الفصل--9

198 12 0
                                    

ونفسٍ وما سوّاها..

       تناول القرآن الكريم موضوع (نفس الإنسان) بشكل رائع, وتفادياً للبس فقد فرّق الله بين الروح والنفس, حيث أخبرنا القرآن في سورة الإسراء أن الروح من أمر الله واختصاصه فهو الذي نفخها في خلقه ولن يعلم أحد من البشر تفاصيلها في ظل العلم القليل الذي آتاه الله للناس {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلَا} [سورة الإسراء آيه 85] ورغم تطور العلم في عصرنا إلا أن موضوع الروح لا يزال غامضا, فلم يتعرف أحد إلى حقيقة الروح وأسرارها وكنهها.. لتبقى كلمة الله هي العليا..

       ولكن عندما نتحدث عن النفس, فسنجد أن الله أخبرنا بالكثير من أسرارها وتفاصيلها, ومنها ما قاله الله في سورة فصلت {سَنُرِيهِمْ ءَايَتِنَا فِي الْأَفَاقِ وَفِيِ أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سورة فصلت آيه 53] وهنا نجد إشارة واضحة بأن ما توصل له الإنسان قديماً عن النفس البشرية ليس كل شيء, فهنا نرى وعوداً ربانية مستقبلية تؤكد وجود آيات في النفس البشرية وأمور كثيرة ستكشف حول هذه النفس وأسرارها وألغازها وطرق التعامل  معها, ونجد أيضاً أن الله أخبرنا في سورة الشمس بقوله {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [سورة الشمس آيه 7] على أنه سوى النفس بعكس الروح التي نفخها, وطالما أن النفس قد سُويت فهذا دليل على أن لها تسوية خاصة بها تقودنا إلى أن نصل بها إلى أحسن تقويم خلقها الله عليه.. ومن هنا كانت أول إشارة من كتاب سماوي لوجود ما يُعرف اليوم ب (علم النفس) والذي يُعنى بتسوية النفس وعلاجها والمضي بها إلى أحسن تقويم..

       يمكن تفسير علم النفس اليوم بأنه مجموعة من الدراسات العلمية لعقل وسلوك وشخصية وإدراك الإنسان بهدف الوصول إلى فهمها من أجل التعامل معها والتحكم في ضبطها وتسويتها..

       يُعتبر الطبيب النمسوي "سيجموند فرويد" الرائد والمؤسس الفعلي لعلم التحليل النفسي المعاصر, وأبرز ما قدمه "فرويد" بعد دراسات متعمقة هو تقسيمه الشهير للنفس البشرية فيما يعرف (بالنظرية البنيوية), حيث يقول "فرويد" إن النفس لأي إنسان تتكون في داخلها من ثلاثة أقسام رئيسة (الهو, والأنا, والأنا العليا..)

       وإذا أردنا أن نتعمق في معرفة تفاصيل هذا التقسيم فسنجد أن المقصود "بالهو" هو الغرائز الفطرية المكبوتة التي تعمل سعياً لتحقيق اللذة دون مراعاة المنطق ولا للأخلاق..

يأتي بعد ذلك "الأنا" وهي حالة أكثر اعتدالاً من "الهو" أي إن النفس تسعى لإشباع غرائزها الفطرية ولكن مع مراعاة جانب الأخلاق والقيم الاجتماعية من حولها, فهي تقوم بتهذيب سلوكيات "الهو" وفقاً للواقع والظروف المحيطة..

       وأخيراً يأتي بعد ذلك "الأنا العليا" وهي شخصية المرء الأكثر عقلانية وانضباطاً, فلا يتحكم في أفعال هذه الشخصية إلا القيم الأخلاقية والاجتماعية, مع بعدها الكامل عن السعي خلف الغرائز والشهوات.. وهي تمثل الضمير للإنسان.(1)

أقوم قيلا Where stories live. Discover now