الفصل --7

153 15 0
                                    


يومّ مع صالح...
       
من طبيعة الإنسان أن يقاوم كل تغيير تجاه أي شيءٍ قد ألفه وتوارثه من والديه وتربى عليه, ويشمل ذلك ما يرثه من ديانة أو معتقدات أو عادات وتقاليد, لذا لن تجد بسهولة من يتقبل فكرة أن يبدل دينه أو معتقداته أو عاداته, وعندما يتعرض هذا الإنسان لصدمات (عقلية) توقظه من ترسبات الماضي, يبدأ رحلته في البحث عن الحقيقة بعد أن صار خصيم عقله, فيظل حبيساً لحربٍ نفسية يخوضها ضد نفسه, محاولاً أن يجمع بين ما توارثه من نقل وبين ما اكتشفه بالعقل... والبطل هو غالباً من يستسلم لعقله..
      
جميعنا تعرضنا لمثل هذه الحرب العقلية مع أنفسنا ولو كان بشكلٍ مصغّر, فتجد فينا من يقف حائراً أمام أي قضيةٍ ما, ويبحث فيها عمّا يصل به إلى قناعة شخصية تتفق مع ما يعقله, وأنا شخصيّاً لا أصف من تختلف آراؤه مع تقدم الأيام "بالتناقض".. بل إني أعلم جيداً بأنه بحث وتأمل أكثر فوجد أن ما يلبي احتياج عقله في الفهم أمرٌ مغاير لما كان يعتقده في الماضي..

واجهت في حياتي كثيرين ممن بدلوا قناعات سابقة لهم إما على صعيد العادات أو المعتقدات أو حتى الأديان, وهذا حق مشروع للإنسان, بل أن التغيير يرتقي أحياناً لأن يكون مطلباً ربانيّاً ويتجلى ذلك في قول الله {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [سورة الرعد آيه 11] .. وتبقى الشجاعة في اتخاذك لقرار التغيير أمراً خاصّاً بك.
       
لم أرَ في حياتي رجلاً مثل "صالح".. فهذا المواطن الأمريكي استطاع أن يغير قناعاته بحثاً عن الحقيقة لثلاث مرات مختلفة, في كل مرة تحدث مستجدات تساهم في تنوير عقله في سعيه وراء الحقيقة التي يطمئن قلبه لها.

       اسمه الحقيقي "كريج" وقد وُلِد من عائلة تدين بالديانة المسيحية, فاصطدم اثناء إبحاره مع عقله بعدة إشكالات لم تخوله أن يكمل في الديانة المسيحية فانتقل بعدها إلى الإلحاد فترة من الفترات, وما أن اكتشف عقله حقائق أخرى حتى آمن بوجود إله ولكنه قرر أن يكون لا دينيّاً, وما هي إلا برهة من الزمن حتى قاده عقله أخيراً إلى اعتناق ديانة من الديانات الموجودة.. ولكنه اختار أن تكون عودته للأديان باعتناق دين (الإسلام)..
      

وبالتأكيد أن رحلة التنقلات العديدة التي قام بها "صالح" تتخللها   حقائق وأمور كثيرة, ولربما أن الخوض في تفاصيل هذه  التجربة سيتيح للآخرين الاستفادة منها, خصوصاً أن من قام بها شخص باحث عن الحقيقة, وقد سعى لذلك بكل جدية وحيادية, بل وكان يفخر بكونه يملك جرأة وشجاعة لا يملكها الكثير من الناس, ألا وهي جرأة البحث في حقيقة أمورٍ مقدسة, وشجاعة اتخاذ القرار في التغيير وفقاً لقناعاته.

        سمعت بقصة "صالح" لأول مرة عن طريق صديقي "عبد العزيز" حيث كنت في أحد مقاهي الرياض أتحدث معه عن الأديان كعادتي دائماً, فذكر لي "عبد العزيز" أن التقى مصادفةً في محل لبيع الدونات برجل أمريكي كبيرٍ في السن, فقرر الحديث معه وملاطفته كونه يريد أن يمارس لغته الإنجليزية, فطال الحديث بينهما ليكتشف "عبد العزيز" أن هذا الرجل الأمريكي مسلم الديانة وقد اعتنق الإسلام قبل ثلاثين عاماً وأنه يتحدث القليل من اللغة العربية, وأنه يتردد بصفة مستمرة بزياراته للمملكة العربية السعودية وذلك للإشراف على بعض أنشطته التجارية في بيع وشراء التمور.
      
اقترح "عبد العزيز" على أن أقابله لأسأله عن تجربته وسبب تحوله من ديانة إلى أخرى, لم أكن وقتها أعلم بأن تنقلاته بين  المعتقدات والأديان كانت لأكثر من مرة, ولكن وافقت بسرعة على هذا العرض, فاتصل "عبد العزيز" به وأخبره بأننا قادمان لزيارته للتعارف أكثر, فرحب بنا وأخبرنا بأنه يجلس في نفس المقهى الذي يوجد به دائماً للقراءة, فركبنا السيارة وانطلقنا لمقابلته.
  
     وصلنا للموقع المحدد, وفور دخولنا المقهى وجدنا "صالح" يجلس في الركن ممسكاً بكتاب ويقرأ بهدوء, قدّمت نفسي له فرحب بنا بحفاوة, ودعانا للجلوس معه وعرض علينا شرب القهوة.
       
أردت بدء الحديث معه فقلت له: "ما شاء الله.. هل لي أن أعرف ماذا تقرأ؟" كان جوابه مفاجئاً لي إذ قال: "أقرأ كتاب The Heart of Islam".. قلت له: "أنت مسلم إذاً؟" قال لي وهو يضحك: "نعم أنا مسلم قبلك وقبل أن تولد".
 
      أخبرته بأني أحب البحث عن الأديان والمعتقدات وبأني أتوق إلى معرفة السر الذي جعله يتحول من المسيحية إلى الإسلام, بدأ "صالح" حديثه وأخبرني بأنه لم يتحول من المسيحية مباشرة إلى الإسلام, بل مر بتحولات أخرى قبل أن يصبح مسلماً, حيث كان ملحداً ومن ثم لا دينيّاً.

أقوم قيلا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن