"7

125 15 0
                                    


   يقول "صالح" إن عالم الإلحاد لم يكن بعيداً بخرافاته وأكاذيب علمائه عما كان يحدث له في المسيحية, فالملحدون يزعمون دائماً أن سبب إلحادهم هم "العلم" الذي قضى على الدين!! فيأتون بنظريات يخجل العقل من تصديقها حتى وإن كان العلم يباركها, فتجدهم يرفضون فكرة وجود خالق لهذا الكون ثم يأتون بنظرية بديلة اسمها نظرية التطور, ثم تجد أن العلم نفسه هو من ينسف نظرية التطور عند دراسة طبيعة الجينيوم البشري واستحالة تطوره وفقاً لهذه النظرية الغريبة! ثم تجد بعضهم يقولون إن الكون تكون من الانفجار الكبير الذي نتج عنه طاقة.. ولست أدري كيف يبررون أن أجسادنا وأجساد المخلوقات المادية تكونت من طاقة فقط؟ فإذا سألتهم وقلت لهم: كيف حدث هذا الانفجار العظيم إذاً؟ فلا بد من توفر كافة المواد المؤهلة لمثل هذا الانفجار! فكيف أتت هذه المواد المتفجرة ومن جعلها تتفاعل بعضها مع بعض؟ قالوا بأن ذلك ناتج عن قوة مجهولة ساهمت في إحداث هذا الانفجار!!.. لا مشكلة لدي في قبول نظرية الانفجار الكبير كبداية لخلق الكون ولكني لا أعلم لماذا يكابرون في تفسير هذه القوة المجهولة على أنها الخالق..؟!
  
     ثم يأتي علماء الفيزياء بنظرية غريبة مثل نظرية one-electron universe theory والتي تقول إن الكون كله يتكون من إلكترون واحد يتخبط بين جدارين وهميين فيتم قبول هذه النظرية رغم أن تصديقها يعد خرافة أكبر من تصديق فكرة وجود خالق!
  
     يزعم هذا العلم دائماً أنه توصل إلى حلٍّ لجميع الألغاز وفك لجميع الطلاسم واستحضر جميع الأدلة التي تثبت أن الكون جاء مصادفة, رغم أن العلم الذي يتغنى به الملحدون لم يتمكن حتى هذه اللحظة من التوصل لمعرفة أسباب (تثاؤب) الإنسان فضلاً عن أن يتوصل لمعرفة حقيقة الخالق!
     
  فعقلي الذي لطالما كان خصيمي والذي وقف معي كثيراً في رحلتي للبحث عن الحقيقة لم يقضِ حاجته في الإلحاد, فكل الشواهد من حولي تخبرني بأن هنالك خالقاً, لا يمكن أن يوجد أي
شيء من المصادفة, وليس لنا أن نطلب التفسير لنوهم أنفسنا بأن تساؤلنا في محله, فتجدنا نقول: لو كان هنالك خالق فمن خلق الخالق ونطلب تفسيراً لذلك, ومن ثم نقول: ومن خلق الذي خلق الخالق؟ ومن خلق الذي خلق الذي خلق الخالق؟, والعلم نفسه هو أول من يقف في وجه المطالبة بتفسير للتفسير لأن ذلك سينافي جميع النظريات والحقائق العلمية, ويجعل كل شيء يدخل في دوامة لا بداية لها ولا نهاية.
   
    فقررت أن أُخفف من انتكاستي على ما كان يحصل لي جراء تديني بالمسيحية, وأصبحت "لا دينيّاً".. فأنا على يقين بوجود خالق لهذا الكون ولكني فضّلت أن لا أدين له بأي ديانة, وأنا أعترف بأن ذلك كان جهلاً مني, نظراً لأني لم أكن أعرف أي شيء عن الديانات الأخرى وظننت أنها لا تختلف عن الديانة المسيحية..!
  
     تغيرت نظرتي بلا شك قبل ثلاثين عاماً وذلك عند زيارتي للمملكة العربية السعودية من أجل أن أعمل فيها, وهنا اختلطت بالثقافة العربية وأحببتها كثيراً, وقررت أن أخوض بها أكثر وأتعلم منها ما يسعني أن أتعلمه.
    
  تعرفت قليلاً على ديانة الإسلام وعرفت لأول مرة أنه ليس ديناً مستقلًّا, بل يرتبط بعلاقة وثيقة بديانتي المسيحية السابقة وذلك  حسب ما عرفته من المسلمين عن إيمانهم بعيسى وموسى وآدم وبغالبية قصص الأنبياء المذكورة لدى المسيحين في الإنجيل, بالفعل بهرني وجود صلة بين اليهودية والمسيحية والإسلام, ولكني لم أتحمس لفكرة التعرف أكثر على الدين الإسلامي حيث ظننته نسخة معرّبة للمسيحية, فطالما أن جميع القصص المذكورة فيه متشابهة فذلك يعني أن الإسلام لم يأتِ بشيء جديد يستطيع أن يوفر لي إجابات مناسبة على تساؤلاتي التي واجهتها في المسيحية.
    
   وفي أحد الأيام شاء الله أن يقع في يدي كتاب دعوي لغير المسلمين, وكان مضمونه عن حقيقة صلب المسيح! هنا أدركت أن هنالك شيئاً مختلفاً في النهج الإسلامي, فالمسلمون لا يدينون بأن المسيح قد صُلب وقُتل! بل إنهم لا يدينون أيضاً بأن المسيح رب أو ابنٌ لله! وإنما مجرد نبي ورسول مثله مثل إبراهيم وموسى!
    
   دفعني فضولي بعدما عرفت أن هنالك اختلافاً في الدين الإسلامي إلى أن أقرأ وأتعمق أكثر, وبحثت عن الحقيقة بكل حيادية, كانت أسئلتي السابقة التي فشلت في الحصول على أجوبة عليها من المسيحية والإلحاد لا تزال عالقة في ذهني, وكنت في كل مرة أقرأ وأتعمق في حقيقة الإسلام والقرآن, أزداد يقيناً وعلماً بأن هنالك إشارات توحي لي بأن تساؤلاتي لها إجابات في هذا الدين.
     
  فبمجرد معرفتي أن الخالق في الدين الإسلامي, لا تدركه الأبصار ولم يتخذ ولداً وهيئته غير معروفة وليست على هيئة البشر, وبأنه واحدٌ لا شريك له يعلم الغيب ولا يضل ولا ينسى, هنا أدركت أن هنالك ما يجذبني إلى هذا الدين, ففكرة الخالق التي رفضتها في البداية عندما كنت مسيحيّاً وذلك لأن تعاليم ديني السابق تخبرني بأن الخالق ينام ويندم ويتخذ له ولداً وله هيئة بشر ولا يعلم الغيب ويتجسد في ثلاثة أشكال مختلفة لم ترتقِ لقناعتي, فوجدت هنا ما يناقضها ويدحضها وينزه الخالق عنها, فالخالق يجب أن يكون كما يذكره الإسلام وهذا كان أول المحفزات لي لتقبل فكرة الدين الإسلامي على أنه دين مختلف ومصدره سماوي.
  
     وبعد تعمقي أكثر بقراءة القرآن لم أتردد في اعتناق الدين الإسلامي, فقد وجدت فيه ما يكفي عقلي ليجعله على قناعه بأن الدين لا يخالف العقل, وها أنا ذا أمامكما, رغم أني شخص كثير البحث والتغيير, ومرن جدّاً في التعامل مع أي مستجدات أو تغييرات تطرأ على فكري, إلا أنني توقفت في رحلتي وراء البحث عن الحقيقة عند الدين الإسلامي, ولا أزال مسلماً منذ أكثر من ثلاثين عاماً, وهي أطول مدة مرت علي وأنا أعتنق فيها فكراً أو ديناً دون تغيير, فجميع ما أواجه من مستجدات وشبهات أجد لها جواباً شافياً في دين الإسلام, وها أنا مرتاح البال ولم أعد أعاني من ذلك الصراع الداخلي بيني وبين نفسي لدرجة أني أخترت "صالحاً"اسماً لي,
فأنا اليوم صالحٌ في بدني وعقلي, ولم أعد ذلك التائه الذي يصارع شتى أنواع الخراب النفسي.. نعم.. كنت أبحث دائماً عن الحقيقة.. ولكني الآن أقول بملء قناعتي بأنني وجدتها.."

        وهنا انتهى نقاشي الديني مع أخي "صالح", وتبادلنا أرقام الهواتف متأملين في لقاءاتٍ أخرى.. كانت تجربتي في سماع قصته الشائقة عن تنقلاته الفكرية والعقائدية ملهمة جدّاً بالنسبي لي, هذا الرجل وغيره يجعلنا نتساءل دائماً ونقول: لم لا نقدر نعمة الحقيقة التي ولدنا عليها ونبحر في تدبيرها أكثر من مجرد توارثها..؟

.......تم الفصل 7......

أقوم قيلا Where stories live. Discover now