.ت.

490 32 1
                                    


مسكينٌ أنت أيها العلم, لقد أصبحت شمّاعة وكبشاً للفداء وكل ذلك في سبيل الغرور والمكابرة في الاعتراف بوجود (خالق لهذا الكون) وكأني أرى حين أنظر إلى الملحدين صورة الفيلسوف البريطاني "أنطوني فلو", الذي كتب ما يزيد على ثلاثين كتاباً عن الإلحاد ومحاربة فكرة وجود خالق خلال خمسين عاماً من الغرور والمكابرة وكان يعد من كبار الملحدين إلا أنه وقبيل وفاته أصدر كتاباً بمثابة الصدمة لجميع أنصاره حيث نسخ ذلك الكتاب كل ما كتبه خلال الخمسين عاماً عن الإلحاد وكان عنوان كتابه الأخير (هنالك إله) ويقول عن نفسه إنه بعد تمحيص وتدبر بالأدلة الكونية آمن بوجود خالق لهذا الكون واقتنع باستحالة أن يتكون أي أمر من العدم.
  

     وقد تواجه في حياتك أنواعاً أخرى من الملحدين الذين يمتهنون فن التشكيك, فهم يعلمون بأن تمسكهم بنظرية يزعمون أنها علمية لا يكفي في النقاش بل سيجعلهم ذلك الحلقة الأضعف فيما لو كان الطرف الآخر في النقاش ملمّاً بتفاصيل علمية تنقض
نظريات التطور وغيرها, فتكون سياسة هذا النوع من الملحدين هي بطرح الأسئلة التي لا يستطيع المتدين أن يجيب عليها نظراً لأن الملحد ليس لديه سقف أعلى للتساؤلات, بينما المتدين خاضع لحدود إيمانه فيظن الملحد أنه بذلك انتصر في النقاش حين يسأل المتدين مثلاً "إذا كان الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ ومن أين جاء الله؟ وكيف يمكن أيبعث الميت من جديد؟ وكيف و كيف و كيف"..؟ ويستمر في طرح الأسئلة التي تعطيه نشوة الانتصار وهو في الحقيقة يخدع نفسه ويذكرني بالدجاجة التي قدر الله لها عقلاً يتناسب معها ويكفل لها معرفتها بأمور حياتها مثل الأكل والشرب وبناء العش والعناية بالبيض ولكن هذه الدجاجة تصر أن تعرف – بعقلها المحدود – كم هو حاصل ضرب العدد (2x2) وحين لم تتمكن من أن تعرف الإجابة – بعقلها المحدود – قررت أن تُلحد بعلم الجبر والحساب.
  

     كذلك هو ذلك المشكك والذي ظن أن عقله المحدود وعلمه القليل من المفترض أن يعرف جميع الأمور التي تفوق قدرات عقله فإن لم يستطع عقله معرفة ذلك, فهذا يعني أن المور التي تفوق قدرات عقله غير موجودة وتستحق أن يلحد بها!
 

      بل إن من يتمعن في أسئلتهم المطروحة سيرى فيها كمية هائلة
ن التخبطات والتناقضات, فتجد أن من يسألون دائماً من خلق الخالق؟ هم أول من يقعون في فخ التناقض وذلك حين يعترفون بسؤالهم أن الله هو الخالق ثم يسألون من خلق الخالق ليجعلوا بذلك الخالق مخلوقاً! ومن التناقضات أيضاً قولهم باستحالة حدوث عملية بعث للمواد الفانية والميتة وفي الطبيعة وهم يرون بأعينهم وفي الطبيعة نفسها كيف تموت الأشجار وسائر النباتات ثم تعود للحياة من جديد وهذا مثال مصغر لعملية البعث يثبت واقعية حدوثه وقد أشار القرآن إلى عملية إحياء الموتى في الطبيعة وفي سورة فاطر {وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَحَ فَتُثِرُ سَحَابَاً فَسُقْنَهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [سورة فاطر آية 9].
    
   شخصيّاً أومن كثيراً بأن داخل كل ملحد مؤمناً صغيراً يحاول جاهداً أن يكبر مشّكلاً صراعاً في داخل عقلية ذلك الملحد فإما أن يكبر ويسيطر على عقل صاحبه أو أن يغرق ويظل حبيساً للغرور والتكبر, مما لا شك فيه أن التفكر والشك في الكون وخالق الكون أمرٌ صحيٌّ إذا كان المتشكك مخلصاً في البحث عن الحقيقة مع ذاته وبكل هدوء لمعرفتها, فهو بذلك وعندما يصل إلى الحقيقة يعود إلى الإيمان بوجود خالق بشكلٍ أكبر وأكثر ثباتاً من قبل لذا غالباً ما تجد أن من عادوا من الإلحاد إلى الإيمان هم أكثر من حاربوا الإلحاد بعد ذلك ونشروا ضده العديد من الكتب والمقالات, بينما الأمر

الذي لا أراه صحيّاً على الإطلاق هو إعلان أي ملحد الحرب على المؤمنين ومناهضة الأديان والاستبسال في دحض وجود الله وكأنه جعل من موضوع إلحاده وسيلة تجارية لا علاقة لها بالبحث عن الحقيقة, فتجد في أسلوبه الكثير من التعالي, والادعاء بأنه حليف العلم وبأن المؤمنين متخلفون ويتبعون الخرافات وكأنه يستند على حقيقة علمية تبيح له اتهام عقول المؤمنين بالانتقاص! أو كأن المؤمنين ليس بينهم علماء وأطباء وفلكيون وغيرهم حتى يشعرك بأن العلم كله في صفه بينما كل ما لديه هو مجرد نظريات لم ترتقِ حتى لأن تكون ثابته علميّاً وما زالت في بحر التنظير وفي طور التخريف, وهذا النوع من الحرب على المتدينين هو ما يؤكد وجود حرقة وحسد في نفوس الملحدين تدفعهم للنيل ممن فازوا بعقولهم وآمنوا بوجود خالق بينما بقواهم غارقين في وحل الغرور والتكبر يبحثون عن ما يسعفون به فكرهم وحين شعروا بالإفلاس استبسلوا بالحرب على الله والأديان لعلهم في ذلك يعوضون ما في داخلهم من خواء وفراغ لم يملأه لهم تسبيحهم بحمد الطبيعة.
     
  فسبحان الطبيعة حسب نظرهم, نعم سبحان الطبيعة فهي من خلقت كوناً وكواكب ونجوماً وشمساً وقمراً وأرضاً من العدم, وجعلت الأرض تدور حول نفسها ليكون لها نصيبٌ من شروق الشمس وغروبها وجعلت الأرض تستفيد من شروق الشمس بعمليات تبخر المياه لتشكيل الأمطار وعمليات البناء الضوئي ليعيش النبات ويكتظ بالثمر وجعلت من الشمس نوراً يضيء الأرض ويغذيها بالطاقة ويساهم في تكون فيتامين دال, وسبحان الطبيعة التي وضعت الشمس بمسافة دقيقة جداً بحيث لو تم تقريبها بضعة كيلوات لاحترقت الأرض ومن فيها, كم هي حنونٌ تلك الطبيعة وحريصة جدّاً على أن يعيش الناس على أتم حال.
     

تخيل معي أن الليل دائم أو أن النهار دائم فكيف ستكون الحياة على وجه الأرض؟ وكيف عرفت الطبيعة من ذاتها أن الحياة لن تستقيم بهذا الشكل فقررت أن تجعل الأرض تدور حول نفسها ليتغير حال الليل والنهار ثم تخيل معي أن العام كله صيفٌ أو شتاءٌ فهل ستستقيم الحياة؟ فسبحان الطبيعة الحنون التي جعلت الأرض تدور حول الشمس محدثةً الفصول الأربعة وملبية بذلك احتياجات الأرض المختلفة من كل فصل وموسم.
  
     وسبحان الطبيعة التي خلقت الإنسان من العدم وحرصت كل الحرص على أن يتكاثر نسله فقامت بتجهيز أعضاء وجهاز تناسلي للذكر والأنثى وجعلت كل جهاز مكمل للآخر من أجل عملية الإنجاب ومصمم بشكل متقن ليليق بتحقيق ذلك الكمال ووفرت للجنين في رحم أمه جميع سبل العيش, وسبحان الطبيعة التي جعلت للإنسان عينين فهي حريصة جدّاً على أن يرى جمالها ويشكرها على كل ما قدمته له بمصادفتها وعفويتها, وسبحان الطبيعة التي جعلت للإنسان جهازاً تنفسيّاً ووفرت له الأكسجين على الأرض ليستنشقه ويحيا به ومن ثم أعطتهُ جهازاً هضميّاً حتى يخرج الفضلات الضارة من جسده وكليتين تعملان كالمصفاة التي تنقي جسمه من السموم والأملاح, كم هي حريصة تلك المصادفة على أن يعيش الإنسان بكامل الأريحية, فوفرت له المياه والأكل وأنزلت له المطر وأنبتت له الشجر وسخرت له الدواب وسائر المخلوقات وأعطته الأسنان ليقطع بها الأكل وأهدته السمع والبصر ليسهل عليه التواصل مع الآخرين ولساناً ليتحدث ويتذوق به وصوتاً لنسمعه من خلاله وجعلته ينام ليرتاح ويريح دماغه الذي يتخلله من مراكز كثيرة تعمل وكأنها غرفة تحكم بقيادة الجسم أبرزها مركز الذاكرة في الدماغ, فسبحان الطبيعة التي وفرت للإنسان حتى ذاكرة يستطيع من خلالها تخزين ذكرياته السعيدة والتعيسة وسبحان الطبيعة التي جعلت لكل إنسان بصمته الخاصة به وحمضه النووي حتى لا يختلط مع الآخرين, بالفعل يا لها من مصادفة عظيمة أن تكون الطبيعة بهذه الحنية والرحمة!! يحتاج الملحد قليلاً من التفكر والتدبر لتصبح الجملة (سبحان الله).

أقوم قيلا Where stories live. Discover now