة القديس بطرس في الفاتيكان, ويُقال بأن قبره موجود تحت كاتدرائية القديس بطرس هناك!
     

   واستمرت بعد ذلك الحرب الرومانية الوثنية على الديانة المسيحية حوالي الـ (300 عام)! طوال هذه السنين وأتباع المسيح يمارسون دينهم بالخفاء, إلى أن تولى "قسطنطين" مقاليد الحكم عام (312م) ليصبح بذلك قيصراً للروم, هنا بدأت نقطة التحول في تاريخ الديانة المسيحية, فبعدما نشب خلاف بين "قسطنطين" و "ماكسينتوس" وشارفت الحرب على أن تقوم بينهما, كان "قسطنطين" يعرف جيداً بأن جيشه سيكون أقل عدداً, لذا جاءته فكرة غريبة! وهي أن يعترف بالمسيحين من شعبه ليشاركوا معه في صفوفه أثناء المعركة, فجمع بذلك المسيحين وقال لهم إنه وحين كان يصلي لإله الشمس "سول" من أجل مساعدته في المعركة القادمة, تفاجأ بظهور صورة المسيح أمامه بجانب إله الشمس, فقال له إله الشمس: بهذا الرمز ستنتصر!! وطبعاً هذا كله كذب ولكنه دهاء سياسي, وبالفعل شارك المسيحيون في المعركة وأمرهم "قسطنطين" بأن يضعوا شعار الصليب على دروعهم وكانت هذه المرة الأولى التي يُعتمد فيها الصليب كرمزٍ للمسيحية, وبعد زحف الجيشين التقوا عند جسر ملفيا شمال روما, وهناك دارت المعركة التي انتصر بها "قسطنطين" انتصاراً كاسحاً لا تزال الكنيسة إلى اليوم تفتخر بهذا الإنجاز الدموي والي تُطلق عليه "الفتح القسطنطيني".

        بعد ذلك أخذ المسيحيون حقوقهم في التدين علناً وخرجوا من قوقعة الخفاء, ولأن "قسطنطين" يريد إرضاء جميع الأطراف (الوثنية والسماوية) أمر بدمج الديانتين, فجعل اليوم المقدس للمسيحين هو يوم الأحد وهو اليوم الذي كان مقدساً لعبادة الشمس سابقاً وهذا سبب تسميته بـ "sun-day ", الأمر الآخر أنه حاول أن يقارب بين إله الشمس "سول" والمسيح في صفاتهما فأعطى المسيح لقب "شمس الحق" ومنحه نفس تاريخ مولد إله الشمس (25 ديسمبر) والذي يُعرف اليوم "بالكريسميس"! وهو بلا شك تاريخ مكذوب لميلاد المسيح, ويتعارض مع ما ورد في إنجيل لوقا الإصحاح الثاني عن ولادة المسيح, حيث يذكر الإنجيل أنه وعند ولادة المسيح كان هنالك رعاة يرعون أغنامهم في الحقل فكيف يكون ذلك في الشتاء؟ ثم جاء القرآن مصدقاً لذلك ومؤكداً أن تاريخ ميلاد المسيح كان في الصيف وذلك فيما جاء في سورة مريم الآية (25) من قول الله لمريم العذراء أثناء مخاضها {وَهُزِّى

إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [سورة مريم آيه 25] ومن المعروف أن الرطب لا ينضج إلا صيفاً.
   
    وبذلك يعتبر "قسطنطين" هو المؤسس الحقيقي للديانة المسيحية بشكلها الحالي, فهو من اتخذ الصليب شعاراً لها وهو من جعل يوم الأحد مقدساً وهو الذي أمر ببناء أول كنسية عام (324م) في الفاتيكان! ليوحّد بذلك الدين ويضمه مع جهاز الدولة, ويكمل بعدها رحلته في نشر المسيحية بحد السيف إلى أن وصل "للقسطنطينية"!

كان كرسي "البابا" ولا يزال من أهم المناصب التي يسعى إليها الأساقفة لما يحويه هذا المنصب من سلطة مطلقة وامتيازات ليس لها مثيل, بل إن جاذبية هذا الكرسي جعلت قدسية الدين تتحول إلى صراعات دنيوية هدفها الوصول لهذا المنصب حتى ولو بالطرق المحرمة, وهذا ما حدث بالفعل في عام (366م) عندما تقاتل الأسقفان "يورسينوس وداماسوس" على لقب البابا, وأحدث ذلك معركة كبيرة بين مؤيديهما ومعارضيهما أمام كنيسة (سانت ماريا ماجورى) وراح ضحيتها ما لا يقل عن مئة قتيل, لينتهي الخلاف بفوز "داماسوس" بالمنصب وفور  توليه  أعطى نفسه لقب "خليفة بطرس المقدس" وجعل من نفسه أسقفاً لروما كلها وتحلى بسلطة وقوة باباوية لم يسبق لها مثيل.

أقوم قيلا Where stories live. Discover now