5"

186 15 0
                                    


  أولاً: سأبدأ بما يشاع عنه أنه خطأ علمي في سورة الكهف عن مكان غياب الشمس في قول الله {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [سورة الكهف آيه 86] وحتى نوضح المعنى بهذه الآية يجب علينا التفريق أثناء الاستدلال من القرآن بين الآيات التي يذكرها الله نقلاً عن أشخاص وبين الآيات التي يذكرها الله بنفسه.
  
     تجدون اليوم الكثير ممن يستشهدون بـ {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [سورة يوسف آيه 28] قدحاً في النساء دون الإشارة إلى أن الله ذكر الآية نقلاً عن لسان عزيز مصر, وقصة النبي موسى مع فتاة ستوضح ما أعنيه, فقد ذكر الله في القرآن في قصة فتى موسى إذ نسيا حوتهما على شكلين, حيث قال المرة الأولى عن الحوت {فَتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} [سورة الكهف 61] ثم قال في المرة الثانية {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} [سورة الكهف 63], حين ذكر الله {سَرَبًا} كانت من عنده سبحانه لأنه يعلم كيف تسرب الحوت إلى الماء من جديد, بينما {عَجَبًا} كانت نقلاً عن لسان فتى موسى لأنه بشر  أنه اعجب من ذلك, فالتفريق هنا بين الرؤية الربانية وبين النقل الرباني عن رؤية أشخاص مهم جدّاً وأهميته تكمن في أننا قد نسيء إلى الذات الإلهية لو لم نأخذ التفريق بعين الاعتبار وذلك بأننا قد نجعل الله هو من تعجب من عود الحوت إلى الماء وهذا فيه انتقاص لله سبحانه وهو عالم الغيب فكيف نجعله يتعجب؟ وهذا ما سيوضح لنا ما فهمه من يقولون بأن القرآن فيه خطأ فلكي عن مغيب الشمس في قصة "ذي القرنين" لأنهم بكل بساطة لم يفرّقوا بين الرؤية الربانية وبين ما نقله الله عن رؤية أشخاص, حيث ذكر الله في قصة ذي القرنين قوله {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنً حَمِئَةٍ} ولاحظ قوله {وَجَدَهَا} بمعنى أن الله لم يقدم هنا أي حقيقة علمية من رؤيته الربانية وإنما ما ذكره هو الكيفية التي وجد بها ذو القرنين الشمس بمرأى عينيه, حيث اشتهر عند العرب قديماً وغيرهم من الشعوب عن وصفهم لغروب الشمس من منظورهم البشري فتارة يقولون غربت الشمس خلف الجبل وتارة وسط البحر وخلف الأشجار تارة أخرى.
    
   ولكن دعونا نرَ في القرآن الحقائق العلمية التي قدمها الله من منظوره الرباني عن غروب الشمس والتي لا نعلم لماذا غض هؤلاء النظر عنها, إذ يقول الله في سورة الرحمن {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [سورة الرحمن آيه 17] وهنا يتحدث الله من منظوره 
الرباني معلناً عن إعجازٍ علمي لغروب الشمس حيث إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ذكر أن للشمس مغربين بل وذكر في آية أخرى أن لها (مغارب) في قوله {فَلَآ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَرِقِ والْمَغَرِبِ إِنَّا لَقَدِرُونَ} [سورة المعارج آيه 40] وهذه الحقيقة العلمية لم يتوصل لها أحد إلا بعد القرآن, والمقصود بالمشرقين والمغربين هو ما أكده علم الفلك من أن الشمس دائمة الشروق وأن دوران الأرض حول نفسها هو المسؤول عن عملية الشروق والغروب, حيث إن غروب الشمس لدينا يعني شروقها في نصف الأرض الآخر وغروبها هناك يعني شروقها لدينا وبالتالي هي دائمة الشروق على الأرض ودائمة الغروب في مشرقين ومغربين مختلفين, وأما المشارق والمغارب فقد ذكر الله ما أثبته العلم عن اختلاف مواقع شروق الشمس وغروبها خلال العام الواحد وذلك نتيجة لدوران الأرض حول الشمس فيكون لكل فصل من فصول السنة الأربعة درجة ميلان لشروق الشمس فيه, وهنا يتجلى الفرق الكبير بين حقيقة غروب الشمس وشروقها من منظور الله العظيم وبين ذكره الله من منظور ومعتقد "ذي القرنين".. ولكنها الانتقائية لمن أوهموا أنفسهم بوجود مثل هذا الخطأ.

أقوم قيلا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن