8'

155 13 0
                                    


نعم هما قارتان مختلفتان لحضارتين مختلفتين لديانتين مختلفتين أيضاً.. ولكن الإنسانية واحدة مهما كان الاختلاف, هي شعور فطري يولد مع الإنسان في أي مكان وزمان.. فإن تم نزعه من إنسان لابد من البحث عن الأسباب وراء ذلك..

       بحثت وأنا أقول لنفسي بأني أريد أن أعرف السر الحقيقي وراء ذلك.. ما هو السر الذي جعل المرأة في "أوروبا" منبوذة وممنوعة من العمل بينما كانت في عصر الإسلام تعمل وتبيع وتشتري مثل "خديجة بنت خويلد"؟ وما الذي جعل المرأة ممنوعة في "أوروبا" من الكتابة والشعر والمشاركات الفنية بينما تجد منهن عند المسلمين شاعرات وكاتبات "كالخنساء وليلى الأخيلية"؟  ولماذا اكنت المرأة تُمنع في "أوروبا" من التعليم بينما كانت في عصر الإسلام هي من تعلّم الناس في أمور حياتهم ودينهم مثل "عائشة بنت أبي بكر"؟ ولماذا كانت المرأة رخيصة ليس لها قيمة في أعين الناس من حولها في "أوروبا" بينما تجدها سيدة عند المسلمين ولها كلمة على قومها "كهند بنت عتبة"؟ بل تجد نساء المسلمين قد بلغن حتى المناصب العليا في عملهن كوزيرة الحسبة "الشفاء العدوية القرشية" في الوقت الذي تُباع به النساء في أوروبا مقابل المعزات والحمير..!

       السبب هو سطوة المتدينين في "أوروبا" بأفكار دينهم البائسة تجاه المرأة, والتي تصور لهم النساء على أنهن ملعونات ومن الشيطان وأن المرأة تابعة للرجل ولا يحق لها الحديث أو التعلّم أو العمل أو امتلاك المال.. أو حتى المشاركة بصوتها في مختلف أمور الحياة..

       يمكننا القول بأن سبب التخلف في "أوروبا" كان نابعاً من المعتقدات الدينية, وأن ما تعرضت له المرأة من تخلف وجهل كان من مهام الكنيسة والكهّان آنذاك وبمباركة ما حرفوه في إنجيلهم عم المرأة المسكينة, ليجعلوها بهذا الشكل المخزي والمقزز..!

       وبما أن سلطة الدين أعلى من سلطة الإنسانية.. فقد ظن الناس أن ما يطبقونه من تعاليم المتدينين والكهان هو مطلبٌ رباني.. وسيقودهم ما فعلوه إلى الجنة, لذا نُزعت من أنفسهم الإنسانية وأصبحوا يحتسبون الأجر جراء أفعالهم الشنيعة تلك.

       وإذا سلمنا أن السبب في ذل المرأة الأوروبية كان دينيّاً, فيعني ذلك أن السبب في نصرة المرأة لدى العرب ديني أيضاً, خصوصاً إذا ما قارنا بين حال المرأة بعد الإسلام وحالها قبل الإسلام في الجاهلية, وتحديداً فيما كانت تتعرض له من ذل ووأد وانتقاص.. نستطيع أن نلخص فكرتنا بأن النقلة النوعية في تاريخ المرأة كانت بفضل الله بعدم قدوم الإسلام.. فهذه المكانة للمرأة المسلمة لم تُمنح للنساء في الجاهلية ولا للنساء في مختلف الأوطان والديانات..! إلا بعد أن تنازل الأوروبيون عن تعاليم دينهم واقتنعوا بأنه لا يكفل لهم العيش بحرية وكرامة, فاستبدلوا به القوانين الوضعية التي تحكمهم إلى يومنا هذا..

       من المفترض أن يكون حال المرأة في عصرنا الحالي قد اختلف في بلدان أوروبا عن الماضي, وهذا ما يعتقده أي إنسان.. وذلك نظراً لتخلص تلك البلدان من سطوة الدين واعتمادهم على القوانين الوضعية التي تتخللها "حقوق خاصة للمرأة" لحمايتها والدفاع عن حريتها.. إلا أني أتفاجأ في سفري للبلدان الأوروبية وغيرها من المناظر التي أشاهدها!! أعتقد أن هنالك سوء فهم لدى من يؤمنون بحرية المرأة إن كانوا يظنون أن الحرية هي تسهيل تخلي المرأة عن قيمتها وكرامتها كإنسان! أنا أعترف بوجود قوانين جيدة لديهم وتكفل للمرأة حقوقاً كثيرة ولكن أين القوانين التي تحمي قيمتها؟! هل كرامة المرأة وقيمتها الإنسانية وفق هذه القوانين تتجسد على أغلفة المجلات الجنسية في فرنسا التي تستخدمها كسلعة لجلب المال؟! أم بتعليق صورها عارية على كبائن الهواتف في بريطانيا العظمى؟! أم بوضع صور مثيرة لها بلباس البحر بجانب سيارة BMW في الإعلانات الألمانية من أجل التسويق بها والكسب من ورائها؟ أم بالطريقة التي تبع بها النساء في برشلونة
لممارسة الدعارة؟! أم بالطريقة التي توضع بها المرأة في شارع "الأضواء الحمراء" في أمستردام وتُعرض للفرجة أمام المارة كما تُعرض البضاعة!

       كنت في مطعم في البرتغال عندما جاءني النادل بقائمة وسلمني إياها.. ولكن هذه المرة لم تكن قائمة طعام, بل قائمة لعرض الفتيات.. وقد كُتب سعر كل فتاة أمام اسمها! لم تثِر هذه القائمة إلا شفقتي بشكل جعلني أتساءل وأقول.. أين حقوق المرأة التي نسمع بها هنا؟ ولماذا لا تكافح هذه الحقوق ما يحصل لها من استغلال جسدي وهدر للكرامة والقيمة!؟

     وإن كانت هذه الدول صادقة في حقيقة سعيها لتحرير المرأة وجعلها تهنأ بعيش كريم.. فلماذا لا تطالب هذه الدول المتطورة بإيقاف ممارسة المرأة للدعارة مثلما تطالب بحريتها؟!.. كل الدول الأوروبية التي تحتوي على منظمات لحقوق المرأة هي من تمنح رسميّاً بطاقات العمل للنساء كعاهرات وكأن ذلك عمل شريف يليق بجهات تطالب بجعل حياة المرأة كريمة!

   
   مما لا شك فيه أن هذه الدول تستفيد كثيراً من دخول النساء في هذا المجال وذلك ابتغاء كسب الأموال من ورائها..! للأسف أن المرأة لديهم صدّقت كذبة الحرية ووهم الحقوق.. ولو فكرت قليلاً لأدركت أن من يسعى إلى منحها حرية وكرامة وعملاً شريفاً ورزقاً كريماً وقيمة شخصية لم يتوانَ لحظة واحدة في استخدامها كسلعة لجني الأموال.. وذلك في الدعايات والمجلات والأفلام وغيرها.. ولو كان صادقاً لكافح جاهداً في منحها عملاً يتماشى مع تلك الشعارات الرنانة!

يجيبون على هذه التساؤلات فيقولون إن ذلك جزء من حرية المرأة التي كفلتها لهم قوانينهم! بمعنى أن الحرية هي من جعلت المرأة لديهم تمارس الدعارة متى ما أرادت ذلك؟!

       هل تناسى هؤلاء أن ما دفع المرأة للإقدام على هذا العمل المشين هو الفقر والبحث عن لقمة العيش؟! وهل تناسوا أن المرأة بطبيعتها ترفض أن تُهان بهذه الطريقة ولو كان لديها ما يكفي حاجتها لما أقدمت على تسليم جسدها للناس على قارعة الطريق؟! فإذا سلمنا أن السبب لممارسة هذه الأفعال هو الفقر والبطالة.. فلماذا لا تحارب منظمات الدفاع عن المرأة -إن كانت صادقة- فقر المرأة وبطالتها وتسعى لتوفير رزق كريم لها؟ أليس ذلك أولى من تسهيل إجراءات العمل لها كعاهرة؟! أم أن ذلك سيهدم مخططاتهم وسيؤثر على استفادتهم في جلب المال والسيّاح من زجها بمثل هذه الممارسات غير الأخلاقية؟.. أعتقد أن الأمور واضحة..

أقوم قيلا Όπου ζουν οι ιστορίες. Ανακάλυψε τώρα