ت

309 27 0
                                    


أن أول ما حدث لآدم وحواء بعد أن أكلا من هذه الشجرة هو أنها أدركا بأن أجسادهما عارية(1) وبأن هذا الأمر سيء فسارعا بتغطية أجسادهما بالأوراق رغم أنهما كانا يعيشان فترة طويلة وهما عاريان قبل الأكل من الشجرة ولكن دون تمييز بين الخير والشر والجميل والقبيح {فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ     }     [سورة طه آية 121] ومن هنا كانت البداية وبعد إدراك آدم الخير والشر جاء الأمر الإلهي لآدم بالهبوط من الجنة {اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة آية 38] فبعد أن عصى ربه بأكل الثمرة عاقبه الله على العصيان ولكن قدر الله له ذلك حتى يبدأ آدم بالشروع في الطاعة وتلبية الرغبة الربانية في خلق الإنسان من أجل العبادة ومجاهدة الشيطان على ذلك لمن أراد أن يسكن في الجنة "الحقيقة التي أعدها الله للمتقين يوم القيامة" وهو اليوم الذي سينتهي فيه الصراع بين الخير والشر وسينتهي دور إبليس والحكمة الربانية من الإطالة بعمره إلى هذا اليوم.
      
ـــــــــــــــــــــــــ
1__اختلف العلماء في تفسير قول الله(يَنزعُ عَنْهُمَا لِبِاسَهُمَا) ولم يشترطوا أن يكون اللباس مادي فمنهم من قال النور والظفر ومنهم من قال لباس التقوى.
_______

لقد كتبت سابقاً جملة "الجنة الحقيقة" عن قصد وذلك حتى أميز بين الجنة التي أسكن الله فيها آدم وحواء وبين الجنة التي وعد الله بها المتقين يوم القيامة فهناك خلاف علمي عن الجنتين ولا يوجد
نصوص شرعية تفيد بشكل صريح أن الجنة التي أسكن الله فيها آدم هي نفسها جنة الفردوس, بل إن النصوص الشرعية تدعم أصحاب الرأي الذي يقول إن جنة آدم ليست في السماء وإنما في الأرض أي إن آدم كان في الأرض منذ بداية الخلق أما قول الله لآدم وحواء {اهْبِطُوا مِنْهَا} فلا يعني بالضرورة أن يكون المعنى النزول من السماء إلى الأرض, فالله سبحانه استخدم نفس الكلمة في موضع آخر إذ قال {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ} [سورة البقرة آية 61] أي اذهبوا وكذلك قول الله { َ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنا َ} [سورة هود آية 48], أما استخدام الله للفظ جنة فهو وارد في القرآن وبمواضع كثيره كقصة الذي {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [سورة الكهف 35] فالمصطلحات القرآنية مثل (الهبوط والجنة) لا تعني بالضرورة أن آدم كان في الجنة التي أعدها الله للمتقين يوم القيامة وإنما جائز أن تكون الجنة في الأرض نفسها والتي قال الله عنها منذ البداية إنه سيجعل فيها خليفة وقال عنها أيضاً {مِنْهَا خَلَقْنَكُمْ وَ فِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه آية 55] وأيضاً قال {وَالَّلهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح آية 17].
   
  أما غير ذلك من الدلائل العقلية على أن جنة آدم تختلف عن جنة الآخرة فكثيرة, لعل أبرزها أن إبليس استطاع أن يدخل الجنة ليوسوس لآدم بعدما طرده الله منها وحرّمها عليه من قبل حين رفض أن يسجد {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهِا فَمِا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّغِرِينَ} [سورة الأعراف آية 13] لذلك دخوله مره ثانية يعني أنه اخترق أمراً إلهيّاً إذا افترضنا أن آدم كان في جنة الآخرة عندما وسوس له وهذا مما يزيد قوة فرضية أن تكون الجنة التي وسوس فيها إبليس لآدم مختلفة وموجودة في الأرض, الأمر الآخر أن إبليس استطاع أن يوسوس لآدم بأمور دنيوية لا تليق بمن سكن الجنة, فمن يدخل الجنة لن يكون لديه احتياجات مثل البحث عن المال أو الخلود, فلا حاجة للإنسان بالمال وهو في الجنة ولا حاجة له للبحث عن الخلود لأن الجنة ليس بها موت, بينما آدم أكل من الشجرة لأنه صدّق إبليس في البحث عن العمر المديد والمال العديد حين قال له {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكً لَّا يَبْلَى} [سورة طه آية 12] وأيضاً قول إبليس لهما {مَا نَهَكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونِا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَلِدِينَ} [سورة الأعراف آية 20]  وفي هذه الوسوسة استرسال أيضاً في عرض أمور ليست من اهتمامات وحوائج إنسان في داخل الجنة وهو يملك كل الأموال من حوله ويعيش فيها خالداً إلى الأبد, ولكن تبقى المسألة عن جنة آدم محطّاً للخلاف والنقاش بين العلماء في تحديد ماهيتها إلا أن ماهية إبليس نفسه لا تقبل النقاش, فهو شخصية ترمز إلى الشر, بدأ دورها عندما استطاع الإنسان أن يميز بين الخير والشر بعد أن أكل من الشجرة, ليتم تكليفه بعد ذلك بمسؤولية خلافة الأرض وعبادة الله...

تم الفصل الثاني

أقوم قيلا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن